كتب: محمد بركات
شهدت الأيام الأخيرة تصعيدا دبلوماسيا وأمنيا بين إيران ولبنان، بعد قرار السلطات اللبنانية منع طائرة إيرانية تابعة لشركة “ماهان إير” من الهبوط في مطار بيروت. جاء هذا الإجراء وسط أجواء سياسية متوترة، حيث تزامن مع تصريحات إسرائيلية مثيرة للجدل، واحتجاجات شعبية في لبنان، وردود فعل رسمية من طهران.
فقد أقلعت طائرة تابعة لشركة ماهان إير، الخطوط الجوية الإيرانية، يوم الخميس 13 فبراير/شباط 2025، من طهران متجهة إلى بيروت، والتي كانت تحمل أكثر من 300 مسافر، أغلبهم لبنانيون كانوا في طريق عودتهم من زيارة الأماكن الشيعية المقدسة بإيران، لكن سلطات الطيران اللبنانية كانت قد ألغت الرحلة، وأفاد مسؤول في مطار رفيق الحريري ببيروت بأنه “بناء على تعليمات وزارة النقل اللبنانية، تم إبلاغ شركة ماهان أنه لا يمكن استقبال رحلتين لهذه الشركة كان من المقرر تنفيذهما يومي الخميس والجمعة”.
كذلك، فقد أصدرت هيئة الطيران المدني اللبنانية بيانا، الجمعة 14 فبراير/شباط، بررت فيه قرار منع الرحلات الإيرانية بما وصفته بأنه جاء لحماية أمن وسلامة المسافرين، كما أوضح البيان أن “التعديلات في جدول الرحلات جاءت وفقا للمعايير الدولية للحفاظ على أمن المطار والمجال الجوي اللبناني”.
وأضاف بيان الهيئة: “تم اتخاذ الإجراءات بناءً على تنسيق مع الأجهزة الأمنية اللبنانية، وفقا للقوانين الدولية ولوائح منظمة الطيران المدني الدولية (إيكاو)، إلى جانب القوانين اللبنانية”، كما أشار البيان إلى أن “بعض شركات الطيران، ومنها الخطوط الإيرانية، قد تحتاج إلى وقت إضافي للامتثال لهذه الإجراءات، لذا تم تعديل جدول الرحلات حتى 18 فبراير/شباط 2025، كذلك هناك رحلة خاصة ستنطلق من بيروت إلى طهران ليلة الجمعة لإعادة اللبنانيين العالقين”.
من جانبه، صرح سعيد جالندري، المدير التنفيذي لمطار الإمام الخميني، الجمعة 14 فبراير/شباط 2025، معلقا على تلك الحادثة، قائلا: “لم تحصل الرحلة الإيرانية إلى بيروت على التصريح اللازم للهبوط من الجانب اللبناني، ورغم أنه وبعد فترة قصيرة من التوقف، استؤنفت الرحلات الإيرانية إلى بيروت، فإننا واجهنا مرة أخرى يوم الجمعة رفضا لمنح التصريح من قبل الدولة المستقبلة”.
وأشار جالندري إلى أن “هناك رحلة أخرى مجدولة لشركة ماهان إلى بيروت صباح غد في الساعة السابعة، لكن حتى الآن لم يُمنح التصريح اللازم لها”.
وفي تعليقه على الأزمة، قال السفير الإيراني في لبنان، مجتبى أماني، في تصريحات له السبت 15 فبراير/شباط :2025 “تم إلغاء رحلتين أسبوعيتين ومنتظمتين من إيران إلى بيروت يومي الخميس والجمعة من قبل الحكومة اللبنانية”، مضيفا أن “السلطات اللبنانية كانت قد وعدت بالسماح بهذه الرحلات، لكن الإلغاء أدى إلى تعطيل سفر العديد من اللبنانيين، لا سيما زوار المراقد الدينية، في مطار طهران”.
وأشار أماني إلى أن قرار الإلغاء جاء تزامنا مع تصريحات الناطق باسم إسرائيل، الذي زعم أن الطائرتين كانتا تحملان “بضائع غير مشروعة”، موضحا: “لقد طلب الجانب اللبناني استبدال الطائرة الإيرانية بأخرى، ورغم ترحيبنا بتسيير الرحلات اللبنانية، فإننا لا نقبل بذلك ما دامت الطائرات الإيرانية تُمنع من الهبوط”.
وفي السياق ذاته، صرّح المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، الجمعة 14 فبراير/شباط 2025، بأن تهديد الطائرة المدنية الإيرانية التي كانت تقل مواطنين لبنانيين من قِبل الكيان الصهيوني أدى إلى اضطراب في الرحلات المدنية إلى مطار بيروت، معتبرا أن هذا التصرف يأتي في سياق الانتهاكات الفادحة والمستمرة لمبادئ وقواعد القانون الدولي وانتهاك السيادة الوطنية للبنان.
وخلال حديثه، طالب بقائي المنظمات الدولية المختصة، وعلى رأسها منظمة الطيران المدني الدولي (إيكاو)، باتخاذ إجراءات جادة لوقف التصرفات الإسرائيلية الخطيرة التي تهدد سلامة وأمن الطيران المدني.
جدير بالذكر أن صحيفة جيروزاليم بوست العبرية قد ادعت الجمعة 14 فبراير/شباط 2025، أن هذا القرار قد جاء عقب تحذيرات وجهها الجيش الإسرائيلي إلى المسؤولين اللبنانيين بشأن الطائرات الإيرانية.
هذا ولم تكن تلك هي المرة الأولى التي تتعرض فيها الطائرات الإيرانية لهذا النوع من الإجراءات في المطارات اللبنانية، ففي الثالث من يناير/كانون الثاني 2025 تعرض ركاب رحلة من طهران إلى بيروت لتفتيش دقيق عند وصولهم إلى مطار الحريري، شمل عمليات تفتيش غير اعتيادية للأمتعة، كما حاول مسؤولو الأمن اللبناني تفتيش حقائب الوفد الدبلوماسي الإيراني، وهو ما قوبل باعتراض الدبلوماسيين الإيرانيين، ما أدى إلى توتر داخل المطار.
احتجاجات في بيروت، وحزب الله يندد
على أثر ذلك، خرج متظاهرون لبنانيون، الجمعة 14 فبراير/شباط 2025، إلى الشوارع منددين بالواقعة، حيث أفادت قناة الميادين بأن المحتجين قاموا بإغلاق الطريق السريع المؤدي إلى مطار رفيق الحريري في بيروت، وأضرموا النيران في الإطارات.
ووفقا لوسائل الإعلام اللبنانية، حاولت قوات مكافحة الشغب تفريق المحتجين عبر إطلاق النار في الهواء، لكن الأعداد المتزايدة من المتظاهرين أدت إلى إغلاق العديد من شوارع العاصمة بالكامل.
كذلك، فقد أصدر المكتب الإعلامي لحزب الله اللبناني بيانا مساء الخميس 13 فبراير/شباط 2025، انتقد فيه منع الطائرة الإيرانية من الهبوط في بيروت، معتبرا أن اللبنانيين العالقين في طهران ضحايا تهديدات إسرائيلية.
هذا، وتعليقا على الحادثة، صرح النائب البرلماني اللبناني والمقرب من حزب الله، إبراهيم الموسوي، السبت 15 فبراير/شباط 2025، أن “الإصرار الإسرائيلي على انتهاك السيادة اللبنانية، بدعم من المجتمع الدولي، خاصةً الولايات المتحدة، هو ما شجع العدو على توسيع خروقاته”، مضيفا أن “على الحكومة اللبنانية تحمل مسؤولياتها وضمان سيادتها الكاملة، خصوصا على مطار بيروت؛ حتى لا يعتقد العدو أنه قادر على فرض أجندته بلا رادع”.
كما شدد الموسوي على أن “الشعب اللبناني يجب أن يرفع صوته ضد هذا القرار، وأن يتم الضغط على المنظمات الدولية لمنع الاعتداءات الصهيونية على مطار بيروت”، داعيا المواطنين إلى “ضبط النفس والتعبير عن رفضهم هذه القرارات بأسلوب سلمي ومسؤول”.
الأسباب وراء الأزمة
في محاولة لفهم الموقف، قدمت صحيفة فرهيختكان الإيرانية في عددها ليوم السبت 15 فبراير/شباط 2025، تحليلا؛ للوقوف على أسباب ما حدث، وكان أول الأسباب التي قدمتها الصحيفة هو مزاعم إسرائيل حول نقل أموال إلى حزب الله، حيث ادعت السلطات اللبنانية، استنادا إلى تقارير إعلامية، من بينها تغريدة للمتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، الأربعاء 12 فبراير/شباط 2025، أن الرحلة ربما كانت تحمل مساعدات مالية من إيران إلى حزب الله، وقد تعززت هذه الشكوك من خلال إجراءات تفتيش غير عادية لحقائب المسافرين في بعض الرحلات السابقة.
كذلك فكان من ضمن الأسباب دور الولايات المتحدة، فقد أشارت مصادر لبنانية ومحللون دوليون إلى أن إلغاء تصريح الطائرة جاء نتيجة لضغوط مباشرة أو غير مباشرة من الولايات المتحدة، ويعتبر هذا الإجراء جزءا من محاولات الحد من النفوذ الإيراني في لبنان بعد إضعاف حزب الله.
أيضا فقد اعتبر التقرير أن تغيير ميزان القوى في لبنان كان أحد الأسباب المباشرة، فبعد اغتيال حسن نصر الله، في أكتوبر/تشرين الأول 2024، شهد نفوذ حزب الله تراجعا نسبيا داخل المؤسسات الحكومية اللبنانية، مما قد يكون شجع الحكومة الجديدة على تبني موقف أكثر تشددا تجاه الرحلات الإيرانية، سواء للحصول على دعم غربي أو لتخفيف التوتر مع إسرائيل.
كذلك فكان للانقسامات الداخلية نصيب من وراء ما حدث، حيث رحبت بعض الأحزاب اللبنانية، خاصةً القوى المقربة من السعودية، بهذا القرار واعتبرته خطوة نحو استقلال لبنان عن النفوذ الإيراني، وفي المقابل، ندد حلفاء حزب الله والمقاومة بهذا القرار، واعتبروه انتهاكا للسيادة اللبنانية وخضوعا للضغوط الإسرائيلية.
وقد اعتبر تقرير الصحيفة أن أحد أهم الأسباب وراء ما حدث هو التأثير على مراسم تشييع حسن نصر الله، حيث أعلن علي ظاهر، رئيس اللجنة العليا لمراسم التشييع، أن الموعد الرسمي لمراسم التشييع سيكون في 23 فبراير/شباط 2025، وقد كان متوقعا أن يحضر عدد كبير من الإيرانيين إلى لبنان للمشاركة في التشييع، لكن الإجراءات الأخيرة للحكومة اللبنانية، وضمن ذلك إلغاء الرحلات الإيرانية وتشديد التفتيش على المسافرين، أثارت شكوكا حول وجود محاولة للتأثير على حجم المشاركة في هذا الحدث، الأمر الذي أكده السفير الإيراني لدى لبنان، حيث صرح بأن “إلغاء رحلة طهران-بيروت دفع البعض في لبنان، خاصةً أنصار حزب الله، إلى تفسير القرار بأنه محاولة من الحكومة اللبنانية لمنع الإيرانيين من حضور مراسم تشييع سيد المقاومة”، بحسب قوله.