كتب: صادق أفشاري
بينما جرت الجولة الأولى من المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة في مسقط برعاية عُمان، فإن اختيار روما كمكان جديد لهذا الحوار يتطلب تحليلا متعدد الأبعاد.
هذا التغيير ليس فقط مؤشرا على تحول في استراتيجية الولايات المتحدة، بل يعكس أيضا طموحات جديدة لإيطاليا على الساحة الدبلوماسية الدولية. الجدير بالذكر أن إيطاليا ليست عضوا في مجموعة E3 (فرنسا، ألمانيا، بريطانيا)، ومن خلال اقتراح استضافة هذه المفاوضات، تسعى إلى تعريف دور لنفسها في حل الأزمات الدولية.
هذه الخطوة الذكية من روما تتماشى مع سياسات جورجيا ميلوني، رئيسة وزراء إيطاليا، لإحياء “عظمة إيطاليا مرة أخرى” في مواجهة القوى الأوروبية التقليدية مثل فرنسا وألمانيا.
أكد كاظم غريب آبادي، نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون القانونية والدولية، مع تأكيده تغيير المكان أن “المفاوضات ستظل برعاية عُمان أينما جرت”. في حين أن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية كان قد وصف هذا التغيير سابقا بأنه “خطوة غير عادلة”.
يبدو أن إيران، مع إدراكها حساسيات الجغرافيا السياسية، رأت المصلحة في مرافقة هذا التغيير، مع تأكيدها الحفاظ على الدور الرئيسي لعُمان.
وقال غريب آبادي إن الجولة الأولى من المفاوضات التي استمرت ثلاث ساعات فقط، كانت تهدف بشكل أساسي إلى تقييم مواقف الطرفين. وأكد أن “إيران لا تسعى إلى إضاعة الوقت ويجب أن تحقق المفاوضات فوائد ملموسة للشعب الإيراني”.
في حين أن التصريحات الأخيرة لستيف ويتكوف، الممثل الأمريكي، حول “ضرورة وقف تخصيب اليورانيوم من قبل إيران” واجهت رد فعل شديدا من طهران. وأكد النائب القانوني لوزارة الخارجية أن مبدأ التخصيب غير قابل للتفاوض، قائلا: “لقد قدمت إيران شهداء في هذا الطريق وبرنامجنا النووي سلمي بالكامل”.
إن اختيار روما كمكان للمفاوضات مهم من عدة جوانب. أولا، تُقدم إيطاليا نفسها من خلال هذه الخطوة كلاعب مستقل في الدبلوماسية الدولية. ثانيا، قد يكون هذا الاختيار مؤشرا على محاولة واشنطن تقليل دور عُمان وزيادة نفوذ حلفائها الأوروبيين. ثالثا، يتوافق هذا القرار تماما مع سياسات جورجيا ميلوني لتعزيز مكانة إيطاليا في المعادلات العالمية.
وفي ظل الاستعدادات للجولة الثانية من المفاوضات، تتجه جميع الأنظار إلى سلوك الجانب الأمريكي. وأشار غريب آبادي إلى أنه “إذا تصرفت الولايات المتحدة كما فعلت في الجولة الأولى، فسيكون الاتفاق ممكنا”. ومع ذلك، فإن التناقضات الأخيرة في المواقف الأمريكية، وضمن ذلك التصريحات الحادة لويلتكاف، أثارت التساؤل عما إذا كانت واشنطن تبحث عن حل أم أنها تريد تشويه أجواء المفاوضات من خلال خلق توترات جديدة.
وفي خضم هذه التطورات، قام وزير الخارجية الإيراني بزيارة لروسيا، مما يعكس جهود طهران للحفاظ على التوازن في علاقاتها الدولية. ووصف غريب آبادي هذه الزيارة بأنها “استراتيجية”، مؤكدا أن العلاقات بين إيران وروسيا في أعلى مستوياتها.
والسؤال الرئيسي الآن هو: هل اختيار روما كمكان للمفاوضات مجرد تغيير في المكان أم أنه مؤشر على تحول في معادلات القوة في أوروبا والشرق الأوسط؟ ستظهر إجابة هذا السؤال قريبا خلال الجولة الثانية من المفاوضات.
لكن من المؤكد أن إيران تراقب هذه التطورات بذكاء وتتمسك بمبادئها ومصالحها الوطنية. وفي غضون ذلك، تحاول إيطاليا من خلال هذه الخطوة الذكية تقديم نفسها كلاعب جديد في حل الأزمات الدولية، وهي خطوة قد تؤثر على معادلات القوة التقليدية في أوروبا.