كتب: محمد الهاشمي
تشهد العملة الايرانية انهياراً مستمراً؛ ما يؤثر على الاقتصاد هناك بشكل غير مسبوق، في ظل جملة من المشاكل التي تواجه حكومة الرئيس الإيراني الحالي مسعود بزشكيان، وقد وصلت قيمة التومان أمام الدولار حالياً حوالي 82,000 تومان في السوق، بينما السعر الرسمي الذي يتم التعامل به حكومياً 64,500 تومان بانخفاض بلغ 30% عن قيمة العملة منذ أربعة أشهر (حسب صحيفة همشهري أونلاين الإيرانية الإصلاحية).
الموت الصامت
انخفاض العملة الإيرانية هو أزمة تضرب برحاها وتحدث صدى كبيراً، ودائماً لا يتوقف الانخفاض على مدار تعاقب الحكومات بتياريها الأصولي والإصلاحي، وهو التدرج الانخفاضي الذي أطلق عليه الاقتصادي الإيراني محمود جامساز في حواره الذي أجراه بتاريخ 22 ديسمبر/كانون الأول 2024م مع وكالة أنباء “تجارت نيوز”، “الموت الصامت للاقتصاد الإيراني”.
حيث قال الخبير الاقتصادي الإيراني، محمود جامساز، إن العقوبات الاقتصادية والسياسات غير الحكيمة التي تنتهجها الحكومات المختلفة داخلياً هي السبب في انخفاض قيمة العملة، وإن المسؤولية تقع بكاملها على عاتق الحكومة والبنك المركزي الإيراني.
وعرج موقع “تجارت نيوز” على تاريخ الأزمة، موضحاً أن أزمة انخفاض العملة هي أزمة تاريخية في إيران ومستمرة منذ أربعين سنة، ولها أسباب مختلفة ومتنوعة، منها الهيكل الاقتصادي السياسي للدولة، والعقوبات الاقتصادية والانعزالية السياسية، وانعدام التوازن الاقتصادي في ملفات هامة، خاصة الميزانية العامة للبلاد والتضخم المتفاقم، وهي كلها أسباب جعلت حالة الريال الإيراني يرثى لها أمام بقية العملات العالمية، ناهيك عن تأثيره الشديد على تعميق الفروقات الطبقية المجتمعية، والهزات التي تحدث للعادات والطبائع والأسس الأخلاقية للمجتمع.
حذف الأصفار وتأثيره على التومان
بينما نشرت وكالة تابناك، 22 ديسمبر/كانون الأول 2024، تقريراً ناقشت فيه الحلول الحكومية المقترحة، وما إذا كان حذف الأصفار من العملة سينقذ الريال من محنته أم لا، حيث من المعروف عن العملة الإيرانية كثرة الأصفار فيها، فعملة مثل الـ10 آلاف ريال أو الـ20 ألف ريال، والتي يُطلق عليهما شعبياً ألف تومان وألفا تومان (وأحياناً تومان و2 تومان)، بها أربعة أصفار.
وقد طُرحت قضية حذف الأصفار الزائدة -أربعة أصفار- في حكومات مختلفة، إلا أن الحكومة الحالية تفكر جدياً في تنفيذ هذا الإجراء؛ مما قد يؤدي إلى تغييرات كبرى في الاقتصاد الإيراني، حسب تعبير “تابناك“.
وكغيره من بقية القرارات، فالموضوع له مؤيدون ومعارضون، حيث يرى المؤيدون أن حذف الأصفار من العملة قد يجعلها أكثر عملية واتساقاً مع تلبية حاجات الناس، بالإضافة إلى دور هذه العملية المؤثر في الاستقرار الاقتصادي، إلا أن المعارضين يرون أن الاقتصاد الإيراني ليس في حالة مناسبة، وحذف الأصفار لن يحل المشاكل الحالية بشكل حقيقي.
ويعتقد بعض الخبراء أيضاً أن تغيير الأعداد لا يستطيع حل مشكلة ارتفاع نسب التضخم أو تغيير حالة اللااتزان الاقتصادي، ومثالهم على ذلك زيمبابوي التي أقدمت على الخطوة ذاتها، وقد ساعدت الخطوة بالفعل لفترة زمنية في تحسين الوضع الاقتصادي، إلا أنها لم تلبث حتى أقدمت على تنفيذ خطوة مماثلة وحذفت أصفاراً أخرى.
أسباب التقلبات
وأضاف تقرير تابناك: الاقتصاد هو العمود الذي ترتكز عليه البلاد في كل شيء، وتحسنه أو سوء حالته لكليهما تبعات كثيرة تتخطى الاقتصاد نفسه، وقد يتعجب القارئ حينما يسمع بأن حالة عدم اليقين حول أسباب تقلبات سعر العملة في إيران أدت إلى أن قيمة الدولار ترتفع وتنخفض في إيران لأسباب غريبة، كفوز المنتخب الإيراني في مباراة رسمية مثلاً، وهو ما صرح به الخبير في الشأن الدولي، مصطفى خوش جشم، في حواره مع قناة أفق الإيرانية، ونقله موقع تابناك.
ووفق تعبير وكالة أنباء إيسنا في تقرير نشر بتاريخ 14 فبراير/شباط 2023 فلم تستطع أي حكومة جاءت بعد الثورة الإسلامية تدعيم قيمة العملة الوطنية والحفاظ عليها، وتنبع أهمية الحفاظ على قيمة العملة الوطنية من ارتباطها المباشر بأسعار الأدوية والسلع والخدمات، وأهمها المواد الخام المستوردة التي تتبع تقلبات قيمة العملة الوطنية صعوداً وهبوطاً، تلك المواد التي تؤثر بشكل مباشر على القدرة الشرائية وحياة الشعب، لذا فإن الانخفاض في قيمة العملة يؤثر بالسلب على الرفاهية الاقتصادية للمجتمع.
ناهيك عن دور التضخم في خفض قيمة العملة، حيث استمرت نسبة التضخم خلال أكثر السنوات من نصف القرن الماضي، كما يُعبر عنها في الإعلام الإيراني بـ”ذات رقمين”، أي من 10% فما فوق.
حكومة بزشكيان
خلال فترة الانتخابات، أعطى المرشح حينها، والرئيس الحالي مسعود بزشكيان، وعوداً كثيرة بخصوص البرنامج الاقتصادي للبلاد، ومنها وعوده بخفض نسب التضخم، مؤكداً أن السبب في التضخم والغلاء هي الحكومة وليس الشعب.
ومؤخراً وفقاً لما أورده موقع “اقتصاد آنلاين” بتاريخ 30 ديسمبر/كانون الأول 2024، علق الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان على ارتفاع قيمة الدولار أمام الريال قائلاً إنه قد تشاور مع المرشد الإيراني في اللقاء الأخير الذي جمعهما حول قضية الحفاظ على قيمة العملة الوطنية وكيفية تحسين معيشة الشعب، وإن حكومته بصدد تنفيذ إجراءات من شأنها المساعدة في تحسين الوضع الاقتصادي للبلاد، والقضاء على المشاكل المعيشية للشعب.
فيما يبدو أيضاً أن حكومة بزشكيان من المؤيدين لنظرية حذف الأصفار من العملة، وهو ما قد يؤدي إلى تحسين الوضع الاقتصادي، حيث حررت لائحة مشروع قانون لتعديل قانون النقد والتعامل المصرفي في البلاد من أجل حذف 4 أصفار كاملة من العملة، وتغيير اسمها من الريال إلى التومان وقدمته للبرلمان الإيراني، وترى الحكومة أن الهدف من هذا التعديل هو خفض المشاكل الناتجة عن التضخم وانخفاض القدرة الشرائية للشعب، ما أدى إلى زيادة أرقام المعاملات اليومية خلال السنوات الأخيرة، وانخفاض شأن العملة الإيرانية بالمقارنة مع العملات الدولية الأخرى.
وبتاريخ 2 يناير/كانون الثاني 2024، وفقاً لما أورده موقع “همشهري“، أعلن عضو في لجنة التخطيط والموازنة في البرلمان الإيراني عن إرسال رسالة تحذيرية من قِبل مائة نائب إلى رئيس الجمهورية حول انخفاض قيمة العملة الوطنية.
وقال النواب في رسالتهم إن انخفاض قيمة العملة الوطنية في بداية حكومة الرئيس بزشكيان أكثر من بقية الحكومات التي سبقته، وإن المعطيات الاقتصادية للبلاد تُظهر بوضوح أن انخفاض قيمة العملة يؤثر مباشرة على معيشة الشعب والآلة الاقتصادية للبلاد.
واقترح عليه النواب الاطلاع على رسالة سابقة لأكثر من 131 نائباً اقترحوا فيها تعديل السياسات النقدية، وأهمها تنفيذ قانون مكافحة تهريب السلع وتنفيذ قانون مكافحة غسيل الأموال، وهو ما بإمكانه تحسين الحالة الاقتصادية للبلاد ومواجهة التحديات الاقتصادية الحالية.