كتب: محمد بركات
لم يكن جديدا على الساحة السورية ما تشهده الآن من حروب داخلية بين فصائل المعارضة وجيش النظام السوري، فمنذ العام 2011 شهدت سوريا العديد من الأزمات جعلتها تتحول إلى ميدان حرب تتنافس القوى الإقليمية والدولية لحيازة جزء منه.
لكن الأمر الغريب تلك المرة هو غياب أحد اللاعبين الأساسيين عن دعم الحكومة السورية، وبشكل فعال عما كان سابقا. فإيران، وكما ثبت من سابق تجربتها في سوريا، لم تتوانَ مسبقا عن إرسال قواتها إلى سوريا لتثبيت حكومة بشار الأسد، الأمر الذي لم يحدث تلك المرة، وذلك على الرغم من اشتداد الحالة الميدانية للحرب.
سوريا تضيع!
في تصريحات أدلى بها سهيل كريمي، الخبير الاستراتيجي في الشؤون السورية والمقرب من الحرس الثوري، في مقابلة مع التلفزيون الإيراني الرسمي، يوم السبت 7 ديسمبر/كانون الأول 2024، قال: “إن ما أقدمه هنا هو تحليل شخصي، ووفقا لذلك فأنا أرى أننا إذا فقدنا سوريا بسقوط نظام بشار الأسد، فإننا لن نخسر حليفيا استراتيجيا فحسب، بل إننا سنفقد حزب الله نفسه كقوة جهادية وعسكرية، وسيتحول حزب الله من شكله الحالي إلى مجرد حزب سياسي مثل حركة أمل في لبنان، ولن يكون بمقدوره أن يلعب دورا كقوة دفاعية عن قضية فلسطين أو مواجهة الصهاينة. بالطبع، يمكننا الحفاظ على عمقنا الاستراتيجي في مناطق أخرى مثل اليمن، ولكن سوريا لها أهمية بالغة وحيوية جدا بالنسبة لنا، وآمل أن يكون هناك جهد ملموس في هذا الصدد”، وذلك وفقا لما جاء في تقرير موقع خبر أونلاين الصادر في 7 ديسمبر/كانون الأول 2024.
وحول الوضع الحالي في سوريا، قال كريمي: “على الرغم من احترامي الكبير للدكتور عراقجي وزير الخارجية الإيراني، فإن التصريحات التي أدلى بها في بغداد والتي أفادت بأن إيران تدعم سوريا بالكامل وعلى جميع الأصعدة، كانت باعثة على الأمل بشكل كبير، فأنا أراقب الوضع لحظة بلحظة، وأتابعه عن كثب من خلال اتصالاتي مع أصدقائي في سوريا، وما قاله لا يتطابق مع ما يحدث على الأرض، أبناؤنا ليسوا حاضرين حاليا في ميدان الحرب بسوريا، ولا يُسمح لهم بالوجود هناك، وهذه الأمور يجب متابعتها ومعالجتها، فلماذا يحدث هذا؟ لقد فقدت 16 من أفضل أصدقائي في سوريا، بخلاف الأصدقاء الآخرين الذين نعرفهم جميعا ونتشارك معهم ذكرياتنا، ولكن هؤلاء الـ16 كانوا رفاقي على مدار الساعة في سوريا، واستشهدوا هناك، وغير ذلك فقد قدمنا أكثر من 6 آلاف شهيد خلال هذه الفترة ضمن محور المقاومة، وهم كانوا يقاتلون هؤلاء الإرهابيين في سبيل قضية الثورة الإيرانية، ولا يمكننا بسهولةٍ التغاضي عن تلك الدماء، وفي الوقت نفسه، تلك الدماء لن تذهب هدرا”.
وحول توقعه لمسار الأحداث في سوريا، صرح قائلا: “أعتقد أننا سنشهد أياما مشرقة ومبشرة خلال الفترة القادمة، ولكن علينا أن نتجنب دفع تكاليف غير ضرورية، فأي تدخل يجب أن يكون محسوبا”.
ما الذي يمنع إيران من إرسال قوات إلى سوريا؟
منذ بداية الأزمة السورية في عام 2011، قدمت إيران دعما كبيرا لنظام بشار الأسد، سواء على المستوى العسكري أو السياسي، وقد كان هذا الدعم أحد العوامل الحاسمة في بقاء النظام، خاصة بعد أن بدأ النزاع يهدد وجوده، حيث أرسلت إيران قواتها الخاصة، مثل الحرس الثوري الإيراني، إلى سوريا ودفعت بجماعات مسلحة موالية لها مثل حزب الله اللبناني، إضافة إلى تشكيل ميليشيات شيعية من دول أخرى مثل العراق وأفغانستان.
لكن، وخلال الأزمة الحالية والتي بدأت في الـ27 من نوفمبر/تشرين الثاني، لم تقم إيران بتقديم نفس مستوى الدعم للنظام السوري، خاصة من الناحية العسكرية، فعلى الرغم من إرسال إيران عددا من الخبراء العسكريين كان على رأسهم جواد غفاري، القائد في قوات الحرس الثوري والذي عمل في الساحة السورية من قبل، فإن تصريحات كريمي تقول بأنه لا يوجد دعم عسكري حقيقي من إيران تجاه الأسد.
وعن أسباب ذلك، يصرح العقيد إسماعيل أيوب، المحلل العسكري والاستراتيجي السوري، خلال لقاء مع قناة الشرق الإخبارية، قائلا: “بعد اتفاق الهدنة الذي أُبرم بين لبنان والجانب الإسرائيلي، قال العديد من المحللين إن هناك اتفاقا آخر أبرم بين الجانبين الإيراني والأمريكي ينص على عدم إرسال قوات إيرانية إلى الداخل السوري، ويبدو أن هذا الاتفاق قد أُجري بالفعل، فهناك نحو 40.000 من الميليشيات الإيرانية موجودة بسوريا ولم نرها تتدخل في القتال حتى الآن”، وذلك وفقا للمقابلة التي أجرتها قناة الشرق بتاريخ 5 ديسمبر/كانون الأول 2024.
كذلك فقد ذكرت صحيفة “ستاره صبح” خلال تقرير عنونته بـ”وحدة بشار الأسد”، أسباب ضعف الدعم الإيراني، ملقيةً الأسباب على بشار نفسه، حيث ذكرت أن “إيران، وبسبب انشغالها مع إسرائيل، غير قادرة على تقديم المساعدة لنظام الأسد كما في السابق، كما أن حزب الله أصبح مجموعة ضعيفة وفقد جزءا كبيرا من قوته السابقة، وأما الحشد الشعبي، فهو يواجه حاجزين لدخول سوريا، الأول هو أن مدينتي البوكمال ودير الزور أصبحتا تحت سيطرة معارضي الأسد، أما الحاجز الآخر فهو رئيس وزراء العراق وآية الله السيستاني اللذان يعارضان دخول الحشد الشعبي إلى الحرب من أجل بقاء الأسد أو لمواجهة إسرائيل”، وذلك حسبما جاء في تقرير الصحيفة بتاريخ 7 ديسمبر/كانون الأول 2024.
وفي الإطار نفسه، فقد حلل موقع “ميدل إيست مونتير”، في تقريره، أسباب تراجع الدعم العسكري الإيراني، حيث ذكر: “تشير التقارير إلى أن روسيا قد منعت إيران من إرسال قوات إلى سوريا؛ وذلك نظرا إلى حساسية الوضع مع الأطراف الدولية الأخرى، كالولايات المتحدة وتركيا، ولمنع أي تصعيد في الداخل السوري من شأنه أن يجبر روسيا على القيام بعمليات إضافية هناك في ظل انشغالها بالحرب مع أوكرانيا”، وذلك وفق تقرير الموقع بتاريخ 3 ديسمبر/كانون الأول 2024.
موقف الفصائل الشيعية العراقية
كذلك، فقد عكس موقف الفصائل الشيعية في العراق من الوضع في سوريا تحولا في سياساتها ودورها العسكري في الأزمة السورية، فعلى الرغم من أن هذه الفصائل، مثل كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق وحركة النجباء، قد لعبت دورا بارزا في دعم النظام السوري منذ بداية النزاع في 2011، فإن موقفها في الآونة الأخيرة يُظهر تراجعا في الدعم العسكري المباشر.
ففي الأشهر الأخيرة، خاصة مع تصاعد التوترات الإقليمية، ظهرت لهجة تردد واضح من قبل الفصائل الشيعية في إرسال مزيد من القوات إلى سوريا، وعلى الرغم من وجود طلبات من النظام السوري لتقديم الدعم العسكري، وضمن ذلك من الحرس الثوري الإيراني، فقد قررت القيادة العراقية لهذه الفصائل عدم الانخراط المباشر في المعركة بسوريا، وذلك حسبما جاء في تقرير “ميدل ايست آي” بتاريخ 7 ديسمبر/كانون الأول 2024.
كذلك، فإن أحد الأسباب الرئيسية لذلك القرار، هو ما يصفه قادة هذه الفصائل بالفخ من قبل إسرائيل، التي قد تستغل تدخُّل هذه الجماعات في سوريا لتوجيه ضربات ضدها هناك بعيدا عن العراق، فتفضل الفصائل الشيعية أن تحافظ على قواتها داخل العراق، خاصة في ظل التهديدات المتزايدة من قبل إسرائيل، والضغوط الدولية والإقليمية. علاوة على ذلك، يبدو أن الفصائل الشيعية قد تبنت موقفا أكثر تحفظا، يركز على دعم النظام السوري سياسيا ودبلوماسيا، من خلال تقديم المساعدات الإنسانية والاستخباراتية، لكن دون إرسال قوات مقاتلة.
فصائل المعارضة تعصف بجيش النظام
يأتي ذلك في الوقت الذي تشهد فيه سوريا تقدما كبيرا للمعارضة السورية وجبهة تحرير الشام، وذلك في إطار العمليات العسكرية التي بدأت في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني، حيث قامت هذه المجموعات بتوسيع هجومها ضد قوات النظام في مناطق غرب حلب وتمكنت من استعادة العديد من القرى والبلدات، وضمن ذلك السيطرة على أجزاء كبيرة من مدينة حلب نفسها. وشهدت العمليات العسكرية مواجهة شديدة في أحياء مثل الشيخ عقيل ومناطق أخرى قرب الحدود التركية، حيث أسفرت عن انسحاب سريع لقوات النظام، وذلك وفقا لتقرير موقع فرارو الإخباري بتاريخ 7 ديسمبر/كانون الأول 2024.
كذلك، فقد نفذت هيئة تحرير الشام هجمات على عدة جبهات أخرى، مع تزايد مشاركة الفصائل المعارضة. ومع التقدم في غرب حلب، افتتحت المعارضة جبهة جديدة في جنوب إدلب، حيث تمكنت من السيطرة على مدن مثل معرة مصرين في الشمال الغربي.
وفي الوقت نفسه، واصلت القوات الروسية شن ضربات جوية على مناطق المعارضة، مستهدفةً أهدافا مدنية في مدينة حلب وضواحي إدلب. كما أشار البعض إلى أن العديد من المناطق التي سيطرت عليها المعارضة، مثل مدينة سراقب، قد شهدت تحسنا في الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والإنترنت، مما يعكس استقرارا نسبيا في المناطق المحررة.
وتبقى المواجهات مستمرة في جنوب سوريا، حيث سجلت فصائل المعارضة تقدما في مناطق درعا والسويداء، والتي تبعد عن دمشق 130 كيلومترا، بينما تركزت تحركات جبهة تحرير الشام في مناطق حماة وشمال ريف حمص.