كتب: محمد بركات
أثارت قضية اعتقال الصحفية الإيطالية سيسيليا سالا في إيران، العديد من التساؤلات حول خلفياتها وتداعياتها على العلاقات الدولية بين إيران والاتحاد الأوروبي، علاقات تعاني من الشد والجذب وفي انتظار الشرارة التي ربما تقلب كل شيء رأسا على عقب، وبينما تسعى الحكومة الإيطالية للإفراج عنها عبر قنوات سياسية ودبلوماسية، يربط محللون بين اعتقالها وقضايا اعتقال مواطنين إيرانيين في الخارج.
حيث نقلت وكالة “سي إن إن” الإخبارية الأمريكية عن وزارة الخارجية الإيطالية، أن الصحفية الإيطالية سيسيليا سالا، البالغة من العمر 29 عاما، قد اعتُقلت في طهران 19 ديسمبر/كانون الأول 2024، حيث كانت تقوم بتغطية إعلامية عندما أوقفتها قوات الشرطة، وأضاف البيان أن وزارة الخارجية الإيطالية قد تعاونت مع السلطات الإيرانية لتوضيح الوضع القانوني لسيسيليا والتحقق من ظروف احتجازها.
وحسب بيان “سي إن إن”، فإن باولا أمادي، السفيرة الإيطالية في طهران، قد زارت الصحفية يوم الجمعة 27 ديسمبر/كانون الأول 2024، في مكان احتجازها الانفرادي بسجن إيفين بطهران؛ وذلك للوقوف على أوضاع وظروف اعتقالها، كذلك فقد أشار البيان إلى أنه تم السماح لسيسيليا بإجراء مكالمتين هاتفيتين مع عائلتها وصديقها.
وتعمل سالا صحفية في جريدة إل فوغليو الإيطالية، ووفقا لتصريحات السفيرة الإيطالية، فقد كانت سالا تزور إيران بتأشيرة حكومية عادية؛ لإعداد تقارير صحفية حول بلد تحبه.
من جهتها، صرحت مؤسسة كورا ميديا التي تعمل لحسابها الصحفية، بأن سالا قد غادرت روما متوجهة إلى طهران في 12 ديسمبر/كانون الأول 2024، وكانت تمتلك تأشيرة صحفية سارية المفعول وأجرت عدة مقابلات في إيران.
من جهة أخرى، فقد قالت وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الدولي الإيطالية إن سبب احتجاز الصحفية يتعلق بإجرائها مجموعة من المقابلات وإعداد ثلاثة أجزاء من برنامج صوتي خاص بها، وقد كان من المقرر أن تعود يوم 20 ديسمبر/كانون الأول.
وبهذا الشأن، قد أشارت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية إلى أن سالا، الكاتبة وصانعة المحتوى الصوتي، كانت تنشر تقارير من طهران منذ 13 ديسمبر/كانون الأول 2024، تسلط فيها الضوء على التغيرات التي شهدتها إيران خلال العام الماضي المضطرب، في ظل النزاعات الإقليمية وصعود الرئيس الجديد مسعود بزشكيان، وقد أجرت سالا في تغطيتها لقاء مع كوميدية إيرانية وهي زينب موسوي.
وعقب انتشار تلك الأخبار، كتب وزير الدفاع الإيطالي، جويدو كروسيتو، على حسابه بمنصة إكس، الجمعة 27 ديسمبر/كانون الأول 2024، معلقا على ذلك الموضوع: “منذ اللحظة الأولى لانتشار خبر الاعتقال غير المقبول لسيسيليا سالا من قبل السلطات الإيرانية، تحركت الحكومة بأكملها، وفي مقدمتها رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني والوزير تاجاني، للعمل على الإفراج عنها”.
وأضاف كروسيتو: “للأسف، لا يمكن حل المفاوضات مع إيران من خلال إشراك الرأي العام الغربي أو من خلال قوة السخط الشعبي، بل فقط من خلال العمل السياسي والدبلوماسي على أعلى المستويات، إيطاليا تعمل بلا كلل لتحريرها، وتسلك كل السبل الممكنة لتحقيق ذلك”.
على أثر ذلك، نددت عدة منظمات حقوقية بهذا الإجراء من قبل إيران، حيث وصفت منظمة “مراسلون بلا حدود” هذا الاعتقال بأنه اعتقال تعسفي وطالبت بإطلاق سراحها الفوري.
وأضافت هذه المنظمة أن اعتقال هذه الصحفية الإيطالية دون أي سبب، ورغم حصولها على تأشيرة سارية يظهر جميع خصائص الاعتقال التعسفي.
كذلك، فقد دعا الاتحاد الدولي للصحفيين في بيان له، السلطات الإيرانية إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن هذه الصحفية الإيطالية.
وقال أنطوني بلينغر، الأمين العام لهذا الاتحاد: “نحن نعبّر عن أسفنا حيال تكتيكات إيران في سجن الصحفيين الأجانب بهدف الحصول على شيء في المقابل؛ سيسيليا سالا هي أحدث ضحية لهذه الممارسات المروعة”.
من هي سيسيليا سالا؟
سيسيليا سالا هي صحفية إيطالية بارزة، معروفة بتغطيتها الصحفية المتعمقة لقضايا الشرق الأوسط، لا سيما الملف الإيراني.
بدأت سيسيليا سالا حياتها المهنية في الصحافة من خلال العمل مع العديد من الصحف والمجلات الإيطالية الكبرى، ثم توسعت إلى العمل على تغطيات دولية. عملت مراسلةً صحفية لعدة وسائل إعلام في الشرق الأوسط، حيث كانت تغطي الأحداث السياسية، والاجتماعية والاقتصادية، مع تركيز خاص على إيران، والآن فهي تدير برنامجا صوتيا خاصا بها يسمى “قصص“.
تمتلك سالا خبرة واسعة في تغطية الشؤون الإيرانية، ولعبت دورا مهما في توضيح التطورات السياسية المعقدة بإيران، لاسيما في فترات حساسة مثل التصعيد النووي والمظاهرات الشعبية، عملت على تحليل وتوثيق الأحداث الكبرى التي أثرت على العلاقات بين إيران والعالم الغربي، وضمن ذلك الاتفاق النووي الإيراني والأزمات السياسية الداخلية في إيران.
قدمت كذلك تحليلات معمقة حول سياسة إيران الداخلية والخارجية، وكان لها تأثير كبير في توجيه النقاشات حول سياسات الحكومة الإيرانية، خصوصا في مجالات حقوق الإنسان والعقوبات الاقتصادية. كما كانت واحدة من الصحفيين الذين ركزوا على تأثير الحصار الاقتصادي على الحياة اليومية في إيران، وكذلك على الحركات الاحتجاجية ضد النظام الحاكم.
وخلال زيارتها الثانية لطهران في الفترة من 12 إلى 19 ديسمبر/كانون الأول 2024، قامت سالا بعمل مقابلات مع عدد من الشخصيات عبر برنامجها الصوتي “كانت” أولاها في 16 ديسمبر/كانون الأول مع فتاة إيرانية تدعى ديبا تبلغ 21 عاما، تركت منزل أهلها في العام 2022، وتحدثت معها عن الصعوبات الاقتصادية التي تواجه النساء في إيران مثل القانون الجديد للحجاب والعفة، والأزمة الاقتصادية، كما تناولت معها تجربة أول قصف إسرائيلي لطهران.
كذلك، ففي 17 ديسمبر/كانون الأول 2024، أجرت مقابلة مع حسين كنعاني، الذي وصفته بأحد مؤسسي الحرس الثوري الإيراني، والذي ساهم على مدار 45 عاما في إنشاء شبكة القوى المتحالفة مع طهران المنتشرة في الشرق الأوسط، من حزب الله في لبنان إلى حماس في فلسطين، ومن الحوثيين في اليمن إلى نظام الأسد في سوريا، وناقشت معه مستقبل طهران ومنظورها للشرق الأوسط.
وأخيرا، وفي 18 ديسمبر/كانون الأول 2024، أجرت سالا لقاء مع زينب موسوي، وهي كوميدية الإيرانية شهرية اعتقلت عام 2022 بسبب أحد العروض الكوميدية التي تقدمها، والتي انتقدت فيها حظر فيسبوك وإنستغرام.
لماذا اعتقلت إيران الصحفية الإيطالية؟
حتى الآن لم تصدر الجهات المسؤولة في إيران أية بيانات حول أسباب اعتقال الصحفية الإيطالية ولم توجه لها أية اتهامات، ولكن المحللين يربطون ذلك بعمليات اعتقال وقعت في حق مواطنَين إيرانيَّين بالخارج.
فقبل اعتقال الصحفية الإيطالية، استدعت وزارة الخارجية الإيرانية السفير السويسري في طهران، الذي يمثل المصالح الأمريكية في طهران، ودبلوماسيا إيطاليّا رفيع المستوى؛ على خلفية اعتقال اثنين من المواطنين الإيرانيين في الولايات المتحدة وإيطاليا.
فقد تم اعتقال محمد مهدي صادقي (42 عاما)، والمقيم بولاية ماساتشوستس الأمريكية، كما تم توقيف محمد عابديني نجف آبادي (38 عاما)، وذلك في أثناء محاولته السفر من ميلانو إلى سويسرا.
وذكرت وزارة العدل الأمريكية أن الاثنين متهمان بالارتباط بهجوم بطائرة مسيرة نفذته جماعات مسلحة عراقية في 27 يناير/كانون الثاني 2024 على الأردن، وأسفر عن مقتل 3 جنود أمريكيين وإصابة 47 آخرين.
ومحمد عابديني هو خريج في الهندسة الميكانيكية من جامعة شريف للتكنولوجيا والمدير التنفيذي لشركة هندسية في إيران تقدم منتجات متنوعة في مجال الأجهزة الطبية المساعدة والأدوات الدقيقة المتعلقة بالعلوم الرياضية. وبسبب الطبيعة المتقدمة لتقنياتها، قد يكون لها استخدامات متعددة.
ووفقا للتقارير، فقد كان عابديني مديرا لشركة سويسرية تدعى Illumove SA، والتي تعمل في مجال إنتاج أجهزة التقاط الحركة، وتخضع جميع أنشطتها للإشراف القانوني والضريبي للحكومة السويسرية.
وعلى الرغم من أن هذه الاعتقالات لم يتم ربطها رسميا ببعضها البعض، فإن وسائل الإعلام والمحللين يرونها مرتبطة.
فعلى سبيل المثال، فقد حُكم على حميد نوري، مسؤول سابق في السجون الإيرانية، بالسجن المؤبد في السويد بتهمة المشاركة في إعدام سجناء سياسيين في عام 1988، وتم إطلاق سراحه في يونيو/حزيران 2024 في إطار عملية تبادل مع مواطنين سويديين كانا محتجزين في إيران.
وعلى مدار العقود الأخيرة، كان تبادل الأسرى بين إيران والولايات المتحدة موضوعا دائم الحضور، وأدى أحيانا إلى اتفاقات غير مباشرة بين البلدين.
جدير بالذكر أن تلك المرة ليست المرة الأولى التي تتحفظ فيها إيران على مواطنة إيطالية.
ففي خريف عام 2022، وخلال ذروة احتجاجات المرأة، الحياة، الحرية التي وقعت على أثر مقتل الفتاة الكردية مهسا أميني على يد إحدى دوريات شرطة الأخلاق، تم اعتقال أليسيا بيبرنو، وهي سائحة ومدونة إيطالية من روما، في طهران.
بعد ذلك تم الإفراج عنها بعد مفاوضات دبلوماسية طويلة استمرت 45 يوما، وعادت إلى إيطاليا.
ومن المتوقع أن تصدر ردود فعل رسمية إضافية بشأن هذه الاعتقالات في إيران وإيطاليا والولايات المتحدة خلال الأيام المقبلة، لكن لا يزال من غير الواضح كيف ستتطور القضية وإلى أي مدى ستؤثر على العلاقات الدولية بين إيران وإيطاليا من جهة، وإيران والاتحاد الأوروبي من جهة أخرى.