ترجمة: يارا حلمي
في تقرير نشرته صحيفة فرارو الإيرانية الإصلاحية يوم الإثنين 10 مارس/آذار 2025، تناول الصحفي والباحث الإيراني قاسم توكلي الأسس الفلسفية والمنهجية السياسية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بالإضافة إلى إستراتيجيات إيران المحتملة لمواجهة سياسة الضغط التي ينتهجها ضدها.
في تحليله، أشار توكلي إلى أن ترامب أثار الجدل مجددًا بعد إعلانه عن إرسال رسالة إلى إيران يدعوها فيها إلى الدخول في مفاوضات بشأن برنامجها النووي. كما لفت إلى أن الرئيس الأمريكي سبق أن وجه تحذيرات إلى إيران فيما يتعلق بهذا الملف، إلا أنه يبدو الآن عازما على تسليط الضوء عليه بالتزامن مع اعتماده سياسة الضغط الأقصى.
وقد أثارت هذه الرسالة تفاعلات واسعة؛ إذ وصفه البعض بـ”الشيطان نفسه”، بينما تساءل آخرون: “بأي حق أرسل هذه الرسالة؟!”، في حين أكد البعض أنهم لم يكونوا في انتظار أي رسالة أصلًا.
وأشار توكلي أيضًا إلى أن بعض المراقبين توقعوا إحتمال وقوع تطورات جديدة خلال الأيام المقبلة، مؤكدا أن ترامب نجح مجددا في فرض هيمنته الإعلامية على الخطاب الإيراني، مما أدى في الوقت ذاته إلى تصاعد التوتر في سوق الدولار والذهب داخل إيران.
وأضاف قائلا: “سواء وصفناه بالمجنون، أو بالمقامر البارع، أو بالتاجر الأحمق، أو بالسياسي الماكر، فإنه يظل على رأس أقوى جيش وأكبر اقتصاد في العالم، لذا فإن فهم افتراضاته الذهنية ضروري لاستيعاب مسار التطورات القادمة”.
ويؤكد توكلي أن هذه المقالة تنطلق من تحليل الأسس الفلسفية والمنهجية السياسية لترامب، بهدف تمهيد الطريق لصياغة إستراتيجية لمواجهة دبلوماسيته العنيفة:
طبيعة ترامب وميوله نحو الصدام
يرى توكلي أن سياسة ترامب تتسم بطابع “شميتّي” عميق، في إشارة إلى كارل شميت، المنظّر الفاشي والناقد الشرس لليبرالية، حيث تقوم هذه السياسة على وجود “عدو” دائم.
ولهذا السبب، يواصل ترامب توجيه الإهانات إلى بايدن وأوباما في كل خطاباته، وكأنه يمارس طقوسًا شعائرية متكررة، ومن المرجح أن يستمر في ذلك لفترة طويلة. كما أنه يتجاهل آليات السياسة الحديثة القائمة على السعي إلى السلام والتوافق، وبدلًا من ذلك، يعود بلا تردد إلى أصول السياسة الصراعية والعدائية. فهو لا يكتفي بتحدي النظام الليبرالي، بل يعمد إلى التموضع في قلب الفوضى والمواجهة.
إن تحركات ترامب تهدد الركائز الأساسية للنظام الدولي الليبرالي، القائم على العقلانية التوافقية والسعي إلى السلام، مما يجعله قوة تهديد دائمة لهذا النظام. في رؤيته السياسية، تحل الهيمنة محل التوافق، وتستبدل التراتبية بمبدأ المساواة الليبرالية.
لكن هذه الهيمنة لا تسعى إلى إعادة تنظيم الفوضى الجغرافية كما حدث في العراق وأفغانستان، بل تتخذ طابعًا سلبيًا؛ إذ لا تفرض على الخصوم ما يجب فعله، وإنما تحدد لهم فقط ما لا ينبغي عليهم فعله.
صناعة الفرص
يصف توكلي ترامب بأنه “نيوواقعي، براغماتي، انعزالي، محافظ، مكيافيلي، جاكسوني عنيد، تاجر صفقات، شعبوي نرجسي، ومركنتيلي”. ويشير إلى أن ترامب نُسبت إليه عشرات “الإيزمات” السياسية خلال العقد الماضي، حتى أصبح أشبه بموسوعة سياسية قائمة بذاتها. ومع ذلك، لا يزال فهمه الحقيقي بعيد المنال، إذ يتعمد الغموض والإبهام وعدم القدرة على التنبؤ، مما يجعل من الصعب توقع خطواته التالية في أزمات مصيرية مثل أوكرانيا، غزة، أو المواجهة مع إيران.
استراتيجية الرجل المجنون
يرى توكلي أن تحركات ترامب الاستفزازية تهدف إلى استدراج خصومه إلى ردود فعل غير محسوبة، مما يضعهم في مواقف حرجة تتطلب اتخاذ قرارات في لحظات يكون فيها اتخاذ القرار شبه مستحيل. فهو يعوّل كثيرًا على أخطاء خصومه، ويحرص على دفعهم إلى ساحات سياسية متقلبة حيث يسهل ارتكاب الأخطاء.
يعتمد نهج ترامب على ما يُعرف بـ”استراتيجية الرجل المجنون”، التي تقوم على التصعيد العنيف بدلاً من الحلول التقليدية. ويوضح توكلي أن هذه الاستراتيجية تعتمد على ثلاث خطوات متكررة:
- الحرب النفسية عبر القصف الإعلامي
- يشير توكلي إلى أن فوز ترامب في انتخابات 2016 كان بفضل “فيسبوك”، حيث كشفت فضيحة “كامبريدج أناليتيكا” عن الدور الكبير للإعلام الرقمي في نجاحه.
- الإعلام هو السلاح الأساسي لترامب، ومن خلاله يدير حربه النفسية ضد خصومه، مستخدمًا تصريحات صادمة مثل: “إذا لم تطلق حماس سراح الرهائن، فسيحلّ الجحيم”، “زيلينسكي يقود العالم نحو حرب عالمية ثالثة”، “إيران يجب أن توافق أو تواجه الحرب”.
- إفراغ طاولة المفاوضات من الأطراف غير المرغوب فيها
- يسعى ترامب إلى تقليص عدد اللاعبين في الأزمات الدولية، لتصبح المواجهة أكثر تركيزًا بين الأطراف الفاعلة الرئيسية فقط.
- التضحية بالورقة الأضعف
- بعد تصفية طاولة المفاوضات من اللاعبين الثانويين، يكثف ترامب الضغط على الطرف الأضعف، دون أي تردد في استخدام أكثر الأساليب قسوة لتحقيق أهدافه بسرعة.
استعادة التوازن
يؤكد توكلي أن الخيار الأهم أمام الدول المنافسة في مواجهة نهج ترامب هو عدم فقدان زمام المبادرة والحفاظ على المرونة الدبلوماسية. فالنظام الدولي، رغم عيوبه، لا يزال يوفر فرصًا للأطراف الأضعف لموازنة القوى.
ويستشهد بحالة الرئيس الأوكراني زيلينسكي، الذي نجح في استمالة الاتحاد الأوروبي ليكون عنصر توازن بين كماشة ترامب-بوتين، ما مكنه من الحصول على دعم مالي وعسكري حاسم من فرنسا وألمانيا. كما يشير إلى أن الفلسطينيين، من جهتهم، أظهروا قدرة كبيرة على المناورة الدبلوماسية من خلال استدعاء الدول الإسلامية والجامعة العربية إلى ساحة الصراع.
التساؤلات النهائية
في ختام تحليله، يطرح توكلي عدة تساؤلات جوهرية:
- إذا كنتم لا تنوون الدخول في المواجهة المباشرة مع ترامب، فكيف يمكنكم كبح سياسته الهجومية دون دعم مؤسسات ودول خارج هذه الدائرة، مثل الاتحاد الأوروبي، الوكالة الدولية للطاقة الذرية، منظمة التعاون الإسلامي أو الدول العربية؟
- ما هي الخطة البديلة التي يمكن أن تقدمها السياسة الخارجية الإيرانية إلى المحافل الدولية لمواجهة استراتيجية ترامب؟
- هل يمكن لروسيا، التي تعاني من أزمة أوكرانيا والتي قدمت سوريا على طبق من ذهب لأمريكا وإسرائيل، أن تكون وسيطًا موثوقًا باسم إيران؟
- والأهم، هل تمتلك إيران دبلوماسيين أكفاء ومتخصصين يفهمون القانون الدولي ويتحدثون الإنجليزية بطلاقة؟