كتب: مصطفى أفضل زادة، مراسل “زاد إيران” في طهران
ترجمة: علي زين العابدين برهام
عاد دونالد ترامب مرة أخرى إلى البيت الأبيض. وفي يناير/كانون الثاني 2025، أعلن في أول خطاب له بصفته رئيسا للولايات المتحدة، أنه سيعيد تفعيل سياسة الضغط الأقصى ضد إيران، واصفا سياسات إدارة بايدن تجاه طهران بالضعف وانعدام الفعالية.
وخلال الشهرين الماضيين، فرضت عقوبات جديدة على القطاعات الأساسية في الاقتصاد الإيراني، كما حذرت واشنطن من أنه إذا استمرت طهران في أنشطتها النووية، فستواجه إجراءات أشد صرامة.
في الأثناء، وجّه دونالد ترامب رسالة إلى المرشد الإيراني علي خامنئي، حيث صرّح في مقابلة مع شبكة “فوكس بيزنس” قائلا: “لقد بعثت إليهم برسالة، وأعربت عن أملي في أن ينضموا إلى طاولة المفاوضات”. غير أن هذه التصريحات، إلى جانب التهديدات العسكرية المباشرة، دفعت كثيرين إلى اعتبار نهج ترامب أقرب إلى استعراض إعلامي وتكتيك ضغط، أكثر منه مسعى دبلوماسيا جادا.
وفي اليوم ذاته الذي أعلن فيه ترامب عن إرساله الرسالة، صرّح وزير الخزانة الأمريكي، سكوت بسنت، بأن بلاده ستفرض قيودا اقتصادية جديدة تشمل عقوبات موسعة على قطاع النفط وصناعة الطائرات المسيّرة في إيران.
وقد اعتبر العديد من المحللين هذا التناقض دليلا على ارتباك وتضارب سياسات إدارة ترامب تجاه طهران؛ إذ يتزامن عرض التفاوض مع تشديد الضغوط الاقتصادية، وهو نهج لم يسفر في السابق إلا عن تعميق أزمة الثقة بين البلدين.
وكما كان متوقعا، قوبلت هذه السياسة مجددا برد فعل حاسم من الجانب الإيراني. فقد أكد المرشد الإيراني علي خامنئي مرارا أن التفاوض مع الولايات المتحدة في ظل الضغط سياسة غير عقلانية ولا حكيمة. كما جدد المسؤولون الإيرانيون تأكيدهم أن طهران لم تعد تثق بوعود واشنطن، خاصة بعد انسحاب ترامب الأحادي من الاتفاق النووي عام 2018.
في عام 2015، وقّعت إيران والقوى العالمية الاتفاق النووي المعروف باسم “برجام”. وقد بعث هذا الاتفاق آمالا بتحسن الأوضاع الاقتصادية، إلا أن ترامب انسحب منه بشكل أحادي بعد ثلاث سنوات، وفرض عقوبات قاسية على إيران.
ولا يزال كثير من الإيرانيين يعتبرون هذا القرار أحد أبرز أسباب فقدان الثقة بأي مفاوضات جديدة. “مهدي رضائي”، صاحب متجر للأجهزة المنزلية في طهران، واحد من هؤلاء.
يقول رضائي: “عندما انسحبت أمريكا من الاتفاق النووي عام 2018، فقدنا كل شيء. ارتفع سعر الدولار بشكل جنوني، وأصبحت الاستيرادات شبه مستحيلة، وأُغلِقت المصانع. والآن عاد ترامب من جديد، متبعا السياسات ذاتها. فلماذا علينا أن نعتقد أن المفاوضات ستثمر هذه المرة؟”
مع ذلك، يرى البعض أن إيران لا يمكنها الانعزال عن التفاعلات الدولية. ويعتقد هؤلاء أن الضغوط الاقتصادية تتصاعد، وأن غياب حل دبلوماسي قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية بشكل أكبر.
يقول «آرمان نيكزاد»، أستاذ جامعي يبلغ من العمر 42 عاما: “العقوبات تركت آثارا بالغة على الاقتصاد الإيراني. وإذا كان من الممكن أن يساهم التفاوض في تخفيف هذه الضغوط، فلا بد من أخذه بعين الاعتبار، شريطة أن ندخل أي مفاوضات بحذر ومن موقع قوة”.
وقد أظهرت إدارة ترامب، حتى قبل عودتها إلى الحكم، ميلا واضحا إلى تبني سياسة أكثر عدائية تجاه إيران. ويرى بعض المواطنين أن هذه السياسات لا تتغير بتغير ساكن البيت الأبيض، وأن الدخول في مفاوضات معروفة النتائج سلفا لن يكون مجديا.
تقول “نرجس طاهري”، موظفة تبلغ من العمر 35 عاما: “برأيي، الولايات المتحدة لا تسعى لتحسين العلاقات، بل هدفها الوحيد هو ممارسة المزيد من الضغوط علينا. وإن كنا سنفاوض، فعلينا أن نستخلص العبر من التجارب السابقة، ونطالب بضمانات تضمن عدم تراجع أمريكا عن الاتفاق بشكل أحادي مرة أخرى”.
وخلال الشهرين الماضيين، فرضت إدارة ترامب عقوبات جديدة على النظام المصرفي الإيراني، مما زاد من صعوبة التحويلات المالية والتجارة الدولية. ويعبر كثير من المواطنين عن خشيتهم من أن استمرار هذا النهج سيؤدي إلى تفاقم الأوضاع المعيشية وتفاقم الأزمات الاقتصادية التي تثقل كاهل الناس.
تقول “ليلى محمدي”، طالبة دراسات عليا في إدارة الأعمال تبلغ من العمر 30 عاما: “كل ما نريده هو أن نحيا حياة طبيعية. معظم أصدقائي إما هاجروا أو يفكرون بالرحيل. إذا كان التفاوض قد يساهم في تحسين هذا الوضع ولو قليلا، فلا بأس. لكن إن كانت الولايات المتحدة ستخدعنا مرة أخرى، فما الجدوى؟”
خلال ولايته السابقة، تبنّى ترامب سياسة “الضغط الأقصى”، ويعتقد العديد من المحللين أنه سيواصل اتباع النهج ذاته. ويرى بعض الإيرانيين أن الهدف من العقوبات والتهديدات ليس سوى دفع إيران للاستسلام أمام السياسات الأمريكية.
“حسن موسوي”، سائق سيارة أجرة يبلغ من العمر 50 عاما، يرى أن ترامب ليس بالشخص الذي يسعى إلى اتفاق عادل، بل هدفه إهانة إيران، لذا لا فائدة من التفاوض معه.
يتضح من خلال آراء المواطنين أن الشعور العام تجاه التفاوض مع إدارة ترامب مشوب بالقلق وانعدام الثقة. فبينما يرى البعض أن المفاوضات قد تكون السبيل الوحيد لتخفيف الضغوط الاقتصادية، يعتقد آخرون أن ترامب لن يلتزم بأي اتفاق يتم التوصل إليه.
تتجلى نقاط مشتركة في مجمل هذه الآراء، فذكرى انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي لا تزال حيّة في أذهان الإيرانيين، ما يثير مخاوف واسعة من أن يلقى أي اتفاق جديد المصير ذاته. وفي ظل الضغوط المتصاعدة التي يعانيها الاقتصاد الإيراني، يبحث الكثير من المواطنين عن مخرج يخفف من وطأة الأوضاع، دون أن يكون ذلك على حساب الكرامة الوطنية أو من موقع ضعف.
يشدد حتى أولئك الذين يؤيدون خيار التفاوض على ضرورة أن تخوض إيران أي محادثات من موقع قوة، ويرفضون الدخول في أي اتفاق هش وقابل للانهيار.
وفي نهاية المطاف، لا يتوقف مصير المفاوضات على سياسات إدارة ترامب فحسب، بل يرتبط كذلك بقرارات القيادة الإيرانية. وما هو ثابت أن الشعب الإيراني يتطلع قبل كل شيء إلى استقرار اقتصادي وتحسين ظروفه المعيشية، سواء تحقق ذلك عبر طاولة المفاوضات أو من خلال مسارات أخرى.