كتبت- رضوى أحمد
صرح مسعود بزشكيان، الرئيس الإيراني، في حديث له في أثناء زيارته أنشطة البنية التحتية لمقر خاتم الأنبياء للإعمار (شركة هندسية تابعة للحرس الثوري) يوم السبت 17 سبتمبر/أيلول 2024، إلى أن طهران مع كونها عاصمة البلاد فإنها تواجه مشكلات لا حل لها سوى نقل العاصمة؛ فندرة المياه، والانخفاض الأرضي، وتلوث الهواء، مع استمرار السياسات المتخذة حتى الآن أثبت أن تلك المشاكل لا حل لها، والحل الرئيس هو نقل المركزية السياسية والاقتصادية للبلاد، وقد أثار الجدل بهذا التصريح، وتناولت صحف إيرانية عديدة هذا الموضوع.
فصرحت وكالة أنباء خبر فورى الإيرانية في تقرير لها يوم 9سبتمبر/أيلول 2024، بأن مشروع نقل العاصمة غير مؤكد حتى الآن، حيث إنه مكلف ومتعب للغاية، لكن في حالة تنفيذ هذا المشروع ستحدث تغييرات اجتماعية واسعة النطاق في طهران، وأشار التقرير إلى حالة مماثلة حدثت في أصفهان، على الرغم من أنها اليوم من أكبر وأحدث مدن إيران، إلا أنها عندما كانت عاصمة إيران كانت إحدى أجمل مدن العالم.
– تاريخ أصفهان:
في عهد الشاه عباس الأول تم نقل العاصمة من قزوين إلى أصفهان عام 1597؛ ليعيش في وسط إيران ويراقب الأعداء الغربيين والشرقيين، العثمانيين والأوزبك، بالتساوي.
كانت أصفهان مدينة مليئة بالمياه ولها موقع استراتيجي جيد، وقد أرسل الشاه الصفوي الوزراء العلماء والحرفيين والتجار إلى هذه المدينة ثم ذهب بنفسه مع حاشيته والجيش، فلعب الشاه عباس دوراً بارزاً في بناء وتطوير أصفهان، حيث استخدم مياه نهر زاينده وبنى العديد من القرى حول أصفهان، وبهذه الطريقة تمكن من توفير الغذاء للمدينة.
كما أحدث الشاه عباس ثورة في عمارة أصفهان، فبنى ساحة كبيرة في وسط المدينة وربطها بالسوق (المركز الاقتصادي للمدينة) والمسجد الجامع (المركز الديني للمدينة)، وكان قصر الشاه متصلاً بساحة المدينة، وبهذه الطريقة اكتسبت أصفهان شكلاً منظماً، وتمكن الشاه عباس من خلال مسيحيين الأرمن المنفيين إلى جلفا من إحداث ثورة في عمارة المدينة، حيث قام الأرمن في جلفا ببناء مبانٍ فخمة مقابل الأمن والحرية الدينية، وبهجرة التجار الأثرياء إلى أصفهان، ازدهرت المدينة اقتصادياً، وتحولت أصفهان خلال حكم الصفويين إلى واحدة من أبهى مدن العالم، وأعجب بها الرحالة بها لدرجة أن وصفها بعضهم بأنها أبهى من باريس وإسطنبول.
وفي حكم الشاه سلطان حسين كان ينفق نصف إيرادات الدولة السنوية على بناء الحدائق والمباني الفخمة في أصفهان بدلاً من الإعمار والتطوير، كما ذكر رستم الحكماء في كتابه (رستم التواريخ)، وأدت هذه السياسة إلى ضرر الصفويين وأصفهان.
-نهاية أيام أصفهان السعيدة:
عام 1722 سقطت أصفهان بيد محمود الأفغاني، وبدأ الأفغان بالنهب والمذابح ودُمِّرَت العديد من المباني، لكن أصفهان ظلت قائمة، ومع ظهور نادر شاه الأفشاري وهزيمة الأفغان استقر نادر لفترة في أصفهان، لكنه لم يهتم بها؛ لأنه اعتبر نفسه منافساً للصفويين لا أن يسير على نهجهم، لذا بعد تتويجه نقل عاصمة إيران إلى مشهد. وبانتقال العاصمة من أصفهان إلى مشهد، بدأت مرحلة انحدار أصفهان وعانت من مشاكل كثيرة، وفرض نادر شاه ضرائب باهظة على سكانها، وهاجر كثير من الحرفيين والمزارعين إلى مدن أخرى، مما أضر باقتصاد أصفهان وتراجع ازدهارها، لكنها ظلت أهم وأجمل مدن إيران حتى نهاية عهد الأفشاريين.
تلقت أصفهان الضربة القاسية عندما قتل نادر شاه على يد قادته، ودخول إيران في سنوات من الحروب الأهلية واستيلاء عدة قادة متعاقبين عليها، من علي مردان خان البختياري، ثم كريم خان الزندي، ثم آزاد خان الأفغاني، ثم محمد حسن خان القاجاري، وأخيراً كريم خان الزندي مرة أخرى، وقد فرض غالب القادة ضرائب باهظة على سكان هذه المدينة، ومنهم من أخذ العديد من الحرفيين الماهرين من أصفهان إلى مدن أخرى وبالتالي انهار اقتصاد أصفهان.
كان سكان أصفهان يفضلون كريم خان الزندي على غيره من القادة، فسارعوا إلى مساعدته وتمت هزيمة قوات القاجاريين والأفغان، حيث كان كريم خان الزندي حاكماً معتدلاً، وفرض ضرائب خفيفة نسبياً على أصفهان. وعيّن علي مراد خان، وهو قائد ماهر ومعتدل مثله، والياً على أصفهان وأمره بإعادة إحياء الزراعة والصناعة في المدينة، لكن الحروب ألحقت أضراراً بالغة بأصفهان فلم يكن ممكناً إعادة إحيائها.
ووفقاً للوثائق التاريخية، انخفض عدد سكان أصفهان من نحو 200 ألف في عصر الصفويين إلى 20 ألف فقط في بداية حكم الزنديين، وأدت الحروب والأوبئة كالطاعون إضافة إلى الضرائب الثقيلة؛ إلى هجرة المسيحيين من جلفا في أصفهان، كما واجه الفلاحون جفافاً وتركوا أراضيهم بوراً.
هذه المشاكل أدت إلى تدمير اقتصاد أصفهان وأفقدتها بهاءها، فاختار كريم خان شيراز عاصمة جديدة له، ومع ذلك، حاول إعمار أصفهان، فوفقاً للوثائق التاريخية ازداد عدد سكان أصفهان من 20 ألفاً إلى 50 ألف نسمة خلال 13 عاماً بفضل جهوده، ومع ذلك لم تعد باريس إيران (أصفهان) قادرة على أن تكون العاصمة المختارة حتى بعد وصول آقا محمد خان القاجاري إلى السلطة، وتنازلت عن مكانها لصالح طهران.