كتب: محمد بركات
اجتاحت الشارع الإيراني في الفترة الأخيرة حالة من الغضب بعد نشر تفاصيل القروض الضخمة التي قدمتها البنوك لموظفيها وتداول الأخبار حول قروض “عشقي” لقطاع البورصة، الأمر الذي أدى إلى تقديم قروض ضخمة منخفضة الفائدة لموظفي البنوك والبورصة، دون تطبيق الشروط الصارمة المعتادة. ومن حينها لم ينفك المجتمع الإيراني من طرح سؤال واحد: لماذا تفرض البنوك شروطاً معقدة على الشباب للحصول على القروض وتتردد في منح قروض الزواج، في حين تمنح نفسها قروضاً ضخمة بفوائد منخفضة؟ سؤال أجبر البنك المركزي والبنوك الأخرى على الظهور والرد عليه.
فائدة قروض موظفي البنوك:
وفقًا لتقرير نشره موقع طلا الاقتصادي الإيراني بتاريخ 15 سبتمبر/ أيلول فقد أعلن البنك المركزي أنه لا تمنح أي قروض لأي شخص، موظفاً بالبنك كان أم مواطناً عادياً، خارج الضوابط المحددة، وأن نسبة الفائدة على قروض موظفي البنك المركزي لا تقل عن 10%.
ووفقًا لوكالة “تسنيم” ونقلاً عن إدارة العلاقات العامة بالبنك المركزي فقد صرح كاميار كاوه، مدير الموارد البشرية بالبنك، بشأن ما تم تداوله عبر وسائل التواصل الاجتماعي حول قروض موظفي البنك المركزي قائلاً: “رغم أن تقديم القروض لموظفي البنك المركزي كان قائماً منذ تأسيس البنك، فإنه منذ العام 2011، وبموجب الفقرة 5 من المادة 34 من قانون النقد والبنوك، ووفقاً لقرار مجلس النقد والائتمان، فإن قروض موظفي البنوك تمنح بالكامل من أصول البنك الخاصة، دون استخدام أي من ودائع العملاء. وقد وضعت التعليمات الخاصة بمنح هذه القروض في عام 2011، ومنذ ذلك الحين أصبحت تلك القاعدة المعتمدة لمنح القروض”.
وتابع كاوه: “إضافة إلى ذلك، واستناداً إلى الفقرة 5 من المادة 34 من قانون النقد والبنوك، وللحفاظ على الدور الرقابي للبنك المركزي، فإنه يُحظر على مديري البنك المركزي الحصول على قروض من النظام المصرفي. وبالتالي، لم تُمنح أي قروض لأي من الموظفين أو المديرين في البنك المركزي خارج اللوائح المعتمدة”.
وأضاف كاوه أن نسبة الفائدة على هذه القروض، وفقًا لقرار مجلس النقد والائتمان لعام 2016، لا تقل عن 10%، ولا تشمل القروض الحسنة، فمنذ العام 2016، لم تُمنح أي قروض حسنة لأي من موظفي البنك، سواء لأعضاء الهيئة التنفيذية أو أي مستويات وظيفية أخرى، وكل عملية منح للقروض تتم وفقاً للوائح المعتمدة وبموجب ضمانات محددة”.
وأشار كاوه إلى أنه وفقاً للمادة 60 من قانون البنك المركزي الذي أصبح سارياً في 27 مايو/أيار 2024، فإن القيام بأي معاملة مالية، كالحصول على قروض أو ودائع، بين المشمولين بهذا القانون وأزواجهم وأبنائهم مع النظام المصرفي ستكون محدودة.
وفي النهاية، أكد كاوه أنه لم تُمنح أي قروض خارج القرارات المعتمدة، وأن البنك المركزي يحتفظ بحقه في متابعة القضايا القانونية ضد أي إشاعات كاذبة بشأن محافظ البنك المركزي والتشويش على الرأي العام عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
كم بلغ حجم قروض موظفي البنوك؟
وفقاً لتقرير نشره موقع دیده بان ایران بتاريخ 30 أغسطس/آب 2024، فإن حجم القروض التي قدمتها البنوك والمؤسسات الائتمانية لموظفيها خلال عام 2023-2024 قد بلغ 915 ألف مليار ريال إيراني (ما يعادل ملياراً و755 مليون دولار) كقروض، يشمل ذلك الأصل والفوائد، لموظفيها، ومديريها، وأعضاء مجالس إدارتها. جدير بالذكر أنه يعمل حوالي 220 ألف موظف في البنوك.
لما تعزف البنوك عن إقراض المواطنين؟
وفقاً لتقرير نشره موقع صداى بورس الاقتصادي الإيراني بتاريخ 2 مايو/أيار 2024، فقد صرح وحيد شقاقي، اقتصادي وأكاديمي إيراني، في مقابلة مع موقع فرارو الإيراني، قائلاً: “يجب أن نبحث عن السبب الرئيس للوضع الحالي لإقراض البنوك في ظل معدلات الفائدة الحقيقية السلبية، فالبنوك لديها بالفعل ما يكفي من الشركات التابعة لها، وللأسف، ففي جميع أنحاء العالم نجد أن الشركات القابضة هي من تمتلك البنوك، ولكن في الاقتصاد الإيراني الأمر عكس ذلك، فالبنوك هي من تمتلك الشركات القابضة والمؤسسات، هذا هو التحدي الأول الذي تواجهه البلاد. بنوكنا منشغلة بإدارة الأعمال والشركات، وتحت ذرائع متنوعة تمتلك العديد من الشركات التابعة. مؤخراً، تفحصت التقارير المالية لأحد البنوك وصُدمت عندما رأيت في موقع كدال، المنظومة الإلكترونية الشاملة لتبادل المعلومات المالية التابعة للبورصة الإيرانية، عدداً كبيراً من التقارير المالية للشركات التابعة لهذا البنك. كانت هذه الشركات تشمل كل شيء، من بناء المساكن إلى تربية الماشية والبتروكيماويات وحتى تكنولوجيا المعلومات. في الواقع، إن البنك الذي ينبغي أن يركز على تقديم الخدمات المالية والنقدية والبنكية هو في الأغلب منشغل بإدارة أعماله على نطاق واسع. فما هو تأثير هذا الوضع؟ كذلك فإن معدل الفائدة الحقيقي في الاقتصاد الإيراني سلبي. فعلى سبيل المثال، يتوقع أن تصل نسبة التضخم في العام 2024-2025 إلى ما بين 40 و45 في المئة، بينما معدل الفائدة الذي تقدمه البنوك هو 23 إلى 24 في المئة. هذا الفارق السلبي في الفائدة، مع إدارة الأعمال التجارية للبنوك، يجعلها غير مهتمة بتقديم القروض للناس أو للقطاع الخاص”.
وأضاف: “إن سبب عدم رغبة البنوك في تقديم القروض لَواضح، إن البنوك تقول إن معدل الفائدة الحقيقي سلبي بما لا يقل عن 20 في المئة، وبالتالي، لماذا يجب أن تقدم البنوك هذا الفارق إلى الناس بينما يمكنها تقديمه إلى شركاتها التي تعمل ولديها نسبة أرباح؟ فإذا تمكّن شخص ما من الحصول على قرض من البنك، فسيربح حوالي 20 في المئة بالنظر إلى التضخم المتوقع لعام 2024 الذي يتراوح بين 40 و45 في المئة. كذلك فإن البنوك تسأل نفسها لماذا يجب أن تمنح هذه الميزة للقطاع الخاص وتترك شركاتها التابعة دون دعم؟ وتلخيصاً لما سبق، فليس من المستغرب أن نقول إن البنوك تتصرف بطريقة عقلانية حالياً، ولا تميل إلى منح القروض للناس والقطاع الخاص، وبالتالي تُخصص جميع القروض والتسهيلات الكبرى لشركاتها التابعة”.
وأكمل هذا الأكاديمي: “عندما يتدخل البنك المركزي ويضغط على البنوك بسبب تصرفاتها، تبدأ البنوك في تقديم القروض لبعضها البعض بطريقة متقاطعة. أي إن البنك (أ) يعطي قروضاً لشركات البنك (ب) والعكس صحيح، ويستخدمون هذه الطريقة كلما تعرضوا لضغوط من البنك المركزي. فإن الإحصاءات تظهرأن البنوك قدمت قروضاً ضخمة جداً لشركاتها التابعة، ولذلك في مثل هذا الهيكل لا يحظى الناس ولا القطاع الخاص بفرصة للحصول على قروض. وللأسف، يعتمد الاقتصاد الإيراني بشكل كبير على البنوك، حيث يتم تمويل أكثر من 90% من الاقتصاد الإيراني عبر البنوك. هذا الأمر جعل كلاً من القطاع الخاص والمواطنين على مستوى الأفراد محاصرين وغير قادرين على الوصول إلى موارد البنوك”.