كتبت: رضوى أحمد
البرنامج الفضائي الإيراني، انطلاق وتجميد وإعادة تفعيل، وما بينها سياسات اتبعتها إيران لتسابق الدول الكبرى في الفضاء، وتخوفات غربية بشأن هذا التطور، التقرير التالي يستعرض تاريخ البرنامج الفضائي الإيراني.
أطلقت إيران يوم الجمعة 6 ديسمبر/كانون الأول 2024 القمر الصناعي “فخر-1” العسكري إلى الفضاء بصاروخ “سيمرغ” بنجاح، الإجراء الذي سرعان ما انتشر في وسائل الإعلام الدولية واعتبره البعض مثيرا للقلق بالنسبة للغرب، بحسب تقرير وكالة أنباء همشهرى الذي نشر في اليوم نفسه.
وبعد إعلان إيران نجاحها في إطلاق صاروخ “فخر-1” تفاعلت عدة وكالات عالمية ومن بينها وكالة الأنباء الألمانية “DW”، إذ علّقت على هذا الخبر وكتبت: “أثار تطوير قدرات طهران الجوية مخاوف في الغرب، وإن هذا الإطلاق يتم بالتوازي مع تصاعد التوترات بين إيران والغرب بشأن برنامج إيران النووي، فضلا عن التطورات في الشرق الأوسط”.
وناقشت أسباب قلق الغرب بشأن برنامج الفضاء الإيراني قائلة: “تزعم الولايات المتحدة وإسرائيل وأوروبا أن التكنولوجيا التي تستخدمها إيران لتطوير وإطلاق الأقمار الصناعية يمكن استخدامها لصنع الصواريخ الباليستية، والصواريخ القادرة على حمل رؤوس حربية نووية”.
تاريخ البرنامج الفضائي الإيراني
بموجب قانون المهام والصلاحيات لوزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الذي أقره البرلمان الإيراني في 10 ديسمبر/كانون الأول 2003، تم تأسيس وكالة الفضاء الإيرانية عام 2004، وأصبحت مكلفة بتنفيذ الأنشطة والتطبيقات الإيرانية السلمية لتكنولوجيا الفضاء، بما يشمل إنتاج وتطوير الصواريخ المدارية، وتصنيع وإطلاق الأقمار الصناعية، تحت رقابة المجلس الأعلى للفضاء، الذي يرأسه رئيس الجمهورية، وبإشراف مرشد الثورة الإيرانية.
كانت بداية إطلاق الأقمار الصناعية في عهد الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد، حيث تم تنفيذ 11 عملية إطلاق لصواريخ فضائية في عهده، وعلى 3 منها تم إرسال 3 أقمار صناعية إلى مدارات منخفضة حول الأرض على ارتفاعات بين 120 و200 كيلومتر، وغيرها من العمليات أيضا بالتوازي مع إطلاقات صواريخ فضائية اختبارية، مثل صواريخ عائلة “كاوشكرا”، وعائلة “سفير”، والتي تعتمد على صواريخ “شهاب” الباليستية، بحسب تقرير وكالة أنباء الميادين المنشور في 8 يونيو/حزيران 2024.
كان القمر الصناعي “سينا-1” هو أول انطلاقة في برنامج إيران الفضائي بمساعدة روسية يوم الخميس 28 أكتوبر/تشرين الأول 2005، على متن الصاروخ الحامل الروسي “كوزموس-3″، وفقا لما ذكرته وكالة أنباء الطلبة الإيرانية “إيسنا“.
يذكر أنه قد تم تصميم وتجهيز هذا القمر الصناعي من قبل وزارة العلوم والبحوث والتكنولوجيا بشركة باليوت في مدينة أومسك الروسية. في حين صرح أحمدي نجاد في ما بعد بأن الدول المشاركة في تجهيز وإطلاق هذا القمر قالت إن ثمة شيئا قد حدث وأضاعوا القمر الصناعي، وذلك وفقا لتقرير وكالة أنباء مهر 14 أغسطس/آب 2024.
وكان وزن هذا القمر الصناعي يبلغ 170 كغم، ويدور حول الأرض 14 إلى 15 مرة كل 24 ساعة، وكان مصمما لدراسة الموارد الجوفية، والأحداث غير المتوقعة من زلازل وبراكين.
وبحسب التقرير، فبعد إطلاق أقمار صناعية لأول مرة، عزمت إيران على تطوير المحطات الفضائية، مثل محطة (الإمام الخميني) في سمنان أكبر محطة فضائية بإيران، و(محطة قم) و(مركز البرز) و(محطة تشابهار) لصناعة وإطلاق أقمار صناعية وصواريخ حاملة للأقمار الصناعية محلية الصنع.
وتوالت نجاحات إيران في إطلاق الصواريخ الفضائية، ففي فبراير/شباط 2008 نجحت في إطلاق الصاروخ شبه المداري ثنائي المراحل العامل بالوقود الصلب، “كاوشكرا-1” من منصة الإطلاق الفضائية في مدينة شاهرود بالقرب من بحر قزوين شمال شرقي البلاد، والتي تعد أول عملية الإطلاق من هذه المنصة، حيث أصبحت في ما بعد، المقر الأساسي للقسم التابع للحرس الثوري في البرنامج الفضائي الإيراني، والموقع الرئيسي لوكالة الفضاء الإيرانية لاطلاق صواريخ عاملة بالوقود الصلب.
واستمرارا لغطلاق الأقمار الصناعية بمساعدة خارجية، تم في سبتمبر/أيلول 2008 إطلاق قمر صناعي مشترك بين إيران والصين وتايلاند، باسم “إنفيرومنت-1″، على متن الصاروخ الصيني “لونج مارش-2 سي”، وهو خاص بالرصد البيئي والجيولوجي.
وفي العام نفسه تمت تجربة إطلاق صاروخ “كاوشكرا-2” في نوفمبر/تشرين الثاني، وكان قد تم حمل الصاروخين إلى الغلاف الجوي بمسبار تمت استعادته لاحقا بمظلة.
وفي هذا المجال انتقلت إيران نقلة نوعية في حكومة أحمدي نجاد، بحسب تقرير نشرته وكالة أنباء عصر إيران عام 2009، عندما تمكنت إيران لأول مرة من إطلاق قمر صناعي محلي الصنع عرف باسم (أوميد) ، وذكر التقرير أنه في يوم الجمعة 6 مارس/آذار 2009 كان من الممكن رصد “أوميد” عن طريق إرسال الإشارات اللاسلكية، وكان يقع على ارتفاع 295 كيلومترا عن سطح الأرض، ويدور بسرعة 7.48 كيلومتر في الثانية، وهو متخصص في معالجة البيانات والاتصالات، وقد أطلق على متن الصاروخ “سفير-2″، وظل هذا القمر في مداره لمدة شهر، وبهذا أصبحت إيران الدولة التاسعة في العالم التي تضع قمرا صناعيا محلي الصنع في مدار حول الأرض، بعد الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا واليابان والصين والمملكة المتحدة بريطانيا والهند والاحتلال الإسرائيلي.
بعدها تم فتح جبهة جديدة للأنشطة العلمية في مجال تكنولوجيا الفضاء، بحسب تقرير وكالة أنباء تسنيم الإخبارية الإيرانية الذي نشر عام 2015، حيث أشار إلى إطلاق الصاروخ الفضائي “كاوشكرا-3” الذي حمل كبسولة بداخلها شحنة بيولوجية إلى الفضاء في فبراير/شباط 2010، وبهذا أصبحت إيران الدولة السادسة عالميا التي ترسل حيوانات إلى الفضاء.
وكذلك تم إرسال 3 كبسولات بيولوجية بين عامي 2011 و2012، فكانت الأولى كبسولة اختبارية لم تحتوِ على كائنات حية، والثانية كانت محمولة على القمر الصناعي المحلي (رصد-1) الذي أطلقه صاروخ (سفير-2)، والثالثة كانت كبسولة بداخلها قرد، وظلت في مدارها 20 دقيقة، لكنها فشلت.
واستمرارا لصناعة وإطلاق الأقمار الصناعية المحلية، أطلقت إيران عام 2012 القمرين (يامهدي) التجريبي، و(نويد) الذي حمله صاروخ (سفير-2) وهو ثالث قمر محلي للتصوير الفضائي، وقد ظل القمران في مدارهما لمدة شهرين على ارتفاعات بين 250 و375 كم.
بعد ذلك في يناير/كانون الثاني 2013، أطلقت وكالة الفضاء الإيرانية الكبسولة البيولوجية “بيشكام” وبداخلها قرد حيّ، وتمت استعادتها بعد أن وصلت إلى ارتفاع 120 كيلومترا.
كما سعت وكالة الفضاء الإيرانية في تلك الفترة لإرسال إنسان إلى الفضاء بحلول عام 2016، لكن حينها تم تقدير التكلفة الأولية بنحو 8.5 مليارات دولار، مما أدى إلى تجميد تلك الخطة، بحسب تقرير وكالة أنباء الميادين المنشور في 8 يونيو/حزيران 2024.
تجميد جزئي
خلال فترة تولي حسن روحاني الحكم؛ وبسبب مفاوضات الاتفاق النووي، تقلص دور إيران في مجال عمليات الإطلاق الصاروخي الفضائي، مع وجود محاولات بالطبع لإطلاق صواريخ للفضاء، لكنها كانت بوتيرة أقل بكثير من حقبة أحمد نجاد، وكانت حالة الفشل غالبة على هذه التجارب.
حيث تم إطلاق 6 صواريخ مدارية في الفترة بين 2014 و2019، منها قمر الاتصالات الصناعي “فجر” الذي ظل شهرا في مدار منخفض بارتفاع 450 كم عام 2014.
بداية الحرس الثوري
خلال المرحلة الأخيرة من حقبة روحاني، حيث سبات البرنامج الفضائي الإيراني، قرر الحرس الثوري، الدخول إلى البرنامج في أبريل/نيسان 2020، عبر إطلاق القمر الصناعي “نور-1″، وهو أول قمر صناعي عسكري إيراني مصمم للاستشعار والاستطلاع، حيث حُمل على صاروخ (قاصد) الإيراني ذي ثلاث مراحل، وكان في مدار على ارتفاع 462 كم، وظل في هذا المدار حتى مطلع عام 2022.
وقد انتقدت وكالة أنباء تسنيم الإخبارية الإيرانية نهج حكومة روحاني وأدائها خلال 8 سنوات بالمجال الفضائي في تقرير نشرته الوكالة في 10 یولیو/تموز 2021 بعد نشر صورة فضائية لموقع إطلاق “أذرخاش” في قاعدة (الإمام الخميني) في سمنان من قبل حسابات أجنبية، وانتشار شائعات حول ما إذا كان قد تم إطلاق جديد في مجال الفضاء أم لا.
إعادة التفعيل
خلال فترة تولي إبراهيم رئيسي الحكم كان عدد عمليات إطلاق الأقمار الصناعية في الحكومة الـ13 يعادل جميع عمليات الإطلاق في آخر 10 سنوات، وفق تقرير نشرته صحيفة كيهان التابعة للمرشد الإيراني في 29 إبريل/نيسان 2023.
كما ذكرت في تقريرها، نقلا عن وكالة أنباء الجمهورية الإيرانية، أنه تم إطلاق أول قمر صناعي في 2021 بعد بضعة أشهر فقط من بداية الحكومة الـ13، حيث أطلق صاروخ سيمورغ-3 حمولات بحثية من محطة (الإمام الخميني) الفضائية، لكن نجاحه لم يكن بنسبة 100% بحسب التقرير، حيث فشل الصاروخ في وضع الأقمار الثلاثة في مدارها المحدد، بسبب عدم وصوله إلى السرعة المطلوبة، وذلك نتيجة التعجل في إطلاقه لعدة أسباب، منها عودة التفاوض حول الاتفاق النووي.
أما عام 2022 فشهد عمليتي إطلاق لأقمار صناعية، كانت الأولى في مارس/آذار، حيث أطلق الحرس الثوري ثاني الأقمار الصناعية العسكرية الإيرانية “نور-2″، إلى مدار يصل إلى 500 كم، حمله الصاروخ (قاصد) ثلاثي المراحل، والذي لا يزال في مداره حتى الآن.
وبحسب تقرير الميادين، ففي العام نفسه نشرت وسائل الإعلام الإيرانية في مايو/أيار، صورا لقاعدة الأسطول الخامس الأمريكي في البحرين التقطها هذا القمر الصناعي بدقة 10 أمتار.
أما العملية الثانية فكانت إطلاق القمر الصناعي (الخيام) من قاعدة “بايكونور” في كازاخستان، على متن الصاروخ “سويوز” الروسي.
وفي عام 2023 أطلقت إيران ثلاثة أقمار صناعية أولها “ناهيد-1” الذي يبلغ وزنه 50 كغم والمخصص للاتصالات، وحمله الصاروخ ثلاثي المراحل “القائم-100″، لكن فشلت عملية الإطلاق وانفجر الصاروخ، بحسب تقرير “الميادين”.
والثانية كانت لـ”الحرس الثوري” في سبتمبر/أيلول، فأطلق ثالث الأقمار العسكرية الإيرانية “نور-3” ذو الـ23 كغم على متن الصاروخ (قاصد)، وتم إرساله إلى مدار بارتفاع 450 كم، وهو مخصص لالتقاط صور يتراوح وضوحها بين 4.8 و6 أمتار.
وفي ديسمبر/كانون الأول، كانت عملية الإطلاق الثالثة لهذا العام، حيث أطلقت إيران كبسولة بيولوجية بلغت نصف طن، على صاروخ “سلمان”، وتم إطلاقها على ارتفاع 130 كم.
وكانت هذه العملية اختبارا في مجالات الإطلاق والاسترداد في الفضاء، والأنظمة المتعلقة بالتحكم في الظروف البيولوجية.
كما شهد عام 2024 في عهد رئيسي إطلاق صواريخ مدارية في يناير/كانون الثاني، أولها قمر الاستشعار عن بعد “ثريا” عبر صاروخ “قائم-100″، ولأول مرة أطلق في مدار يبلغ 750 كم.
وللمرة الأولى تم إطلاق 3 أقمار صناعية بنجاح بشكل متزامن، على متن صاروخ “سيمرغ” في مدار يبلغ نحو 450 كم، وهي الأقمار (مهدا- كيهان2- هاتف1)، بحسب ما نشره موقع الجزيرة الإخباري.
وتم في أواخر فبراير/شباط، إطلاق (بارس-1) القمر الصناعي البحثي البالغ وزنه 140 كغم، عبر صاروخ “سويوز” الروسي، من قاعدة (فوستوشني) الروسية.
خلال هذا العام أصبحت إيران في المرتبة الرابعة بين الدول التي تمتلك قمرا صناعيا محليا بالكامل، ومزودا بفوهات متحركة للوقود الصلب، بعد أمريكا والصين وروسيا.
أهداف البرنامج (المعلنة)
بحسب تقرير “الجزيرة” المنشور في 31 يناير/كانون الثاني 2024، وصف علي جعفر آبادي، قائد وحدة الفضاء بالمنظمة الجوية للحرس الثوري الإيراني، عملية الإطلاق الأخيرة بأنها “ورقة ذهبية في تاريخ إيران الفضائي، ونقطة تحول ستُسرّع تقنيات التقدم الفضائي”.
وأوضح رئيس وكالة الفضاء الإيرانية حسن سالارية، أن التجارب الفضائية وإطلاق الأقمار الصناعية إلى الفضاء هي لتحسين مستوى معيشة المواطن وصيانة الثروات الوطنية، إلى جانب الاقتدار الوطني، ورفع مكانة البلاد على الصعيد الدولي.
وفي حوار “الجزيرة نت” مع الباحث في الشؤون الدفاعية والعسكرية الإيراني محمد شلتوكي، أشار إلى أن البرامج الفضائية العسكرية تسهم في تعزيز الاستشراف الاستخباراتي وجمع المعلومات، وكذلك رفع مديات الأسلحة وزيادة دقتها، وأضاف: “تتهم الدول الغربية طهران باستغلال برنامجها الفضائي لتطوير الصواريخ الباليستية، بينما البرنامج الأخير أكثر تطورا بكثير، من تقنية حاملات الأقمار الصناعية في إيران”.
وبعد تولي مسعود بزشكيان رئاسة الجمهوية وتشكيل الحكومة الـ14، نشرت وكالة أنباء خبر أونلاين تقريرا في 15 سبتمبر/أيلول 2024، نشرت فيه حوار علي جعفر آبادي قائد وحدة الفضاء في القوة الجوية للحرس الثوري الإيراني مع قناة خبر، أجاب عن سؤال حول تعاون الحكومة الـ14 في المجال الفضائي، قائلا: “إن رئيسي هو الذي أعاد ازدهار صناعة الفضاء في إيران مرة أخرى بعد فترة من الركود، نأمل أن يستمر الحراك الذي بدأ في مجال الفضاء في الحكومة الـ13 وفي الحكومة الـ14 أيضا”.
وصرح بأن حاجي زاده، قائد القوات الجوفضائية للحرس الثوري، عقد اجتماعا مع رئيس الجمهورية، وصرح بأن بزشكيان قلق بشأن هذا العمل، وشدد على أن الأنشطة الفضائية للبلاد يجب أن تستمر بقوة.
ومع انطلاق القمر الصناعي “فخر-1 يوم الجمعة 6 ديسمبر/كانون الأول 2024، أبدت الدول الغربية قلقها من استمرار نهج رئيسي في هذا المجال، خصوصا مع اشتداد الأزمة في منطقة الشرق الأوسط.