كتب: محمد بركات
طالما واجه الشعب الإيراني مشكلات عديدة في ما يتعلق بحجب المواقع الإلكترونية المختلفة، وفي خطوة تعد فريدة من نوعها، وافق المجلس الأعلى للفضاء السيبراني في جلسته المنعقدة الثلاثاء 24 ديسمبر/كانون الأول 2024، على رفع الحظر عن بعض المواقع، الأمر الذي اعتبره كثيرون بصيص أمل لملف لم تستطع أية حكومة المساس به.
في التقرير التالي نستعرض تاريخ القيود التي وضعتها الحكومة الإيرانية منذ دخول شبكات الإنترنت للبلاد.
مع بداية الإنترنت في إيران أواخر التسعينيات، لم يكن هناك حظر شامل على المواقع، ولكن الحكومة بدأت في وضع آليات للرقابة. في البداية، تم حجب بعض المواقع التي كانت تروج لمحتوى يتعارض مع القيم الإسلامية والأخلاقية، مثل المواقع الإباحية والمواقع السياسية التي تنتقد الحكومة. ومع ذلك، كان الوصول إلى الإنترنت في تلك الفترة محدودا نسبيا، حيث لم يكن هناك عدد كبير من المستخدمين، وكانت المراقبة أقل تعقيدا.
تشديد الرقابة
في أوائل العقد الأول من الألفية، بدأت الحكومة الإيرانية في تشديد الرقابة على الإنترنت، فمع تزايد استخدام الإنترنت وتوسع الوصول إلى الشبكة العالمية، أصبح من الصعب على السلطات مراقبة كافة الأنشطة عبر الإنترنت.
وفي عام 2000، تم إنشاء مركز الجرائم الإلكترونية بإيران كجزء من جهود الحكومة لفرض الرقابة على الإنترنت، كذلك فقد بدأ حجب مواقع الإنترنت بشكل أكثر دقة، وشمل ذلك مواقع الأخبار الأجنبية، ومواقع التواصل الاجتماعي، ومنتديات النقاش التي كانت تستخدمها المعارضة السياسية.
الانتفاضة الطلابية
في ديسمبر/كانون الأول 2009، اندلعت احتجاجات واسعة ضد الانتخابات الرئاسية التي جاءت بأحمدي نجاد رئيسا لإيران للفترة الثانية، والتي اعتبرها كثيرون مزورة، فخلال هذه الاحتجاجات، لعبت وسائل التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر، دورا كبيرا في تنظيم الحركات الاحتجاجية وتبادل المعلومات.
في ذلك الوقت، فرضت الحكومة الإيرانية رقابة شديدة على الإنترنت وحظرت بعض هذه المواقع؛ لمنع المحتجين من التنسيق في ما بينهم. ومن حينها بدأت إيران باستخدام تقنيات متقدمة لحجب المواقع، ومن ضمنها الحجب المستمر لمنصات التواصل الاجتماعي الأكثر استخداما في ذلك الوقت.
عودة تشديد الرقابة
في هذه الفترة، استمرت الحكومة الإيرانية في تكثيف رقابتها على الإنترنت. ففي عام 2011، أعلنت الحكومة الإيرانية عن خطط لإنشاء الإنترنت الوطني، وهو شبكة محلية منفصلة عن الإنترنت العالمي، تهدف إلى تقليل الاعتماد على الإنترنت الخارجي.
وكان من ضمن خطط هذا المشروع تقليل الوصول إلى العديد من المواقع الأجنبية مثل فيسبوك ويوتيوب وتويتر. كما شهدت هذه الفترة أيضا حظرا واسعا لمواقع إخبارية دولية مثل “بي بي سي” و”راديو فردا”، وغيرها من المواقع التي تنقل أخبارا تنتقد الحكومة.
الاتفاق النووي والتفاؤل النسبي
بعد توقيع الاتفاق النووي في 2015 بين إيران ومجموعة 5 +1 في عهد الرئيس حسن روحاني، شهدت إيران بعض الانفتاح على المستوى الدولي، مما أعطى انطباعا مؤقتا بالتخفيف في الحظر على الإنترنت.
في هذه الفترة، بدأت بعض القيود على مواقع التواصل الاجتماعي تتراجع مؤقتا، حيث تم السماح لبعض المستخدمين بالوصول إلى فيسبوك وتويتر عبر شبكات خاصة ومواقع فك الحظر، ولكن هذا لم يكن يعني رفع الحظر بشكل رسمي. على الرغم من ذلك، فقد كان هذا الانفتاح محدودا للغاية وظلّت القيود مستمرة على نطاق واسع.
الحظر الشامل
على الرغم من بعض التخفيف النسبي في السنوات التي تلت الاتفاق النووي، استمرت الرقابة على الإنترنت في إيران، وعادت الحكومة إلى فرض حظر شامل على العديد من المواقع في فترات من العام 2015 إلى 2020.
في تلك الفترة، تعرضت البلاد لعدة احتجاجات كبيرة، مثل احتجاجات 2017-2018 و2019، التي لعبت فيها مواقع التواصل الاجتماعي دورا محوريا في نشر الأخبار وتنظيم التظاهرات.
ونتيجة لذلك، تم حظر مزيد من المواقع وتطبيقات المراسلة مثل تليغرام، الذي كان يشكل وسيلة تواصل رئيسية للمعارضين، وخلال هذه الفترات، أصبحت الحكومة أكثر تشددا في سياسة حجب المواقع والمراقبة على الإنترنت.
توسيع الرقابة
مع تصاعد الاحتجاجات في إيران بعد عام 2021، خاصة بعد مقتل الشابة الكردية مهسا أميني في 2022، ازدادت الرقابة على الإنترنت بشكل كبير، حيث قامت السلطات الإيرانية بفرض حظر شامل على تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي مثل إنستغرام و تويتر، إضافة إلى بعض مواقع وسائل الإعلام الدولية.
في الوقت نفسه، بدأت الحكومة في استخدام تقنيات أكثر تقدما لفرض الرقابة، مثل تقنيات الحجب الديناميكي التي تجعل من الصعب على المستخدمين تجاوز الحظر باستخدام الأدوات التقليدية مثل برامج فك الحظر.
في هذه الفترة، أصبح هناك تركيز أكبر على إغلاق أو مراقبة مواقع الإنترنت التي تتعلق بالحقوق المدنية والسياسية، لا سيما تلك التي تغطي الاحتجاجات أو تدعو إلى التغيير السياسي، كذلك فقد أصبحت إيران واحدة من الدول التي تطبق رقابة شديدة على الإنترنت، حيث تتعاون مع شركات التكنولوجيا الصينية لتعزيز هذه الرقابة.
فك الحظر
على الرغم من الرقابة المستمرة على الإنترنت، كانت هناك فترات تاريخية شهدت فك الحظر جزئيا على بعض المواقع أو تراجعا مؤقتا في القيود، ويعود ذلك إلى عدة أسباب تتعلق بالظروف السياسية والاجتماعية في إيران.
فبعد توقيع الاتفاق النووي في العام 2015، تم تخفيف الرقابة على الإنترنت بشكل نسبي. ففي هذه الفترة، بدأت بعض المواقع الأجنبية مثل فيسبوك وتويتر في العودة إلى العمل، لكن في حدود ضيقة للغاية.
كذلك، فقد كان العديد من الإيرانيين قادرين على استخدام الشبكات الخاصة الافتراضية لتجاوز الحظر، مما سمح لهم بالوصول إلى منصات التواصل الاجتماعي الأجنبية.
ورغم أن الحكومة الإيرانية لم ترفع الحظر بشكل رسمي على هذه المواقع، فإن بعض القيود بدأت تتلاشى في بعض المجالات، بسبب تطور تقنيات تجاوز الحجب وزيادة الضغوط الدولية.
كذلك، خلال فترة الاحتجاجات الشعبية في إيران بين 2017 و2018، شهدت الحكومة نوعا من التخفيف المؤقت للقيود على الإنترنت. هذا التخفيف شمل فتح المجال أمام بعض المواقع الإخبارية ووسائل التواصل الاجتماعي لتغطية الأحداث الجارية.
ومع ذلك، وفي أعقاب الاحتجاجات، عادت الحكومة إلى تكثيف الرقابة على الإنترنت، وفرضت حظرا جديدا على العديد من المواقع والتطبيقات التي استخدمها المحتجون لتنظيم فعالياتهم.
وفي العام 2020، وخلال فترة انتشار جائحة كورونا، أظهر المسؤولون الإيرانيون استعدادا أكبر لتخفيف الرقابة على الإنترنت، بسبب الحاجة المُلحة لاستخدام الإنترنت في التعليم عن بُعد والتواصل الاجتماعي.
من هنا، تم رفع الحظر بشكل مؤقت على بعض التطبيقات والمواقع التي تتيح للطلاب والمواطنين الوصول إلى المعلومات والموارد التعليمية والصحية.
وأخيرا، أصدر المجلس الأعلى للفضاء السيبراني في جلسته التي انعقدت الثلاثاء 24 ديسمبر/كانون الأول 2024، برئاسة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، قراره رفع الحظر عن تطبيقي “واتساب” و”جوجل بلاي”، وذلك في خطوة لتخفيف القواعد المفروضة على استخدام خدمات الإنترنت في إيران.
تقنيات الحجب
تستخدم الحكومة الإيرانية عدة تقنيات لإغلاق المواقع الإلكترونية ومنع الوصول إليها، أبرزها عملية الفلترة التقليدية، فتقوم السلطات بحجب المواقع بناءً على القوائم السوداء، حيث يتم تصنيف المواقع التي تحتوي على محتوى غير مرغوب فيه مثل المواقع الإباحية أو السياسية المعارِضة وتُحجب بشكل فردي.
كذلك، فمن خلال الرقابة عبر مزودي خدمات الإنترنت ISP، يتم تنفيذ الحجب عبر مزودي خدمة الإنترنت في إيران، حيث يقوم مزودو الخدمة بقطع الوصول إلى المواقع المحجوبة.
أيضا يمكن تطبيق فلترة الإنترنت بشكل أوسع من خلال إنشاء شبكة وطنية مغلقة تعرف بـ”الإنترنت الوطني”، حيث يقتصر الاتصال على الشبكة الداخلية، مما يجعل من الصعب على المواطنين الوصول إلى المواقع العالمية.
كما تلجأ إيران إلى تطوير أدوات حديثة لفلترة الإنترنت مثل أداة ديب باك Deep Packet Inspection التي تقوم بتحليل محتوى البيانات المرسلة عبر الإنترنت ومنع الوصول إلى المواقع غير المرغوب فيها.
أسباب حجب المواقع
كانت هناك عدة دوافع وراء لجوء النظام في إيران إلى استخدام أسلوب حجب المواقع، حيث استخدمت الحكومة في إيران حجب المواقع كأداة لمراقبة محتوى الإنترنت ومنع تداول المعلومات التي قد تضر بالنظام السياسي. في ظل الاحتجاجات المتكررة في السنوات الأخيرة، قامت السلطات بتوسيع نطاق الحجب لمنع الناشطين من التواصل وتنظيم الاحتجاجات عبر الإنترنت.
كذلك، فإن الحكومة تبرر الحجب بأنها تسعى لضمان أن كل المحتوى على الإنترنت يتماشى مع المبادئ الدينية والثقافية للبلاد، من هنا، يتم حجب المواقع التي تحتوي على محتوى يعتقد أنه يتعارض مع القيم الإسلامية، مثل المواقع الإباحية أو تلك التي تدعو إلى العلمانية.
أيضا، يستخدم الحجب في إيران كإجراء وقائي ضد أي تهديدات محتملة للأمن القومي، حيث يشعر النظام الإيراني بأن بعض المواقع قد تسهم في نشر الدعاية المعادية أو في التأثير على الرأي العام المحلي والدولي ضد النظام الحاكم.
وأخيرا، فإن إيران تعد من الدول التي تسيطر بشكل كبير على الإعلام المحلي مثل الصحف والتلفزيون، ولكن مع نمو الإنترنت، أصبح التحكم في المعلومات عبر الإنترنت أمرا بالغ الأهمية، ومن خلال حجب المواقع، يمكن للحكومة تقليل التأثيرات الأجنبية وتوجيه المواطنين نحو منصات إعلامية موالية للنظام.
تأثير الحجب
تسبب حجب المواقع الإلكترونية بإيران في العديد من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين، أبرزها ما يتعلق بالحقوق المدنية، حيث يعد هذا الحجب أحد أشكال قمع حرية التعبير وحرية الوصول إلى المعلومات، كما يعوق المواطنين عن التفاعل مع العالم الخارجي والتعبير عن آرائهم بشكل علني.
كذلك، يؤثر الحجب على الاقتصاد الإيراني بشكل غير مباشر، من خلال تقييد التجارة الإلكترونية وزيادة تكاليف الوصول إلى المعلومات، كما أن الحجب يؤثر على القطاعات التي تعتمد على الإنترنت، مثل تكنولوجيا المعلومات، والتعليم عن بعد، والابتكار.
من الآثار السلبية الأخرى للحجب، أنه يؤثر بشكل كبير على التبادل الثقافي بين إيران وبقية العالم، حيث يصبح من الصعب على المواطنين الإيرانيين الوصول إلى محتوى ثقافي متنوع، مما يؤدي إلى عزلة ثقافية، خاصة في أوساط الشباب الذين يستخدمون الإنترنت كمصدر رئيسي للمعلومات والترفيه.
أيضا، يعتبر الحجب تقييدا لحقوق الإنسان، حيث تعتبر العديد من المنظمات الدولية أن الحجب يضر بحرية الصحافة والتعبير، وهناك أيضا قلق متزايد من أن هذا الحجب يمكن أن يؤدي إلى استهداف النشطاء السياسيين والمجتمعات التي تسعى للمطالبة بحقوقهم.