ترجمة: يارا حلمي
أجرت صحيفة “آرمان ملي” الإيرانية الإصلاحية، السبت 8 مارس/آذار 2025، حوارا مع عبد الرضا داوري، السياسي والإعلامي الإيراني، وأحد المقربين للرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد، وناقشته في “المخطط المشترك للمتشددين” ضد قاليباف وبزشكيان.
وفي ما يلي نص الحوار:
في ظل الأوضاع الحالية، لماذا استهدف معارضو الحكومة وزير الاقتصاد السابق عبد الناصر همتي؟
خلال الفترة التي شغل فيها عبد الناصر همتي منصب وزير الاقتصاد، بدأ سلسلة من الإصلاحات التي كانت تتعارض بشكل كبير مع مصالح مجموعات مختلفة. في خطوة حاسمة لا يوجد لها مثيل، دافع همتي عن خصخصة إدارة شركة (إيرانخودرو).
لولا همتي، ربما لم تكن البورصة لتصادق على الجمعية العامة لإدارة شركة (إيرانخودرو)، وكان من الممكن أن تتوقف عملية نقل إدارتها إلى القطاع الخاص. لكنه صمد في موقفه، ودفع ثمن ذلك.
هل كان للمسؤولين الذين هيمنوا على الهيكل الإداري والاقتصادي لشركة “إيرانخودرو” طوال هذه السنوات دور في استجواب همتي؟
من الطبيعي أن الشبكة الإدارية التي جنت أرباحا هائلة على مدار 45 عاما كانت تعارض إصلاحات همتي. شركة “إيرانخودرو” هي أكبر شركة لصناعة السيارات في الشرق الأوسط، ومديروها بالتأكيد لم يقفوا مكتوفي الأيدي.
لقد بذلوا كل جهودهم للإطاحة بهمتي، لأنه وقف رسميا ضد هؤلاء المديرين غير الكفوئين والهيكل الإداري الفاسد الذي أنشأوه، وكان يسعى لإصلاحه. لذلك، كان لا بد من إبعاده.
ذريعة استجواب همتي كانت القفزة في سعر الصرف، هل كان همتي حقا مسؤولا عن ارتفاع سعر الدولار؟
هذا الموضوع يحتاج إلى توضيح. همتي واجه عمليا شبكة المستفيدين من الاحتكار في سوق العملات، حيث سعى إلى توحيد سعر الصرف.
لقد حاول تقريب سعر العملة المخصصة لاستيراد من سعر السوق الحقيقي، لكن الجهات التي كانت تستغل الفارق السعري لمصلحتها وقفت ضده بقوة، حتى نجحت في إبعاده.
هدفهم كان واضحا تماما؛ فعلى الرغم من أن هذه القضية تشبه ثقبا أسود من الفساد والاحتكار، فإنهم بذلوا كل ما بوسعهم لمنع أي إصلاح حقيقي.
إلى أي مدى كان إصرار الحكومة على قضية مجموعة العمل المالي مؤثرا في تمهيد الطريق لاستجواب همتي؟
بالتأكيد، كان إصرار همتي على قضية FATF أحد العوامل التي ساهمت في استجوابه. بمعنى آخر، الجهات المستفيدة من العقوبات لا ترغب في خروج البلاد من القائمة السوداء لـFATF، لأنهم يفضلون بقاء الوضع المالي غير الشفاف في المعاملات الدولية، وربما حتى في المعاملات المحلية. لذلك، عملوا على عرقلة همتي حتى تم إقصاؤه.
كما يجب الإشارة إلى أن همتي، من حيث الكفاءة والقدرات الشخصية، كان بمستوى رئيس جمهورية، وشخصية بارزة في المشهد السياسي. وجود وزير يتمتع بهذه المكانة قد يثير مخاوف لدى البعض من أن يطغى عليهم، مما دفعهم إلى التعاون على إزاحته من المشهد لضمان مساحة أكبر من الاستقلالية في قراراتهم.
بناء على ذلك، هل يمكن اعتبار فكرة التوافق الحكومي قد فشلت؟
بعض الجهات المؤثرة داخل الحكومة لم تكن لديها نظرة إيجابية تجاه فكرة التوافق. هناك شبهات واسعة بأن بعض هؤلاء الأفراد لعبوا دورا سلبيا في مسألة التصويت على منح الثقة للسيد همتي.
أنا أنتقد بشدةٍ أداء أحد نواب الرئيس في هذه القضية، لأنه يبدو أنه لو كان هناك تنسيق كاف بين الحكومة والبرلمان، لكان ذلك قد أحدث فرقا.
لذلك، يبدو أن بعض المؤيدين للحكومة صوتوا لصالح استجواب همتي بسبب تقصير نائب الرئيس في استغلال العلاقات بين البرلمان والحكومة بشكل أمثل.
بشكل عام، يمكن ملاحظة تقصير على مستوى بعض نواب الحكومة ومديريها الإقليميين. لم يكن هناك تنظيم مناسب داخل الحكومة لحشد دعم النواب، مما سمح للحملة التخريبية ضد همتي بالاستفراد به بالكامل.
يعتقد البعض أن الانخفاض النسبي في سعر الصرف كان نتيجة مباشرة لاستجواب همتي. هل هذا الافتراض يتطابق مع الواقع؟
الترويج لفكرة أن رحيل همتي هو السبب في تحسن سوق العملات لا يتوافق مع مبادئ الاقتصاد. فالانخفاض في سعر الصرف كان نتيجة الإجراءات التي بدأها همتي قبل استجوابه.
في الواقع، قبل أيام من الاستجواب، بدأت السوق بالانخفاض نتيجة سياساته، وحتى بعد مغادرته الوزارة، لا تزال هذه السياسات تحقق نتائج إيجابية.
بالطبع، هناك نمط متكرر في الاستجوابات، حيث يتم استجواب الوزراء في عام 2025م بهدف خلق إنجاز سياسي، ليتمكن النواب عند عودتهم إلى دوائرهم الانتخابية من ادعاء أنهم اتخذوا إجراءات لمواجهة الأزمة الاقتصادية عبر استجواب الوزير المعني.
استجواب وزير في ظل أزمة، خاصة عندما يعلن رئيس الجمهورية خلال جلسة الاستجواب أن ترامب أصدر قرارا أدى إلى بقاء نفطنا عالقا في البحر، إلى أي مدى يعكس فهم النواب للمصالح الوطنية؟
هذه التيارات منذ سنوات تلعب، دون وعي، في ساحة بعيدة عن المصالح الوطنية، وهذا أمر لا شك فيه. وليس هذا بجديد عليها.
إذا نظرتم إلى أداء سعيد جليلي في المفاوضات، ورصدتم مواقفهم المعارضة للمفاوضات السابقة، للاتفاق النووي (برجام)، وحتى لحكومة رئيسي نفسها، ستجدون النمط ذاته.
رغم أن حكومة رئيسي أدركت أهمية المفاوضات، فإن هذه التيارات نفسها حالت دون التوصل إلى اتفاق. يبدو أن حكومة رئيسي حصلت على تفويض للحوار مع أمريكا، لكن المعارضة الداخلية عطلت ذلك.
لا شك في أن التطرف السياسي، إن لم يكن لعبا في مصلحة العدو، فهو بالتأكيد ليس في مصلحة البلاد. ويبقى الأمل الوحيد أن تكون هذه التصرفات ناتجة عن الجهل، وليس عن نوايا سيئة.
نرى أن التوافق في حكومة بزشكيان اقتصر على التوافق مع معارضي الحكومة. فهل يعارضون حتى هذا المستوى من التوافق؟
هذا التيار يبدو أنه تيار ضد البنية السياسية. تيار اليمينيين الشعبويين تيار معاد للبنية القائمة. القضية بالنسبة لهذا التيار ليست بزشكيان أو الحكومة، بل يبدو أنهم يسعون إلى خلق انقسام بين الثورة والنظام.
هم يعتقدون أن النظام أصبح محافظا، ولذلك يرون أنه يجب أن يكون ثوريا. لهذا السبب يهاجمون السلطة القضائية ورئيسها بسبب إدانة وزيرين من حكومة رئيسي في قضية شاي دبش. كما أنهم يهاجمون مجلس الأمن القومي في موضوع قانون الحجاب.
هؤلاء يشنون هجمات كثيرة حتى على شخصيات النظام. أداء بعض الوجوه الجديدة لهذا التيار في البرلمان يعكس اتجاها معاديا للبنية القائمة. الأفكار التي يطرحونها مشابهة تماما لما كان يقوله أحمدي نجاد، حيث يتبنون موقفا معاديا للبنية السياسية بناء على تصور معين لديهم عن النظام.
مشكلتهم أنهم يخلقون انقساما بين الثورة والنظام. لكن يجب الأمل بأن يكون هذا موقفا غير واعٍ أو جاهلا. التعامل مع هذه السلوكيات يتطلب حكمة، وربما يقوم النظام في النهاية بإنهاء هذا التوجه.
معارضة هذا التيار السياسي لجواد ظريف ما سببها؟ هل يريدون من خلال استهداف ظريف أن يغلقوا كل النوافذ المحتملة للتواصل أمام النظام والحكومة؟
شخصية جواد ظريف خلال العام الماضي أصبحت متعددة الأوجه. لم يعد مجرد دبلوماسي بل دخل الساحة السياسية كمؤثر نشط. لذلك لا يمكن تجاهل دوره في فوز بزشكيان.
ظريف لعب دورا مهما في الانتخابات الرئاسية من خلال خطابه وحملته الانتخابية، وهم يرونه سببا لهزيمتهم. يعتقدون أنه لو لم يكن ظريف موجودا، لكان بزشكيان قد خسر بسهولة. من الطبيعي أنهم يريدون الانتقام لما حدث في الانتخابات.
يجب أن نتذكر أن هؤلاء كانوا يسيطرون على الحكومة حتى قبل سبعة أو ثمانية أشهر، وكانوا يفعلون ما يريدون داخلها. ظريف أخرج الحكومة من أيديهم وقلب المعادلة ضدهم.
إضافة إلى ذلك، ظريف كان من نقاط القوة في الحكومة بفضل خبرته ومعرفته الدبلوماسية. كان بإمكانه تقديم المشورة والتخطيط، وهو دبلوماسي قوي قادر على تخفيف العبء عن الحكومة. لكن هؤلاء لا يريدون نجاحه، لذلك من الطبيعي أن يستهدفوه لإبعاده عن الحكومة.
لماذا تدخلت السلطة القضائية في هذا الموضوع؟
البرلمان هو الذي أصر على قضية جواد ظريف وأحالها إلى السلطة القضائية. لم يكن أمام السلطة القضائية خيار آخر، لأن البرلمان قدم شكوى ضد الحكومة في هذا الشأن.
محسني إجئي، السياسي والقاضي الإيراني، طلب من ظريف أن لا يكون من المصلحة إحالة القضية إلى المحكمة، وطرح موضوع استقالته. التيار المتشدد كان يتابع هذه القضية بشدة، ولا يزال مستمرا في ذلك. على أي حال، هذا هو واقع السياسة في إيران.
مع خروج اثنين من الشخصيات الأساسية من حكومة بزشكيان، كيف ترى المستقبل؟
في رأيي، النظام سوف ينهي وجود هذا التيار ولن يسمح له بالمضي أبعد من ذلك، لأنه لا شك في أن هدف المتشددين يتجاوز مجرد الضغط على الحكومة.
هذا التيار بدأ يستهدف إجئي، وأصبح تركيز هجماته بعد الحكومة على السلطة القضائية، وسيتجه نحو قالیباف أيضا وسيحاول عرقلته في انتخابات رئاسة البرلمان.
هم يطمحون إلى المناصب العليا، ولذلك فإن استراتيجية النظام واضحة حيث إن الأجهزة الأمنية لن تسمح لهم بمزيد من التحركات.