ترجمة: يارا حلمي
نشرت صحيفة “إيران” الإيرانية الرسمية، السبت 12 أبريل/نيسان 2025، تقريرا تناولت فيه زيارة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان لمحافظة ألبرز، ورؤيته لحل مشكلات البلاد بالعودة إلى الشعب وإشراكه في مختلف المجالات، كما تطرق إلي ضرورة توزيع الموارد الوطنية بشكل عادل ومنظم.
العودة إلى الشعب
ذكرت الصحيفة أن بزشكيان قام يوم الخميس 10 أبريل/نيسان 2025، بزيارة ليوم واحد لمحافظة البرز، برفقة عدد من أعضاء حكومته، وركّزت الزيارة على زيارة المشاريع والبرامج الاجتماعية.
وأشارت إلى أن أولى محطات هذه الزيارة كانت في مدرسة قاسم سليماني، حيث تفقد بزشكيان المعرض المخصص لعرض أنشطة مقر الجبهة الاجتماعية لمحافظة البرز، واطّلع على جهود المقر في مجال محاربة الفقر والتهميش.
وتابعت أن هذا المقر الاجتماعي ينشط في مجالات متنوعة منها: تعليم المهن المنزلية، صناعة السجاد اليدوي، النسيج اليدوي، الخياطة، صناعة الفخار، تفصيل المعاطف، التعليم للنساء المعيلات لأسرهن، إقامة ورش التوعية بالأضرار الاجتماعية، ودورات علاج الإدمان.
وقد أصدر المقر حتى الآن 14 ألف رخصة للمهن المنزلية، وقدم تسهيلات مالية بقيمة 2 تريليون ريال أي ما يعادل 1.92مليون دولار(بسعر السوق الحر).
وذكرت أن المقر الاجتماعي لمحافظة البرز قام بتصميم وتنفيذ خطط لمكافحة الفقر تشمل 67 حيا و2021 مشروعا في أنحاء المحافظة، كما شهدت المناطق المحرومة في مدينة كرج، مثل حي “خط جهار حصار”، تنفيذ مشاريع بنى تحتية وخدماتية، شملت إنشاء طرق رئيسية وفرعية، وتعبيد الشوارع، وبناء حدائق ومدارس.
كما أشارت إلى أن برنامج زيارة بزشكيان تضمن أيضا زيارة مقر شرطة المرور المركزية التابع لطهران، إضافة إلى عقد اجتماع مع مديري وناشطي المقر الاجتماعي لمحافظة البرز.
رؤية بزشكيان في حل المشكلات
ذكرت الصحيفة أن بزشكيان، وخلال هذه الزيارة، كما في خطاباته وجولاته السابقة، قدّم رؤية موحدة لمعالجة المشكلات المختلفة، على الرغم من تنوعها، وتتمثل هذه الرؤية في “العودة إلى الشعب”، مؤكدةً أن العودة إلى الشعب لا تعني حلا موحدا في كل المجالات، بل تختلف بحسب طبيعة المشكلة، خلفيتها، وتعقيداتها.
وتابعت أن بزشكيان ضرب أمثلة عملية على هذه العودة، موضحا أنه في قضية اختلال التوازن، فإن إشراك المواطنين في ترشيد أو تقليل استهلاك الموارد هو أحد الحلول، مشيرا إلى نجاح حملة “درجتان أقل” (ذلك من خلال دعوة المواطنين إلى خفض درجة حرارة التدفئة بمقدار درجتين مئويتين) كمثال ملموس يمكن البناء عليه.
وأضافت أنه في ما يتعلق بخفض حوادث السير، خصوصا خلال عطلة النوروز، أشار إلى إمكانية الاعتماد على مشاركة المواطنين في تحسين الأوضاع.
كما ذكرت إن بزشكيان أوضح أن مشاركة الناس أثبتت فعاليتها في بناء المدارس، وإنشاء المستشفيات والمراكز الصحية، مستندا إلى تجاربه حين كان رئيسا لجامعة تبريز للعلوم الطبية، حيث كان لتعاون المواطنين دور في تجاوز العقبات التي لم تتمكن الحكومة أو البيروقراطية الإدارية من حلها.
ذكرت الصحيفة أن الرئيس الإيراني أشار إلى آلية منح العملات الأجنبية للمستوردين بسعر 285 ألف ريال أي ما يعادل 0.285 دولار، والتي تُستخدم لتأمين السلع الأساسية، مؤكدا أن هذه الآلية تؤدي إلى توزيع الريع الاقتصادي.
وأضاف أن التاجر الذي يحصل على هذا السعر المميز من العملة، سواء استورد بضاعة أم لا، يحقق ربحا فوريا يصل إلى نحو 700 ألف ريال من كل دولار، مقارنة بسعر السوق الحر البالغ مليون ريال.
ذكرت الصحيفة أن بزشكيان استشهد بتصريح لعبد الناصر همتي، وزير الاقتصاد والمالية الإيراني السابق، قال فيه إن نحو 7 تريليونات ريال أي ما يعادل 700 ألف دولار، من الريع توزع سنويا نتيجة الفارق بين سعر العملة المدعومة وسعر السوق الحر، ويحدث ذلك تحت شعار دعم معيشة المواطنين، فيما تُباع السلع والخدمات فعليا بأسعار السوق، ويستفيد من الفرق فئة محدودة من الناس.
وتابعت أن هذا الريع غير المنضبط يؤدي إلى ثراء فاحش مفاجئ لدى البعض، يظهر في شراء العقارات داخل البلاد وخارجها، وامتلاك سيارات فاخرة، واستعراض الثروة في شوارع طهران والمدن الكبرى الأخرى.
أمثلة وتجارب لحل المشكلات بمساعدة الشعب
ذكرت الصحيفة أن مفهوم “العودة إلى الشعب” لم يُطرح بشكل مباشر في خطاب بزشكيان خلال اجتماعه مع مسؤولي مقر الجبهة الاجتماعية في محافظة البرز، بل جاء عبر نماذج وأمثلة قدّمها بزشكيان تؤكد مشاركة الناس في حل الأزمات، وهي لا تختلف جوهريا عن شعار “العودة إلى الشعب”.
وأشارت إلى أن بزشكيان وصف الجهود المبذولة في محافظة البرز، استنادا إلى التقارير المقدّمة له، بأنها “خطوة كبيرة في طريق الثقة بالشعب والسلطة المحلية”. وأوضح عن إيمانه بدور الناس قائلا: “أنا مؤمن بإمكانية العمل مع الشعب”.
وتابعت أن بزشكيان استند إلى تجاربه الشخصية حين كان رئيسا لجامعة تبريز للعلوم الطبية، حيث قال: “في بداية رئاستي للجامعة، كنت أبحث عن تأمين الميزانية، وكنت أعتقد أن المدير الجيد هو من يجلب المال من الأعلى، لكننا اكتشفنا أنه لا توجد ميزانية مخصصة لنا، وبعد ستة أشهر من الإحباط، قررت تغيير رؤيتي”.
وأوضح بزشكيان هذا التغيير في رؤيته بالقول: “حين رأيت أن النظر إلى الأعلى لن يُفضي إلى نتيجة، صرفت النظر عنهم ولجأت إلى قدرات الناس والإمكانات الداخلية في المحافظة، وخلصت إلى نتيجة، مفادها أنه إذا كنا فعلا نحرص على مصلحة الشعب، فيجب أن نعتمد على أنفسنا لحل المشكلات”.
وأشارت إلى أن نتائج هذا التحول في الرؤية ظهرت حين استطاع بزشكيان خلال فترة رئاسته جامعة تبريز بناء 650 مركزا صحيا صغيرا و130 مركزا صحيا شاملا خلال ستة أشهر فقط، من دون أن يحصل على ريال واحد من الميزانية الحكومية.
الدولة لا يمكنها أن تفعل كل شيء
ذكرت الصحيفة أن بزشكيان قدّم رؤية مغايرة للنهج السائد في البلاد، والذي يتوقع من الحكومة أن تتولى تنفيذ كل شيء، وأشار إلى أن الوظيفة الأهم لأي حكومة هي توفير السلع العامة مثل الأمن والطاقة، إلى جانب وضع السياسات وتهيئة البيئة المناسبة لنشاط الشعب والسوق، لا أن تحلّ مكان كل الفاعلين الاجتماعيين والاقتصاديين.
وأوضحت أن الحكومة في إيران باتت تمارس دورا بديلا لكل القطاعات، بدءا من التنمية وصولا إلى بناء العيادات والمراكز الطبية، وهو ما يفوق طاقتها، حيث إن الحكومة لا تمتلك القدرات الإدارية والسياسية اللازمة للقيام بكل هذه الأعباء، كما أنه نوّه إلى أزمات أخرى تواجه الدولة في الظروف الراهنة.
وتابعت أن بزشكيان، وبعد تأكيده أهمية دور الشعب في بناء وتطوير البنية التحتية للبلاد، صرّح قائلا: “إذا انتظرنا أن تقوم الدولة بكل شيء، فعلينا أن نكون واقعيين: هذا الانتظار ليس منطقيا، الحكومة لا تملك المال، ولا تستطيع وحدها تلبية كل الاحتياجات، والدليل أن بعض المشاريع لم تُنجز حتى بعد مرور 40 سنة، ولن تُنجز بهذه السهولة”.
وأضافت أن بزشكيان قدّم شرحا أوسع لحالة الموازنة العامة للدولة، وأكد أن ما تملكه الحكومة اليوم يُستخدم فقط لتسيير الأعمال الجارية، من دفع رواتب الموظفين وتغطية نفقات الجهاز الإداري، وهو ما يترك القليل جدا من الموارد للمشاريع الجديدة، ومع ذلك، شدد على أن هذا النقص لا يعني استسلام الدولة أو تقاعسها، وخاصة في مجال بناء المدارس.
وذكرت الصحيفة أن بزشكيان قال: “رغم كل شيء، قررنا أن نتابع بناء المدارس بجدية في جميع المحافظات، وكلما بادر الناس، سنقوم نحن أيضا بدفع حصتنا”.
كما تطرق بزشكيان إلى المساهمة الحكومية المباشرة في بناء المدارس، وقال: “لدينا بعض الموارد المخصصة لهذا الغرض، ونحن نوجهها إلى حيث يلزم، لكن لا يمكننا أن ننتظر 40 عاما أخرى ليبقى أبناؤنا بلا مدارس، لقد مضت 47 سنة على الثورة، وما زالت بعض المناطق في البلاد تفتقر إلى صفوف دراسية؛ هذا الأمر غير مقبول”.
وشدد على إمكانية تجاوز العقبات الحالية عبر تفعيل طاقات الشعب، وأكد قائلا: “أنا أعتقد أنه بالإمكان تحقيق أكثر من ذلك، قدرة الشعب، الإرادة الجماعية، والأمل بالمستقبل هي المفتاح لعبور القيود وحل الكثير من مشكلات البلاد”.
التوزيع العادل للحقوق
ذكرت الصحيفة أن بزشكيان تناول إحدى أقدم وأخطر المشكلات في البلاد، وهي التوزيع غير العادل للحقوق بين المواطنين، حيث قال: “إذا كان لا بد من توزيع الحقوق بين الناس، فيجب أن يكون ذلك بشكل منصف”.
وتحدث بزشكيان بصراحة نادرة عن الظلم القائم حاليا، وقال: “لا يمكن أن أتمتع أنا بالامتيازات، ثم أطالب الآخرين بالتضحية، إذا كان من المقرر أن يذهب أحد إلى الصفوف الأمامية، فيجب أن نقف جميعا معا، لقد قررنا أن نسلك هذا الطريق بجدية”.
كما أشار إلى حجم الدعم المالي الخفي الهائل الذي تقدمه الدولة، قائلا: “نحو 150 مليار دولار تُصرف كدعم في مجالات الكهرباء والغاز والوقود، لكن للأسف، هذا الدعم لا يُوزع بعدالة؛ فهناك من يستفيد منه، وهناك من يُحرم منه، يجب ألّا نسمح بأن يستأثر البعض بالمنافع، فيما يُترك الآخرون محرومين”.
كما أعلن أن الحكومة بصدد إعداد آلية جديدة لتنفيذ هذه السياسات بشكل عادل، وقال: “يجب أن يواكب الناس هذه العملية، حتى نتمكن من خلال المشاركة العامة من إدارة هذه الموارد بشكل سليم والخروج من الوضع الحالي”.
أضاف بزشكيان: “لا ينبغي أن نرى بعد اليوم تلك الامتيازات التي تُمنح للبعض بسعر الصرف الرسمي البالغ 285 ألف ريال، في حين أن سعر الدولار في السوق الحرة يقترب من مليون ريال، هذا يعني أن بعض الأفراد يحققون أرباحا ضخمة دون بذل أي جهد، فقط من خلال الاستفادة من الريع، بينما يعاني معظم الناس في تأمين لقمة العيش”.
وأشار صراحة إلى أن “كل من يحصل على هذا الدولار المدعوم يستفيد من ريع اقتصادي، بغض النظر عن هويته”، وتابع قائلا: “لا يجوز تسليم الموارد الوطنية لأشخاص يستغلون خلل البنية الاقتصادية من دون رقابة أو ضوابط واضحة، بل يجب أن تتاح للناس فرصة شراء حاجاتهم بشفافية، ويجب أن يُعاد بناء نظام توزيع الموارد على أسس تحقق العدالة في المجتمع”.
أضافت الصحيفة أن بزشكيان حذر من محاولات بعض القوى الخارجية لزعزعة استقرار إيران، وقال: “الإسرائيليون والأوروبيون والأمريكيون يظنون أن إيران قد ضعفت، وأن الوقت بات مناسبا لإثارة الخلافات والقيام بما يشاؤون”.
وأضافت مستدركة: “لكنهم غافلون عن حقيقة أن لا قوة في العالم قادرة على وقف الشعب الإيراني عن التقدم والنمو والتطور”.
وأشارت إلى أنه خلال هذه الرحلة حضر بزشكيان اجتماعا مع مديري وباحثي معهد “سرم سازي رازي” (كرج) لإنتاج اللقاحات والأمصال، كما شملت زيارته مقر قيادة شرطة المرور في طهران الكبرى.
معالجة اختلالات التوزيع
ذكرت الصحيفة أن بزشكيان عاد ليؤكد ضرورة “المشاركة العامة” في معالجة اختلالات التوزيع، مشيرا إلى أنه “نرغب اليوم في حل كثير من هذه الاختلالات بمساعدة الشعب، ونؤمن بأن هذا الأمر ممكن التحقيق، فلقد خططنا لإرساء العدالة في توزيع الموارد والدعم، حتى لا يعود هناك تمييز أو ريع يستفيد منه البعض ويحرم منه الآخرون”.
وذكرت أن مصطلح “الاختلالات” لدى بزشكيان لا يقتصر على الكهرباء والطاقة، بل يشمل أيضا الخلل في توزيع الموارد الاقتصادية والمنافع المادية.
أضاف بزشكيان في هذا السياق، قائلا: “في ظل الأوضاع الراهنة، فإن الأثرياء يستفيدون أكثر من الدعم، أمثالي ممن يستهلكون كميات أكبر من اللحوم والدجاج والسلع والكهرباء، يحصلون فعليا على دعم أكبر، في حين أن المحرومين والفقراء لا ينالون نصيبا كافيا”.