ترجمة: يارا حلمي
نشرت وكالة أنباء “برنا” الإيرانية، السبت 19 أبريل/نيسان 2025، تقريرا تناولت فيه تقديرات صندوق النقد الدولي للتضخم في إيران عام 2025، مع التركيز على تأثير العقوبات والعوامل الجيوسياسية على الوضع الاقتصادي، والتحديات التي تواجهها الحكومة الإيرانية في تحقيق هدف خفض التضخم بسبب المشاكل الهيكلية والسياسات غير الفعالة.
العوامل الجيوسياسية وأثر العقوبات
ذكرت الوكالة أن صندوق النقد الدولي توقع أن يصل معدل التضخم في إيران إلى أدنى مستوى له في أربع سنوات خلال عام 2025، وهذا التوقع يعتمد على معدل تضخم متوسط يبلغ 29.5%، على الرغم من أنه يظهر تحسنا نسبيا مقارنة بالماضي، فإنه لا يزال في مستوى مرتفع مقارنة مع دول منطقة غرب آسيا.
وتابعت أن هذا التقرير يعكس الأمل في تحسن الوضع الاقتصادي، ولكن الواقع المعقد للاقتصاد الإيراني، خاصةً تأثيرات العقوبات طويلة الأمد والسياسات الاقتصادية غير الفعالة في الماضي، تشكل العقبة الرئيسية لتحقيق هذه التوقعات.
وأضافت أن العوامل الجيوسياسية، لا سيما العقوبات الاقتصادية والمالية المفروضة على إيران خلال العقدين الماضيين، لعبت دورا حاسما في زيادة معدل التضخم، وقد أدت القيود المفروضة على صادرات النفط، وانخفاض القدرة على الوصول إلى العملات الأجنبية، وإغلاق القنوات المالية العالمية، إلي زيادة ضغوط التضخم بشكل كبير.
وأوضحت أن هذه الوضعية تفاقمت بشكل غير مسبوق منذ عام 2018، بعد انسحاب الولايات المتحدة من “الاتفاق النووي”، وفرض العقوبات مرة أخرى، مما أدى إلى انخفاض حاد في قيمة الريال وارتفاع مستمر في الأسعار.
وأشارت أيضا إلى أن منطقة الشرق الأوسط شهدت سلسلة من الأزمات الأمنية والصراعات المتعددة، مما أدى إلى زيادة تكاليف التجارة والنقل ورفع مخاطر الاستثمار، وهذه التوترات الإقليمية ساهمت في تضخيم التضخم في إيران، حيث لم يعد التضخم ناتجا فقط عن قرارات اقتصادية داخلية، بل أصبح أيضا مدعوما من الأوضاع الإقليمية والدولية.
تاريخ التضخم في الاقتصاد الإيراني
ذكرت الوكالة أن تاريخ التضخم في الاقتصاد الإيراني خلال العقدين الأخيرين يعكس هذه الحقائق، ووفقا للبيانات الصادرة عن البنك الدولي، واجهت إيران معدلات تضخم مرتفعة في سنوات 2008، 2012، 2013، خاصة من 2018 إلى 2023.
وتابعت أن هذه التقلبات الحادة تعكس السياسات المالية والنقدية غير المتناسقة، والاقتراض المتكرر من البنك المركزي لتغطية عجز الموازنة، وتخصيص الدعم بشكل غير كفء، وضعف إدارة الاقتصاد، وهذه الحالة الاقتصادية هي في الغالب ميراث من الحكومات السابقة.
وأضافت أن حكومة الرئيس الإيراني الحالي مسعود بزشكيان، قد أطلقت بعض البرامج مثل السيطرة على سعر الصرف، وإعادة العمل بنظام الأسعار الموحدة، وإحياء كوبونات إلكترونية، بهدف تقليل الضغط التضخمي.
إلا أنها أشارت إلى أن هذه السياسات تواجه تحديات كبيرة في ظل الوضع الاقتصادي والجيوسياسي الحالي.
وأوضحت أن تحقيق هدف التضخم بنسبة 29.5% في عام 2025، يبدو متفائلا للغاية، حيث تواصل الحكومة مواجهة عجز موازنة مزمن، وعدم التوازن في النظام المصرفي، والمشاكل الهيكلية في توفير الطاقة، واعتماد الحكومة الكبير على مصادر مالية غير مستقرة، مثل السحب من صندوق التنمية الوطني، مما يجعل الوصول إلى هذا الهدف أمرا بالغ الصعوبة.
وأشارت إلى أن تجربة عام 2023، التي شهدت وصول سعر الدولار إلى نحو 98 ألف تومان، تظهر أنه حتى إذا تم تقليص التضخم، فإن آثار التضخم المتراكم من السنوات السابقة ستظل تضغط على قيمة الريال.
التوترات السياسية العالمية
ذكرت الوكالة أن التوترات السياسية على الساحة العالمية في عام 2025، خاصةً المواقف المحتملة للولايات المتحدة وأوروبا تجاه إيران، قد تؤدي إلى تعطيل تنفيذ السياسات الاقتصادية الهادفة إلى استقرار الاقتصاد.
وتابعت أن تحول إيران نحو الشرق وتقوية العلاقات الاقتصادية مع دول مثل الصين وروسيا قد يساهم جزئيا في تخفيف آثار العقوبات، ولكنها أكدت أن هذه العلاقات لم تصل بعد إلى مرحلة كافية لتعويض الآثار السلبية الكاملة للعقوبات الغربية.
وأضافت أن آفاق انخفاض التضخم في إيران لا تزال غير واضحة وتعتمد على مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية.
وأكدت أنه من دون إصلاحات هيكلية عميقة في الاقتصاد، وتحسين العلاقات الدولية، وتقليص الضغوط الجيوسياسية، فإن تحقيق توقعات صندوق النقد الدولي بشأن التضخم قد يكون بعيد المنال.
اتجاه هيكل التضخم
ذكرت الوكالة أنه لفهم أفضل للتضخم في إيران والرؤية التي رسمها صندوق النقد الدولي، من الضروري دراسة التوجهات الهيكلية للتضخم في البلاد.
وتابعت أن التضخم في إيران تضخم هيكلي، مزمن ومتعدد الأبعاد، حيث إن تأثير مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية ساهم في ارتفاعه بشكل مستمر على المدى الطويل.
وأضافت أن الاعتماد التاريخي للحكومة الإيرانية على النفط جعل تقلبات أسعار النفط العالمية تؤثر بشكل مباشر على الميزانية الحكومية والسيولة النقدية، كما أن العجز المزمن في الميزانية، الذي يتم تغطيته عبر الاقتراض من البنك المركزي أو السحب من صندوق التنمية الوطني، يساهم بشكل مستمر في زيادة القاعدة النقدية والنمو النقدي.
السياسات النقدية والمالية التوسعية
أوضحت الوكالة أن السياسات النقدية، خصوصا في فترات الركود الاقتصادي، كانت في كثير من الأحيان تهدف إلى دعم النمو الاقتصادي وتعويض العجز، ولكنها أدت إلى زيادة السيولة النقدية، مما ساهم في رفع معدلات التضخم بدلاً من خفضها.
وتابعت أن النظام المصرفي في إيران يعاني من اختلال واسع النطاق، حيث إن المصارف تواجه مطالبات متأخرة وديونا كبيرة للبنك المركزي، مما يزيد من خلق السيولة النقدية دون دعم حقيقي للإنتاج.
وأوضحت أن هذه الأوضاع أدت إلى توسع دور النظام المصرفي في التضخم.
دور العملة والسياسات النقدية غير الفعالة
ذكرت الوكالة أن التقلبات الشديدة في سعر العملة، بسبب العقوبات وعدم استقرار الوضع السياسي وضعف احتياطات العملة، تنعكس بشكل مباشر على أسعار السلع المستوردة، مما يساهم في تضخم الأسعار، وسعر الصرف المتعدد والتدخلات الحكومية في سوق العملات يخلق فرصا للفساد ويزيد من تكاليف الاقتصاد.
وتابعت أن التوقعات المرتفعة للتضخم، التي تنبع من عدم الاستقرار السياسي وفقدان الشفافية، تشكل أيضا عاملا رئيسيا في زيادة التضخم، كما أن سلوكيات الناس في إيران، حتى في حالات انخفاض الضغوط الخارجية، تتشكل غالبا على أساس “توقع زيادة الأسعار”.
وأضافت أن العقوبات الخارجية، من خلال تقليص الوصول إلى مصادر العملة وزيادة تكلفة الواردات، تؤدي إلى تعزيز التضخم المستورد، والقيود المفروضة على الاستثمارات الأجنبية واختلال سلاسل التوريد وتدهور قيمة الريال، تزيد من هيكل التضخم في البلاد.
وأوضحت أن الدعم السخي غير الفعال، خاصة في قطاع الطاقة، يستنزف الموارد العامة دون أن يحقق تأثيرا حقيقيا في تقليل الفقر أو السيطرة على التضخم، كما أن إزالة الدعم التدريجي سيؤدي إلى صدمات سعرية وتضخم مؤقت، بسبب الضغط الاجتماعي.
الدورة المفرغة للتضخم في إيران
ذكرت الوكالة في ختام تقريرها، أن التضخم في إيران أكثر نتاجا للهيكل الاقتصادي غير الفعال والسياسات قصيرة الأجل من كونه مجرد رد فعل لأحداث مقطعية مثل العقوبات أو الصدمات الخارجية.
وأكدت أن إصلاحات هيكلية عميقة مثل السيطرة على العجز، واستقلال البنك المركزي، وإلغاء الدعم غير الفعال، وإعادة بناء النظام المصرفي يجب أن تكون على رأس جدول الأعمال، وإن لم تتحقق هذه الإصلاحات، فإن التضخم في إيران لن ينخفض، بل قد يستمر بشكل مزمن أو حتى يتفاقم.