كتبت: لمياء شرف
ظهر زعيم هيئة تحرير الشام، أبو محمد الجولاني، في مقابلة مع شبكة “سي إن إن” الأمريكية، يوم الجمعة 6 ديسمبر/كانون الأول 2024، في خطوة متزامنة مع سياق تغيرات ميدانية في سوريا بعد أن بدأت المعارضة السورية المسلحة، المتمثلة في جبهة تحرير الشام وفصائل أخرى، في عملية عسكرية شاملة أطلقت عليها “عملية ردع العدوان”.
أبو محمد الجولاني، أو أحمد الشرع (الاسم الحقيقي له)، زعيم هيئة تحرير الشام، تعددت انتقلاته الفكرية تدريجيا من خطاب إسلامي متشدد (محسوب على فكر تنظيم القاعدة) إلى نهج أكثر اعتدالا.
ظهر في مقابلة مع شبكة “سي إن إن”، وهي ثاني مقابلة إعلامية له مع الشاشة نفسها، في مكان غير معلوم بسوريا، تحدث فيها عن استراتيجيته، وأهداف المعارضة التوسُّعية في سوريا، كما عقد مقابلتين أُخريين مع قناة الجزيرة: الأولى عام 2013 ولم يظهر بوجه، وأخرى مع الإعلامي أحمد منصور في 2015، واللتين بدا فيهما أكثر تشددا من الآن.
وقال الجولاني في مقابلته الحديثة مع “سي إن إن”، إن الهدف من وراء التحركات الأخيرة في سوريا وتحرير مدن رئيسية، واحدة تلو أخرى، من قبضة نظام بشار الأسد، هو الإطاحة بالرئيس الاستبدادي بشار الأسد.
وأكد أن طموحات هيئة تحرير الشام لا تقل عن وضع حد لنظام الأسد، والعمل على تشكيل حكومة قائمة على المؤسسات ومجلس يختاره الشعب.
وأكد الجولاني أن سوريا تستحق نظام حكم مؤسسيا، وليس نظاما يتخذ فيه حاكم واحد قرارات تعسفية، فلقد ظلت أسرة الأسد في السلطة لمدة 53 عاما، منذ عام 1971، ومن أجل الحفاظ على حكمها الذي دام عقودا من الزمن، قتل نظام الأسد مئات الآلاف من الأشخاص، وسجن المنشقين، وقام بتشريد الملايين بوحشية في الداخل والخارج.
وأوضح الجولاني: “إن الهدف من كل ذلك هو تحقيق هدف الثورة بإسقاط هذا النظام، فمن حقنا أن نستخدم كل الوسائل المتاحة لتحقيق هذا الهدف”، مؤكدا أن بذور هزيمة النظام كانت موجودة دائما في داخله.
وأشار إلى أن الإيرانيين حاولوا إحياء النظام، وشراء الوقت له، وبعد ذلك حاول الروس أيضا دعمه، لكن الحقيقة تبقى أن “هذا النظام مات”.
تحولات الجولاني الفكرية
أما عن تحولاته الفكرية والانتمائية، فقال الجولاني إنه مر بفترات من التحول على مر السنين، موضحا أن الشخص في العشرينيات من عمره ستكون له شخصية مختلفة عن شخص في الثلاثينيات أو الأربعينيات من عمره، وبالتأكيد شخص في الخمسينيات من عمره، هذه هي الطبيعة البشرية.
بدأ الجولاني مسيرته كمقاتل شاب في صفوف تنظيم القاعدة ضد الولايات المتحدة بالعراق، وبعد عودته إلى سوريا بعد الثورة السورية وبداية الحرب، قاد الجولاني جبهة تحرير الشام التي كانت معروفة حينها باسم جبهة النصرة، وقطع العلاقات مع تنظيم القاعدة في ظل تطور هيئة تحرير الشام، في أوائل عام 2017.
يحاول الجولاني تغيير صورته وتقديم نفسه في صورة أكثر اعتدالا، منذ انفصال تنظيمه عن القاعدة في عام 2016، ولكن ما زال المحللون والحكومات الغربية تصنّف هيئة تحرير الشام بالجماعات الإرهابية.
ويعتبره المتخصص بالمجموعات الإسلامية في سوريا، توما بييريه، متطرفا براغماتيا، موضحا أن الجولاني في عام 2014، كان في ذروة تطرفه؛ من أجل أن يفرض نفسه في مواجهة تطرف تنظيم الدولة الإسلامية _الذي كان في ذروة سيطرته وقوته في سوريا آنذاك- قبل أن يخفف لاحقا إلى من حدّة تصريحاته.
وقدم الجولاني نفسه هذه المرة باسمه الحقيقي أحمد الشرع، بدل اسمه الحركي، وذلك مؤشر جديد على رغبته في تغيير صورته، بعد بدء هجوم الهيئة والفصائل ضد القوات الحكومية في 27 نوفمبر/تشرين الثاني.
وفق مقابلته مع شبكة “سي إن إن”، وُلد في عام 1982 بالعاصمة السعودية الرياض حيث عمل والده مهندسا للنفط حتى عام 1989، وفي ذلك العام عادت عائلة الجولاني إلى سوريا، حيث نشأ وعاش في حي المزة بدمشق.
وكانت تقارير صحفية قد أشارت إلى أن الجولاني وُلد في دير الزور بسوريا عام 1981، وبحسب تقارير الأمم المتحدة، فإنه وُلد بين عامي 1975 و1979، في حين تفيد تقارير الإنتربول بأنه ولد عام 1975.
ويقال إنه درس الطب في دمشق لمدة عامين، قبل أن يترك سنته الدراسية الثالثة للانضمام إلى تنظيم القاعدة في العراق بعد الغزو الأمريكي عام 2003.
طرح الجولاني خلال مقابلته، رؤية مختلفة للبلد الذي مزقته الحرب، مؤكدا أنه إذا نجحت قوى المعارضة في الإطاحة بنظام الأسد، فسيتحول إلى دولة حكم ومؤسسات.
وأكد الجولاني أنه ليس لدى المدنيين ما يخشونه في إدارة المناطق التي يسيطر عليها المعارضة في سوريا، مضيفا أن الأشخاص الذين يخشون الحكم الإسلامي إما أنهم رأوا تطبيقات غير صحيحة له وإما أنهم لم يفهموه بشكل صحيح.
وقال إن قوات جبهة تحرير الشام والفصائل، تعمل على طمأنة المدنيين والجماعات التي عانت من الاضطهاد على أيدي الجماعات المتطرفة والجهادية في الحرب الأهلية المستمرة منذ عقد من الزمن في سوريا، مشيرا إلى أنها بذلت قصارى جهدها لتخبر المسيحيين والأقليات الدينية والعرقية الأخرى علنا بأنهم سيعيشون بأمان تحت حكمها.
وأوضح أنه كانت هناك بعض الانتهاكات ضد الأقليات، من قبل أفراد معينين خلال فترات الفوضى، لكننا عالجنا هذه القضايا، ولا يحق لأحد أن يمحو مجموعة أخرى، مشيرا إلى أن هذه الطوائف تتعايش في هذه المناطق منذ مئات السنين، ولا يحق لأحدٍ القضاء عليها.
وعارض الجولاني تصنيف هيئة تحرير الشام كمنظمة إرهابية، واصفا إياها بأنها “سياسية في المقام الأول”، معتبرا أن بعض الممارسات الإسلامية المتطرفة خلقت انقساما بين هيئة تحرير الشام والجماعات الجهادية.
وأكد أنه يعارض الأساليب الأكثر وحشية التي تستخدمها الجماعات الجهادية الأخرى والتي أدت إلى قطع علاقاته معهم، وقال إنه “لم يشارك شخصيا قط في الهجمات على المدنيين”.
رجل دولة في طور التكوين
يعتبر الباحث في الجماعات الإسلامية بييريه، أن الجولاني يواصل “خطّ مساره كرجل دولة في طور التكوين”.
ويعتقد الباحث آرون لوند أن الجولاني مسألة سياسة ناجحة، “فكلما قلّ خوف السوريين والمجتمع الدولي، بدا الجولاني لاعبا مسؤولا وليس متطرفا جهاديا وأصبحت مهمته أسهل”.
ويضيف: “هل هذا صادق تماما؟ بالتأكيد لا. هذا الرجل ينتمي إلى نهج أصولي ديني متشدد جدا، لكن ما يقوم به هو الشيء الذكي الذي يجب قوله أو فعله في هذا الوقت”.
بينما يرى أنصاره أنه “واقعي”، ويقول خصومه إنه “انتهازي”، حيث صرّح سابقا في عام 2015 بأنه لا ينوي شنّ هجمات ضد الغرب، كما يفعل تنظيم الدولة الإسلامية. وأوضح عندما انفصل عن تنظيم القاعدة، أنه فعل ذلك لإزالة ذرائع المجتمع الدولي لمهاجمة تنظيمه.