ترجمة: علي زين العابدين برهام
إن الطبيعة المعقدة للعلاقات الإيرانية السورية في الماضي تجعل مستقبل هذه العلاقات غامضا، لكن حل هذا الغموض، بالنظر إلى مواقف طهران، يتطلب يقظة حكومة أحمد الشرع في سوريا.
نشرت صحيفة “شرق“، السبت 22 فبراير/شباط 2025، تقريرا حول الطريقة التي تنتهجها الحكومة الإيرانية تجاه الحكومة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع، خاصة بعد دعمه من دول عربية وإقليمية.
وذكرت أن عاصفة سياسية عاتية اجتاحت سوريا، انطلقت من إدلب، ولم تقتصر على زعزعة النظام السياسي في دمشق، بل امتدت تداعياتها لتشمل منطقة غرب آسيا بأكملها. وعلى الرغم من أن المشهد السوري الحالي يبدو ظاهريا أكثر أمنا وحرية وديمقراطية، فإن استمرارية هذا الوضع لا تزال محل تساؤل. وتأثرت إيران، باعتبارها شريكا استراتيجيا للنظام السابق، بشكل يفوق تأثير هذه العاصفة على بقية دول المنطقة.
دومينو سقوط الأسد: من إدلب إلى دمشق
وأضافت أنه في الفترة بين (27 نوفمبر/تشرين الثاني – 8 ديسمبر/كانون الأول 2024)، سقطت المحافظات السورية واحدة تلو أخرى- حلب، حماة، دير الزور، حمص، درعا، السويداء، وأخيرا دمشق- في قبضة الجماعات المعارضة لحكم بشار الأسد، وبشكل غير متوقع، أعلنت وسائل الإعلام العالمية، وسط دهشة وذهول، استسلام الجيش السوري وفرار الأسد إلى روسيا.
وأشارت إلى أن سقوط الأسد لم يكن مفاجئا بالكامل، إذ بدأت المعارضة السورية في الابتعاد عن نظامه منذ ربيع 2011. ورغم أن الحراك المعارض بدأ بتيارات مدنية وعلمانية، فإنه سرعان ما سيطرت عليه جماعات مثل هيئة تحرير الشام، وجبهة النصرة، وتنظيم الدولة “داعش”، والأكراد المعارضين، والجيش الحر، والفصائل الإسلامية المتشددة، مما أدى إلى تحول الثورة من ربيع عربي إلى مشهد أكثر تطرفا.
وتابعت أن الأسد قد افتقر إلى القدرة على التصدي لهذه الموجة بمفرده، ما استدعى دعما مكثفا من إيران وروسيا، وهو ما ساهم جزئيا في استعادة الأمن والاستقرار النسبي في البلاد. غير أن الوضع القابل للاشتعال تفجّر مجددا وسط تصاعد التوترات الإقليمية، خصوصا مع الهجمات الإسرائيلية على غزة ولبنان. وفي هذه المرة، لم يُظهر الأسد الإرادة الكافية للصمود، فقرر الفرار، مسلّما السلطة إلى زعيم هيئة تحرير الشام.
وأوضحت أنه بعد سيطرته على دمشق، خلع الجولاني زيه العسكري، وظهر في قصر الشعب السوري مرتديا حلة سياسية، معلنا قطيعة مع أيديولوجية هيئة تحرير الشام والقاعدة، وواصفا نفسه برجل التقدم والتنمية.
أزمة ما بعد السقوط: انهيار اقتصادي وفراغ سياسي
ذكرت الصحيفة أنه على المستوى الداخلي، لم يكن سقوط نظام الأسد مفاجئا نظرا إلى العوامل الآتية:
- تدهور الثقة الشعبية بين المواطنين والنظام.
- الأزمات الاقتصادية الخانقة التي أنهكت البلاد.
- دمار البنية التحتية نتيجة أكثر من عقد من الحرب.
وأوضحت أنه على الصعيد الدولي، كان الحدث أسرع من أن يتم استيعابه بالكامل أو التنبؤ بتداعياته بدقة. ولهذا، لا تزال معظم التحليلات حذرة في تقييم مستقبل النظام الجديد. ومع ذلك، يسود اعتقاد واسع بأن ديكتاتورية الأسد العلمانية استُبدلت بديكتاتورية ذات طابع سلفي، رغم الشعارات التي يرفعها النظام الجديد حول الحريات وحقوق المرأة والأقليات.
وتابعت أن من أبرز التحديات التي تواجه حكومة الشرع، التي وعدت بتشكيل حكومة شاملة بحلول مارس/آذار 2025، هو الوقت المطلوب لإجراء إصلاحات دستورية جوهرية، حيث يقدّر أن الأمر قد يستغرق ما لا يقل عن ثلاث سنوات. كما أن الأكراد، والجيش الحر، والعلويين، والجماعات المدعومة أمريكيا لم يجدوا بعدُ موطئ قدم في الحكومة الجديدة، ما ينذر باضطرابات مستقبلية.
وذكرت أنه إلى جانب التحديات السياسية، فإن الأزمة الإنسانية في سوريا وصلت إلى مستويات غير مسبوقة، على النحو التالي:
- 90 % من السوريين يعيشون تحت خط الفقر.
- 75 % بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة.
- 7 ملايين نازح داخلي، وأكثر من 5 ملايين لاجئ موزعين بين مصر، والعراق، والأردن، ولبنان، وتركيا.
إسرائيل وسوريا الجديدة
تابعت “شرق” بالإشارة إلى أن انهيار نظام الأسد وانسحاب المستشارين العسكريين أدى إلى فراغ واضح في السلطة، لا سيما على الحدود مع الأراضي المحتلة. وقد استغلت إسرائيل هذا الفراغ بانتهاكها السيادة السورية مرارا، من خلال قصف مواقع حيوية، خاصة في الجولان. المثير للجدل هو الصمت المطبق لحكومة الجولاني تجاه هذه الانتهاكات، ما يثير تساؤلات حول مستقبل العلاقة بين دمشق وتل أبيب.
تحولات إقليمية كبرى: بين أنقرة والرياض والدوحة
وذكرت أن سقوط الأسد أحدث تحولا جوهريا في خريطة التحالفات الإقليمية، حيث:
- تركيا رأت نفسها الرابح الأكبر، وسارع إبراهيم كالن، رئيس الاستخبارات التركية، بزيارة دمشق والصلاة في الجامع الأموي، وتبعه وزير الخارجية هاكان فيدان، الذي أجرى محادثات مع الجولاني حول مستقبل العلاقات الثنائية.
- قطر نشطت سريعا لضمان دور لها في سوريا الجديدة.
- العراق أبدى قلقا متزايدا من تصاعد نفوذ الجماعات المتطرفة داخل سوريا.
- السعودية، التي تأخرت في إعلان موقفها، وجهت دعوة رسمية للجولاني لأداء مناسك الحج، مما يعكس رغبتها في لعب دور محوري في مستقبل سوريا.
إيران وسوريا: علاقات ملتبسة ومستقبل غامض
ذكرت “شرق” أن سقوط الأسد مثّل صدمة جيوسياسية لإيران، التي كانت قد استثمرت لسنوات في دعم نظامه عسكريا وسياسيا، غير أن قرار الأسد التراجع عن المواجهة، دفع طهران إلى تبنّي موقف أكثر براغماتية، حيث امتنعت عن التدخل المباشر، تاركة للشعب السوري تحديد مصيره.
وأضافت أنه في البداية، اقتصر الموقف الإيراني على مطالبة الجولاني بحماية المقامات الشيعية وضمان أمن الطائفة الشيعية، وهو ما التزم به إلى حد ما حتى الآن، لكن الإشارات الدبلوماسية بين طهران ودمشق بدأت تتزايد تدريجيا.
وأشارت إلى أن محمد رضا رؤوف شيباني، المبعوث الإيراني الخاص إلى سوريا، أقرّ بأن إيران تتواصل بشكل غير مباشر مع الحكومة الجديدة، مشيرا إلى أن طهران ترصد الأوضاع بحذر، لكنها منفتحة على استئناف العلاقات إذا أثبت النظام الجديد جدارته في الحكم.
الموقف الإيراني المستقبلي: التكيف مع الواقع الجديد
تابعت أن إيران تسعى للحفاظ على نفوذها في سوريا، لكن مع إعادة تقييم استراتيجيتها، وكما أوضح وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، فإن الموقف الإيراني يرتكز على النقاط التالية:
- دعم استقرار سوريا ورفض التدخلات الأجنبية.
- تأكيد أن مستقبل سوريا يجب أن يحدده السوريون أنفسهم.
- تشجيع الحوار السوري-السوري وفق قرار مجلس الأمن 2254.
واختتمت الصحيفة تقريرها، بتأكيد أن طهران يبدو أنها تتعامل بحذر مع المشهد السوري الجديد، حيث تراقب أداء الحكومة الجديدة قبل اتخاذ أي قرارات استراتيجية، فإذا نجحت حكومة الشرع في كسب تأييد الشعب، فقد تنخرط إيران في مفاوضات إقليمية لإعادة بناء العلاقات، ولكن وفق معايير جديدة تتماشى مع التحولات الجيوسياسية الراهنة.