كتب: زينب بيه
تواجه إيران تحديات كبيرة في قطاع الطاقة، حيث يعبر الصحفي والسياسي الإصلاحي الإيراني عباس عبدي عن قلقه من الأوضاع الراهنة التي تسود هذا القطاع، والتي يعتبرها نتيجة لسياسات خاطئة استمرت لعقود، معبرا عن مخاوفه من الإهدار الكبير للطاقة وتداعياته السلبية على الاقتصاد.
وأشار عبدي في مقالته التي نُشرت بصحيفة “اعتماد” الإيرانية بعنوان “الموت الصامت”، بتاريخ 2 أكتوبر/تشرين الأول 2024، إلى أنه كتب أربع مقالات خلال هذا الأسبوع، ثلاث منها تناولت قضايا أزمات الطاقة والاقتصاد الإيراني.
ويقول عبدي: “قد يبدو الأمر مضحكا للقُرّاء- حسب تعبيره- أن يُناقش موضوع الطاقة ومشكلاتها في وقت تعيش فيه المنطقة حالة حرب، والحقيقة هي أنه عكس الحرب الصاخبة للغاية والوفيات هي نتيجتها بالطبع، يمكن اعتبار أزمة الطاقة (موتا صامتا)”.
و”الموت الصامت” مصطلح يطلق على الموت الناجم عن استنشاق غاز أول أكسيد الكربون، الذي يُعد غازا ساما نتيجة احتراق غير تام لناقلات الطاقة الأحفورية، وتشبه أعراضه أعراض نزلة البرد العادية، لكنها في حقيقتها أعراض تسمم يؤدي إلى الموت.
وبينما يشار بمصطلح “الموت الصامت” إلى الأفراد عند وفاتهم اختناقا بالغاز والاحتراق -غير التام- للوقود، فإن الاقتصاد الإيراني يعاني من الحالة نفسها نتيجة السياسات غير المكتملة في قطاع الطاقة.
وكشف عباس عبدي في مقاله، أن النظام الإيراني يواجه إهدارا كبيرا للطاقة خلال مراحل الإنتاج والنقل والاستهلاك، إضافة إلى الاعتماد على أجهزة ذات كفاءة منخفضة، وأشار إلى تقديرات توضح أن نسبة إهدار الطاقة من الإنتاج إلى الاستهلاك في إيران تصل إلى 30% من إجمالي الطاقة، وهي نسبة تتجاوز كمية صادرات النفط من إيران، مما يثير القلق بشأن مستقبل الاقتصاد في البلاد.
سياسة الطاقة: عيوب هيكلية
ويضيف عبدي أن سياسة الطاقة في إيران تعتمد على محورين أساسيين، وهما: الإنتاج والتوزيع غير الفعّال، وأشار إلى أن هذه السياسة لم تُسفر عن إنتاج كافٍ لتلبية احتياجات الاستهلاك، ويَتوقع أنها لن تُحقق ذلك في المستقبل.
وذكر أن هذه السياسة كانت جزئية وتحتاج الآن إلى التكامل، حيث يتطلب الأمر إدارة الإنتاج بشكل متزامن مع إدارة استهلاك الطاقة بفعالية. كما أشار إلى تنوع مصادر الطاقة في إيران، ونوّه إلى أهمية التركيز على تعزيز استخدام مصادر الطاقة المتجددة بشكل خاص.
وأضاف أن أكثر من 90% من القدرة الجديدة لإنتاج الطاقة على مستوى العالم تأتي من الطاقة المتجددة، في حين ارتفعت القدرة الكهربائية في إيران خلال العام الماضي بنحو 2000 ميغاوات، مع كون 100 ميغاوات فقط منها مرتبطة بالطاقة المتجددة، مما يشير إلى أن نسبة الطاقات المتجددة لا تتجاوز 5% فقط من إجمالي الإنتاج.
جذور المشكلة: الاقتصاد السياسي
وأشار عباس عبدي في مقالته، إلى أن السياسات المتعلقة بمجال الطاقة تتجاوز كونها مجرد قضايا فنية واقتصادية، إذ إن لها جذورا عميقة في الاقتصاد السياسي. وأوضح أن الجميع، خصوصا صانعي القرار والخبراء، يُدركون أن سياسة الطاقة في إيران تفتقر إلى العقلانية وتتناقض مع المنطق الاقتصادي، مما يثير تساؤلا حول أسباب استمرار هذه السياسات.
التركيز على البنزين لعجز الميزانية
وأكد عبدي أن المسؤولين في إيران، عند تناولهم قضية الطاقة، يقتصرون على جانب واحد فقط وهو البنزين، متجاهلين الحاجة إلى معالجة المشكلة بصورة شاملة، وقد اتخذوا تدابير موضعية تشبه حقن المسكنات، دون معالجة الأسباب الجذرية. وفي كثير من الحالات، لم يكن الهدف من التركيز على البنزين هو إيجاد حل شامل لأزمة الطاقة، بل جاء نتيجة لعجز ميزانية الدولة، حيث اعتبرت الحكومة أن هذا المسار هو الأكثر ملاءمة لتأمين الميزانية، وقد يكون الخيار المتبقي الوحيد المتاح لها.
خلل المسؤولين في مجال الطاقة
ويضيف عباس عبدي في مقالته، أن “الحلول المتعلقة بأزمة الطاقة لا تكمُن فقط في التدابير الفنية بقطاع الطاقة والنفط، ولكن أيضا في خلل المسؤولين، حيث لا يوجد لدينا مُديرون قادرون على إدارة الأمور بكفاءة”.
وأوضح عبدي أن هناك لجنة تُعرف بلجنة الوقود في وزارة النفط بإيران، تتكون من ممثلين عن وزارات الصناعة والطاقة والنفط والشركة الوطنية للغاز، وهذه اللجنة مسؤولة عن تخصيص الوقود للمراكز المختلفة، وضمن ذلك الصناعات الجديدة ومحطات الطاقة قيد الإنشاء. ومع ذلك، فإن ردودهم غالبا ما تكون سلبية، حيث يقولون للمستثمرين “لا” أو “لا يوجد لدينا” أو “لا نستطيع”.
ونتيجةً لذلك، يتخلّى المستثمرون عن فكرة إنشاء محطات للكهرباء، مما يؤدي إلى تفاقم أزمة الطاقة في البلاد. وفي هذا السياق، أشار عبدي إلى إيلون ماسك، الذي يدير مؤسسات مثل Tesla وSpaceX، والذي يستطيع إدارة كل شركاته، إضافة إلى كتابة تغريداته بنفسه. وفي المقابل فإن إيران تفتقر إلى مثل هؤلاء المديرين القادرين على إدارة المؤسسات الحكومية بفعالية، وأعرب عن أسفه لعدم قدرة إيران على تنمية قادة من هذا النوع، وغياب الآليات اللازمة لاكتشافهم، مقترحا أنه لا مانع من استقدام مديرين من الخارج عند الحاجة.
الحاجة إلى التغيير
وأضاف عبدي أنه على الرغم من أن الخبراء يرون أن القضايا الرئيسية بقطاع الطاقة تكمُن في العقوبات، ومجموعة العمل المالي FATF، فضلا عن غياب الأمن للاستثمار، وتدهور صناعة الطاقة، والعجز الكبير في ناقلات الطاقة، فإن البيئة السياسية والاجتماعية هي التي أفسحت المجال لاستمرار هذه السياسات في مجال الطاقة على مر العقود، على الرغم من تعارضها مع مبادئ الاقتصاد السليم.
وأشار الكاتب إلى أن تأثيرات البيئة السائدة تظهر بشكل واضح في قطاع الطاقة، لكنها ليست مقتصرة عليه فقط، بل تشمل جميع مجالات الإدارة، كما أشار إلى أن سلوك بعض الأشخاص غير المسؤولين في السياسة الخارجية يعكس المشكلات نفسها.
وأعرب عبدي عن قلقه من أن ينظر رئيس الجمهورية الإيرانية، مسعود بزشكيان، إلى حل هذه المشكلات على أنها مجرد قضايا تقنية أو فنية.
حجب الإنترنت: مثال على الفشل
ويقول عبدي في ختام مقالته: “تُعد مسألة حجب الإنترنت (الفلترة) في إيران مثالا بارزا على هذه القضية، إذ إن هذا الإجراء غير اقتصادي ويُسبب أذى للناس، ومع ذلك تستمر الفلترة لأسباب دون أن يتم حلها”. وصرّح بأن الحكومة التي تعجز عن رفع حجب الإنترنت بشكل عاجل لن تتمكن أبدا من الاقتراب من حل مشكلات الطاقة، مما يُنذر بأن هذا الوضع قد يؤدي إلى ما يُعرف بـ”الموت الصامت”.