ترجمة : شروق السيد
تشهد الساحة السياسية الإيرانية حالة من التوتر والانقسام داخل التيار الأصولي، حيث برزت خلافات بين المعتدلين والمتشددين بشكل غير مسبوق، في تقرير نشرته صحيفة “آرمان ملي”، ألقت الضوء على هذه الانقسامات التي أصبحت علنية.
كتبت الصحيفة الإيرانية “آرمان ملي“يوم الأحد 29 ديسمبر/كانون الأول 2024: في السابق، كانت وسائل الإعلام الأصولية تمنح شخصيات مثل رائفي بور، المحاضر الإيراني المعروف بمحاضراته في الجامعات حول الأديان والطائفية، وحميد رسايي، رجل الدين والسياسي الإيراني، وغيرهم منبراً بشكل مخطط وموجه لتحقيق أهدافهم في بيئة متجانسة تسهّل وصولهم إلى مقاصدهم.
وتابعت: ولكننا نشهد الآن تراجعاً ليس فقط عن دعم هذه الشخصيات من قبل تلك الوسائل الإعلامية، بل وحتى توجيه انتقادات إلى مسؤولي هيئة الإذاعة والتلفزيون، إضافة إلى التشكيك في الهوية العلمية ومكانة مقدم وضيوف البرنامج المثير للجدل “الصندوق الأسود” (رائفي بور).
وذكرت الصحيفة أنه بعد أن وصل المتشددون إلى البرلمان في انتخابات محدودة المشاركة وتفوقوا على شخصيات مثل محمد باقر قاليباف، رئيس البرلمان الإيراني، يبدو أن غرف التفكير الأصولية قد اتخذت قرارات جديدة تخص هذا التيار، وقد أدت الخلافات بين المتشددين والأصوليين إلى ظهور بوادر انفصال كامل بينهم تدريجياً، وقبل أن تصبح الساحة موحدة لصالح الأصوليين، توقع الكثيرون أن يكون هناك صراع حول المصالح فيما بينهم.
وأضافت: التصريحات المنسوبة إلى رائفي بور التي زعم أنها تعود للمرشد الأعلى، إلى جانب الكثير من الجدل المثار حوله مؤخراً، دفعت الكثيرين للمطالبة بكشف خفايا تحركاته، تلك التحركات التي لا تسبب فقط أزمات داخلية، بل تُحدث أيضاً تحديات في السياسة الخارجية.
في هذا السياق، صرح مهدی آيتي، المحلل في القضايا السياسية، تعليقاً على الفجوة التي ظهرت في معسكر الأصوليين وعلى مطالب وسائل إعلام هذا التيار بالتضييق على المتشددين، لـ”آرمان ملي” قائلاً:
“منذ بداية الثورة، كان الأصوليون يعتقدون أن السلطة يجب أن تكون بالكامل في أيديهم، ومع وصول الحكومة الحالية لمسعود بزشكيان ومجلس النواب الحادي عشر، تحقق هذا الحلم، لكننا لاحظنا لاحقاً أن هذا التوحّد أصبح سبباً للانقسام داخل معسكر الأصوليين.
وأضاف : الائتلاف بحد ذاته يؤدي إلى الخلاف والصراع على الحصص، تماماً كما يشير المحللون عند مقارنة هذا الوضع بنهاية حقبة البهلوي، الأحادية الصوتية والحزبية لا تصب في مصلحة أي نظام، وكما هو متوقع، ستستمر الخلافات بين الأصوليين المتشددين والمعتدلين.”
وتابع: “الآن، مع وصول مسعود بزشكيان إلى السلطة بدعم من المرشد الأعلى، يحظى بدعم الأصوليين المعتدلين، ومن المتوقع أن يستمر هذا الدعم، ومع ذلك، فإن الأصوليين المتشددين سيواصلون معارضتهم للحكومة، بل سيزيدون من حدتها.
المتشددون الأصوليون، المعروفون أيضاً بـ’أنصارجبهة بايداري’، يكشفون يومياً عن تنظيمات أكثر تماسكاً، مثل ‘جبهة صباح إيران’ بقيادة رائفي بور.
واستطرد : يستغل هؤلاء المتشددون المنابر المتاحة لهم، وللأسف، لديهم عناصر مؤثرة في بعض الأجهزة، لا سيما الإعلام الرسمي، نلاحظ أن بعض المتشددين حتى لا تربطهم علاقة جيدة مع المرشد الأعلى.
وأردف: داخل هذه الجبهات المتشددة، هناك قوانين غريبة، ويستمرون في مهاجمة الجبهة المعتدلة للأصوليين وحكومة بزشکیان، مما يؤدي إلى تفاقم الأزمات الإقليمية في الشرق الأوسط، وهو أمر ليس في صالح إيران.”
وفي ردّه على سؤال حول كيفية التعامل مع جماعة رائفي بور وآخرين، قال مهدی آيتي:
“حقيقة أن وسائل الإعلام الأصولية نفسها تنتقد الآن استخدام المتشددين للإعلام الرسمي تُظهر أن السلطة تسعى إلى مواجهة عقلانية مع هذا التيار. يجب على السلطة القضائية أن تتخذ إجراءات ضد أولئك الذين يخلقون حالة من عدم الأمان السياسي ويتصرفون بما يخالف المصالح الوطنية، ويجب على الأجهزة الأمنية والاستخباراتية أن تكشف للمواطنين عن خفايا تحركات هؤلاء الأفراد”.
وفي سياق آخر، ذكرت الصحيفة، أن رائفي بور، الأمين العام لجبهة “صباح إيران”،قال في ذكرى انطلاق عمل هذه الجبهة عشية انتخابات مارس/آذر 2024: “الانتخابات المقبلة هدف قصير المدى، ونهدف إلى خلق تيار مختلف في المشهد السياسي للبلاد.”
وأضافت الصحيفة: بينما نشرت وكالة تسنيم تقريراً مختلفاً تناولت فيه مرة أخرى التيار المتشدد بقيادة رائفي بور، وفي هذه المرة، لم تكتفِ بانتقاد رائفي بور فحسب، بل وجهت انتقادات إلى هيئة الإذاعة والتلفزيون (صداوسيما) بسبب منحها منصة لشخصيات مثل هذه.
وتابعت الصحيفة: وفي التقرير، لم يكتفِ الكُتّاب بمهاجمة رائفي بور فقط، بل تطرقوا أيضاً إلى أهداف هذا التيار السياسي وأسماء شخصيات مثل مجتبى ذو النور، نائب رئيس البرلمان، وحميد رسايي، عضو مجلس الشورى.
وتابعت : أثار ظهور رائفي بور في وسائل الإعلام الوطنية (صداوسيما) جدلاً جديداً، ولكن تقرير وكالة تسنيم لم يقتصر على هذا الموضوع فقط، بل في جزء من التقرير الذي تناول برنامج “الصندوق الأسود”، ورد ما يلي:
“كونك رائفي بور ليس مشكلة بحد ذاته، ربما هناك أشخاص آخرون يطمحون لأن يظهروا للعلن، أو أن يُلقبوا بـ’أستاذ’، وأن يكون لهم حضور، ولو سطحي، في السياسة.
ولكن المشكلة تكمن في أن مؤسسات هامة في البلاد، التي ينبغي أن تكون ‘معابر لترقية العقلانية والأخلاق’، ماذا تفعل؟ هل تمهد الطريق لهذه السياسة والأساليب السخيفة، أم تسعى لترقية العقلانية الثورية لدى الشباب؟”
وكتبت وكالة تسنيم في تقريرها، منتقدةً پيمان جبلي، رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون: “في الواقع، المشكلة ليست رائفي بور، بل المشكلة الرئيسية تكمن في مسار بعض برامج الإذاعة والتلفزيون وبعض المؤسسات الأخرى”.
وتابعت الصحيفة: ويبدو أن هذه الحالات ليست ‘استثناء’ على الإطلاق، على سبيل المثال، في برنامج الصندوق الأسود ذاته، تمت دعوة حميد رسايي، أحد الشخصيات الراديكالية والصدامية الرئيسية في السياسة، والذي أدى آخر ظهور له في التلفزيون إلى الإقالة المعنوية لنائب مدير الشؤون السياسية السابق للإذاعة والتلفزيون (علي رضا خدابخشي)، ومع ذلك، أحب برنامج الصندوق الأسود تقديم صورة لرسايي للمشاهدين، وكانت الصورة في المقام الأول ترويجاً لشخص يُعتبر أحد عوائق العقلانية في السياسة.