ترجمة: دنيا ياسر نور الدين
رصدت وكالة أنباء الطلبة الإيرانية “إيسنا“، في تقرير لها الجمعة 11 أبريل/نيسان 2025، واقع المستشفيات والمراكز العلاجية غير الآمنة في إيران، والحوادث الناتجة عن ضعف الالتزام بمعايير السلامة، وتقصير وزارة الصحة وغياب الرقابة الفعالة، وذلك في حوارها مع كل من مهدي بابايي رئيس لجنة السلامة في مجلس بلدية طهران، ومحمود قديري النائب السابق لرئيس جهاز الإطفاء في طهران.
غياب معايير السلامة
قالت الوكالة إنه على الرغم من تزايد أعداد المراكز العلاجية الخاصة والعامة، لا تزال معايير السلامة غير مطبّقة في الكثير منها؛ فالقائمة الطويلة من الحوادث المؤلمة، من حرائق مميتة إلى حالات اختناق جماعي، تمثل شاهدا على أزمة خفية تهدد حياة المرضى والكوادر الطبية في ظل تجاهل المسؤولين. والسؤال المطروح هنا: إلى متى ستُتجاهل التحذيرات وتستمر هذه الحوادث المؤلمة في الوقوع؟
وتابعت الوكالة أنه مع ارتفاع عدد المستشفيات والمراكز العلاجية الخاصة في البلاد، كان من المتوقع أن تتطور معايير وإجراءات السلامة في هذه المراكز بالوتيرة نفسها. غير أن ما أعلنته الجهات المعنية في جهاز الإطفاء يشير إلى أن أسماء عدد من المراكز العلاجية والمستشفيات لا تزال مدرجة ضمن قائمة المباني غير الآمنة، وتظهر من حين إلى آخر في الأخبار بسبب وقوع حوادث فيها. من بين هذه الحوادث، حريق مركز مشیریة العلاجي الذي اندلع مساء يوم الاثنين وأسفر عن مصرع 3 أشخاص وإصابة 18 آخرين.
وأضافت أنه خلال السنوات الأخيرة، وقعت عدة حوادث في مستشفيات خاصة وعامة في طهران وبعض المدن الأخرى، أثارت تفاعلا في وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي. من حرائق في غرف المعدات إلى انقطاع الكهرباء الاحتياطية، شكّلت هذه الحوادث ناقوس خطر يدعو إلى إعادة النظر في آليات الرقابة والسلامة.
عندما تتحول المستشفيات نفسها إلى مصدر للأزمات
شهدت المراكز العلاجية والمستشفيات في السنوات الأخيرة العديد من الحوادث، منها على سبيل المثال لا الحصر: حريق عيادة “سينا أطهر” في طهران يوليو 2020، والذي أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 19 شخصا وإصابة 14 آخرين؛ حريق محدود في غرفة بمساحة 10 أمتار في مستشفى “دي” أكتوبر/تشرين الأول 2021، وتمت السيطرة عليه بسرعة؛ حادثة مستشفى “رسول أكرم” بطهران يوليو/تموز 2022، حيث كان جميع المرضى في الطوابق العليا وتعرضوا للاختناق بالدخان، دون وقوع خسائر بشرية.
كذلك، حريق في قسم العناية المركزة بمستشفى “فجر” بطهران أغسطس/تموز 2023، ولم يسفر عن أضرار بشرية أيضا؛ إلى جانب حوادث في مستشفى “شهداء تجريش” ديسمبر/كانون الأول 2023، مستشفى “غاندي” بطهران فبراير/شباط 2024، ومستشفى “إمام حسين” بطهران مايو/أيار 2024. يذكر أن جميع هذه الحوادث وقعت في العاصمة طهران.
ومن بين المستشفيات التي شهدت حرائق في محافظات أخرى خلال السنوات الأخيرة، يمكن الإشارة إلى مستشفى “حضرت علي أصغر” في شيراز – نوفمبر/تشرين الثاني 2021، مستشفى “شريعتي” في أصفهان – مايو/أيار 2023، مستشفى “كاشاني” في أصفهان – فبراير/شباط 2024، ومستشفى “قائم” في مدينة رشت – يونيو/حزيران 2024، وهي حوادث وقعت على مدى عدة سنوات في أنحاء متفرقة من البلاد.
المستشفيات غير الآمنة: خطر يهدد صحة البلاد
أشادت الوكالة بأنه في بعض الحالات، تكون الجهات الرقابية على علم بوجود خلل خطير في السلامة داخل بعض المراكز العلاجية، إلا أن أسماء هذه المراكز لا تُعلن لأسباب غير واضحة، وذلك في وقت من حق المواطنين أن يعرفوا إن كانت المستشفيات التي يقصدونها تمتلك الحد الأدنى من معايير السلامة أم لا.
والسؤال الأهم هنا هو: لماذا، رغم تكرار الحوادث خلال السنوات الماضية، لم تُنشر حتى الآن قائمة شفافة وعامة بالمراكز غير الآمنة؟
من جهة أخرى، يُنتظر من السلطة القضائية أن تتدخل بحزم أكبر في هذه القضية، وتحاسب المسؤولين عن التقصير في أجهزة الرقابة. فعندما تكون أرواح المرضى والطواقم الطبية والمرافقين في خطر، لا ينبغي أن تسبق أي مصلحة أخرى مصلحة صحة الناس وسلامتهم.
الكوارث تلتهم الأرواح
في تصريح لوكالة “إيسنا”، ردّا على سؤال حول ما إذا كان يُتخذ إجراء بحق المباني التي لا تلتزم بإجراءات السلامة خلال المهلة القانونية، قال مهدي بابايي، رئيس لجنة السلامة في مجلس بلدية طهران، إن هناك خللا قانونيا في هذا المجال، حيث إن القوانين المتعلقة بهذا النوع من المباني تعود إلى نحو 50 عاما.
وهذه القوانين من وجهة نظر مهدي بابايي صيغت لمعالجة المخاطر الناتجة عن الشرفات والبنايات، وتنص على أنه إذا لم يُزل المالك الخطر، تقوم البلدية بذلك، لكنها غير قابلة للتنفيذ حاليا. على سبيل المثال، لا توجد آلية تُلزم المالك بتركيب نظام إنذار وإطفاء الحريق، ولا يسمح القانون للبلدية بتركيب هذا النظام في الأبنية المرتفعة نيابة عن المالك.
وفي الوقت الذي قد يؤدي فيه أبسط مخالفة في محل تجاري صغير إلى إغلاقه بالشمع الأحمر، كيف يُعقل أن تستمر مستشفى فيها مخالفات واضحة في إجراءات السلامة بالعمل لسنوات طويلة دون تدخل؟
وتابع بابايي: من المتوقع أن يتم بسرعةٍ تنفيذ خطوات مثل نشر قائمة عامة بالمراكز غير الآمنة، وتصنيف مستويات الأمان في المراكز الطبية، وفرض وضع ملصق أمان إلزامي عند مدخل كل مركز، وتدخل مباشر من قبل جهاز الإطفاء ووزارة الصحة والسلطة القضائية في التقييمات الفنية، وفرض غرامات صارمة، ومنع ممارسة النشاط للمراكز التي تُشكّل خطرا على الأرواح.
غياب الرقابة
في تصريح آخر للوكالة، قال محمود قديري، النائب السابق لرئيس جهاز الإطفاء في طهران، إن المباني لا تخضع لرقابة دائمة على معايير السلامة، وكلّما وقعت حادثة، يشعر الناس والمسؤولون بالحزن، لكن فعليا لا تُتّخذ إجراءات رقابية دائمة بعد ذلك.
وفي ما يخصّ المراكز العلاجية الخاصة التي لا تلتزم بعضها بتحذيرات السلامة وتتلاعب بأرواح الناس باستهتار، يجب التذكير بأننا في بلد يضطر فيه البعض إلى التضحية بأملاكهم من أجل الحصول على العلاج في مركز خاص، وبالتالي لا ينبغي أن نشهد هذا الإهمال في قضية حيوية مثل السلامة. هذا التهاون أو حتى التجاهل الصريح للتحذيرات قد يؤدي في أي لحظة إلى كارثة لا مجال لتداركها لاحقًا.
ما فائدة العلاج بعد وقوع الفاجعة؟
شدد بابايي على أن غالبية العيادات والمراكز الطبية لا تملك شهادة سلامة، مشيرا إلى أن وزارة الصحة هي الجهة المسؤولة ويجب أن تفسر لماذا تُمنح التراخيص لتلك المراكز دون التأكد من استيفائها لمعايير السلامة.
وأعرب عن أسفه لما حدث في حريق مركز مشيريه العلاجي الذي وقع يوم الاثنين الماضي، مؤكدا أن المستشفيات والمراكز الطبية تستحق اهتماما أكبر، خاصةً أن الموجودين فيها يُعتبرون من الفئات الأكثر ضعفا. وأشار إلى أن هذا المركز تحديدا كان قد تم تصنيفه من بين المباني عالية الخطورة، وتلقّى بالفعل التحذيرات اللازمة من جهاز الإطفاء.
اللاأمان في قلب الرعاية الصحية
أضاف بابايي أن السبب الرئيس وراء عدم سعي المراكز العلاجية للحصول على شهادة السلامة في الوقت المناسب هو أن وزارة الصحة لا تعير هذا الموضوع الأهمية الكافية، ويجب أن تُحاسب على منح تراخيص لمراكز لا تمتلك شهادة أمان. بعض هذه العيادات تمتلك التراخيص اللازمة، لكن الغالبية تفتقر إلى شهادة السلامة.
كما أوضح أن الجهات المعنية تقوم بإرسال تحذيرات بشأن المباني عالية الخطورة، وتطلب من الجهات القضائية قطع المرافق أو إغلاق المبنى إذا لزم الأمر. إلا أن تطبيق هذه الإجراءات الصارمة على المستشفيات والمراكز الطبية ليس ممكنا بسهولة، ولذلك يجب أن يكون إصدار الترخيص السنوي لهذه المراكز مرهونا بالحصول على موافقة جهاز الإطفاء من حيث السلامة.
واختتم بابايي تصريحاته، بأن السلامة هي الأساس الأول في الحفاظ على حياة الإنسان، وهو مبدأ لا ينبغي أن يُغفل عنه ولو للحظة واحدة في المراكز الطبية. استمرار عمل مستشفيات غير آمنة في قلب العاصمة وغيرها من المدن ناقوس خطر لا يمكن تجاهله، لأنه قد يُكلّف أرواح المرضى ثمنا باهظا. المطلوب من المسؤولين ليس مجرد التحذير، بل اتخاذ إجراءات فورية، شفافة، ومسؤولة أمام الرأي العام.
كما قال إنه يجب أن تتكاتف الجهود من المجتمع الطبي، ووسائل الإعلام، والمواطنين، لتصل المطالبة العامة إلى حد يجعل من عبارة “مستشفى غير آمن” ذكرى أليمة من الماضي، لا عنوانا متكرّرا في عناوين الأخبار القادمة.