ترجمة: شروق السيد
تكشف التقارير الإيرانية عن أزمة صحية خطيرة بسبب نقص 340 نوعاً من الأدوية، وفي هذا الصدد نشرت صحیفة “اطلاعات“ الإيرانية تقريراً مفصلاً في 2 يناير/كانون الثاني 2025 جاء فيه:
أعلن سلمان إسحاقي، المتحدث باسم لجنة الصحة والعلاج في البرلمان، في أكتوبر/تشرين الأول 2024 خلال مقابلة: “هناك نقص في 340 نوعاً من الأدوية في البلاد، منها 130 نوعًا تعتبر حيوية للمرضى، بعض المسؤولين الحكوميين يصرحون بأن النقص يقتصر على 85 نوعًا فقط في جميع أنحاء البلاد، لكن هذا غير صحيح؛ فهذا الرقم يخص مدينة طهران فقط.
إضافة إلى ذلك، يضطر المواطنون من جميع أنحاء البلاد للذهاب إلى “صيدلية واحدة في طهران” للحصول على جزء كبير من هذه الأدوية، وهو ظلم مزدوج، على سبيل المثال، دواء “وارفارين”، الذي يعد حيويًا لمرضى القلب، غير متوفر في السوق”.
وتابعت الصحيفة في تقريرها: “وفقًا للإحصاءات المتوفرة لدينا، فإن ديون الجامعات الطبية لشركات توزيع الأدوية تصل إلى حوالي 185 ألف مليار ريال، مما يشكل عقبة كبيرة أمام إدارة شؤون شركات الأدوية، وفي ظل هذه الظروف، نلاحظ ضعف الحماس لاستيراد الأدوية والمواد الخام وتصنيعها.
أما المطالبات المالية للقطاعات غير الخاصة من شركات التأمين، مثل التأمين الاجتماعي، والقوات المسلحة، والهلال الأحمر، فتبلغ حوالي 291 ألف مليار ريال، بينما تصل المطالب المالية للقطاع الخاص إلى أكثر من 540 ألف مليار ريال”.
ونقلت الصحيفة عن مهدي بيرصالحي، رئيس منظمة الغذاء والدواء، قوله: “نواجه مشكلة جدية في سلسلة تمويل الأدوية داخل البلاد، حيث إن المنظمات التأمينية والجامعات الطبية ومشروع “دارويار” مدينة لشركات تصنيع الأدوية والمعدات الطبية بمبلغ يصل إلى 500 ألف مليار ريال منذ نحو 17 شهرًا، وإذا لم يتم توفير هذا المبلغ، فلن يكون بالإمكان تأمين المواد الخام الدوائية، وستتفاقم مشكلة نقص الأدوية”.
وفي السياق نفسه، صرح همایون سامهیح نجف آبادي، رئيس لجنة الأدوية في لجنة الصحة بالبرلمان، قائلاً: “عقدت لجنة الصحة اجتماعًا خاصًا لحل مشكلات قطاع الأدوية، وجرى إرسال مقترحات مكتوبة إلى الرئيس الإيراني، ومع ذلك، فإن البنك المركزي لم يلتزم بتخصيص 500 ألف مليار ريال لقطاع الأدوية على الرغم من تعليمات الرئيس الإيراني”.
مشروع دارويار
نقلت الصحيفة عن آرش محبوبی، رئيس جمعية الصيادلة في طهران قوله: “إن مهمة وزارة الصحة والصيادلة هي توفير الأدوية، وهذه الأدوية يجب أن تكون ذات جودة مناسبة وتُنتج وفقًا للمعايير العالمية، حتى نتمكن من ضمان صحة المواطنين، سواء في حالات الأمراض الخاصة أو الأمراض الأخرى، ومع ذلك، فإن مسؤولية توفير العملة الأجنبية لا تقع على عاتق وزارة الصحة، بل على جهات أخرى مثل البنك المركزي، والبنوك، وصناعة التأمين التي يجب أن تضع خططًا لذلك، للأسف، يبدو أن هذه الجهات غير مستعدة بشكل كافٍ لتنظيم هذه الأوضاع”.
وأضاف: “في الوقت الحالي، مشكلتنا الكبرى في قطاع الأدوية تكمن في تقصير وعدم كفاءة صناعة التأمين، حيث فشلت هذه الصناعة في توفير الأموال اللازمة لتأمين الأدوية من خلال تسديد ديونها في الوقت المناسب”.
وأشار محبوبی إلى أن “منظمة التخطيط والموازنة كان من المفترض أن تدفع مبالغ ضمن إطار مشروع “دارويار”، بهدف تخفيف العبء الناتج عن فارق سعر العملة على المواطنين، وقد تقرر أن تُدفع هذه المبالغ من خلال شركات التأمين إلى الصيدليات وشركات صناعة الأدوية.
ولكن خلال العام الماضي، فشلت شركات التأمين، وخاصة منظمة التأمين الاجتماعي، في تنفيذ هذا الأمر بشكل صحيح أو تقديم تقارير دقيقة لمنظمة التخطيط والموازنة والجهات ذات الصلة، مما أدى إلى عدم دفع مستحقات مشروع دارويار وفارق أسعار العملة لصناعة الأدوية”.
وتابع: “مع ذلك، تم حل هذه المشكلة إلى حد كبير، ونأمل ألا نواجه أي قضايا أخرى في هذا المجال”.
ميزانية الأدوية
وأضاف محبوبی: “إحدى المشكلات المهمة الأخرى التي نواجهها هي مسألة عدم تخصيص الميزانية في الوقت المناسب من قبل منظمة التخطيط والموزانة، حيث إن جزءًا كبيرًا من الأموال المخصصة لمشروع دارويار لتعويض الفارق المالي لم يُدفع حتى الآن”.
وأردف: “في العام الماضي، تمت الموافقة على حوالي 70 إلى 80 بالمائة من الموازنة المقترحة للبرلمان، ومن هذا المبلغ، تم توفير حوالي 60 إلى 70 بالمائة فقط حتى الآن، ونتيجة لذلك، لا توجد أموال كافية في هذا النظام المالي، وبالتالي لن تتوفر العملة الأجنبية أيضًا، كل هذه الأمور تؤدي إلى قلق لدى الناس بشأن تأمين الأدوية”.
وأشار إلى أنه “في حين أن جميع الأمور المتعلقة بإنتاج الأدوية، بما في ذلك الطاقة والعمالة، ارتفعت تكلفتها ما بين 40 إلى 100 بالمائة، فإن أسعار الأدوية لم تشهد زيادة كبيرة في هذه الظروف، وكل هذه العوامل معًا تخلق نتيجة تراكمية، مما يزيد القلق بشأن توفير الأدوية، وفي هذا السياق، فإن أقل قدر من اللوم يقع على عاتق الصيادلة وزملائهم والعاملين في مجال الأدوية”.
واستطرد رئيس جمعية الصيادلة في طهران: “لحسن الحظ، فإن تكلفة الأدوية في موازنة الأسرة الإيرانية، باستثناء الأمراض الخاصة، ليست مرتفعة، أما بالنسبة لأدوية الأمراض الخاصة، فإن تكلفتها مرتفعة لأنها مستوردة ولا يوجد لها بديل محلي، كما أنها تُشترى بالعملة الأجنبية، مما يجعل أسعارها متغيرة بسبب تقلبات أسعار الصرف، مع ذلك، فإن شركات التأمين ملزمة بتغطية علاج الأمراض الخاصة”.
وأوضح: “عدد المرضى ذوي الحالات الخاصة الذين يجب أن يحصلوا على تغطية تأمينية مناسبة في البلاد ليس كبيرًا، ولكن للأسف هناك مشكلات جدية في هذا المجال، شركات التأمين ليست مستعدة بشكل كافٍ للتعامل مع هذه الظروف، نأمل أن تُجرى الترتيبات اللازمة من قبل شركات التأمين حتى لا تُفرض معاناة إضافية على المرضى”.
الحد الأدنى من الجودة!
قال محبوبی: “في مجال إنتاج الأدوية المحلية والمستوردة، هناك معايير دولية يتم اتباعها، كما أن منظمة الغذاء والدواء تراقب جودة وكفاءة الأدوية المنتجة في إيران، من الخطأ الاعتقاد بأن جودة الأدوية الإيرانية أقل من نظيراتها المستوردة، بل في بعض الحالات، قد تكون جودة الدواء الإيراني أعلى من الدواء الأجنبي”.
وأضاف: “رغم أن جميع المنتجات المعتمدة من منظمة الغذاء والدواء والموزعة عبر صيدليات البلاد ليست بأعلى مستويات الجودة، إلا أنها تمتلك الحد الأدنى من الجودة المطلوبة للاستهلاك”.
وأشار إلى أنه “لا ينبغي وضع حدود قصوى للجودة، فكلما زادت جودة المنتجات، كانت النتائج أفضل، ولكن يمكننا التأكيد أن الأدوية الإيرانية تمتلك الحد الأدنى من الجودة اللازمة”.
إفلاس الصيدليات
صرّح رئيس جمعية الصيادلة في طهران قائلاً: “هناك مخاوف كبيرة بشأن تأمين المواد الخام، ومع غياب السيولة النقدية، سيصبح توفير هذه المواد أكثر صعوبة، البنوك تبحث عن الأرباح ودوران رأس المال عند الاستثمار، سواء كان ذلك في مجالات النفط، العقارات، الذهب، العملة أو الأدوية، لكن الحقيقة أن أرباح الصناعات الدوائية قد انخفضت بشكل حاد في السنوات الأخيرة، حتى على مستوى البيع بالتجزئة والصيدليات، ازدادت الخسائر، ومعظم الصيدليات وشركات الأدوية خرجت من دائرة الربح، لذلك، لا تُظهر البنوك استعدادًا لتقديم قروض بفائدة منخفضة لقطاع الأدوية”.
وأضاف: “من جهة أخرى، وصلت دورة رأس المال في بعض مصانع الأدوية إلى حوالي 10 أشهر، وعندما تعمل بأرباح قليلة ودورة رأس مال طويلة، تخرج فعليًا من دائرة الربح، بالإضافة إلى ذلك، يجب مراعاة التضخم الذي يتراوح بين 30 و40 بالمائة، كل هذه العوامل معًا تؤدي إلى تقليل إمكانية الاستثمار في صناعة الأدوية، وعندما ينعدم الاستثمار، يتوقف توفير المواد الخام والإنتاج والتوزيع، مما يؤدي في النهاية إلى إغلاق الصيدليات”.
وأوضح محبوبی قائلاً: “للأسف، ولأول مرة خلال العامين الماضيين، نواجه حالات إفلاس وإغلاق للصيدليات، بسبب حجم الديون الكبير، تُجبر الصيدليات على إعلان الإفلاس، ويلاحظ الناس في المدن افتتاح صيدليات تختفي بعد فترة قصيرة بسبب الإفلاس، هذه المشاكل لها تأثير تراكمي، وفي النهاية تُطيح بالصناعات”.
الأدوية غير المرخصة
قال محبوبی: “لا يمكن القول إن المصدر الرئيسي لدخل الصيدليات هو الأدوية التكميلية والمنتجات الصحية والعلاجية، ولكن نظرًا لأن تسعير هذه المنتجات أكثر مرونة، وتدخل منظمة الغذاء والدواء ووزارة الصحة في هذا المجال أقل، فإن هامش الربح والأسعار في هذه المنتجات يكون في وضع أفضل، وربما تكون بمثابة صمام أمان لصناعة الأدوية والصيدليات، ومع ذلك، لا يمكن اعتبارها شريان حياة لهذه الصناعة”.
وأضاف: “في الوقت الحالي، نشهد تداول منتجات غير مرخصة ومزيفة خارج القنوات الرسمية للصيدليات، مما يثير القلق في البلاد، وقد حذرت منظمة الغذاء والدواء مرارًا من شراء المنتجات الدوائية عبر الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي، لأنها قد تشكل خطرًا على الصحة”.
وأشار رئيس جمعية الصيادلة في طهران إلى أن “بعض الأطباء يقومون بوصف أدوية معينة ويطلبون من المرضى شراء هذه الأدوية فقط، ولكن لا ينبغي للطبيب أن يُجبر أو يُقيّد المريض بهذا الشكل، لا يجوز حرمان الناس من حق الاختيار، إجبار الطبيب للمريض على شراء دواء معين وتحميله تكاليف إضافية يتعارض مع مبادئ الأمانة والصدق وقَسَم الطبيب”.
وختم بقوله: “أنصح الناس بالتحقق من هذه الحالات والتفكير فيها بعناية، واتخاذ القرار النهائي بأنفسهم بشأن شراء واستخدام الدواء أو المنتج الصحي”.