ترجمة: دنيا ياسر نورالدين
أجرت وكالة أنباء “خبر أونلاين” الإيرانية المحافظة، الجمعة 11 أبريل/نيسان 2025، حوارا مع الأكاديمي والمحلل السياسي الإيراني صادق زيبا كلام، بخصوص موقف التيارات المتشددة في إيران من المفاوضات مع الولايات المتحدة ودوافعهم الحقيقية خلف شعار “الموت لأمريكا”.
كما تناول الحوار مسار المفاوضات النووية المقبلة في عمان وفرص نجاحها، الى جانب تقييمه لدور ترامب ونتنياهو في هذا الملف، حيث قال زيبا كلام: “بينما يريد نتنياهو أن يحل قضية الملف النووي الإيراني بالقوة والعناد، فإن ترامب قد حال دون ذلك. لذلك، إذا فشلت مفاوضات عمان أو لم تصل إلى نتيجة – وهو ما أستبعده بشدة وأعتقد أن اتفاقا سيتم التوصل إليه – حينها يأتي دور نتنياهو”.
مفاوضات طهران في عمان
تبدأ مفاوضات طهران وواشنطن يوم السبت 12 أبريل/نيسان 2025 في سلطنة عمان، وقد بدأ المتشددون في الداخل الإيراني تحركاتهم ضد هذه المفاوضات قبل انطلاقها. لكن، إلى أي مدى هم مؤثرون فعلا؟
قال زيبا كلام إن تلك الأقلية التي لا تزال تصر على معاداة الولايات المتحدة، إنما تسعى لايصال رسالة الى دوائر السلطة مفادها: “نحن أوفياء”، على حد تعبيره: “انظروا إلينا يا مجلس صيانة الدستور”.
ويعتقد زيبا كلام أن المتشددين الإيرانيين، قبل وصول ترامب، كانوا قد أفرغوا الاتفاق النووي من مضمونه، ولم يكن ينقصه سوى “رصاصة الرحمة” التي أطلقها ترامب.
ويقول في موضع آخر، إن المصيبة التي أنزلها ترامب على زيلينسكي في البيت الأبيض أنزل مثلها على نتنياهو بإعلانه عن بدء المفاوضات مع إيران. وبحسب زيبا كلام، فإن نتنياهو كان يريد أن يفك عقدة إيران بأسنانه، لكن ترامب اوقفه عند حده.
وفيما يلي نص الحوار:
إيران والولايات المتحدة أعلنتا انطلاق المفاوضات، وقد بدأ البعض في إعلان رفضه لهذه الخطوة.. ما تحليلك لذلك؟
لدينا في البلاد تيار مناهض للولايات المتحدة كان في الحقيقة متماشيا متسقا مع الأيديولوجيا العامة لإيران. فمعاداة الولايات المتحدة شكلت إحدى الركائز الفكرية الأساسية لإيران في 1979 (انتصار الثورة)، وتحولت إلى جزء من الرؤية الكونية والخطاب المركزي للثورة الاسلامية. لكن خلال الـ46 سنة الماضية، بدأت بعض الفئات والشرائح المتعلمة في المجتمع تبتعد تدريجيا عن هذا العداء.
مع ذلك، لا يزال هناك تيار وجماعة متمسكون بهذه العداء، والسؤال هنا: ما هو دافع هذه الأقلية؟ هل هم – سواء في البرلمان أو في مواقع أخرى – يؤمنون حقا بمعاداة الولايات المتحدة؟ أم أن العداء لأمريكا بات أداة تربطهم بالسلطة؟ بعبارة أبسط: لو لم توجد معاداة الولايات المتحدة، كيف يمكن لهذه الجماعة المتشددة أن تبقى على تماس مع السلطة؟
للأسف، لا نمتلك جهازا لكشف الحقيقة يمكن توصيله بهؤلاء الأشخاص لنكتشف ما إذا كانوا عندما يرددون “الموت لأمريكا” – كما في الثمانينيات والتسعينيات – مؤمنين فعلا بذلك، أم أن الأمر بالنسبة لهم مجرد وسيلة. الأمر يشبه العقوبات، فهناك من يستفيد منها، وبالتالي فإن معاداتهم للولايات المتحدة تأتي بدافع مصالحهم.
في الواقع، كنت أستمع إلى كلمات بعض النواب قبل بدء الجلسة، وقد قال العديد منهم إنهم يخشون من أن تبدأ مفاوضات مع الولايات المتحدة فنضحي بأهداف الثورة يوم السبت 12 أبريل/نيسان 2025! وسألت نفسي: هل يعيش هؤلاء النواب في إيران؟ هل مشاكل دوائرهم الانتخابية هي العداء للولايات المتحدة؟ هل أي من كلماتهم تعكس مطالب الناس في تلك الدوائر؟ فلماذا هذا الإصرار على قرع طبول العداء؟ إنهم يريدون أن يقولوا للمسؤولين، ولمجلس صيانة الدستور تحديدا: “انظروا إلينا، نحن نردد شعارات الموت لأمريكا”. للأسف، أصبح هذا الشعار وسيلة للبقاء في السلطة.
وكما قلت، لا نملك جهاز كشف نوايا، وقد يكون بعضهم فعلا ما زال يؤمن بهذه الشعارات، لكن من الصعب جدا بالنسبة لي أن أصدق أنهم يقولونها عن قناعة فقط.
ذكرتم أن الناس في دوائر هؤلاء النواب لا يوافقون على ما يقولونه. لكن بما أن هذه المفاوضات هي مشروع النظام.. فهل النظام نفسه يوافق على هؤلاء الأشخاص؟
حتى داخل النظام، هناك من يردد شعار “الموت لأمريكا”، لكن من المؤكد أن كثيرا من المسؤولين في المؤسسات المهمة كالمجلس، والحرس الثوري، والمجلس الأعلى للأمن القومي، يدركون الواقع. فهم أيضا يعيشون في هذا البلد، وهم من المتعلمين، ولديهم أبناء في سن الشباب والطلاب في الجامعات، ولا يمكنهم أن يتجاهلوا الواقع.
عندما يأتي نائب ويرفع هذه الشعارات بكل حزم، أتمنى أن أسأله: كم في المئة من أبناء دائرتك الانتخابية يؤيدون كلامك؟ هل حتى 5% او 10% منهم يوافقونك الرأي؟ لكنه يصر على هذه الخطابات لأنه يريد أن يظهر أنه ثوري ومخلص. وربما لو سالناه على انفراد لقال: “ليت هذه الشعارات تنتهي”. لكنه من أجل أن يبقى في السلطة، يبدأ بقول أشياء لا يؤمن بها حقا.
خلال مفاوضات الاتفاق النووي، قلتم إننا بعد أوباما سنضطر إلى البحث عنه بشكل حثيث.. فما رأيكم الآن مع بدء المفاوضات؟
الآن بدأ كثير من الإيرانيين يدركون تدريجيا الفارق بين أوباما وترامب. وبالطبع، فإن الذين يريدون إسقاط النظام يعارضون بشدةٍ أشخاصا مثل أوباما، وهم يفرحون بوجود ترامب وبالضغط الذي يمارسه على إيران، لعل وعسى أن يؤدي إلى صدام عسكري.
ترامب لن يسمح لإيران بتخصيب اليورانيوم بنسبة تفوق 3.5% قصدي من السؤال السابق هو: كيف تقيمون المفاوضات المقبلة؟
أعتقد أن المفاوضات المقبلة ستركز أولا وقبل كل شيء على الملف النووي. وإذا تم التوصل إلى اتفاق حول هذا الملف، فسيأتي بعده ملف الصواريخ. أما قضية الجماعات الوكيلة فقد أصبحت عمليا خارج إطار البحث.
إذا ما توصلت إيران والولايات المتحدة إلى اتفاق حول الملف النووي، حينها سيتم التطرق إلى موضوع الصواريخ. أنا أعتقد أن هذين الملفين لن يطرحا معا منذ البداية، لأن الملف النووي بالنسبة للغرب، وللولايات المتحدة، له أهمية أكبر بكثير. وأتصور أن ترامب في نهاية المطاف سيوافق على أن يكون لإيران الحق في تخصيب اليورانيوم بنسبة 3.5%، لكنه لن يسمح لها بالتخصيب بنسبة أعلى من ذلك.
هل تعتقد أنه في حال حصل اتفاق، سيكون هذا الاتفاق أكثر فائدة للنظام من الاتفاق النووي (برجام)؟
بلا شك، كان الاتفاق النووي (برجام) يحمل مزايا كثيرة أكثر لإيران. وهنا بالذات أختلف مع المتشددين؛ فانا أرى أن الذي دمر الاتفاق النووي لم يكن ترامب، بل المتشددون عندنا هم من قضوا عليه. ترامب فقط أطلق رصاصة الرحمة على رأس “برجام”.
اتفاق برجام وقع في يوليو/تموز 2015، وترامب انسحب منه في مايو/أيار 2018. في تلك السنوات الثلاث، لم يترك المتشددون شيئا من “برجام” في الداخل. بعد توقيع الاتفاق، جاءت مئات الشركات الغربية إلى إيران لأنهم كانوا يعتقدون أن انفتاحا حقيقيا قد حدث، وأن إيران تسير نحو تهدئة مع الغرب. لكن المتشددين أثبتوا أن تلك الشركات كانت مخطئة تماما. ولذلك، لم يمض وقت طويل حتى بدأت تلك الشركات تغادر إيران الواحدة تلو أخرى. وهكذا، لم يبق كثير من “برجام”، وجاء ترامب ليطلق الرصاصة الأخيرة.
ترامب رجل أعمال واقتصادي. وقد أدرك أن شيئا لم يتغير. ولو كان لديه أدنى أمل في نجاح “برجام”، لما انسحب منه. لقد انسحب حين تأكد تماما أن “برجام” لم يعد قادرا على تحقيق أي تغيير فعلي.
السؤال:
هل تعتقد أن هذه هي الفرصة الأخيرة؟
نعم؛ هي الفرصة الأخيرة. يوم الاثنين عندما أعلن السيد ترامب أننا نتفاوض مع إيران وأننا نريد التفاوض معهم يوم السبت، فوجئ نتنياهو. أعتقد أن المصير نفسه الذي حدث مع زيلينسكي في البيت الأبيض، حدث بشكل مهذب لنتنياهو.
نتنياهو يريد حل مشكلة إيران بالعنف والقوة، لكن ترامب حال دون ذلك. لقد فوجئ تماما ولم يكن يتوقع أن يقول ترامب إننا نتفاوض مع إيران. في الواقع، ترامب منع نتنياهو من تنفيذ خطته.
كما كان أوباما يقول لإسرائيل: لا تهاجموا إيران ومنشآتها النووية، ربما نستطيع حل هذه المشكلة بيدينا؛ ترامب يقول لنتنياهو: “لا تصر، لا تحاول فتح العقدة بأسنانك عندما يمكن فتحها باليد. ربما نستطيع حل مشكلة إيران النووية بيدينا. بينما يريد نتنياهو أن يفك هذه العقدة بالقوة والعنف، فإن ترامب قد حال دون ذلك”.
لذلك، إذا فشلت مفاوضات عمان أو لم تصل إلى أي نتيجة- وهو ما أستبعده بشدة وأعتقد أن الاتفاق سيتحقق- حينها سيكون دور نتنياهو، وكذلك دور المتشددين في الولايات المتحدة مثل مارك روبيو لفتح العقدة بأسنانهم.