ترجمة: علي زين العابدين برهام
نشرت صحيفة “كيهان“، لسان حال المرشد الإيراني علي خامنئي، تقريراً، 20 يناير/كانون الثاني 2025، ذكرت فيه أنه مرّ ما يقارب الخمسة أشهر على تشكيل الحكومة الرابعة عشرة، وخلال هذه الفترة، كان أحد الأساليب الثابتة لبعض المسؤولين في خطاباتهم هو تكرار مشاكل البلاد والتذمر منها. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ألم يقبلوا المسؤولية التنفيذية لإيران وهم على علم بهذه المشاكل ووعدوا بحلها؟ هل تسلّمت الحكومات السابقة زمام الأمور التنفيذية دون أي مشاكل أو تحديات حتى يتوقع مسؤولو الحكومة الرابعة عشرة ذلك؟ وهل يمكن أصلاً العثور على حكومة في دول العالم لا تواجه تحديات في إدارة شؤون البلاد؟
وأوضحت الصحيفة أن وظيفة المسؤولين في جميع أنحاء العالم هي حل المشاكل والتحديات القائمة في بلادهم لتحسين أوضاع الشعب وتأمين المصالح الوطنية، ولهذا السبب يتم انتخابهم من قبل الناس.
مَن يحبط الناس ولمَ؟
أشارت الصحيفة إلى أن محمد رضا عارف، النائب الأول لرئيس الجمهورية، شارك 19 يناير/كانون الثاني 2025 في مؤتمر الشركات الإيرانية المتميزة، وصرح قائلاً: “إجمالي عائداتكم النفطية كان دائماً أقل من عائدات بيع الألعاب والدمى في بعض الدول”.
وأوضحت أنه وبغض النظر عن أن هذا الادعاء من قِبل عارف ليس خالياً من الجدل، إلا أنه قدم في خطابه نقاطاً أخرى مقبولة. ومع ذلك، فضلت بعض وسائل الإعلام الموالية للحكومة تسليط الضوء على هذه الجملة بالذات والانخراط في لوم الذات.
وتابعت مبينة أن عارف، بالمناسبة، كان قد صرّح سابقاً بتصريحات أخرى محبطة وغير واقعية على منصات رسمية، والتي أصبحت حينذاك ذريعة لوسائل الإعلام المحلية والدولية لتعزيز لوم الذات. فقد صرَّح في 18 ديسمبر/كانون الأول 2024 خلال المعرض الدولي الثاني والعشرين للبيئة قائلاً: “بصراحة، ليس لدينا طريق سوى البكاء على مواردنا الطبيعية ومستقبل بلادنا”. وأضاف عارف في نفس الحدث بنبرة شكوى وحيرة: “يمكننا تقليل عجز الكهرباء من خلال الطلب (من الناس) بعدم الإسراف. لكن ماذا يمكننا أن نفعل حيال عجز المياه؟”.
وبيَّنت أنه وللأسف، صدرت تصريحات مماثلة من قِبل رئيس الجمهورية. فقد ذهب بزشكيان في 10 يناير/كانون الثاني 2025 إلى مدينة زابل وخاطب الناس هناك قائلاً: “وضع زابل اليوم لم يتحسن مقارنة بما كان عليه قبل 50 عاماً عندما كنت هنا، بل أصبح أسوأ”. وفي اليوم التالي 11 يناير/كانون الثاني 2025 وخلال اجتماع رؤساء الجامعات وكليات العلوم الطبية، قال دون تقديم أي حلول محددة: “التجربة أثبتت أن جزءاً من العملات الأجنبية المخصصة لاستيراد الأدوية ودعمها يضيع”.
وذكرت أنه في اليوم التالي، أي 12 يناير/كانون الثاني 2025، ألقى بزشكيان كلمة أخرى أمام أمناء صندوق التنمية الوطنية، حيث قدم تصريحات محبطة أخرى قائلاً: “نحن نسعى لمعالجة عجز الطاقة، ولكن حتى اليوم، كلما حاولنا اتخاذ إجراءات من أي طريق، واجهنا مشكلة أخرى”. كما أن رئيس الجمهورية، في اليوم السابق، وعلى الرغم من نيته الطيبة، قدم تصريحات محبطة أخرى من منصة رسمية قائلاً: “طهران بهذا النمو لا يمكن العيش فيها… إذا استمررنا على هذا النحو، فإننا ندمر أنفسنا”.
وأردفت الصحيفة موضحة أن هذه مجرد أمثلة قليلة من تصريحات رئيس الجمهورية ونائبه الأول الأخيرة، وبالتأكيد إذا وسعنا نطاق البحث إلى أشهر سابقة، فسنجد للأسف تصريحات مماثلة. على سبيل المثال، كان محور الحوار التلفزيوني لرئيس الجمهورية في 2 ديسمبر/كانون الأول 2024 هو: “لا نملك، لا يمكن، ولا نستطيع”.
ما الفائدة التي يجنيها المسؤولون الحكوميون من ذلك؟
ذكرت الصحيفة أنه بالإضافة إلى رئيس الجمهورية ونائبه الأول، يبدو أن التصريحات المحبطة أصبحت أمراً شائعاً بين مسؤولي الحكومة الآخرين. فقد صرح عباس صالحي، وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي 12 يناير/كانون الثاني 2025 خلال مؤتمره الصحفي قائلاً: “المجتمع بأكمله يعاني من اضطرابات فكرية ومعرفية”. كما أضاف خلال المؤتمر الصحفي تصريحات أخرى من هذا النوع، قائلاً: “ثقة الناس بالحكومة والحوكمة قد انخفضت بشكل حاد”.
وأضافت الصحيفة أن وزير الاقتصاد أيضاً كان دائماً حاضراً في التصريحات المحبطة، فقد ذكر عبد الناصر همتي في 3 ديسمبر/كانون الأول 2024 عبارته الشهيرة: “أيدينا مغلولة في دفع الإعانات”، مما أعاد للأذهان ذكريات فترة رئاسة حسن روحاني.
واسترجعت ما قاله علي طيب نيا، وزير الاقتصاد آنذاك، في أغسطس/آب 2015: “الليالي التي يتعين علينا فيها دفع الإعانات هي ليالي الكارثة الكبرى للحكومة” أو عندما قال محمد باقر نوبخت، رئيس منظمة التخطيط والميزانية آنذاك، في أغسطس/آب 2020: “دفع الدعم النقدي، والمساعدات المعيشية، والرواتب هي من مصائب منظمة التخطيط والميزانية”.
وأوضحت: نحن لا نعرف بالضبط ما الفائدة التي يجنيها المسؤولون الحكوميون من زرع بذور اليأس والإحباط في قلوب الناس، ولكن التشابه بين حكومة بزشكيان وحكومة روحاني في هذا الصدد يعزز التكهن بأن تصريحات العجز والشكوى من قبل المسؤولين قد تكون موجهة لتحقيق أهداف سياسية معينة. قد تكون هذه التصريحات جزءاً من استراتيجية لتهيئة الرأي العام لقبول سياسات أو إجراءات معينة، أو لتبرير الإخفاقات المستقبلية. ومع ذلك، فإن هذا النهج قد يؤدي إلى نتائج عكسية، حيث يمكن أن يفقد الناس الثقة في الحكومة ويشعروا بالإحباط.
تأكيد المرشد الإيراني على الحفاظ على الأمل وإيجاده
ذكرت الصحيفة أن مثل هذه التصريحات تُطرح في وقتٍ أكد فيه المرشد الإيراني علي خامنئي، قبل أقل من أسبوعين، خلال لقائه بأهالي قم، أهمية الحفاظ على الأمل، قائلاً: “إننا لا نسمح أبداً بأن ينطفئ نور الأمل”. وأضاف: “يجب أن نكون متفائلين بالهداية الإلهية، وبالمساعدة الإلهية، وبالقوة التي منحها الله للشعوب”.
وأشارت إلى قوله إنه “يجب على جميع المؤثرين في المجالات الإعلامية ويملكون القدرة على التحدث بلغة مؤثرة، أن يكون أحد أكبر وأهم أهدافهم إحياء الأمل في القلوب وعدم التفوه بكلمات محبطة”.
ونوهت بأن هذه لم تكن المرة الأولى التي يحذر فيها المرشد الإيراني من أهمية الحفاظ على أمل الناس، فقد أكد مراراً وتكراراً أهمية الأمل وإيجاده في المجتمع، وقال صراحة في 12 يونيو/حزيران 2022: “كل من يجعل الناس يفقدون الأمل في المستقبل، سواء كان يعلم أم لا، فإنه يعمل لصالح العدو”.
واختتمت الصحيفة التقرير بالتأكيد أن عرض المشكلات بشكل أحادي دون تقديم خطط أو حلول من قِبل المسؤولين الحكوميين في إيران لن يؤدي إلا إلى إحباط الناس، فوظيفة رجال الدولة هي حل المشكلات وليس مجرد سردها للناس، لأن الناس يشعرون بهذه المشكلات بشكل مباشر وقد توجهوا إلى صناديق الاقتراع آملين في حلها، واختاروا المسؤولين بناء على ذلك.