ترجمة: علي زين العابدين برهام
ارتدى الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، في زيارته لمحافظة خوزستان الأربعاء 22 يناير/كانون الثاني 2025، ملابس العمل وحمل مجرفة بيديه ووضع حجر أساس مدرسة في منطقة برديس بالمحافظة.
أثارت الصور لبزشكيان وهو يرتدي هذا الزي ويقوم بحمل الإسمنت بالمجرفة ردود فعل متباينة، فريق اتهم الرئيس باستغلال الشعب، وفريق يرى في الأمر رسالة إلى المسؤولين في إيران.
نشرت صحيفة “سازندكي” تقريرا، الجمعة 24 يناير/كانون الثاني 2025، ذكرت فيه أن نشر صورة لرئيس إيران، وهو يرتدي ملابس العمال حاملا مجرفة ويصب الإسمنت على جدار قصير لبناء جدار مدرسة، أثار موجة من ردود الفعل، فاتهمه البعض بممارسة الشعبوية، ووصفوا سلوكه بأنه مماثل لأفعال أحمدي نجاد وإبراهيم رئيسي التي تغذي إعادة إحياء الشعبوية، بينما صمت آخرون مدافعون عنه بدهشة. ولكن هل كان تصرف بزشكيان شعبويا؟ ليس الأمر كذلك.
أوضحت الصحيفة عدة نقاط، النقطة الأبرز فيها أن بزشكيان أعلن في الأوساط الداخلية للسلطة أنه سيبقى رئيسا لفترة واحدة فقط ولا ينوي الترشح للانتخابات الرئاسية في الفترة القادمة. النقطة الثانية أنه لا توجد انتخابات قادمة في الأشهر المقبلة،. يحتاج هو ومقربوه لجمع الأصوات من أجلها، مما يدفعهم إلى القيام بأفعال شعبوية. وأخيرا، الفرق بين بزشكيان وأحمدي نجاد ورئيسي هو أن أحمدي نجاد كان ينفق من جيب الشعب، ويوزع الأموال ويخلق التضخم، بينما كان رئيسي يبحث عن مسكن مؤقت بعبارته الشهيرة “هل تناولتم الغداء؟”، لكن رسالة ارتداء بزشكيان لملابس العمال هي “الإعمار”.
وأضافت الصحيفة أن الرسالة التي أراد بزشكيان إيصالها هي “دعونا نبنِ هذا البلد معا”. حتى إنه يوجه توبيخا للمديرين الآخرين الذين يراقبون سلوكه: “لماذا تقفون متفرجين؟ ابدأوا بالعمل”.
وتابعت مبينةً أن بزشكيان ليس شعبويا فحسب، بل أظهر جانبا من البراغماتية كطريق وحيد متاح: العملية بدلا من الشعبوية. ولكن في أي محافظة أطلق هذه الرسالة؟ خوزستان.
صحوة ضد النفاق
ذكرت الصحيفة أن خوزستان وكرمان محافظتان تعتبران من الأعمدة الاقتصادية لإيران، وعلى الرغم من امتلاكهما ثروات مهمة، فإنهما يعيشان في فقر شديد. يعيش سكان كرمان بمناجم غنية، وسكان خوزستان بموارد طاقة وفيرة، لكنهم في فقر مدقع.
وأضافت أن كلتا المحافظتين هي المصدر الرئيس لدخل إيران، لكن التناقضات الاجتماعية والاقتصادية العميقة في خوزستان تكشف وجها آخر. خوزستان ليست فقط الأكثر مساهمة في إنتاج موارد الطاقة بالبلاد، بل تتحمل أيضا أكبر الأضرار البيئية والفقر والظلم الهيكلي.
وأوضحت أنه في اليوم الذي سافر فيه بزشكيان إلى خوزستان، كانت معظم المصانع مغلقة؛ حتى لا يكون الهواء ملوثا عند وصول الرئيس وحضوره. كان هذا أكثر الأفعال نفاقا أظهره المديرون المحليون. حتى إن بزشكيان تناول هذا الموضوع، فوبخ المديرين المحليين على إغلاق المصانع لتقليل التلوث، وقال إن هذه القرارات ليست سوى محاولة لإخفاء المشكلة.
هذا أحد أهم الاختلافات في النهج الإداري لإيران، والذي يظهر الفرق بين النفاق والصدق. لقد اتخذ بزشكيان موقفا صريحا ضد النفاق في النظام الإداري.
وأشارت إلى أن هذا النقد يعود إلى سياسات تحاول تقليل حجم الأزمات مؤقتا بدلا من حل المشاكل من جذورها. في المقابل، كان لمعظم المسؤولين، خاصة في السنوات الأخيرة، نهج استعراضي في حل المشاكل.
وذكرت الصحيفة أمثلة، فعلى سبيل المثال، إجراءات مثل تنظيم وجبات غداء أو وعود قصيرة الأجل، تشبه أكثر، مسكنا مؤقتا لأوجاع اجتماعية عميقة. هذه الإجراءات لا تساعد فقط في تحسين الظروف، بل تقوض أيضا الثقة العامة، فالناس لم يعودوا يصدقون الشعارات الجوفاء والوعود غير المحققة.
من الثروة إلى التلوث
تابعت الصحيفة أن هواء خوزستان ومياهها الملوثة، وبالطبع مياه الصرف الصحي التي تفوح رائحتها في أجزاء من المدينة، تروي أكثر من أي شيء آخر، معاناة شعب دفن لسنوات تحت طبقات من الغبار والدخان والتلوث.
وأشارت إلى أن هور العظيم، وهي منطقة رطبة كان يمكن أن تكون واحدة من أكبر الموارد الاقتصادية والبيئية في المنطقة، أصبحت ضحية لسياسات مدمرة، فلم تجف هذه المنطقة الرطبة فقط بسبب الاستخراج المفرط للنفط وسوء الإدارة، بل تم تسليم أجزاء منها إلى مقاولين صينيين اهتموا فقط بمصالحهم الاقتصادية دون مراعاة الأهمية البيئية.
وأوضحت أن هذه القصة ليست سوى مثال واحد على تجاهل مصالح الشعب في السياسات الاقتصادية الكلية لإيران، فالتلوث الصناعي، والإدارة الخاطئة لموارد المياه، وتدمير البيئة، إلى جانب التمييز، حوّلت خوزستان إلى واحدة من أكثر المحافظات المحرومة في إيران، حيث يعاني شعبها من آلام لا تُحصى ويحتاج إلى علاج لهذه الآلام.
وتساءلت الصحيفة: هل يستطيع بزشكيان إصلاح ذلك الجرح العميق؟ لا، هو فقط يستطيع أن يتعاطف معهم ويذكرهم بأن عليهم جميعا المشاركة في حل المشاكل. يمكن للعمل الرمزي لبزشكيان أن يشعل بصيص أمل في قلوب الناس، فارتداء ملابس العمال وبناء مدرسة، أكثر من كونه عملا رمزيا، هو رسالة صدق وتعاطف حقيقي مع الشعب. لم يشفِ بزشكيان جراح الشعب بهذا العمل، لكنه أظهر لهم أن المسؤولية الاجتماعية لمسؤول رسمي شيء يتجاوز مجرد الجلوس خلف المكاتب الفاخرة وتوقيع العقود.
وبينت أنه عكس العديد من المسؤولين الآخرين، جاء بزشكيان مباشرة إلى ساحة العمل، بدلا من الوعود الفارغة والقرارات الاستعراضية. لم يكن هذا الإجراء بدافع الدعاية الانتخابية ولا بهدف كسب الشعبية، بل كان استجابة لآلام واحتياجات الشعب الحقيقية، وبانتقاده للنظام الإداري المنافق، أكد ضرورة الصدق في الإدارة، ووفقا له، يتحقق الإعمار عندما يعتبر المسؤولون أنفسهم جزءا من الشعب ويعملون عن قرب لحل مشاكلهم.
وذكرت أن “سلوك بزشكيان في الإعمار وبناء المدارس والأعمال التحتية، يذكرنا بالإعمار في اليابان. أعلم أن هذا تشبيه غير متكافئ، لكن التحول والتقدم في بلد ما يتطلبان جهودا شاملة وتعاونا جماعيا. اليابان، على الرغم من الدمار الواسع بعد الحرب العالمية الثانية، استطاعت أن تصبح واحدة من أكثر الدول تقدما في العالم بالاعتماد على العمل والإبداع، فهل يمكن لهذا النموذج أن يكون مصدر إلهام لإيران؟”.
المروءة مع الشعب، والتسامح مع الأعداء
تابعت الصحيفة موضحةً أن طريق الإعمار هو تجاوز العقوبات. بالطبع، يجب أولا بالتوازي مع الإعمار، بذل جهود كبيرة لإزالة العقوبات التي أكلت إيران مثل النمل الأبيض. أكد بزشكيان في خوزستان وفي جمع النخبة مرة أخرى على الحوار مع جميع الدول، وأصر مرة أخرى على كلامه السابق الذي عبّر عنه كاستراتيجية: “راحة الدنيا والآخرة تفسير هاتين الكلمتين، المروءة مع الأصدقاء والتسامح مع الأعداء”.
وذكرت أن الإعمار الحقيقي لا يعني إهدار الأموال وخلق التضخم، فقد أظهرت تجربة الحكومات السابقة، وضمن ذلك حكومة أحمدي نجاد، أن هذا النهج يزيد فقط من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية. إن إهدار الأموال في شكل دفع إعانات أو توزيع البطاطس عشية الانتخابات، على الرغم من أنه قد يساعد في تقليل الفقر مؤقتا على المدى القصير، فإنه يؤدي على المدى الطويل إلى مزيد من التضخم وعدم المساواة. يعارض بزشكيان إهدار الأموال، وقد أكد مرارا أهمية العمل الخبير والتخطيط طويل الأجل وبناء البنى التحتية المستدامة.
وأردفت الصحيفة أن أحد التحديات الرئيسية في طريق الإعمار هو الفساد المتجذر في العديد من المؤسسات والأفراد، فبدلا من السعي لحل مشاكل الشعب، يفكر كثيرون فقط في المصالح الشخصية واستنزاف جيوب الناس. هذه القضية لا تقوض فقط الثقة العامة، بل تهدر أيضا الموارد.
وأوضحت أنه في أثناء زيارة معرض “رواد التقدم” المقام في حسينية الخميني، قال له مديرو أحد الأجنحة الذين لديهم برنامج لمعالجة الاختلالات في مجال الطاقة: “ربما لاحظت مرارا رائحة الغاز المنبعثة من المواسير أمام المنازل”، فقال: “هل تعلم أن الخسائر الناجمة عن هذا الهدر للغاز تبلغ 33 مليار دولار سنويا؟ وإذا تم إصلاح هذه المواسير فقط، فسيتم توفير هذا المبلغ سنويا؟”، كان يشير في الواقع إلى هذا الهدر للطاقة الذي ساهم في جزء من الاختلال، والآن هناك مثل هذا الهدر في العديد من القطاعات بإيران، وعلى الرغم من علم المديرين به، فإنهم لم يفعلوا شيئا في الماضي.
وأشارت إلى أنه للتغلب على الفساد، يجب أن يبدأ التغيير من المسؤولين أنفسهم. من الضروري أن يقتربوا من الشعب ويعملوا بشفافية. لقد أظهر بزشكيان من خلال ارتداء ملابس العمال، أنه يمكن البناء من خلال الوقوف إلى جانب الناس والتعاطف معهم. ما دام هذا البعد قائما ويتحول تدريجيا إلى فجوة عميقة، فإن العديد من المديرين سيهتمون بمصالحهم الشخصية فقط، وسيبحث الناس عن تجاوز المديرين الذين يتولون مواقع السلطة عليهم.
وبينت الصحيفة أنه لذلك، ارتداء ملابس العمال والرسالة البناءة التي أظهرها “بزشكيان بأسلوب عملي، تكتسب أهمية أكبر، خاصة في ظل ظروف العقوبات والأزمات الاقتصادية، ففي مثل هذه الأوضاع، لا يمكن تجاوز المشكلات إلا من خلال التعاون والتعاطف المتبادل”.
واختتمت التقرير، بأن “بزشكيان أظهر أنه يمكن، من خلال التخلي عن النفاق والتركيز على البناء الحقيقي، إعادة الأمل إلى الشعب. فهو الرئيس الوحيد الذي يمنح منصته لخصومه ويدعوهم للصعود والتحدث. أي رئيس بعد الثورة فعل ذلك؟ عموما، الرؤساء السابقون إن لم يقوموا باعتقال خصومهم، فإنهم بالتأكيد كانوا يقيدونهم، لكن بزشكيان مختلف عن الآخرين، مختلف عنهم جميعا. بزشكيان يسعى لإعادة الأمل، وإذا عاد الأمل، فإن البناء سيأتي معه أيضا. وهذه الرسالة، في الظروف الحالية لإيران، أكثر أهمية من أي وقت مضى، فلعلّ هذا النهج يستمر”.