حوار: مصطفى أفضل زادة مراسل “زاد إيران” في طهران
ترجمة: محمد بركات
زار رافائيل غروسي، الأمين العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، طهران مساء الأربعاء 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، وقد كانت هذه الزيارة هي الأولى لغروسي إلى العاصمة طهران بعد تولي الحكومة الجديدة لمسعود بزشكيان، الرئيس الإيراني الحالي، زمام الأمور في البلاد، فيما اكتسبت هذه الزيارة أهمية خاصة، بسبب التطورات الإقليمية والدولية، فضلاً عن الشكوك التي أثارتها الوكالة بشأن البرنامج النووي الإيراني. وكما أعلن غروسي، فإن الهدف الأساسي من هذه الزيارة كان بحث الملف النووي الإيراني وتهيئة مناخ ملائم لتعزيز التعاون والتفاعل مع الحكومة الإيرانية الجديدة.
وخلال هذه الزيارة، وفضلاً عن لقاء غروسي مع الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وعباس عراقجي وزير الخارجية، ومحمد إسلامي نائب الرئيس ورئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، فقد قام بجولة ميدانية للمنشآت النووية في فردو ونطنز.
وبعد مضي نحو أسبوع من تلك الزيارة، وفي مساء الخميس 21 نوفمبر/تشرين الثاني، صادق مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية على قرار مقترح من ألمانيا وبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة ضد البرنامج النووي الإيراني. ورداً على ذلك، أصدرت منظمة الطاقة الذرية الإيرانية تعليمات بتشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة ومتطورة.
وقد أجرى موقع “زاد إيران” حوارا مع محمود عباس زاده مشكيني، المتحدث السابق باسم لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني، تحدث فيه عن الزيارة وتبعاتها وموقف إيران من قرار الوكالة الأخير، وقد جاء كالآتي:
كيف تقيّمون زيارة غروسي لإيران؟
في البداية، يجب أن أقول إن التجربة أظهرت أنه عندما يزور غروسي إيران، فإن تلك الزيارة ترافقها بعض المشاكل، فأولاً، غروسي لا يأتي إلى إيران بأسئلة لها إجابات محددة أو برنامج وإطار عمل واضح لهذه الزيارة.
وبمجرد مغادرته إيران، وبدلاً من محاولة تطبيع ملف إيران وحل الغموض القائم، يستغل المعلومات التي حصل عليها من إيران لخلق غموض جديد واستخدامه مرة أخرى ضد الملف النووي للجمهورية الإيرانية.
يبدو أن غروسي يدير فرعا يُسمى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والذي هو في الواقع مجرد جزء من النظام الغربي ضد الجمهورية الإيرانية. فإن سلوك غروسي وتصرفاته تُظهر أنه حوَّل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي يُفترض أنها مؤسسة دولية، إلى لعبة وعبَث بمصداقيتها. فهو يتعاون أكثر مع الولايات المتحدة والترويكا الأوروبية، وكذلك مع “الصهاينة”، بدلاً من القيام بواجباته في الوكالة.
في رأيي، يجب على إيران أن تحدد إطارا واضحا للسماح لغروسي بدخول إيران. وعليه أن يأتي إلى إيران مع أسئلة محددة وبرنامج واضح، وعندما يحصل على إجابات أسئلته، عليه أن يغادر.
لقد التزمت إيران بما يتجاوز الالتزامات المنصوص عليها في الضمانات والقوانين واللوائح ومتطلبات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، حيث قبلت الرقابة والمراقبة والكاميرات الخاصة بالوكالة، ولكن وبدلاً من التعاون معها، فإنهم يحاولون باستمرارٍ خلق المشاكل واستخدام أدوات مختلفة للضغط عليها.
أنا لا أؤيد الردود الضعيفة تجاه تصرفات الوكالة وتحركات غروسي المشبوهة، وأعتقد أن جهازنا الدبلوماسي يجب أن يتعامل بجدية ومنطقية معهم.
ما هو برنامج لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني، والتي تتمثل إحدى مهامها في مراقبة أداء وزارة الخارجية، لتنظيم زيارات المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية لإيران؟
في الدورة الحادية عشرة للبرلمان، عندما كنت عضوا ومتحدثا باسم لجنة الأمن القومي، قمنا بإقرار أحد أفضل القوانين التي تم اعتمادها في تاريخ البرلمان بعد الثورة.
في هذا القانون، وضعنا استراتيجية لرفع العقوبات وحماية المصالح الوطنية، وهو قانون أشاد به قائد الثورة علي خامنئي، مرتين واصفاً إياه بأنه قانون جيد.
ويجب على لجنة الأمن القومي الحالية أن تطلب من الحكومة تقارير تستند إلى هذا القانون، الذي يلزم الحكومة، في حال تجاوز الغربيون التزاماتهم تجاه إيران في الاتفاق النووي، بأن تتخذ إيران إجراءات حاسمة في مواجهة تصرفات الغرب، لا سيما الولايات المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية.
علماً بأن الاتفاق النووي أصبح معطلاً وغير ذي تأثير فعلي لإيران بعد انسحاب الولايات المتحدة، وأعتقد أنه في ظل الوضع الحالي، حيث يبدو أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد اختارت عدم التعاون مع إيران وسلمت قرارها للترويكا الأوروبية والولايات المتحدة، فيجب على إيران أن تعلن بوضوحٍ أنه إذا لم تعمل الوكالة ضمن إطار منظم، فإن إيران لن تستمر في تعاونها معها.
ويجب علينا، وفي إطار قوانين وأنظمة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أن نزيد من حجم المواد ونسبة التخصيب، وأرى أنه إذا استمرت الأطراف الأخرى في عدم تعاونها، يجب أن تكون لدينا إجراءات رادعة أخرى مطروحة على الطاولة وجاهزة للتنفيذ.
ماذا تقصدون بقول “إجراءات رادعة” تحديدا؟
أقصد أنه إذا قرر الغربيون عدم التعاون معنا واستخدموا الوكالة الدولية للطاقة الذرية كأداة للضغط ضدنا، واستغلوا المؤسسات الدولية لمحاولة إضعاف بلدنا بذريعة التعامل مع برنامجنا النووي، وفرضوا معايير مزدوجة ضدنا، فأعتقد أن إيران يمكنها التفكير في سياسات مثل الانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT). فبرأيي، عندما لا يتعاونون معنا ويستغلون الوكالة كأداة للضغط على دولتنا وشعبنا، في حين أننا ندفع تكاليف كبيرة ونلتزم بقيود تتجاوز التزاماتنا، فهذا الأمر غير منطقي.
وهناك خيارات متعددة يمكن أن نضعها على الطاولة، من بينها الانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.
بعد أيام قليلة من زيارة غروسي لإيران، ورغم أنه تمت تلبية جميع مطالبه، وضمن ذلك زيارة المواقع النووية التي طلبها وعقد لقاءات متعددة مع المسؤولين الإيرانيين، فإننا شاهدنا مرة أخرى صدور قرار من مجلس المحافظين ضد إيران. برأيكم، ما سبب صدور هذا القرار؟
إن الأدلة والقرائن تشير إلى أن مجلس محافظي الوكالة كان قد أعد مسبقاً مشروع قرار ضد إيران، وتمت صياغته واعتماده قبل زيارة الأمين العام لإيران، وقد استخدمت زيارة غروسي كذريعة لإضفاء مظهر منطقي على هذا المشروع الذي كان قد تقرر إصداره مسبقاً. ويبدو أن قرار إصدار الحكم ضد إيران قد اتخذ مسبقاً، وتمت زيارة غروسي فقط لتبرير هذا القرار وجعله يبدو معقولا ومقبولا. وإلا، فما هو مبرر إصدار قرار ضد إيران بعد أن زار غروسي البلاد، وحصل على إجابات عن كل تساؤلاته، وتم تقديم وثائق وأدلة واضحة له؟
ومن الجدير بالذكر أن نعرف أنَّ نصف أعضاء مجلس المحافظين لم يصوتوا لصالح هذا القرار، فهذا القرار يُظهر أنه لعبة مدبرة من الترويكا الأوروبية والولايات المتحدة، ومن المؤسف أن الوكالة الدولية قد انحدرت إلى هذا الحد حتى أصبحت إحدى إدارات نظام الضغط الغربي أو الترويكا الأوروبية والولايات المتحدة ضد إيران، ما أضر بشكل كبير بمصداقية هذا الكيان الدولي.
بعض المسؤولين الإيرانيين يعتقدون أن إيران تتعرض لضغوط تفوق ما يُمارَس على الدول الأخرى في ما يتعلق ببرنامجها النووي. هل هذا الادعاء صحيح؟ وإذا كان كذلك، فما السبب من وجهة نظركم؟
أعتقد أن الضغوط المفروضة على إيران تفوق بكثيرٍ ما تتعرض له الدول الأخرى، خاصةً تلك التي لا ترغب في الانصياع لهيمنة الغرب وأمريكا.
وأنا أعتقد أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد استخدمت كل ما لديها من وسائل للضغط على إيران، فعلى سبيل المثال، وفي منطقة الشرق الأوسط، نجد أن “الكيان الإسرائيلي” يمتلك 200 رأس نووي وترسانة نووية تُعد من أخطر الترسانات في العالم، ومع ذلك، لم يُحاسَب هذا الكيان على الإطلاق، ولم ينضم حتى إلى معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية.
الأمر الأكثر إثارةً من هذا، هو أن غروسي غالباً ما يسافر مباشرة إلى أراضي الكيان الإسرائيلي بعد زيارته لإيران، ويُقدّم تقارير للمسؤولين هناك. وهذا الوضع مؤسف جدا، لكنه لا يُثنينا عن مواصلة العمل. فإيران أمة مستقلة وقوية، وقوتها تنبع من الداخل.
ولقد وصلنا إلى مستوى من الردع بحيث لا يستطيع الغرب ولا حتى الولايات المتحدة تخيل التهديد الذي تمثله إيران، لكنكم ترون أنهم يزيدون الضغط على إيران يوما بعد يوم، ومن ناحية أخرى، فإنهم قد تركوا النظام الإسرائيلي حرا. هذه المعايير المزدوجة تفضح الوجه العاري وغير المقنع للغرب أمام شعوب العالم.
صرح بعض الخبراء وبعض المسؤولين الإيرانيين بأن الوكالة الدولية قد سربت معلومات سرية عن البرنامج النووي الإيراني لدول أخرى، مما أدى إلى اغتيال علماء نوويين إيرانيين، فهل هذا صحيح؟
مثل هذه الاتهامات تحتاج إلى تحقيق من قبل المؤسسات القانونية والأمنية، ولكن سلوكيات غروسي التي أظهرها على مدار السنوات الماضية، توحي بما ذكرته.
لقد حوّل هؤلاء مكانة الوكالة الدولية إلى مجرد فرع من نظام الضغط الغربي ضد إيران. وقد لا يكون من الصواب استخدام كلمة “جاسوس” لوصف غروسي، لكن استخدامه للمعلومات التي يحصل عليها ضد إيران يثير هذا الاحتمال، ففي كل مرة يقوم غروسي بزيارة إيران ويعود، يتم إصدار قرار ضد بلادنا. وفي النهاية، فإن الرأي العام هو من سيحكم على هذه القضية بشكل أفضل.
ما تأثير إصدار هذه القرارات على مسار البرنامج النووي الإيراني؟
لقد اتخذت إيران قرارها بشأن أنشطتها النووية، فنحن سنستخدم الطاقة النووية في جميع مجالاتها السلمية، سواء في مجال الصحة أو إنتاج الطاقة، وفي جميع التطبيقات السلمية الأخرى، حتى نصل إلى الحد الأقصى من القدرة على استخدام الطاقة النووية ودورة الوقود النووي، والخط الأحمر الوحيد بالنسبة لنا هو إنتاج الأسلحة النووية.
فنحن في الوقت الحالي قد وصلنا إلى مرحلة معينة من الردع باستخدام الأسلحة التقليدية، ونحن لا نعتبر الردع مقتصرا على مجرد التسلح. ويجب أن تمتلك الأمة مجموعة من الخصائص التي تشمل جزءا منها الأسلحة والمعدات العسكرية.
ولحسن الحظ، نحن في وضعنا الحالي قد وصلنا إلى مرحلة من الردع الكامل والثقة في جميع الجوانب، ونعتقد أن إنتاج الأسلحة النووية لا يلعب دورا في تعزيز ردعنا في الوقت الحالي، إلا إذا دفع الغرب الأمور إلى حد يجبر إيران على إعادة النظر في استراتيجياتها وأُطرها الدفاعية والأمنية.