كتب: محمد بركات
لم يغب الجدل عن الظهور الإعلامي الأخير لمحمد جواد ظريف، نائب الرئيس الإيراني للشئون الاستراتيجية، كما هي العادة، فقد صاحب ظهوره دائما موجودة من الانتقادات والدفاع، أخرها كان عندما ألقى تصريحاته في مؤتمر دافوس في مؤتمر دافوس الاقتصادي في يناير/ كانون الثاني، والآن عاد لإثارة الجدل مرة أخرى بظهور وصف بغير اللائق والمبادرة الجيدة.
فقد استضاف التلفزيون الإيراني الرسمي ظريف، مساء الأحد 23 فبراير/ شباط 2025، وذلك في حوار للتعليق على مرسم تشييع قائدي حزب الله حسن نصر وهاشم صفي الدين، كما تطرق الحوار لمصير الحزب والتعليق على ما يحدث في سوريا.
المقاومة مستمرة
وعند سؤال ظريف عن تقييمه لمراسم التشييع وإذا كان حجمها متوقعا من قبل، صرح” بالطبع إن المقاومة تزداد قوة مع مقتل وتضحية القادة، والصهاينة يخطئون إن ظنوا أن أسلوب الاغتيالات سيحد من تأثيرها وقوتها، فالتاريخ يثبت فشل الاحتلال في إنهاء المقاومة، كما حدث في لبنان بعد احتلال 1978 و1982، حيث نشأت حركات مقاومة كحزب الله والجهاد الإسلامي وحماس، إن الاحتلال هو سبب المشكلة، وطالما استمر، ستستمر المقاومة وتبرز قيادات جديدة، بالطبع إن فقدان القادة خسارة كبيرة، لكن المشاركة الواسعة في تشييعهم تؤكد أن المقاومة ستظل قائمة ما دام الاحتلال والظلم الصهيوني مستمرين”.
كذلك، صرح ظريف في معرض رده عن ما إذا كان مقتل الزعماء في الحركات المقاومة، كنصر الله والسنوار وهنية، سيؤدي إلى أضعاف جبهة المقاومة أم أنها ستظل قويو ولن تتأثر، قائلا” بلا شك، فقدان شخصيات كبيرة مثل إسماعيل هنية أو نصر الله هو ضربة قاسية، ولا يمكن تعويضهم بسهولة، لكن في الحقيقة أن المقاومة تعيد بناء نفسها باستمرار لأن أسباب وجودها لا تزال قائمة، وهي الاحتلال والقمع، فالصهاينة حاولوا لعقود خلق روايتين، الأولى، أنهم ضحايا دائمون، والثانية، أن إسرائيل لا تُهزم أبدا، لكن الأحداث الأخيرة أثبتت أن المقاومة باقية، رغم كل الضربات التي تلقتها حماس في غزة”.
ويكمل” لقد حاول الاحتلال عبر وحشيته في غزة إنقاذ أسطورته حول عدم هزيمته، لكنه لم ينجح. وقد رأينا اليوم في بيروت وأيضا خلال عمليات تبادل الأسرى أن المقاومة لا تزال حية في غزة والضفة الغربية. صحيح أن العدو حقق بعض الاختراقات الأمنية وألحق ضررا بالمقاومة، لكن هذا لا يعني أن المقاومة لن تستعيد قوتها، فقد فعلت ذلك طوال أكثر من 70 عاما، وستواصل فعل ذلك”.
نصر الله كان شخصية فريدة
وعن دور نصر الله في المنطقة، صرح ظريف” لم يكن نصر الله لم يكن مجرد قائد مقاومة، بل كان مفكرا ودبلوماسيا بارعا برؤية عالمية، وقد تميز بقدرته على توحيد الصفوف، حيث لم يقتصر دوره على المقاومة الشيعية، بل أصبح رمزا إسلاميا وعربيا وحتى مسيحيا، فخلال مفاوضات 1989-1990، أصر على المساواة في تبادل الأسرى بين الفلسطينيين واللبنانيين، ما يعكس نهجه التوحيدي وفهمه العميق للقضايا العربية والإسلامية”.
وأضاف ” لا شك أن فقدانه خسارة كبيرة، لكنه ترك إرثا قويا سيستمر، فحزب الله لديه تحالفات مع مختلف الطوائف في لبنان، وله دور في الحكومة والبرلمان، ولم يكن مجرد جماعة مسلحة. كان حسن نصر الله شخصية متعددة الأبعاد، تماما كما كان سليماني، فكلاهما كانا قادرين على الجمع بين القيادة العسكرية والقدرة على بناء التحالفات السياسية والدبلوماسية. ولهذا السبب، رغم فقدان نصر الله، فإن المقاومة ستستمر وتتوسع”.
الأسد لم يكن داعما قويا للمقاومة
وحول الأحداث الأخيرة في سوريا، وتأثيرها على مشروع المقاومة الذي تدعمه إيران، قال ظريف” المقاومة هي نتيجة طبيعية للاحتلال، وستظل مستمرة طالما استمر الاحتلال، فالشعب السوري، كالشعبين اللبناني والفلسطيني، لن يقبل الاحتلال، فرغم محاولات الترهيب الصهيونية، بتحليق المقاتلات الإسرائيلية خلال مراسم التشييع، فقد خرجت الجماهير إلى الشوارع. ورغم غياب الرئيس بشار الأسد من الساحة، فإن المقاومة لم تكن تعتمد عليه، بل سبقت عهده وحتى عهد والده، فهو لم يكن يقدم داعما كبيرا للمقاومة على أية حال. منذ وعد بلفور، والشعب الفلسطيني يقاوم الاحتلال، وجاءت الثورة الإيرانية لتعزز المقاومة، لكنها لم تكن بدايتها، فقد نشأت في ظل الاحتلال واستمرت رغم التحديات، مما يؤكد أن الاحتلال هو السبب الجذري لها”.
وحول سيناريو محتمل في سوريا مشابه لما يحدث في لبنان وفلسطين لتحرير الأراضي السورية المحتلة من قبل إسرائيل، أكد ظريف” أعتقد أن الشعب السوري لن يقبل الاحتلال، تماما كما لم يقبله الشعب الفلسطيني أو اللبناني. آمل أن تكون الحكومة السورية الجديدة قادرة على تلبية تطلعات الشعب السوري، لكن لا شك في أن السوريين سيقاومون الاحتلال، كما فعل الفلسطينيون واللبنانيون”.
خطة فاشلة
وخول خطة الولايات المتحدة التي عرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتهجير سكان غزة وما إذا كانت الأحداث الأخيرة، من رفض دول الجوار للخطة وإبراز قوة حزب الله، ستؤثر عليها أم لا، أوضح ظريف” هذه ليست أول مرة تحاول فيها الولايات المتحدة تنفيذ مثل هذه الخطط، ففي فترة ترامب الأولى، تحدثوا عن صفقة القرن، وقبلها تحدثت كوندوليزا رايس، وزير الخارجية الأمريكية السابقة، عن شرق أوسط جديد، لكنها كلها مشاريع فاشلة. إن نتنياهو يريد تصوير الصراع على أنه مواجهة بين إسرائيل المزعومة وإيران، لكنه في الحقيقة صراع بين الاحتلال والمقاومة. محاولاته لفرض رواية خاطئة لن تنجح، الحقيقة أن المقاومة لا تزال حية، كما رأينا اليوم في بيروت.
استضافة والد العائلة الأمريكية أمر غير لائق
بالطبع، وكما هو الحال بالنسبة لظريف، فقد تبع ذلك الظهور على التلفاز الوطني العديد من ردود الأفعال، فلم تكن وسائل الإعلام الأصولية لتمرر استضافت ظريف، والذي يواجه تهم بعدم دستورية منصبه بسبب جنسية أبناءه، مرور الكرام، فقد انتقد موقع رجا نيوز، الوسيلة الإعلامية التابعة لجبهة بايداري الأصولية، استضافته في تلك ليلة التشييع، فكتب الإثنين 24 فبراير/ شباط” في الليلة التي كانت فيها قلوب أبناء الشعب الإيراني المقاوم والعالم الإسلامي تنبض بالحزن على يد حسن نصر الله، حامل راية المقاومة في مواجهة الصهيونية والاستكبار العالمي، استضافت هيئة الإذاعة والتلفزيون شخصية لم تساهم سياساتها طوال هذه السنوات في تعزيز جبهة المقاومة، بل أحيانا أضعفتها”
وأكمل” فظريف، النائب غير القانوني لمسعود بزشكيان، رئيس الجمهورية، ظهر في الإعلام الرسمي ليتحدث عن نصر الله، ذلك الرجل الذي واصل طريق النضال ضد إسرائيل وأمريكا حتى آخر لحظة من حياته، فقد وصف ظريف نصر الله بأنه أحد أركان المقاومة في المنطقة، لكن هل يمكن قبول الحديث عن المقاومة من شخص ركّز خلال فترة وزارته بالكامل على التفاوض والمصالحة؟ كيف يمكن لمن كان يرى أن سفر المدافعين عن الحرم على متن طائرات الخطوط الجوية الإيرانية قد يعرّض الاتفاق النووي للخطر، ومن لم يكن حتى على علم بزيارة بشار الأسد إلى طهران التي نظّمها سليماني، أن يتحدث اليوم عن نصر الله والمقاومة؟”.
ويتابع الموقع” الأكثر سخرية أن والد العائلة الأمريكية، هكذا سمت ظريف، الذي كان يعتقد يوما أن أمريكا يمكنها تدمير نظامنا الدفاعي بالكامل بقنبلة واحدة يتحدث اليوم عن رجل وقف لسنوات في مواجهة القوة العسكرية الإسرائيلية والأمريكية وأثبت أن المقاومة هي السبيل الوحيد للتصدي لغطرسة الاستكبار”.
وفي الختام وجه رجا نيوز اللوم إلى هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية، فكتب” على هيئة الإذاعة والتلفزيون أن تجيب على هذا السؤال، هل كان من المناسب، في ليلة حزن الشعب الإيراني على حسن نصر الله، استضافة شخص لا يمت بصلة لأهداف المقاومة، وكان حتى قبل بضعة أشهر يقترح نزع سلاح إيران، في سياق نشر فكر نصر الله؟”
مبادرة جيدة تكشف عن أزمة داخلية
على الجانب الأخر، أشادت صحيفة خراسان في عددها الثلاثاء 25 فبراير/ شباط 2025 بتلك اللفتة من قبل الإذاعة والتلفزيون، حيث قالت” في يوم التشييع المهيب لنصر الله، بادر الإعلام الرسمي الإيراني بخطوة غير مسبوقة باستضافة شخصيات ذات توجهات سياسية متباينة، مثل سعيد جليلي ومحمد جواد ظريف، لمناقشة شخصية ودور نصر الله، جاءت هذه المبادرة كمحاولة لتعزيز الحوار الوطني في ظل الانقسامات السياسية العميقة، حيث جمع اللقاء بين جليلي، المعروف بمعارضته للتفاوض مع الغرب، وظريف، الذي يمثل نهج الدبلوماسية والانفتاح، في محاولة لتقديم نموذج جديد للحوار يتجاوز الانقسامات الحزبية، خاصة وأن المقاومة تُعد نقطة التقاء بين مختلف التيارات السياسية.
وتابعت الصحيفة” رغم ذلك، لم تحظَ المبادرة بدعم واسع، بل تعرضت لانتقادات من كلا التيارين السياسيين، وقد كشف ذلك عن استمرار تفضيل بعض القوى السياسية للصراعات الحزبية على الوحدة الوطنية، حتى في قضية المقاومة التي يُفترض أن تكون عنصرًا جامعا”.
وتكمل” أثار ما حدث عدة تساؤلات حول إمكانية تحول المقاومة إلى لغة موحدة للقوى السياسية في إيران، أو بقائها ساحة للتنافس الحزبي، فرغم أن حسن نصر الله كان نموذجا في توحيد الصفوف داخل محور المقاومة، إلا أن بعض القوى الإيرانية لا تزال غير مستعدة لتجاوز انقساماتها، حتى في القضايا الوطنية والاستراتيجية. ورغم الضغوط، تبقى هذه الخطوة إيجابية لتعزيز التنوع في الخطاب الإعلامي، لكن استمرارها يعتمد على قدرة الإعلام الرسمي على مقاومة الضغوط السياسية. فإذا عاد إلى نهجه التقليدي، فستظل مجرد تجربة عابرة تؤكد صعوبة تحقيق توافق سياسي حتى في القضايا الكبرى”.