بقلم محمد غفاري – باحث إيراني في العلوم السياسية
ترجمة: شروق السيد
إن التعامل مع “الأحكام الإسلامية” -ومن بينها الحجاب- في البلدان التي تدّعي إقامة حكم إسلامي، يُعرَّف ضمن طيف يتراوح بين العنف والتسامح، والموضوع هنا ليس مناقشة ما إذا كان العنف جيدا أم التسامح، بل الهدف هو دراسة وضع الزي، خصوصا أزياء النساء، في إيران تحت قيادة المرشد ومع ادعاء البلاد أنها دولة إسلامية، كما سنتناول كيفية تعامل النظام الحاكم مع الوضع الراهن.
في البداية، سنتحدث عن عملية التغيير والتحول بمعناها الشامل، ثم التصور العام لملابس الشعب الإيراني ومدى واقعية هذا التصور، لكن أولا يجب استحضار التاريخ؛ لأن النظر إلى أي مجتمع من منظور خارجي عادةً ما يتضمن مبالغات أو تقليلا من شأن الأمور، لذلك، يجب الرجوع إلى الخلف ومن ثَم المضي قدما.
هناك تصور بأن إيران بعد الثورة شهدت وحشية شاملة ضد غير المحجبات، وبعضهن كنّ من المشاركات الفعّالات في النضال، كما يُعتقد أن الإيرانيين، حتى في الوقت الحالي، يعيشون تحت ظلم وقهر الحكومة وشرطة الأخلاق، حيث يتم إجبار الجميع على ارتداء الملابس “الصحيحة” بالقوة، وهذا التصور يتعلق بشكل خاص، بالنساء الإيرانيات، كأنهن يخشين يوميا الاعتقال أو التعرض للأذى في الشوارع.
ومع ذلك، ظهرت رواية جديدة بعد عام 2022 وأحداث وفاة مهسا أميني، هذه الرواية صورت الإيرانيين كشعب تجاوز الحجاب، ولم يعد يكترث بما تقوله الحكومة، بل يقولون جميعا “لا” للزي الرسمي أو المفضل لدى النظام، لكن يجب الإشارة إلى أن هذا التصور ليس دقيقا، والوضع لم يكن يوما بهذه الصورة الكاريكاتورية.
الحجاب في إيران دائما ما كان متغيرا، يتأثر بعدة متغيرات أخرى، فقبل الثورة وفي عهد حكم محمد رضا شاه بهلوي، كانت هناك حرية محدودة في ما يتعلق بلباس النساء، وكان النظام يسعى إلى إنهاء أشكال اللباس التقليدي للنساء الإيرانيات، وعكس رضا شاه (والده)، لم يكن محمد رضا مُصرا على فرض هذا التغيير بشكل إلزامي، وكانت الثقافة الإعلامية للنظام آنذاك تميل إلى عدم دعم الحجاب، السينما والتلفزيون.
وكما كان نظام بهلوي أحيانا قاسيا وأحيانا متساهلا في موضوع الحجاب، كذلك كان الحال في نظام “الجمهورية الإسلامية”، حيث كانت القوانين أحيانا صارمة وأحيانا متساهلة، ففي مارس/آذار 1979، أي بعد أقل من شهر على انتصار الثورة، أعلنت صحيفة صبح آزادكان عن تغيير النظام في المؤسسات الحكومية وضرورة الالتزام بالحجاب في تلك الأماكن، وهذا القرار لم يكن مُرحبا به من قبل بعض النساء اللواتي ساهمن في الثورة دون ارتداء الحجاب.
وفي 4 يوليو/تموز 1980، تم حظر دخول النساء غير المحجبات إلى الإدارات الحكومية، كان هذا القانون يقتصر على المؤسسات الرسمية، ولم يتم توسيعه ليشمل المجتمع بأسره حتى عام 1983، مع اندلاع الحرب وتراجع أهمية قضية الحجاب، توجه الناس بشكل أكبر نحو الالتزام باللباس الإسلامي، خاصة مع انتشار أجواء الجبهة.
ويجب الإشارة إلى أنه حتى خلال هذه الفترة، حاول البعض بسلوكياتهم السيئة تشويه الصورة العامة عن تعامل الناس والحكومة مع مسألة الحجاب، بعد الحرب، اتجهت الأمور نحو العرف، ومع استقرار الأوضاع زاد ميل الناس إلى البحث عن أشكال جديدة من اللباس، واتجه البعض الذين كان لديهم اعتقاد أقل ببعض المبادئ إلى خيارات مختلفة عن النهج الذي تفضله الحكومة.
ومع أحداث يونيو/حزيران 1993 وبداية حكم الإصلاحيين، ظهرت تيارات متعددة داخلية وخارجية حاولت خلق ثنائية جديدة بين الحكومة والشعب في مجال اللباس، استمر هذا الاتجاه، وفي بعض الحالات تحولت هذه الظاهرة إلى أشكال من الصراع الثقافي بين الطبقة المتوسطة والميسورة والحكومة.
وواجهت الحكومة هذا التحدي بإنشاء آليات مثل شرطة الأخلاق وتأسيس مؤسسات للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مع تكليف جميع الجهات الحكومية بمتابعة القضية، لكن هذه الجهود كانت غير متكاملة ومضطربة.
وفي العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، زادت الفجوة بين مسار الشعب ومسار الحكومة في هذا المجال. ومع توسع الإعلام وتراجع أهمية مواجهة هذا الوضع، زادت سرعة التغيرات الثقافية، وأدى الارتباك الحكومي في عملية بناء الثقافة إلى أضرار أخرى متعددة.
وعلى مدار هذه السنوات، لم يعتبر النظام “الإسلامي” في إيران مسألة عدم ارتداء الحجاب تهديدا أو مشكلة كبرى على المستوى العام، ولم ينظر النظام إلى النساء غير المحجبات كمعارضات، بل إن قائد الثورة، علي خامنئي، وصف هؤلاء النساء مرارا بأنهن “بنات إيران”.
ففي 14 يناير/كانون الثاني 2023، حيث كان أحد أهم وأخطر التحركات ضد الحكومة تحت شعار “لا للحجاب الإجباري”، وصف خامنئي النساء اللواتي يُطلق عليهن في إيران من قبل المتشددين لقب “أصحاب الحجاب السيئ” بأنهن من أبرز داعمي النظام الإسلامي، قائلا:
“في هذه القضايا، رأيتم كيف بُذلت جهود كبيرة ضد الحجاب؛ من الذي تصدى لهذه المحاولات والدعوات؟ النساء أنفسهن؛ النساء وقفن بثبات، كان أملهم أن هؤلاء النساء اللواتي يرتدين الحجاب بشكل غير كامل أن يخلعن الحجاب كليا، [لكن] لم يفعلن ذلك؛ بل وجّهن صفعة قوية إلى وجه أولئك المروجين والداعين.
حتى قاسم سليماني في أحد خطاباته الشهيرة، وصف النساء غير المرتديات الحجاب الكامل بأنهن مثل بناته، معبرا عن احترامه ومحبته لهن.
كل صباح، نشهد استعراضا لموظفي الحكومة في إيران، ليس لأن الجميع داعمون، ولكن في معظم مناطق طهران، يخرج معظم الناس العاديين بملابس عادية ومحتشمة إلى أعمالهم دون أن تكون هناك مواجهة خاصة، بشأن اللباس.
كل سيدة ترتدي نمطا مختلفا من الحجاب، بين خمار ومعطف، بحسب اختيارها، ومع ذلك، يمكن رؤية مظاهر مختلفة نسبيا على أطراف المدينة، الأزياء الأكثر تنوعا وتعقيدا تظهر أحيانا في الشوارع، لكنها تبقى في الأغلبية العظمى أقلية.
قبل التوصل إلى استنتاج، يجب مناقشة الأطراف التي تدّعي حقها في التأثير على تغييرات اللباس والمظهر العام للحجاب في إيران، يمكن تصنيف المواقف ضمن طيف ثنائي مرن، حيث نواجه مجموعتين ضاغطتين.
الفئة الأولى تسعى لدفع الناس نحو “الجنة”، هؤلاء يعتقدون أنه في مجتمع لا تلتزم فيه النساء بالحجاب الإسلامي الكامل، لن يكون هناك سبيل إلى الرضا الإلهي، ومن ثم يرون ضرورة لإرشاد هؤلاء الفتيات، حتى لو كان ذلك بالقوة.
في المقابل، هناك الفئة الأخرى التي تقول: لا! الحجاب في الأساس شيء سيئ، ورمز للتخلف، وقيد على حرية المرأة، وأداة لاستغلالها، هؤلاء يسعون لإقناع الناس بالتخلي الكامل عن اللباس التقليدي والنضال من أجل حقوق المثليين، هنا يتقابل هاجس ديني مع هاجس غير ديني (أو حتى مناهض للدين)، وكل طرف يصنع صورا نمطية متطرفة: من الالتزام المطلق إلى التحلل التام من القيود.
في هذا السياق، تحاول الحكومة تشجيع الناس على الالتزام بالحجاب الإسلامي، لكن هذا التشجيع لا يتم دائما بالقوة، لا يعني ذلك أن مسؤولي الحكومة الإسلامية يطاردون النساء بالعصي أو يجلدونهن بسبب لباسهن.
في أقصى حالات التشدد، التي أصبحت أقل شيوعا مؤخرا، يتم استدعاء النساء إلى مركز الشرطة للحصول على تعهد منهن، في هذه المراكز، يتم النقاش معهن، والشرطة لا تنظر إلى المرأة غير المحجبة أو “التي لا ترتدي حجاب كامل” كمجرمة، جهود الحكومة تركز غالبا على الجانب الثقافي، ورغم أنها ليست فعالة بشكل كبير، فإن القلم يتفوق على السيف في مسألة الحجاب.
وتتم إعادة إنتاج شكل الملابس في حالة من الضبابية، حيث تحاول كلتا المجموعتين المذكورتين التأثير على الوضع العام للمجتمع وجذبه نحو رؤيتهما، لكن في النهاية، وضع الحجاب في إيران لن يكون كما تصوره أي وسيلة إعلامية.