كتب: ربيع السعدني
انتهت المحادثات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة بشأن قضية رفع العقوبات والقضية النووية، واتفق الطرفان على استمرار هذه المحادثات.
وأشار تقرير لوكالة تسنيم، التابعة للحرس الثوري، إلى أن وفدين إيرانيا وأمريكيا وصلا إلى العاصمة العُمانية مسقط ظهر السبت (12 أبريل/نيسان 2025)؛ لبدء مفاوضات غير مباشرة بعد توسط وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي، لنقل الرسائل بين الجانبين.
بعد ساعات من نشر الخبر، أكده وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، وأعلن أنه ترأس الوفد الإيراني في المحادثات، ومن ناحية أخرى، تولى ستيف ويتكوف، الممثل الخاص لترامب في الشرق الأوسط، قيادة الوفد الأمريكي.
الثقة مقابل رفع العقوبات
وأعلن الجانب الإيراني أن هذه المحادثات غير المباشرة تتعلق فقط بالقضايا النووية.
وأكدت طهران مرارا، أنها لن تقبل التهديدات في هذه المحادثات، وأنها ستناقش القضية النووية فقط على أساس المفاوضات المربحة للجانبين، وتقول إن منطق التفاوض الذي تتبناه في هذه المحادثات هو نفس منطق التفاوض في الاتفاق النووي، القائم على بناء الثقة مقابل رفع العقوبات.
وكان الإطار الدقيق لشكل المفاوضات غير واضح، حيث سبق أن أعلنت طهران بوضوحٍ أنها غير مستعدة للدخول في محادثات مباشرة مع الولايات المتحدة، ولذلك تم التواصل بين الجانبين عبر وساطة ممثلي الحكومة العمانية ونقل الرسائل، وليس عبر اللقاءات المباشرة للوفود.
قرب التوصل لاتفاق
وبعد مفاوضات غير مباشرة مع مسؤولين أمريكيين، قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي: “أعتقد أننا قريبون من التوصل إلى أساس للمفاوضات، وإذا تمكنا من الانتهاء من الأساس في الاجتماع المقبل، نعتقد أننا قطعنا شوطا طويلا ويمكننا أن نبدأ محادثات حقيقية على هذا الأساس”.
وبحسب وكالة تسنيم للأنباء، فإن إعلان الرئيس الأمريكي خلال لقاء مشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عن محادثات إيرانية أمريكية في سلطنة عمان، السبت 12 أبريل/نيسان 2025، أثار تفسيرات مختلفة في الأوساط الدولية.
وبحسب وكالة تسنيم الإيرانية، فقد استطاعت طهران فرض إرادتها في أربع قضايا على الأقل قبل المفاوضات:
- قبول عُمان كدولة وسيطة في المفاوضات، ونظرا إلى الثقة المتبادلة بين إيران والسلطنة أصرت طهران على وساطة مسقط منذ بداية أنباء نقل رسالة ترامب إلى خامنئي، لكن واشنطن اقترحت في دوائر مختلفة أن تلعب دولة أخرى، خاصةً الإمارات العربية المتحدة، دور الوسيط.
- تراجع ترامب عن النهج الإمبريالي السابق- بحسب وصف وكالة تسنيم- يتعلق بالاتفاق مع إيران، وهذا النهج أصبح معروفا باسم “شروط بومبيو الاثني عشر” في إطار سياسة الضغط الأقصى التي انتهجها بومبيو خلال رئاسة وزارة الخارجية الأمريكية في إدارة ترامب الأولى، نهج لا يقوم على التفاوض أو الحوار، بل على الإملاء وفرض الشروط، ولكن الآن أصبحت الرغبة في التفاوض بشأن الأسلحة النووية بمثابة إشارة إلى نجاح إيران في مقاومة فرض المطالب وعدم فعالية السياسات الماضية لإرغام الاقتصاد الإيراني على الركوع وقبول شروطها أو مواجهة أزمة.
- المفاوضات غير المباشرة التي تصر إيران عليها، لكن ترامب يسعى للمفاوضات المباشرة، بل ادعى ذلك حتى الليلة الماضية ليصنع لنفسه استعراضا ورقما قياسيا، ومن خلال المفاوضات غير المباشرة، نجحت إيران في واقع الأمر في فرض إرادتها على الجانب الآخر.
“لغة التهديد” خط أحمر
وفي هذا الصدد قالت بعض المصادر لوكالة “تسنيم” إن ضرورة عدم استخدام الوفد الأمريكي للغة التهديد، وضرورة تجنب طرح أي إطار أو مطالب مبالغ فيها من قبل هذا الفريق فيما يتعلق بالبرنامج النووي، وضرورة الامتناع عن إثارة أي نقاش حول قضية الصناعات الدفاعية الإيرانية.
وأكدت المصادر أن هذا يعد جزء من الخطوط الحمراء الإيرانية، ولن تقبل إيران بأي حال من الأحوال لغة التهديد أو تجاوز الخطوط الحمراء- التي تعد الحالات المذكورة جزءًا منها- في المفاوضات.
الخطر الكبير
وفي وقت سابق مساء الاثنين 7 أبريل/نيسان 2025، قال الرئيس الأمريكي ترامب إن الولايات المتحدة ستبدأ محادثات مباشرة رفيعة المستوى مع إيران بشأن برنامجها النووي السبت، في إعلان مفاجئ خلال استقباله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في البيت الأبيض.
وأعرب ترامب للصحفيين في المكتب البيضاوي، عن أمله في التوصل إلى اتفاق مع طهران، محذرا من أن إيران ستكون في “خطر كبير” إذا فشلت المحادثات، وزعم الرئيس الأمريكي: “نحن على اتصال معهم (طهران) بشكل مباشر، وربما نتمكن من التوصل إلى اتفاق يكون بمثابة صفقة جيدة جدا بالنسبة لإيران”.
الكرة في ملعب أمريكا
وعلى الجانب الآخر أكد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، بعد إعلانه عن بدء المفاوضات في سلطنة عمان، أن “المحادثات كما تم الإعلان عنها ستعقد في سلطنة عمان يوم السبت وستكون غير مباشرة، ونحن لن نقبل بأي طريقة أخرى.. الكرة الآن في ملعب أمريكا”.
وأشار عراقجي إلى أنه طالما هناك أقصى قدر من الضغط والتهديد فلن تكون هناك مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة، وقال: “الولايات المتحدة قبلت المفاوضات غير المباشرة”.
محادثات غير مباشرة
وعقب محادثات السبت، قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي: “أجرينا محادثات غير مباشرة لمدة ساعتين ونصف تقريبا، بفضل جهود وعمل دؤوب من بدر البوسعيدي وزير خارجية سلطنة عمان الذي كان يتنقل بشكل منتظم بين الوفود، أعتقد أن هذا الأمر جرى ذهابا وإيابا نحو أربع مرات، وتم نقل وجهات نظر كلا الجانبين إلى بعضهما البعض”.
وأضاف: “في رأيي، كان لقاءً أول بنّاءً وتم في أجواء هادئة ومحترمة للغاية، ولم يتم استخدام أي لغة غير لائقة، وأظهرت الأطراف التزامها بدفع هذه المحادثات إلى الأمام حتى يتم التوصل إلى اتفاق مرغوب فيه من الطرفين ويتم التوصل إليه من موقف متساوٍ”.
وفي وقت سابق، أوضح وزير الخارجية الإيراني ردا على سؤال من الصحفيين خلال وجوده في الجزائر الثلاثاء 9 أبريل/نيسان 2025، أن “شكل المفاوضات مع الولايات المتحدة ليس ذات أهمية بالنسبة لي، إن ما يهم هو ما إذا كانت المفاوضات فعالة أم لا، وما إذا كانت الأطراف جادة أم لا، وما إذا كانت هناك إرادة للتوصل إلى حل.. هذا هو معيار العمل، يعتمد الشكل على عدة أمور والشكل الذي نبحث عنه هو المفاوضات غير المباشرة”.
عراقجي: نرفض المفاوضات بالإكراه
وبحسب تصريحات عراقجي السابقة، بناءً على تجربة التفاوض التي أظهرت خداع واشنطن وخرقها للوعود بحسب وصفه، تسعى إيران في هذه المرحلة إلى التأكد من أن الولايات المتحدة إذا سعت إلى التفاوض من موقع المساواة والاحترام، فإنها ستتخذ الخطوات التالية وإلا فإن مثل هذه اللقاءات لن تكون متوافقة مع المبادئ المحددة للمفاوضات “العقلانية والمتكافئة والمتبادلة الاحترام”، ولن يكون لدى إيران أي سبب لمواصلة مثل هذه اللقاءات.
وأضاف عراقجي أيضا، أن “المفاوضات التي يحاولون من خلالها فرض إرادتهم بالضغط والتهديد ليست مفاوضات بل إملاء، ونحن لا نؤمن بهذا الأسلوب إطلاقا”.
الرد الإيراني الحازم
وبحسب بعض المحللين السياسيين الإيرانيين، فبعد أن أصبح ترامب يعتمد على المفاوضات، فإن ادعائه أنه “يسعى إلى اتفاق مع إيران” يمكن تفسيره على أنه إما أنه لا يملك الشجاعة للقيام بعمل عسكري ضد إيران، أو أن قدرة القوات المسلحة الإيرانية والمواقف الحازمة لكبار المسؤولين في البلاد، خاصةً المرشد قد قادت ترامب إلى اليقين والوعي بأنه إذا أراد القيام بعمل عسكري ضد إيران وتوجيه ضربة، فإن طهران ستضرب بالتأكيد ولن يحقق ترامب النتيجة التي يريدها.
فيما أكد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، أن بلاده تجنبت دائما الحرب والصراع وليس لها هدف سوى الحفاظ على الاستقرار والأمن الإقليمي. وفي إشارة إلى قدرات البلاد الدفاعية، أشار بزشكيان إلى أن “إيران لم تسعَ قط إلى استخدام الطاقة النووية لأغراض غير سلمية، وهذا ليس له مكان في عقيدتنا الدفاعية.
ولذلك فإن جاهزية إيران وقدراتها الدفاعية على أعلى مستوى، لكن هذه الجاهزية تهدف فقط إلى الدفاع عن السيادة الوطنية للبلاد وسلامة أراضيها”.
ما المهم في المفاوضات المقبلة؟
وفي سياق متصل أوضح محسن جليلوند، محلل كبير للشؤون الدولية وأستاذ العلاقات الدولية، في مقابلة مع موقع “فرارو“، أن ثلاثة أمور هي الأكثر أهمية في أثناء المفاوضات:
- مدة المفاوضات
- موضوعها
- النتيجة أو ما يتم تحقيقه منها
ويرى “جليلوند” أن هذه القضايا أكثر أهمية من المفاوض، ونظرا إلى كل هذه الظروف، لا يستطيع أن ينظر إلى المفاوضات بتفاؤل في الوقت الراهن!
وبحسب رأيه، تتأثر المفاوضات بطريقتين:
- الأولى إذا وقعت أحداث خارج البلاد، على سبيل المثال إذا قام الإسرائيليون بخطوة تؤثر على المفاوضات برمتها.
- ثانيا، يشهد الأفراد في المجتمع، سواء في الشارع أو حتى على مستوى السلطة، تغيرات تلغي تماما المفاوضات.
4 جولات ناجحة
وأعلن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، أن الجولة المقبلة من المحادثات الإيرانية الأمريكية ستعقد السبت المقبل، وأكد في تصريحات نقلتها وكالة أنباء تسنيم: “في هذا اللقاء أعتقد أننا اقتربنا من أساس المفاوضات، وإذا أمكن الانتهاء من وضع الأساس في الاجتماع المقبل، أعتقد أننا قطعنا شوطا طويلا”.
وأضاف: “أعتقد أنه كانت هناك نحو أربع جولات من المباحثات، وتم التعبير عن وجهات نظر الجانبين، وفي الاجتماع المقبل سندخل في إطار عام يمكن أن نصل من خلاله إلى اتفاق”.
وتريد إيران أيضا الحصول على ضمانات لاستدامة الاتفاق الجديد، خاصة بعد تجربة الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي في عام 2018.
وقد أعرب المسؤولون الإيرانيون عن رغبتهم في تسجيل الاتفاق المستقبلي كمعاهدة رسمية والموافقة عليه من قبل مجلس الشيوخ.