كتبت: هدير محمود
ناقش الدبلوماسي الإيراني عبد الرضا بني علي، الذي كان يعمل سابقا مستشارا ثقافيا في مكتب رعاية المصالح الإيرانية بمصر، في حوار مع “زاد إيران”، آفاق تطوير العلاقات بين إيران ومصر، كما أعرب عن أمله في مستقبل أفضل للعلاقات بين البلدين ودفع العلاقات بين إيران والقاهرة نحو مسار التطور، وأيضا تأثير العقوبات على الاقتصاد الإيراني وتطورات الملف النووي الإيراني وأثره على العلاقات مع دول الجوار.
كيف تصف حالة العلاقات بين مصر وإيران خلال فترة عملك في القاهرة؟
في ما يتعلق بالعلاقات بين إيران ومصر، كلا البلدين يتمتع بحضارة عريقة، وشهد ظهور شخصيات بارزة في المجالات الدينية والفكرية والإسلامية، مما جعلهما لاعبين مؤثرين في العالم الإسلامي وأيضا في منطقة الشرق الأوسط. لكن خلال فترة وجودي في مصر، تزامنت الأحداث مع جائحة كورونا ومقتل القيادي بالحرس الثوري قاسم سليماني، وضغوط ترامب على الدول العربية لخفض علاقاتها مع إيران. إضافة إلى التوتر بين إيران والسعودية، مما أثر سلبا على العلاقات الإيرانية المصرية. ورغم هذه التحديات، قمنا بالتواصل مع المصريين، خاصةً أساتذة وطلاب اللغة الفارسية، عبر الإنترنت، فقد نظمنا دورات لتعليم الفارسية، وسجل فيها نحو 400 طالب مصري. كما أنشأنا مجموعة على تليغرام تُعنى بالأدب الفارسي دون تناول السياسة والمسائل الدينية فيها.
كيف ترى مستقبل العلاقات الثنائية في ظل التغيرات الإقليمية الحالية؟
أتوقع مستقبلا مشرقا للعلاقات بين البلدين، الحمد لله، مع إزالة العوائق والمشاكل في العلاقات بين إيران والسعودية ودول الخليج، تم توفير فرصة لتحسين العلاقات بين إيران ومصر. وبوساطة بعض الدول، مثل العراق، تم توفير فرص جيدة لكي تتمكن الدولتان من التواصل على أعلى المستويات. اللقاء الذي جرى بين الراحل ابراهيم رئیسی والرئيس السیسی، وكذلك اللقاء بين وزيري خارجية مصر وإيران، جميعها تُبشر بأننا سنشهد مستقبلا أفضل في العلاقات.
ما دور الثقافة في تعزيز العلاقات بين الشعوب، خاصة بين الشعبين المصري والإيراني؟
الثقافة والفن واللغة من المجالات التي يمكن أن تلعب دورا كبيرا في تقريب الشعوب والدول، بل حتى الحكومات؛ لأن طبيعة الثقافة والفن طبيعة راقية، بعيدة عن الضجيج السياسي. الأشخاص الذين يتعاملون مع الثقافة يمتلكون أرواحا حساسة، ويحاولون طرح القضايا والمشاكل والخلافات بينهم بلغة فنية. ومن الطبيعي أن التعاون الثقافي في مجالات مختلفة مثل السينما والموسيقى والمسرح، يوفر فرصا ممتازة لتوسيع العلاقات بين شعبي البلدين يوما بعد يوم، ويمهد الطريق لتقريب حكومات البلدين.
كيف يمكن للثقافة والفنون أن تسهم في تجاوز الخلافات السياسية بين الدول؟
إن إقامة فعاليات ثقافية في كلا البلدين مهم للطرفين، حيث يعرض المصريون ثقافتهم في إيران، ويعرض الإيرانيون ثقافتهم في مصر، والتعريف بالتراث والعادات والتقاليد لكل شعب للآخر، يمكن أن يسهم بشكل كبير في توطيد العلاقات، ويمهد الطريق لـ إذابة المشاكل التي تسود العلاقات بين البلدين.
كما تحظى اللغة الفارسية في مصر والعربية في إيران باهتمام واسع لدى الدارسين.
وفي مصر، تضم العديد من الجامعات أقساما لتدريس الفارسية، وتشهد إقبالا كبيرا من الطلاب المهتمين بالأدب والثقافة الإيرانية، خاصةً أعمال شعراء مثل الرومي وحافظ وسعدي وفردوسي. ويمكن استثمار هذا الاهتمام المشترك لتعزيز التعاون الأكاديمي وتطوير العلاقات بين الجامعات في البلدين، حيث يمكن استثمار هذا الاهتمام المشترك بين دارسي اللغة العربية في إيران ودارسي اللغة الفارسية في مصر لتعزيز التعاون الأكاديمي، وتطوير العلاقات بين الجامعات، وتسهيل التبادل بين أساتذة اللغتين في البلدين.
كيف أثرت الأحداث الإقليمية في الشرق الأوسط، مثل الثورة السورية أو الحرب في اليمن، على العلاقات الإيرانية المصرية؟
بكل تأكيد، نحن نعيش في عالم تتأثر فيه العلاقات بين الدول بكل الأحداث والتطورات التي تحدث على الساحتين السياسية والحكومية.
في ما يتعلق بسوريا، كان موقف مصر في هذا الشأن موقفا جيدا للغاية، كما أن إيران بذلت جهودا كبيرة لدعم الحكومة في سوريا. مصر مقارنة بباقي الدول العربية، اتخذت موقفا إيجابيا ودعمت الحكومة السورية آنذاك.
أما بالنسبة لليمن، فقد كانت هناك بعض المشكلات التي نشأت بين اليمن والسعودية، والتي تم حلها، وقد أثرت هذه القضايا إلى حد ما، على العلاقات بين إيران ومصر، لكنها لم تكن ذات تأثير كبير. أثرت برودة العلاقات بين إيران والسعودية على العلاقات الإيرانية المصرية. ومع تحسن العلاقات بين إيران والسعودية، تهيأت الأجواء لتحسين العلاقات بين إيران ومصر.
كيف ترى دور إيران في الشؤون العربية، وما رؤيتك لموقفها في القضايا الإقليمية؟
يجب تأكيد أن إيران دولة إسلامية كبرى، وقد سعت دائما لإقامة علاقات طيبة مع مختلف دول العالم، لا سيما دول الخليج المجاورة والدول العربية الأخرى، خاصةً الدول الإسلامية منها. كانت جهود إيران تتركز على تعزيز الوحدة والتآزر بين الدول العربية والإسلامية بهدف الوقوف صفا واحدا في مواجهة أعداء الإسلام والمسلمين.
ما أبرز التحديات التي تواجه إيران في علاقتها مع العالم العربي، خاصةً دول الخليج؟
في الوقت الحالي، لا توجد تحديات تُذكر في علاقة إيران بالدول العربية. فقد ساد جو من التفاهم والتوافق بين الجانبين، حيث أدركت كل من إيران والدول العربية، لا سيما دول الخليج، أن التعاون والتنسيق في مواقفهم تجاه قضايا العالم الإسلامي والشؤون السياسية سيسهم بشكل أفضل في تحقيق مصالحهم المشتركة. لذلك، لا أرى في الوقت الراهن أي عقبات تذكر تعترض هذه العلاقات.
ما أبرز التحديات التي واجهتك كدبلوماسي إيراني في مصر؟
كنت قد أجبت عن هذا السؤال سابقا في سياق أسئلة أخرى. عندما جئت إلى مصر، كانت العلاقات بين إيران ودول الخليج، خاصةً السعودية، متوترة ومقطوعة. من جهة أخرى، كان ترامب في الولايات المتحدة يتبنى موقفا معاديا لإيران، ويضغط على الدول العربية لقطع علاقاتها مع إيران، مما جعل العلاقات بين إيران ومصر في حالة غير مستقرة. لكن الحمد لله، مع تحسن العلاقات بين إيران والسعودية وزوال ترامب وتخفيف الضغوط، بدأت العلاقات بين إيران ومصر تتحسن. ونتمنى في المستقبل القريب أن نشهد إعادة فتح سفارتي البلدين في أراضي بعضهما البعض.
كيف ترى إمكانيات التعاون الاقتصادي بين مصر وإيران في ظل الظروف السياسية الحالية؟
يتوقف التعاون الاقتصادي على عدة عناصر ومعايير تؤثر فيه، ومع تغير هذه العناصر، تتغير طبيعة العلاقات أيضا. إذا توافرت إرادة حقيقية من كلا البلدين لتحسين العلاقات الاقتصادية وإزالة العقبات التي تعترضها، فمن الطبيعي أن تنشأ فرص جيدة للتعاون. يمكن أن يشمل هذا التعاون مجالات عديدة مثل السياحة، والتبادل التجاري، وقطاع النفط والبتروكيماويات، إضافة إلى قطاعات اقتصادية أخرى كالمنتجات الزراعية.
ما القطاعات التي يمكن أن تشكل نقطة انطلاق لتعاون اقتصادي مثمر بين البلدين؟
النقطة الأهم لبدء التعاون هي إقامة رحلات مباشرة بين البلدين، مما سيسهل وجود السياح الإيرانيين في مصر والسياح المصريين في إيران. هذه الخطوة يمكن أن تكون البداية لتبادل اقتصادي فعّال، يتبعها تعزيز الشراكة في قطاع البتروكيماويات، مما يمهد لإقامة علاقات جيدة وتبادل مثمر بين البلدين، تمهيدا لاتخاذ خطوات إضافية في مجالات أخرى.
كيف ترى تطورات الملف النووي الإيراني وأثرها على العلاقات مع دول الجوار؟
في ما يتعلق بالملف النووي الإيراني، فهو في الواقع يمثل ذريعة تستخدمها الولايات المتحدة والدول الغربية. ولا أعتقد أن الدول العربية ستكون شديدة الحساسية تجاه هذا الموضوع، حيث أعلنا مرارا، وأكد قائد إيران علي خامنئي، أننا نهدف فقط إلى استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية، ولا نمتلك أي نية لإنتاج سلاح نووي. ومع ذلك، تسعى الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، للبحث عن مبررات لفرض العقوبات على إيران، واعتبرت الملف النووي عقبة أمام تحسين العلاقات مع الغرب.
لا أرى أن هذا الملف سيكون تحديا في العلاقة بين إيران والدول العربية، لأنهم يدركون أن إيران تسعى لاستخدام الطاقة النووية بشكل سلمي. في الواقع، إذا كان من المفترض أن يشكل الملف النووي الإيراني مشكلة، فستكون هذه المشكلة بالنسبة لإسرائيل وليس للدول العربية.
كيف تواجه إيران التحديات الاقتصادية والاجتماعية الداخلية في ظل العقوبات الدولية؟
إيران تواجه تحديات داخلية نتيجة العقوبات المفروضة من الولايات المتحدة والدول الغربية، مما أثر على التقدم في العديد من الصناعات، رغم هذه العقوبات والضغوط التي تُمارَس على إيران تواصل إيران السعي لتحقيق التقدم الاقتصادي لتوفير حياة أفضل للشعب الإيراني، كما تسعى الحكومة إلى تجاوز هذه العقوبات وتوفير مساحة تنفس للشعب. لا نريد أن نتحدث بشكل غير واقعي عن هذا الأمر. الضغوط قد جعلت الشعب يشعر بالتعب إلى حد ما، هذا الوضع قد أدى إلى ظهور بعض المشكلات في القضايا الاجتماعية. عندما يتعرض الناس لضغوط اقتصادية ومعيشية، ينعكس ذلك على سلوك الناس، وهذا حقهم. فعندما ترتفع أسعار البنزين أو الخبز، أو عندما تزداد أسعار المواد الأساسية، فإن ذلك يترك آثارا على البيئة الاجتماعية، وقد يتخذ الناس أحيانا إجراءات لا تكون مقبولة من قبل الحكومة، لكن في النهاية، تؤثر المسائل الاقتصادية والضغوط الاقتصادية على حياة الناس.
نأمل أن نتجاوز هذه التحديات و الضغوط الناتجة عن العقوبات من خلال اتخاذ مجموعة من السياسات الجيدة والمناسبة من قبل حكومة السيد بزشكیان.
ما الأولويات التي تراها إيران في سياساتها الداخلية والخارجية في المستقبل القريب؟
تتمثل الأولوية الداخلية للرئيس الجديد في تعزيز الرفاهية والتضامن بين التيارات السياسية المختلفة، بحيث يمكنهم اتخاذ موقف موحد في مجالات الاقتصاد والسياسة الخارجية، مما يساعد على تحريك عجلة الاقتصاد، وتقليل التضخم، واستعادة الحياة اليومية للناس إلى طبيعتها.
في ما يتعلق بالسياسة الخارجية، تسعى الحكومة إلى متابعة سياسة خفض التوتر مع الغرب والولايات المتحدة. وإن لكل دولةٍ خطوطا حمراء معينة وأهدافا لا تتنازل عنها، ولا تقبل بتجاوز تلك الخطوط. وهذا ينطبق أيضا على إيران.
وفي ما يتعلق بالملف النووي الإيراني، بذلت حكومة السيد روحاني جهودا كبيرة للتفاوض مع مجموعة 5+1، وتم التوصل إلى اتفاقية بعد عامين أو ثلاثة من المحادثات. لكن مع وصول ترامب إلى السلطة، قام بإلغاء هذه الاتفاقية، التي كانت يمكن أن تكون أساسا للتعاون المشترك وحل العديد من القضايا. هذا القرار أعاد إيران، والدول الغربية، والولايات المتحدة إلى نقطة الصفر مجددا.
نأمل أن يتخلى الغرب والولايات المتحدة عن المواقف العدائية والسياسية التي تُستخدم كذريعة ضد البرنامج النووي الإيراني، وأن يتعاملوا مع القضايا المطروحة بأسلوب عقلاني. كما أكّد قائد إيران علي خامنئي، في مناسبات عديدة، أن إيران ليست في سبيلها لامتلاك سلاح نووي، بل تسعى لاستغلال فوائد الطاقة النووية لأغراض سلمية.
أعتقد أنه في حكومة السيد بزشكیان ستكون هناك فرصة مناسبة لإعادة إحياء الاتفاق النووي وحل المشكلات القائمة، وخفض التوتر بمنطقة الخليج والشرق الأوسط في مصلحة الجميع، سواء أوروبا، الولايات المتحدة، أو دول المنطقة.
كيف ترى تأثير العقوبات الغربية على إيران؟
عموما، لقد أدت ضغوط العقوبات إلى تعطل اقتصاد إيران، وطالما أن هذه العقوبات قائمة، فلا يمكننا أن نتوقع تحقيق نمو اقتصادي جيد لإيران، ولا يمكننا استيراد العديد من التقنيات الحديثة، ولا يمكننا خفض التضخم. لكن إذا تم رفع العقوبات، نأمل أن نشهد قفزة اقتصادية في الاقتصاد الإيراني.
ما الفرص التي قد تتيحها المفاوضات مع الغرب لتحسين وضع إيران على الساحة الدولية؟
العقوبات تجعل الأمور أكثر صعوبة وتعقيدا. فمثلا، إذا كانت لديك سيارة جيدة بجميع قطع الغيار اللازمة وفي حالة فنية جيدة، يمكنك قطع مسافة 100 كيلومتر في 30 دقيقة. أما إذا كانت السيارة تحتوي على قطع معطلة ولم تتمكن من الحصول على القطع اللازمة، فسوف تحاول السير بحذر، مما يجعلك تستغرق ساعة أو أكثر لقطع المسافة نفسها. الوضع في إيران أيضا على هذا النحو؛ إذا تم رفع العقوبات، يمكننا تحقيق قفزة، أما إذا لم يحدث ذلك، فسنواجه ظروفا صعبة في ظل المشاكل الحالية.
ما خططك المستقبلية في مجال الدبلوماسية؟
بالنسبة لي، يبدو من غير المحتمل أن أعود كدبلوماسي إلى مصر مرة أخرى، لأن الموظفين الذين يتم إرسالهم إلى بلد، خاصةً بلدا مثل مصر، تكون إجراءات الحصول على تأشيراتهم صارمة جدا بالنسبة للأشخاص العاديين وحتى موظفي الحكومة. لذا، من غير المرجح أن أتمكن من خدمة أحبائي المصريين مرة أخرى. أما في مجال الدبلوماسية الثقافية، كما ذكرت لكم سابقا، فإن الثقافة والفن عنصران يمكن أن يساهما كثيرا في تحسين العلاقات بين البلدين. ولكن بشرط أن يسمح المسؤولون السياسيون في كلا البلدين بإجراء هذه التبادلات الثقافية.
هل ترى إمكانية العودة إلى مصر في دور دبلوماسي آخر أو تقديم مشروعات ثقافية جديدة؟
بالتأكيد لا توجد أي مشكلة من الجانب الإيراني. نحن على استعداد للتعاون في جميع مجالات الثقافة والفن، سواء في السينما، أو الموسيقى، أو الفنون التشكيلية، أو حتى في التبادلات الجامعية. لكن الجانب المصري هو الذي يجب أن يهيئ الظروف المناسبة، إن شاء الله، لنشهد تبادل الوفود الثقافية والفنية، بحيث يتمكن شعبا البلدين من الاستفادة من الثقافة والفن في كل منهما.