ترجمة: نوريهان محمد البهي
شهدت الساحة السياسية الإيرانية تساؤلات متزايدة مع تصاعد الخلافات الداخلية في التيار الأصولي، خاصة بعد انتخابات البرلمان 2023. فإن الانقسامات التي نشأت بين المتشددين والمعتدلين قد تحمل في طياتها تحولات غير متوقعة في مستقبل هذا التحالف السياسي.
نشرت صحيفة آرمان ملي، الأحد 5 يناير/كانون الثاني 2025، تقريرا حول الانقسامات المتزايدة داخل التيار الأصولي في إيران، مشيرة إلى أن هذه الخلافات أصبحت أكثر وضوحا خلال انتخابات مجلس الشورى لعام 2023، وأن هذه الانقسامات لا تقتصر فقط على التوجهات السياسية، بل تمتد إلى التباين الواضح في الآراء بين المتشددين والمعتدلين داخل التيار نفسه، مما أدى إلى تفكك هذا التحالف السياسي.

تصدع في التيار الأصولي
ذكرت الصحيفة أن الخلافات الداخلية في التيار الأصولي الإيراني بلغت ذروتها خلال انتخابات مجلس 2023.
ففي حين نجح التيار في دخول البرلمان بقائمة موحدة في انتخابات 2019، بدأ التفكك التدريجي بين مكوناته، مما أدى إلى غياب الوحدة والتماسك الذي كان سابقا.
وقد تصاعدت هذه الخلافات لدرجة أن بعض الأصوليين أصبحوا مستعدين لدعم شخصيات إصلاحية مثل مسعود بزشكيان الرئيس الإيراني، أو معتدلين مثل جواد ظريف النائب الاستراتيجي للرئيس الإيراني، في خطوة للابتعاد عن التيار المتشدد.
وأضافت الصحيفة، أن العديد من المحللين أكدوا أن الشخصيات البارزة في التيار الأصولي بحاجة لاتخاذ إجراءات لتقليل هذه الانقسامات، رغم تعقيد الوضع بسبب التشابك الكبير بين الأطراف.
وفي هذا السياق، أجرت الصحيفة مقابلة مع أحد المحللين الأصوليين، الذي أشار إلى أن الصراعات الداخلية بين المتشددين ستستمر، وقد تؤدي في النهاية إلى إقصائهم من التيار الأصولي.
فشل الانتخابات يعمق الانقسامات
أشارت صحيفة “آرمان ملي” إلى تصريحات منصور حقيقت بور، المحلل السياسي الأصولي، الذي ألقى الضوء على الخلافات المتصاعدة داخل التيار الأصولي، خاصة في جبهة “بايداري الأصولية”.
وفي حديثه للصحيفة، صرح حقيقت بور قائلا: “مع تصاعد الخلافات بين المتشددين في البرلمان، أصبحت اللحظة حاسمة بالنسبة لهم لتحديد هويتهم السياسية من خلال الكشف عن هذه الصراعات الإعلامية”.
كما أن جبهة “بايداري الأصولية” التي عانت من سلسلة هزائم، تحاول الآن تعويض تلك الخسائر بالوجود المكثف في وسائل الإعلام، بهدف استعادة بعض النفوذ. بعد خسارتها في الانتخابات الأخيرة خلال العام الماضي، وهذا العام أيضا، سواء في البرلمان أو الرئاسة، كما تسعى جبهة بايداري إلى الظهور مجددا كأنها جزء أساسي من المشهد السياسي.
كما ذكرت الصحيفة تصريح حقيقة بور، في حديثه حول الأحداث الأخيرة، قائلا: “إن العديد من الحقائق التي تظهر في الساحة الإيرانية غالبا ما يتم تفسيرها بشكل مختلف من قبل جبهة بايداري، إما أنهم يرفضون الاعتراف بها أو يتجنبونها تماما”.
ورغم المعارضة المتواصلة من جانبهم، فإنهم سيستمرون في معارضة الحكومة والسلطات العليا؛ وإذا كانت قرارات مجلس صيانة الدستور تتناقض مع آرائهم، فإنهم سيعارضون بشدة أيضا.
كما ينبغي أن نأخذ في الحسبان أن هذا التيار السياسي سيتعامل مع الشخصيات الأصولية مثل جواد ظريف النائب الاستراتيجي للرئيس، وعلي لاريجاني رئيس البرلمان الإيراني السابق، ومسعود بزشكيان الرئيس الإيراني بالطريقة نفسها التي يتعاملون أي شخصية أخرى”.
كما أشارت الصحيفة إلى أن حقيقت بور أكد أن التيار الأصولي المتشدد، الذي يُعتبر مغرورا ومتصلبا في مواقفه، يرفض تماما أي تغيير في الأوضاع التي يعتقدون أنها لا تتماشى مع أفكارهم، التي طالما فشلت في الماضي.
وأوضح حقيقت في حديثه قائلا: “هذا التيار لن يتبع سوى أفكاره الخاصة، ولن يلتفت إلى ما يحدث في الواقع”.
كما أكد أن الصراعات الداخلية بين أقطاب تيار “بايداري” ستظل مستمرة، مشيرا إلى أن هذه الخلافات ستتفاقم بين مختلف الأطياف المتشددة، التي تجد صعوبة في تقبل التغييرات، مثل رفع العقوبات أو تعديل قوانين الحجاب.
كما ذكرت الصحيفة أن حقيقت بور أشار إلى أن التصديق المرتقب من مجموعة العمل المالي (FATF) وبدء جولة جديدة من المفاوضات بين إيران والغرب سيؤديان إلى تصاعد الخلافات داخل التيار الأصولي، بما سيعمق الانقسامات بين الأطياف المختلفة.
وأكد حقيقت بور أن هذا التصعيد سيجعل التيار المتشدد يتمسك بمواقفه المعترضة، مما سيؤدي إلى تزايد الانقسامات الداخلية.
وفيما يتعلق برد فعل الأصوليين المعتدلين على تصعيد المتشددين، أضاف حقيقت بور: “هناك فرق منطقي بين الأصوليين المعتدلين والمتشددين. في الانتخابات الماضية، وقع بعض الأصوليين في اتفاقات مع المتشددين، وقدموا قوائم مشتركة، إلا أن حداد عادل -السياسي الإيراني البارز- قد وصفهم بالأراجوزات”.
وبرأيي، ومع مرور الوقت، سيزداد التباعد بين التيار الأصولي العقلاني والمتشدد، مما سيعزل المتشددين ويكشف المزيد من الحقائق التي كانت مخفية في الخلفية”.
التحطيم الذاتي: تناقضات حول قانون العفاف والحجاب
وفي تصريحات نقلتها الصحيفة، أفاد حميد رسائي، النائب الإيراني السابق، بأن مجلس الأمن القومي الأعلى لم يتخذ موقفا بشأن قانون العفاف والحجاب، وهو ما يتناقض مع ما قاله علي نيكزاد، نائب رئيس البرلمان وعضو جبهة بايداري، الذي أشار سابقا إلى أن هذا القانون لم يتم إقراره بناءً على توصيات المجلس الأمني.
كما أكد سيد محمود نبويان، عضو آخر من جبهة بايداري في البرلمان، هذا الموقف، حيث أضاف في تعليقه:، أن “الأمانة العامة للمجلس الأمني قد أجلت تنفيذ قانون العفاف والحجاب، وحتى لو أراد رئيس البرلمان أن يتدخل، فإنه لا يستطيع وقف تنفيذ القانون الذي أقره البرلمان وتم الموافقة عليه من قبل مجلس صيانة الدستور”.
الاستجواب البرلماني: تباين المواقف
وأشارت صحيفة آرمان ملي إلى محاولات جبهة “بايداري” استجواب الحكومة من خلال تحركات بعض النواب الذين يطالبون بتقديم استجواب.
وأكدت الصحيفة أن عدد النواب الذين يعدّون من أشد المعارضين للحكومة لا يتجاوز 70 نائبا.
وأوضحت أن القوى السياسية المعارضة للحكومة في البرلمان لا تتجاوز أعدادها ما بين 30 و50 نائبا في الغالب، وأن غالبية النواب الذين لا يعارضون الحكومة يشددون على أهمية التعاون بين الحكومة والبرلمان في حال عدم حدوث ما يعكر صفو العمل المؤسسي.
كما أشارت الصحيفة أيضا، إلى تصريحات بعض النواب الذين يرون أنه لا مانع من تقديم الاستجواب بعد مرور أربعة أشهر ونصف من تولي عبد الناصر همتي وزارة الاقتصاد، إلا أن الصحيفة أكدت ضرورة النظر بعناية في مدى تأثير الاستجواب على مصلحة الشعب والبلاد، قبل اتخاذ أي خطوات.