كتبت لمياء شرف
تصاعدت أزمة بناء خط الغاز بين طهران وإسلام آباد، وعليه أرسلت إيران إنذاراً أخيراً تهدد فيه برفع دعوى قضائية ضد باكستان بمحكمة التحكيم في باريس، في سبتمبر/أيلول الحالي؛ لعدم بنائها الجزء الخاص بها من مشروع خط أنابيب الغاز. وهو ما قد يؤدي إلى فرض غرامات تصل إلى 18 مليار دولار على باكستان.
كان كل من الدولتين قد وقع في عام 2009 على اتفاقية مشتركة لشراء وبيع الغاز، على أن يتم بناء واستكمال خط الأنابيب بحلول عام 2014.
وأكملت إيران مشروع خط الأنابيب على أراضيها بتكلفة قدرها 2 مليار دولار، في حين أن باكستان لم تكمل الجزء الخاص في المشروع لعدة أسباب، على رأسها خوفها من الموقف الأمريكي وتهديدات واشنطن بفرض عقوبات على باكستان.
ثم تم توقيع عقد معدل في سبتمبر/أيلول 2019 بين شركة (ISGS) البكاستنية وشركة (NIGC)، سمح فيه لباكستان بمزيد من الوقت لبناء خط الأنابيب بحلول مارس 2024. والآن، بعد فشل باكستان في استكمال المشروع حتى بعد التمديد لمدة 180 يوماً للموعد النهائي في مارس/آذار، قدمت إيران إنذارها الأخير بأخذ باكستان إلى محكمة تحكيم في باريس.
مشروع خط الغاز
يبلغ طول خط الغاز بين البلدين 2775 كيلومتراً، والذي سيسهل صادرات الغاز الطبيعي الإيراني إلى باكستان بقدرة 750 مليون قدم مكعبة يومياً.
وتقدر تكلفة المشروع خط الغاز الواصل بين الحدود الإيرانية إلى ميناء جوادار في بلوشستان الباكستانية بنحو 45 مليار روبية باكستانية، أي ما يعادل 161 مليون دولار.
ويعد هذا المشروع مصدراً قوياً لتخفيف تحديات الطاقة في باكستان، خاصة مع ارتفاع سعر النفط في باكستان، وستكون قادرة على استيراد الغاز بأسعار منخفضة مقارنة بـواردات الغاز المسال عالية التكلفة.وتعد إيران غنية بالغاز الطبيعي المصدر الأكثر جدوى في المنطقة بسبب موقعها الجغرافي، كما أن إيران تمتلك ثاني أكبر احتياطي من الغاز في العالم بعد روسيا.
وفي بيان صحفي نُشر على موقع X، قال قسم النفط بوزارة الطاقة الباكستانية: “لن يؤدي هذا إلى تعزيز أمن الطاقة في باكستان فحسب؛ بل سيعزز ثقة الصناعة المحلية التي ستُضمَن بإمدادات الغاز المستقرة، وهذا سيحفز أيضاً النشاط الاقتصادي في مقاطعة بلوشستان.
لماذا لا تكمل باكستان المشروع؟
تأخرت باكستان عن تنفيذ وإكمال مشروع خط الغاز، رغم تمديد إيران مهلة إكمال المشروع لمرتين، ويذكر أن باكستان في احتياج شديد لهذا المشروع لما تعانيه البلاد من انقطاعات يومية في التيار الكهربائي تستمر لمدة 12 ساعة أو أكثر.
ويرجع توقف مشروع خط أنابيب الغاز منذ سنوات بسبب التوترات الجيوسياسية، التي تقودها بشكل رئيسي، العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، وأن أي مشاركة من باكستان ستعرضها لعقوبات مالية قاسية.
وأيد دونالد لو، مساعد وزير الخارجية لشؤون جنوب ووسط آسيا، خلال جلسة استماع في الكونغرس في مارس/آذار الماضي، جهود الحكومة الأمريكية لمنع حدوث هذا الخط، مشيراً إلى أن البيت الأبيض سوف يلتزم بكافة قوانين العقوبات المتعلقة بإيران.
وأضاف قائلاً: “نحن نتابع هذا المشروع المخطط له بين إيران وباكستان، ولا أعرف من أين سيأتي التمويل لمثل هذا المشروع”، مؤكداً أن الدول المانحة غير مهتمين بتمويل مثل هذا المشروع.
ونقلت صحيفة Dawn، عن ممثل لوزارة الخارجية الأمريكية لم تذكر اسمه، القول: “نحن نبلغ الجميع دائماً أن التعامل مع إيران، قد يؤدي إلى فرض العقوبات وننصح الجميع بأخذ هذا التحذير على محمل الجد. نحن لا نؤيد استكمال خط أنابيب الغاز هذا”.
وفي سياق متصل، تشير الحكومة الباكستانية إلى أن الموقف الأمريكي هو العائق الرئيسي، موضحةً أن محاولات الحصول على إعفاء من إدارة بايدن باءت بالفشل.
كما أن الولايات المتحدة الأمريكية رفضت تقديم أي مساعدة لباكستان في هذا الشأن، قائلة إنها ستفرض عقوبات شديدة إذا عقدت إسلام آباد أي صفقات مع طهران.
نتيجة لذلك، تواجه باكستان معضلة معقدة: إما أن تكمل المشروع وتخاطر بالعقوبات، أو تتخلى عنه وتواجه غرامات قانونية ومالية من إيران. هذا الوضع يبرز تداخل احتياجات الطاقة مع العقوبات الدولية والضغوط الدبلوماسية التي تعقد تنفيذ مشاريع البنية التحتية الكبرى في المنطقة.
وفي دراسة نشرت للباحث مصطفى شلش، في مركز الأبحاث الأوراسية، تقول إن هناك مخاوف جدية بشأن العقوبات التي قد تصبح قابلة للتطبيق على مشروع خط أنابيب الغاز.
وفي وقت سابق، دفع الخوف من العقوبات شركة غازبروم الروسية، أكبر مستخرج للغاز الطبيعي في العالم، والبنك الصناعي والتجاري الصيني، إلى الانسحاب من مشروع خط الأنابيب. كما رفضت شركة تطوير النفط والغاز الباكستانية المحدودة (OGDCL)، والبنك الوطني الباكستاني، تمويل المشروع؛ بسبب الخوف من العقوبات.
هناك خطر آخر قد يواجهه خط أنابيب الغاز، وهو الوضع الأمني في بلوشستان. إن الجزء الأكبر من طول خط الأنابيب سوف يمر عبر بلوشستان؛ ومن ثم، إذا تم بناؤه، فسوف يواجه مخاطر أمنية كبيرة، خاصة عندما يتصاعد التمرد في الإقليم، في ظل غياب خطة سياسية وأمنية للتعامل مع القوميين البلوش، الذين رفضوا تاريخياً أي مشروعات تنموية باعتبارها تهدف إلى السيطرة على مناطقهم الجغرافية، وتضر بمصالحهم الاقتصادية.
باكستان والخليج
وأشار في دراسته أن هناك خطر الذي يحتاج إلى اهتمام جدي وهو تأثير خط أنابيب الغاز في علاقات باكستان الودية مع دول الخليج، ومن غير الواضح ما إذا كانت الدول العربية ستحذو حذو الولايات المتحدة، خاصةً أن العلاقات الخليجية الإيرانية في توتر دائم وهي في طورها للهدوء، هل ستعود مرة أخرى للتوتر.
وتجدر الإشارة إلى أن باكستان تعتمد على المساعدات الخارجية التي تصل قيمتها إلى أكثر من مليونين إلى ثلاثة مليارات دولار سنوياً. وهناك حاجة إلى تحوط استراتيجي، ولكن يبدو أن إسلام آباد تعول كثيراً على التفاهمات الصينية في رعاية هدنة سعودية-إيرانية تساعد على تقليل التوتر بين الطرفين.