كتب: حسن قاسم
العلاقات الإيرانية السورية واحدة من أكثر أنواع العلاقات تعقيدا بين الدول في التاريخ المعاصر للشرق الأوسط، وقد يعود ذلك إلى عدم التجانس الواضح بين النظام السياسي للبلدين؛ حيث أُنشئ نظام إيران على أساس المعتقدات الدينية، في حين أن أساس النظام السوري يقوم على أسس العلمانية التي لا تضع في الإطار العام لنظامها السياسي مكانا للدين والمعتقدات الدينية.
نحاول من خلال هذا التقرير عرض بعض القضايا المتعلقة بالعلاقات بين إيران وسوريا، ونبحث سبب استمرار هذه العلاقات على الرغم من التغيرات السريعة في الوضع السياسي بالشرق الأوسط.
العلاقات في ضوء التغيرات
بمجرد انتصار الثورة الإيرانية عام 1979، اعترف حافظ الأسد بجمهورية إيران الإسلامية، حيث كانت سوريا ملاذا للثوار الإيرانيين آنذاك ومعقلا لتدريباتهم العسكرية، خاصةً أن النظام الإيراني الناشئ كان يحتاج إلى هذا الدعم لتعزيز عمله في “بحر التحولات الإقليمية المضطرب” التي كانت تشهدها منطقة الشرق الأوسط آنذاك.
وفي أثناء الحرب بين العراق وإيران، اتخذت سوريا موقفا مؤيدا لإيران على الرغم من العلاقة القوية بين حزب البعث السوري وحزب البعث العراقي، ووقف الرئيس السوري السابق حافظ الأسد وولده بشار الأسد إلى جانب إيران.
وبعد انتصار الثورة الإيرانية، اتخذت العلاقات الثنائية بين سوريا وإيران وتيرة تصاعدية، وخلال الأعوام الأربعة عشر الماضیة، شهد البلدان نموا وتعميقا للعلاقات الثنائية من جميع الجوانب، حيث اتحدت الرؤية الاستراتيجية للقيادة في البلدين مع القضايا الإقليمية والدولية وكان هذا أحد العوامل الرئيسة في تعزيز العلاقات بين البلدين.
وفی ما یتعلق بالسياسة الخارجية لإيران بعد انتصار الثورة الإيرانية، فقد قطعت العلاقات مع نظام الاحتلال وسلمت مبنى السفارة في طهران إلى منظمة التحرير الفلسطينية، ورفعت العلم الفلسطيني على سطح السفارة الإسرائيلية، معارضة لسياسات النظام البعثي العراقي، ومعارضة لتحرك مصر في توقيع اتفاقية كامب ديفيد، وكان دعم البلدين للمقاومة الفلسطينية اللبنانية ودعم سوريا لإيران ضد الغزو العراقي لها من بين العناصر المؤثرة في الأساس الصحيح للعلاقات بين البلدين.
مکاسب إيران من التحالف
أوضح عالم السیاسة الأمريكي ستيفن والت، أن البلدين لديهما توجهات مشتركة، فقد حاولا في السنوات الأخيرة تقلیص الجهود الأمريكية في غرب آسيا والحد منها، وقد اتبعا دائما سياسة متسقة في الحملات والتفاعلات الإقليمية.
وأوضح والت أن التحالف الاستراتيجي بين إيران وسوريا مهم لإيران من عدة نقاط، منها سماح سوريا للمقاومة بممارسة قوتها الإقليمية عبر بلاد الشام ولها بوابة إلى حزب الله، فضلا عن أن سوريا بمثابة معقل دعم واتساق الطبقة الرادعة الواقعة على ساحل البحر الأبيض المتوسط ضد نظام الاحتلال.
مکاسب سوريا من التحالف
وعلى الجانب الآخر، حصلت سوريا على مكتسبات من تحالفها مع إيران، كانت إيران الداعم الإقليمي الجاد والوحيد للحكومة والشعب السوري منذ عام 2011، بحسب ما ذكره تقرير وكالة أنباء “مهر” الإيرانية شبه الرسمية.
واستمرت الجهود الإيرانية جنبا إلى جنب مع الجيش السوري، الذي كانت أراضيه في سنوات 2011-2015 بأيدي الجماعات المعارضة للنظام السوري.
وقال العديد من الخبراء في المنطقة، إن إصرار إيران على دعم سوريا هو الذي شجع دولة مثل روسيا على تولي مهمة تقديم الدعم الجوي للعمليات البرية في سوريا، هذا وقد أدى التحالف الاستراتيجي بين البلدين إلى وجود مستشارين إيرانيين في سوريا منذ عام 2011 حتى الآن. ويبلغ هذا الوجود عدة مستويات: استراتيجية وتكتيكية وتقنية.
على المستوى الاستراتيجي، أعلنت إيران دعمها السياسي والروحي للحكومة السورية، ونقل قادتها العسكريين وتجاربهم كمستشارين لقادة الجيش السوري.
وعلى المستوى العملياتي، يساعد القادة الإيرانيون قادة الجيش السوري على وضع خطط العمليات ضد من تصفهم طهران بـ”الإرهابيين”، وشرح كيفية تنفيذها.
وعلى المستوى التكتيكي، كان المستشارون الإيرانيون حاضرين جسديا في الميدان وساعدوا قادة الجيش السوري في ساحة المعركة.
ما هو مسار أستانا؟
ما يعرف بمسار أستانا هو مسار سياسي بدأته تركيا وإيران وروسيا بناء على قرار مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة رقم 2254 في ديسمبر/كانون الأول 2015، والذي ألزمت فيه الدول الثلاث بعقد محادثات سلام سورية في أستانا، عاصمة كازاخستان التي اعتبرتها جميع الأطراف المعنية، محايدة، وذلك من أجل الوصول إلى اتفاق يفضي إلى حل الأزمة السورية الحالية.
بدأت محادثات أستانا في يناير/كانون الثاني 2017، بمبادرة من إيران وروسيا وبدعم من تركيا، بهدف حل النزاعات في سوريا.
في الواقع، كان وقف إطلاق النار الشامل الذي تم التوصل إليه في ديسمبر/كانون الأول 2016 بين الحكومة السورية ومجموعة من المعارضة المسلحة مقدمة لبدء محادثات أستانا، حيث جرت خلالها لأول مرة، مشاورات مباشرة بين ممثلي الحكومة السورية وممثلي الجماعات المعارضة المسلحة، وذلك بحسب ما ذكره الموقع الإيراني “تابناک“.
يأتي الحديث حول اجتماع مسار أستانا بالدوحة في الوقت الذي بدأ فيه الآلاف من معارضي النظام السوري، ممن يُعرفون باسم فصائل المعارضة السورية المسلحة، يوم الأربعاء 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، بالتقدم من محافظة إدلب باتجاه حلب، واشتبكت قواتهم مع قوات جيش النظام السوري، في عملية عسكرية مفاجئة، نجم عنها تقدم ملحوظ لقوات فصائل المعارضة في بعض المدن مثل حلب وحماة وحمص.
مساعي أمريكا في سوريا
بعد ساعات من إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن، وقف إطلاق النار الإسرائيلي اللبناني، وانتهاء الحرب المستمرة منذ شهور بين المقاومة اللبنانية ونظام الاحتلال، نشطت المعارضة السورية المسلحة فجأة في شمال سوريا.
في البداية، أعلن العديد من الخبراء والمحللين في القضايا الإقليمية عن إعادة النشاط على نطاق واسع للمعارضة السورية المسلحة مثل “هيئة تحرير الشام” المعروفة سابقا باسم جبهة النصرة، ووصفوها بأنها عملية قام بها نظام الاحتلال والولايات المتحدة للضغط على سوريا لإجبار رئيسها “بشار الأسد” على تجنب إيران وروسيا ومحور المقاومة.
والجدير بالذكر أن وكالة رويترز للأنباء نقلت عن مصادر خاصة، معلومات تفید بأن الولايات المتحدة والإمارات تعملان معا لمناقشة إمكانية رفع العقوبات عن الرئيس السوري بشار الأسد مقابل تغيير موقف نظام دمشق.
وبحسب المصادر، يتفاوض المسؤولون الأمريكيون والإماراتيون على أنه إذا ابتعد بشار الأسد عن إيران وقطع طرق الأسلحة عن حزب الله في لبنان، فمن المقرر أن تلغى العقوبات المفروضة علی سوریا.
ووفقا لـ”رويترز”، تكثفت المحادثات في الأشهر الأخيرة، بسبب احتمالیة انتهاء العقوبات الأمريكية واسعة النطاق ضد حكومة بشار الأسد في 20 ديسمبر/کانون الأول 2024، وكذلك حملة إسرائيل ضد “شبكة طهران الإقليمية” وضمن ذلك حزب الله في لبنان، وحماس في غزة، والأصول الإيرانية في سوريا.
وجاءت المحادثات قبل أن يهاجم المناهضون للأسد حلب الأسبوع الماضي، وقالت مصادر إنَّ تقدم المعارضة مؤخرا كان علامة على ضعف تحالف الأسد مع إيران، وتعتزم الإمارات والولايات المتحدة استغلاله.