كتبت-ميرنا محمود
وفقًا لما نشرته الصحافة التركية، فإن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي سيقوم بزيارة رسمية إلى تركيا في الرابع من سبتمبر/أيلول 2024. ستكون هذه الزيارة الأولى على مستوى رئاسة جمهورية مصر إلى تركيا منذ عام 2012. ومن المتوقع أن تكون بداية فترة جديدة في العلاقات بين البلدين. سيرافق السيسي في زيارته وفد كبير يضم وزراء ومسؤولين ورجال أعمال.
تُعتبر زيارة السيسي إلى تركيا خطوة مهمة نحو تحقيق تطبيع كامل في العلاقات بين البلدين. ومن الممكن أن يسهم تبني موقف مشترك بشأن قضية غزة في زيادة الضغط على إسرائيل وتأثيرها على التوازنات الإقليمية.
تدهورت العلاقات بين أنقرة والقاهرة بشكل خطير بعد الانقلاب العسكري في مصر في يوليو 2013. شهدت جهود التطبيع، التي بدأت عام 2021، تقدمًا خطوة بخطوة. كانت المصافحة بين أردوغان والسيسي خلال كأس العالم في قطر في نوفمبر 2022 بمثابة بداية حقبة جديدة في العلاقات. وفي يوليو 2023، عين البلدان سفراء بشكل متبادل.
ذكرت صحيفة الصناعة التركية في تقرير لها يوم الاثنين الماضي أن مصر قد تفكر في تجهيز سلاحها الجوي بطائرات مقاتلة من الجيل الخامس التركية التي تم اختبارها بنجاح مؤخرًا.
أشار رايان بول، الرئيس التنفيذي لشركة “إنتليجنس ريسك” الأمريكية، والمحلل الرئيسي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إلى رغبة الجيش المصري في الحصول على طائرات حربية من الجيل الرابع أو الخامس بشكل يائس، مشيرًا إلى استحالة الحصول على 20 طائرة حربية من طراز F-35 الأمريكية.
وقد وردت أنباء تفيد بأن مسؤولين مصريين يجرون مفاوضات لشراء طائرات حربية من الجيل الرابع أو الخامس من الصين. قد يشير هذا إلى سعي القاهرة الجاد للحصول على طائرات متطورة من منافس للولايات المتحدة، أو ربما يكون ضغطًا للحصول على طائرات F-35 التي وعد بها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
اهتمام مصر بالطائرات الحربية من الجيل الخامس
تتضمن قائمة رغبات مصر طائرات مقاتلة من الجيل الرابع J-10C Vigorous Dragon التي تُستخدم في الصين وباكستان، بالإضافة إلى طائرة الجيل الخامس FC-31 Gyrfalcon التي لا تزال في مرحلة النموذج الأولي. زعمت مصادر مصرية في خبر نشر في أغسطس، أن مسؤولين مصريين يطلبون طائرة الجيل الخامس J-20 Mighty Dragon التي تمتنع الصين عن بيعها لدول أخرى.
من المحتمل أن تكون مصر حذرة في شراء طائرات الحرب المتقدمة من صنع الصين لتجنب إثارة غضب الولايات المتحدة، وستضطر أيضًا للتعامل مع مخاوف إسرائيل بشأن الإشارات التي قد تعطيها مثل هذه الشراءات بخصوص نوايا مصر المستقبلية تجاه إسرائيل.
تجعل قوانين الولايات المتحدة من الصعب على مصر شراء طائرات الحرب من طراز F-35. القانون الأول تم اعتماده في عام 2008 ويتعلق بالتزام الولايات المتحدة بدعم التفوق العسكري النوعي لإسرائيل على الدول العربية، والثاني هو قانون مكافحة العقوبات ضد أعداء أمريكا الذي يفرض عقوبات على الدول التي تشتري الأسلحة والتجهيزات العسكرية من أعداء أمريكا، والذي تم اعتماده في عام 2017.
ذكر رايان بول أن من غير الواضح ما إذا كانت القاهرة ستتمكن قريبًا من إقناع واشنطن برفع حظر بيع طائرات F-35، ولكنه أشار إلى أن مصر قد تكون لديها خيار ثالث للحصول على طائرات حربية من الجيل الخامس من خلال تجاوز الصين والولايات المتحدة، وهو الحصول على طائرات حربية من دول تُطَوِّر الطائرات مثل كوريا الجنوبية وتركيا والهند. وتعتبر طائرة (KAAN) التركية أكثر طائرات المُطَوَّرَة تقدُمًا ويمكن أن تكون الخيار الأنسب للاستيراد من أنقرة.
زيارة أردوغان إلى مصر
التقى الرئيس رجب طيب أردوغان بالسيسي خلال زيارته للقاهرة، حيث زار مصر لأول مرة منذ 12 عامًا، في فبراير الماضي. وأثناء حديث الرئيس أردوغان عن أهمية العلاقات التجارية في مصر، ذكر أن الاستثمارات المتبادلة وصلت إلى 3 مليارات دولار وأنهم يعتزمون زيادتها. وأدلى بالتصريح التالي بشأن الهجمات الإسرائيلية: “سنواصل التعاون والتضامن مع إخواننا المصريين لوقف إراقة الدماء في غزة”.
جدول أعمال الزيارة
ومن المتوقع أن تكون أهم الموضوعات المطروحة على الطاولة خلال زيارة السيسي هي التطورات السياسية مثل الهجمات الإسرائيلية المستمرة على غزة وزيادة التوتر في المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، يهدف إلى تنظيم أول اجتماع رفيع المستوى لمجلس التعاون الاستراتيجي بين البلدين. وستكون قضية ليبيا أيضًا على جدول الأعمال. يتسبب اختلاف مواقف البلدين بشأن هذه القضية في حدوث توتر بين الحين والآخر، لكن لوحظ تقاربًا في الآونة الأخيرة في وجهات نظرهما. وفي نطاق العلاقات الاقتصادية، سيتم أيضًا مناقشة زيادة حجم التجارة وفرص التعاون في مجال الطاقة.
الاستعدادات الدبلوماسية مستمرة
قبل زيارة السيسي، زار وزير الخارجية التركي هاكان فيدان القاهرة في مستهل شهر أغسطس الجاري، حيث أجرى محادثات مع وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي والرئيس السيسي. تم استقبال تحسن العلاقات بين البلدين بإيجابية من قبل الرأي العام في كلا البلدين بعد سنوات من التوتر. ومن المتوقع تطور العلاقات الاقتصادية والثقافية بعد فترة طويلة.
تعاون متنامٍ
خلال زيارة الرئيس التركي إلى القاهرة بعد انقطاع دام 12 عامًا، قام الرئيسان بتوقيع بيان مشترك يتضمن سلسلة من الاتفاقيات والمذكرات بالإضافة إلى “إعادة تنظيم اجتماعات مجلس التعاون الاستراتيجي على أعلى المستويات بين البلدين”.
بعد زيارة الرئيس رجب طيب أردوغان إلى مصر في 14 فبراير، شهدت الأشهر الفائتة نشاطًا مكثفًا لتعزيز مجالات التعاون بين البلدين بعد فترة توتر دامت أكثر من 10 سنوات بسبب موقف أنقرة من الانقلاب على حكومة الإخوان المسلمين المحظورة.
مناقشة التصنيع المشترك
قبل وقت قصير، زار أسامة عسكر، الجنرال السابق لرئاسة الأركان في القوات المسلحة المصرية والذي عُيّنَ مستشار الرئيس للشؤون العسكرية، رئيس أركان القوات المسلحة التركي الفريق أول متين غوراك في أنقرة نهاية شهر أبريل، حاملاً أعلى منصب عسكري مصري زار تركيا لأكثر من عقد من الزمان.
خلال اللقاء، أكَّد الطرفان رغبتهما في تعزيز التعاون العسكري في العديد من المجالات في المستقبل، بما في ذلك التعاون في صناعة الدفاع والتصنيع المشترك.
قام عسكر بزيارة العديد من شركات صناعة الدفاع في أنقرة وإسطنبول، بما في ذلك شركة بايكار، حيث شاهد مجموعة متنوعة من الطائرات الحربية، بما في ذلك طائرة Hürjet المتطورة للتدريب والهجوم الخفيف التي طورتها شركة توساش للصناعات الجوية والفضائية، وطائرة Kızıl Elma للقتال الجوي بدون طيار التي أنتجتها Baykar، وطائرة الهليكوبتر T-129 التي طورتها شركة توساش بالتعاون مع شركة أوغوستا وستلاند الإيطالية.
شركة بايكار، التي يديرها صهر الرئيس التركي، سلجوق بايراكتار، شاركت لأول مرة في معرض EDEX 2023 لصناعة الدفاع في القاهرة، حيث عرضت طائرة الهجوم بدون طيار Bayraktar TB2، مما جعلها أول شركة تركية تشارك في معرض دولي لصناعة الدفاع والعسكرية.
صرَّحَ السفير المصري السابق في أنقرة، عبد الرحمن صلاح، لشبكة الشرق الأوسط أن هذه القضية ستتم مناقشتها خلال زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى تركيا، وأن هناك اتفاقًا بين الطرفين للتعاون في مجال الإنتاج المشترك وليس فقط بالمبيعات، بما في ذلك إنتاج الطائرات بدون طيار وغيرها، وأن الإنتاج سيتم ليس فقط في تركيا ولكن أيضًا في مصر.
أشار إلى أن أبعاد التعاون العسكري بين البلدين ليست مقتصرة على إمكانية مصر في الحصول على طائرات مُسيّرة تركية، بل تمتد أيضًا إلى مجال التصنيع المشترك، خاصة مع توجه مصر نحو تصنيع المعدات العسكرية محليًا.
ما سبب تدهور العلاقات بين مصر وتركيا؟
تأثرت العلاقات التركية المصرية بشكل مباشر بالتطورات السياسية في مصر التي تشهد اضطرابًا منذ عام 2010، وبالتوازنات الإقليمية وتفضيلات حكومة حزب العدالة والتنمية في مواجهة هذه التطورات.
بعد 5 أشهر من تولي مرسي رئاسة الجمهورية المصرية في يونيو/حزيران 2012، ذهب أردوغان إلى القاهرة كرئيس للوزراء وبدأت أنقرة في تقديم كل أنواع الدعم لإدارة مرسي وتعزيز سلطتها. وكانت زيارة مرسي إلى أنقرة في 30 سبتمبر 2012 لحضور المؤتمر الرابع لحزب العدالة والتنمية هي الزيارة الأخيرة من مصر إلى تركيا على المستوى الرئاسي.
ومع ذلك، لم يمر وقت طويل حتى أدت بعض التدابير غير الديمقراطية التي اتخذها مرسي إلى اندلاع احتجاجات شعبية واسعة في البلاد مرة أخرى. في 3 يوليو 2013، أطاح الجيش بحكم مرسي وتولى السيسي السلطة.
أبدى رجب طيب أردوغان وأحمد داوود أوغلو، الذي كان وزير الخارجية آنذاك، ردود فعل قوية على الإطاحة بمرسي، واستمرت المواقف السلبية تجاه السيسي حتى عام 2020. كانت هذه المواقف تنعكس أحيانًا على السياسة الداخلية.
قال أردوغان في خطابه قبل الانتخابات العامة المصرية في 7 يونيو 2015: “ستكون الانتخابات التي ستجرى في 7 يونيو فشلاً آخر لأولئك الذين يهددوننا بمصير مندريس ومرسي”.
وقبل الجولة الثانية من انتخابات إسطنبول المحلية عام 2019، برزت تصريحات أردوغان حول رئيس بلدية إسطنبول الكبرى أكرم إمام أوغلو، حيث قال: “هل سنقول يوم الأحد السيسي أم بن علي يلدريم؟ هذه هي القضية المهمة”.
واحدة من النقاط التي بقيت في الذاكرة بخصوص الانعكاسات الداخلية للفترة السيئة في العلاقات هي الرمز الذي كان يستخدمه أردوغان بكثرة في وقت ما ولكنه لم يعد يفضله، وهو إشارة “رابعة” التي كانت تُعتبر رمزًا لمعارضي الانقلاب في مصر.
بعد هذه التصريحات، وبينما كانت الخطوات الأولى في فترة التطبيع بين البلدين، تصافح أردوغان واجتمع مع السيسي، الذي قال عنه سابقًا “لن أجلس معه على نفس الطاولة”، خلال كأس العالم في قطر في نوفمبر/تشرين الثاني 2022.
وردًا على الأسئلة حول هذا الاجتماع، قال أردوغان: “في السياسة، لا يوجد استياء أبدي. عندما يحين الوقت، تجلسون، تقيمون الوضع، وتتخذون القرارات وفقًا لذلك. يمكننا إعادة النظر في العلاقات مع الدول التي نواجه معها صعوبات”. وأضاف “يمكننا أن نبدأ من الصفر ونستمر في طريقنا وفقًا لذلك”، في إشارة إلى بداية عصر جديد.
هل تم التغلب على مشاكل التطبيع؟
وبينما استمرت عملية التطبيع مع مصر بالتوازي مع العمليات المماثلة التي بدأتها تركيا مع بعض الدول الأخرى في الشرق الأوسط، فإن التقارب مع القاهرة سار بحذر أكبر.
وبينما كانت الخطوات المتبادلة تُتخذ بسرعة مع دول مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل، التي كانت العلاقات معها متوترة في السابق، انتقد وزير الخارجية السابق مولود تشاووش أوغلو بطء عملية التقارب مع مصر.
ورغم أن التقدم كان بطيئًا، فقد تم اتخاذ خطوة مهمة في يوليو/تموز 2023، حيث رفعت أنقرة والقاهرة مستوى العلاقات الدبلوماسية إلى مستوى السفير مرة أخرى وأجرتا التعيينات اللازمة بشكل متبادل.
كان زلزال مرعش عاملاً آخر أدى إلى التقريب بين البلدين. وأصبح وزير الخارجية المصري سامح شكري، الذي زار أضنة، أول مسؤول مصري رفيع المستوى يأتي إلى تركيا بعد صيف عام 2013، عندما تدهورت العلاقات.
خلال فترة تباطؤ عملية التقارب بين تركيا ومصر، برزت ليبيا كإحدى المشكلات التي كانت بحاجة إلى حل، بينما كانت هناك مشكلة أخرى مهمة تتعلق بوجود جماعة الإخوان المسلمين في تركيا والتي كانت تثير انزعاج مصر.
أعلنت مصر تعليق عملية التقارب لفترة معينة بسبب عدم وجود تغيير في سياسات تركيا تجاه ليبيا، لكن مع مرور الوقت تمكنت العاصمتان من التقارب في وجهات نظرهما.