كتب: محمد بركات
أعادت تصريحات مسئول حكومي قضية فساد شركة دبش لتصنيع الشاي إلى الواجهة مرة أخرى لتذكر الإيرانيين بواحدة من أكبر قضايا الفساد والاختلاس المالي في تاريخ إيران، تلك القضية التي بدأت في العام 2018 واستمرت حتى أغسطس/آب من العام 2022.
فوفقا لتقرير نشره موقع دنياي اقتصاد الاقتصادي الإيراني بتاريخ 14 سبتمبر/أيلول 2024، فقد صرح عبد المجيد اجتهادي، المدير العام لمنظمة جمع وتوزيع الممتلكات المصادرة ونائب وزير الاقتصاد، بأن هناك 3700 طن من الشاي التابع لشركة دبش قد تم بيعها في مزادات المنظمة بمحافظات مختلفة، ولا يزال هناك 18 ألف طن متبقية، كذلك أوضح اجتهادي أن الشاي “دبش” مخزن في مستودعات محافظات هرمزجان، طهران، ألبرز، وبكميات محدودة في كرمانشاه.
وأضاف اجتهادي أنه وخلال مزاد أقيم بمحافظة هرمزجان قد تم بيع 636 طنا من الشاي بمبلغ 500 مليار ريال إيراني(ما يعادل 985 ألفا و 773 دولارا)، ولا يزال هناك نحو 1100 طن في هرمزجان تخضع حاليا للتقييم والفصل لعرضها في المزادات القادمة، كما أشار إلى أن هناك 17 ألف طن من الشاي التابع للشركة بمخازن محافظة تهران تم بيع 3000 طن منها بمبلغ 3700 مليار ريال (ما يعادل7 مليون و95 ألف دولار)، ويتم حاليا تقييم نحو 14 ألف طن أخرى للحصول على التصاريح من منظمات المعايير والصحة والغذاء والدواء لعرضها في المزادات. بينما هناك 3000 طن من الشاي في مخازن محافظة محافظة ألبرز ولكن لم يصل بعد الرد من هيئة المعايير للموافقة على البيع، وذكر أن الشاي بمحافظة كرمانشاه قد تم تعبئته وهو جاهز للبيع.
وأشار اجتهادي إلى أن 50 ألف طن من شاي دبش كانت غير صالحة للاستهلاك، وقال إن علامة شاي دبش التجارية تتضمن عدة منتجات، وقد خضعت كميات كبيرة منه لاختبارات عديدة بأمر قضائي، وتم إخراج الكميات غير الصالحة للاستهلاك البشري من التداول.
هذا وقد تطرق إلى مشكلات بيع الشاي، حيث أشار إلى أن مديري المصانع الذين يشترون الشاي يواجهون مشاكل في السيولة المالية، ولهذا تم اتخاذ تدابير لتسريع عملية البيع بالتنسيق مع الجهات القضائية.
كما أضاف أن بعض آلات المصانع المتروكة تم تحويلها إلى هذه المنظمة، حيث سيتم عرض جزء منها في المزادات، بينما سيتم عرض الجزء الآخر، الذي يعتبر سلعة خاصة، بالتنسيق مع المحكمة الثورية الإسلامية.
وفي ما يتعلق بموضوع القير (الزفت)، قال اجتهادي إن تحديد مصير هذا القير كان مشروطا بالتصدير، وتم إدراجه في المزادات العامة، ولكنه لم يتم بيعه بعد، ولذلك تم اتخاذ إجراءات لتسريع عملية تحديد المصير.
ما هي ملابسات قضية الفساد؟
وفقا لتقرير نشره موقع تابناك الإخباري الإيراني بتاريخ 20 ديسمبر/كانون الأول 2023، فقد صرح مسؤولو الحكومة الثالثة عشرة، حكومة إبراهيم رئيسي، بأن الكشف عن هذا الفساد الكبير حدث في نهاية العام الأول للحكومة، وعلى أثره بدأت عملية مواجهة المتورطين وكشف الأبعاد الواسعة لهذا الفساد، حيث كانت المخالفة الرئيسية التي حدثت تتعلق بتخصيص وتوفير أكثر من 3 مليارات دولار من العملة الأجنبية لمجموعة شركات شاي دبش.
ما هي مجموعة دبش للصناعة والزراعة؟
تُدار شركة “دبش” للزراعة والصناعة، والتي تحمل العلامة التجارية شاي دبش، بشكل عائلي، وتعد واحدة من أكبر مصانع الشاي في قارة آسيا، بطاقة إنتاجية تزيد على 6.000 طن سنويا، وتمارس هذه المجموعة التجارية نشاطها أيضا في زراعة ومعالجة الشاي في عدة البلدان الأفريقية.
المخالفات المكتشفة:
في تاريخ 2 ديسمبر/كانون الأول 2023، أيدت هيئة الرقابة والتفتيش العامة في إيران رسميا وقوع حادثة الاختلاس بهذه الشركة، مشيرة إلى أن مجموعة دبش تلقت خلال الفترة من 2018 إلى 2022، مبلغا قدره 3.37 مليار دولار من العملة الأجنبية، منها 1.47 مليار دولار من العملة الصعبة الخاصة بالحكومة، لاستيراد الشاي والآلات.
وأوضح ذبيح الله خداييان، رئيس الهيئة، أن واردات الشاي والأجهزة التابعة لهذه المجموعة التجارية كانت تتطلب تسجيل طلبات الاستيراد والحصول على موافقات من وزارة الصناعة والتجارة، ووزارة الزراعة، والبنك المركزي. وخلال عامي 2021 و2022، تمت الموافقة على طلبات الاستيراد بكميات تفوق احتياجات البلد بالتنسيق مع الجهات المعنية، وبمجرد إرسال الطلبات إلى البنك المركزي تم تخصيص المبالغ المطلوبة. في المقابل، كان يتم فرض شروط على الشركات الأخرى المتقدمة بطلبات، مثل وجود تاريخ سابق في عمليات الاستيراد، لتتم الموافقة على طلباتها.
وقد تمت إحالة القضية إلى النيابة العامة في طهران، وتم إعداد تقرير خاص حول تورط مسؤولي وزارات الزراعة والصناعة والجمارك وبعض البنوك في القضية أيضا.
ووفقا للمسؤولين، فكانت المخالفات القانونية لمجوعة دبش تتلخص في الآتي:
توزيع وبيع الشاي المسرطن والمسموم:
في عام 2018، كشف عضو في اتحاد مزارعي الشاي بشمال إيران، أن قوات الشرطة أوقفت شاحنة تابعة للشركة، وبعد التحقيقات والفحوصات، تبيّن أن الشاي الموجود فيها تم إنتاجه في عام 2000م وكان يحتوي على مادة “الأفلاتوكسين” السامة، مما يجعله غير صالح للاستهلاك الآدمي. وأفادت التقارير بأن الشركة كانت تخلط هذا الشاي القديم بالشاي الطازج ثم تعيد تعبئته وتوزيعه في السوق.
استيراد شاي منخفض الجودة وتزوير الأسعار المعلنة:
فقد قدمت الشركة طلبا لاستيراد شاي هندي من الدرجة الأولى، لكنها استوردت شايا كينيا من الدرجة الثانية بفارق سعر يبلغ 12 دولارا لكل كيلوغرام، والشاي الذي تم شراؤه بسعر 2 دولار للكيلوغرام كان يباع في السوق مقابل 14 دولارا. الجدير بالذكر أن جهات مثل هيئة المواصفات والجمارك ووزارة الزراعة وهيئة الغذاء والدواء كانت قد صادقت على جودة الشاي المستورد.
بيع العملة النيمائية في السوق الحرة:
تم بيع جزء من العملة النيمائية، ونيما هي منظومة إيرانية لتوفير العملة الصعبة لتسهيل الأمور على المصدرين والمستوردين، التي تلقتها الشركة لاستيراد البضائع في السوق الحرة بأسعار أعلى.
عدم الوفاء بالالتزامات المالية:
فلم تفي الشركة بالتزاماتها المتعلقة بمبلغ 1.4 مليار دولار من العملة “النيمائية” التي تلقتها ولم تستورد البضائع المتفق عليها.
الإضرار بالسوق المحلي:
فقد قامت الشركة بإغراق السوق المحلي بكميات كبيرة من الشاي المستورد، مما أدى إلى اضطراب السوق وإلحاق الضرر بالمصنّعين المحليين الأصغر، الذين واجهوا خطر فقدان حصتهم في السوق.
إضافة إلى ذلك، فقد استفادت المجموعة من المسار الأخضر، هو أحد طرق ترخيص البضائع في الجمارك الإيرانية والذي لا يتطلب فحص لجودة المنتجات ولا أوراق فحص معملي، في الجمارك لتسريع عملية الاستيراد دون الحاجة إلى التأكد من جودة المنتجات المستوردة، في مخالفة للإجراءات القانونية.
دور هيئة التفتيش الخاصة برئاسة الجمهورية في منع التجاوزات المالية في استيراد الشاي:
في هذا السياق، تحدث حسن درويشيان، المفتش الخاص لرئيس الجمهورية المعني بمكافحة الفساد إلى وكالة إيرنا الإيرانية حول قضية تجاوزات استيراد الشاي لمجوعة دبش. وأوضح أن القضية تتعلق بفترة زمنية محددة تم خلالها تخصيص عملات أجنبية نيمائية، أكثر من اللازم لهذه الشركة، بمبالغ كبيرة.
وأضاف درويشيان أن هيئة التفتيش الخاصة بالرئاسة ووزارة الاستخبارات تدخلتا فور علمهما بالقضية، وأجرتا التواصل اللازم مع وزارة الزراعة، البنك المركزي والجمارك للحصول على المعلومات المطلوبة، وتم إيقاف تخصيص مزيد من العملة للشركة، وتمت إحالة القضية إلى القضاء.