كتبت- ميرنا محمود
رغم رسائل الرئيس الإيراني الجديد “مسعود بزشكيان” التي تشير إلى رغبته في بدء مفاوضات نووية مع الولايات المتحدة بموافقة المرشد الأعلى “علي خامنئي” لحل مشاكل الاقتصاد، إلا أنه يبدو أن ذلك لن يكون سهلاً، وذلك وفق ما قالت وكالة الأناضول يوم الأربعاء 28 أغسطس/آب 2024.
وفي حين أدلت إيران مؤخرًا بتصريحات حماسية بشأن المفاوضات النووية، فإن المشاكل المترابطة مثل تشديد العقوبات بعد انسحاب الولايات المتحدة الأحادي الجانب من الاتفاق النووي في عام 2018، وزيادة أنشطة إيران النووية، والتوترات في المنطقة، تجعل من إمكانية إعادة تطبيق الاتفاق أمرًا صعبًا.
انعكاسًا لقرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بالانسحاب الأحادي الجانب من الاتفاق النووي عام 2018 والتطورات التي تلت ذلك، تعرضت الاتفاقية النووية التي تُعرف باسم الخطة الشاملة المشتركة لضربة قوية.
وُقِّعت الاتفاقية النووية بين إيران والأعضاء الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (UNSCO)، الولايات المتحدة، روسيا، الصين، إنجلترا، فرنسا. وألمانيا في 14 يوليو 2015 (1+5) ، والتي تسمى خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA).
وفي يناير/كانون الثاني 2016، دخلت الاتفاقية النووية حيز التنفيذ بموافقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، دخل الاتفاق النووي، الذي تم بموجبها تنظيم ومراقبة أنشطة طهران النووية مقابل رفع العقوبات الدولية، مما سمح لإيران بالتخلص جزئيًا من هذه العقوبات.
خلال فترة رئاسة ترامب، عندما انسحبت واشنطن بشكل أحادي من الاتفاق في 8 مايو 2018 وبدأت في فرض عقوبات جديدة على إيران، انتظرت الحكومة الإيرانية حتى تتخذ الدول الأوروبية خطوات لحماية الاتفاق النووي من العقوبات الأمريكية.
وقررت إيران التي لم تتمكن من الحصول على ما كانت تأمله من الدول الأوروبية، بدء التعليق التدريجي لجميع التزاماتها المتعلقة بالاتفاق اعتبارًا من 8 مايو 2019، مناهضةً العقوبات الأمريكية المفروضة.
علَّقَت إيران التزاماتها بالاتفاق النووي بعد اغتيال الجنرال الإيراني “قاسم سليماني”
بعد مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني خلال فترة حكم ترامب، بدأت إيران في تخصيب اليورانيوم بمستويات عالية في 5 يناير 2020 كخطوة أولى، مما أدى إلى تجاوز الحدود المفروضة في الاتفاق وبالتالي تسبب في انهيار الاتفاق عمليًا.
بعد ذلك التاريخ، بدأت إيران تُزيد تدريجيًا من أنشطتها النووية، وخاصة بعد مقتل العالم النووي الإيراني “محسن فخري زاده” في نوفمبر 2020، حيث أقرَّ البرلمان قانونًا يقضي بتسريع الأنشطة النووية.
ويُلزِم القانون، الذي وافق عليه البرلمان على الرغم من اعتراضات الحكومة بقيادة الرئيس “حسن روحاني” آنذاك، منظمة الطاقة الذرية الإيرانية بالبدء في تخصيب اليورانيوم بنسبة %20 على الأقل وزيادة مخزونها من اليورانيوم منخفض التخصيب.
تركيب جيل جديد من أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم بشكل أسرع
في هذا السياق، تم تركيب أجهزة الطرد المركزي IR-2 وIR-4 وIR-6، التي يمكنها تخصيب اليورانيوم بشكل أسرع، في منشآت تخصيب اليورانيوم بدلاً من أجهزة الطرد المركزي IR-1 المسموح باستخدامها ضمن نطاق الاتفاق النووي.
وفي إطار هذا القانون، أعلنت هيئة الطاقة الذرية الإيرانية في 5 يناير/ كانون الثاني 2021، أنها بدأت عملية تخصيب اليورانيوم إلى درجة نقاء 20% في موقع فوردو تحت إشراف مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وفي أبريل 2021، أعلنت إيران أنها قامت بتخصيب اليورانيوم إلى نسبة نقاء %60 لأول مرة.
ويُعتبر تخصيب اليورانيوم بنسبة نقاء %20 و%60 خطوة جديّة، لأن تخصيب اليورانيوم فوق 20% يُعدّ خطوة مهمة للحصول على يورانيوم انشطاري بنسبة نقاء %90 مما يمكن استخدامه في تصنيع القنابل النووية.
عملية إعادة التفاوض
الخطوات الحادة التي اتخذتها إيران في برنامجها النووي دفعت الولايات المتحدة، التي تشعر بالقلق إزاء أنشطة إيران النووية، إلى بدء مفاوضات غير مباشرة مع إيران من جديد.
عُقِدت المحادثات النووية، التي ناقشت ضمان التنفيذ الكامل للاتفاق النووي الموقَّع مع إيران عام 2015 وعودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق، في فيينا في أبريل 2021.
تم تعليق المحادثات في سبتمبر 2021 بسبب التعنت بين واشنطن وطهران وعدم التوصل إلى تسوية. إن تسارع إيران في عمليات تخصيب اليورانيوم وتصاعد التوترات في المنطقة جعلت عملية العودة إلى الاتفاق أكثر صعوبة.
زادت مخزونات إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة %60 أكثر من 59 مرة خلال 3 سنوات
أشار التقرير الأخير الصادر في 27 مايو/ أيار من قِبَل الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تراقب برنامج إيران النووي، إلى أن طهران تواصل زيادة مخزونها من اليورانيوم المخصَّب.
وأفاد التقرير أن إجمالي مخزون إيران من اليورانيوم المخصب ارتفع إلى 6 آلاف و201 كيلوغرام حتى 11 مايو، بزيادة قدرها 8.675 كيلوغرام مقارنة بالتقرير الصادر قبل 3 أشهر.
وأوضح التقرير أن طهران تواصل إنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة %60، وأن إيران تمتلك مخزونًا قدره 1.142 كيلوغرامًا من اليورانيوم المخصب بنسبة نقاء 60%، وأنها زادت إنتاجها بأكثر من 6.20 كيلوغرام مقارنة بالتقرير السابق.
وعندما نأخذ في الاعتبار أن هذا الرقم كان 4.2 كيلوغرام في التقرير الذي نشرته الوكالة في مايو 2021، فمن الملاحظ أن طهران زادت مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة تصل إلى 60% بنسبة تفوق 59 مرة خلال 3 سنوات. كما زادت إيران مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 20%، والذي أعلنت أنه يزن 8.62 كيلوغرامًا عام 2021، إلى 751 كيلوغرامًا في 3 سنوات.
الوضع الحالي للاتفاقية
في الوقت الحالي، أصبحت الاتفاقية النووية التي تم التوصل إليها مع إيران عام 2015 تقريبًا بلا جدوى. لقد تجاوزت طهران قيود الاتفاق بشكلٍ كبير.
ومع ذلك، أعلن رئيس الطاقة الذرية الدولية رافائيل ماريانو غروسي في أبريل أن طهران لديها ما يكفي من اليورانيوم المخصب لصنع “عدة” قنابل نووية إذا أرادت ذلك.
في هذه الحالة، وبينما تشعر الولايات المتحدة والدول الأوروبية الأطراف في الاتفاق بالقلق إزاء احتمال حصول إيران على أسلحة نووية، فإن الجهود الدبلوماسية مستمرة. ومن جانبها، تؤكد إيران أن أنشطتها النووية سلمية وأنها ستعيد برنامجها النووي للامتثال للاتفاق في حال رفعت العقوبات.
في الأشهر الأخيرة، أجرت إيران والولايات المتحدة محادثات غير مباشرة بوساطة عمان وقطر. ومع ذلك، يشكل تنشيط الاتفاق واحتواء البرنامج النووي الإيراني أهمية بالغة للاستقرار الإقليمي والعالمي، لكن المشاكل المترابطة مثل انعدام الثقة بين الأطراف وتصاعد التوترات تزيد من تعقيد هذه العملية.
طلب إيران العودة إلى المفاوضات النووية
أكد الرئيس الإيراني المنتخب “مسعود بيزشكيان” مرارًا وتكرارًا على أهمية الاتفاق النووي والمفاوضات مع الغرب لتجاوز المشاكل الاقتصادية الكبيرة في البلاد، سواء أثناء الحملة الانتخابية أو بعد انتخابه.
وقال عباس عراقجي، الذي شغل منصب كبير المفاوضين الإيرانيين وقت توقيع الاتفاق النووي وهو الآن وزير الخارجية الجديد للبلاد، في خطاب حضره على شاشة التلفزيون الرسمي في 23 أغسطس/آب، أن إحياء المفاوضات النووية لن يكون سهلاً مثلما كان في الماضي بسبب التغيرات الدولية مثل الحرب بين روسيا وأوكرانيا والوضع في غزة.
أكد عراقجي أنه لا يمكن إحياء الاتفاق النووي بشكله الحالي ويجب إجراء مفاوضات جديدة.
كما تطرق الزعيم الإيراني علي خامنئي إلى هذه القضية في الاجتماع الذي وافق فيه على الحكومة الجديدة برئاسة الرئيس بيزشكيان.
وجادل خامنئي بأن حل المشاكل الاقتصادية لا ينبغي أن يرتبط بالمفاوضات مع الغرب، وترك الباب مفتوحًا أمام المفاوضات النووية مع الولايات المتحدة حيث قال: “لسنا بحاجة إلى أن نعلق آمالنا على العدو. لا ينبغي لنا انتظار موافقة الأعداء على خططنا. وهذه الحقيقة كانت جلية أيضًا في كلام رئيسنا وتصريحات وزير الخارجية قبل بضعة أيام، بالطبع هذا لا يعني أننا لن نتفاعل مع العدو في بعض الأمور، ولكن يجب ألا نثق به. إن التعامل مع نفس العدو في بعض الأمور ليس تناقضًا ولا يوجد عائق أمام ذلك”.
من جانبه، أعرب بيزشكيان في كلمته عن رغبة بلاده في رفع العقوبات، مؤكدًا أن إيران قامت بالوفاء بتعهداتها في الاتفاق النووي، وشدد على ضرورة عودة الأطراف المتعاقدة إلى التزاماتها. وأشار بيزشكيان إلى أنهم سيعملون على تقويض العقوبات في حال عدم إمكانية رفعها.
وبالنظر إلى التصريحات الإيجابية لإيران بشأن المفاوضات النووية، فمن الواضح أن الجهود الدبلوماسية المستقبلية ستكون حاسمة على صعيد مستقبل الاتفاق أو نشوء اتفاق جديد.