كتب: مراسل “زاد إيران” في طهران محمد غفاري
ترجمة: زينب بيه
يُشكّل المهاجرون الأفغان جزءا لا يتجزأ من المجتمع الإيراني منذ عقود، إذ دخل اللاجئون الأفغان إلى إيران عبر خمس موجات رئيسية على مر التاريخ، حيث كانت الموجة الأولى في عام 1979 متزامنة مع الغزو السوفيتي لأفغانستان، وتلتها الموجة الثانية بعد انسحاب السوفييت واندلاع الحروب الأهلية، ثم جاءت الموجة الثالثة مع صعود حركة طالبان إلى السلطة، وأما الموجة الرابعة فقد شهدتها أفغانستان عقب التدخل الأمريكي، وأخيرا، حدثت الموجة الخامسة في عام 2021 بعد سيطرة طالبان مجددا على الحكم.
ورغم أن كثيرا من هؤلاء المهاجرين أُجبروا على مغادرة وطنهم، فإن بعضهم وجد في إيران ظروفا أفضل تمكنهم من العيش والاستقرار، بينما تمكن العديد منهم من الهجرة إلى دول أوروبية، وتعثّر البعض الآخر في تحقيق الحراك الاجتماعي، واضطروا في بعض الحالات إلى العودة لبلادهم.
مستقبل المهاجرين الأفغان في إيران
تلقى أعداد كبيرة من المهاجرين الأفغان ردود فعل متباينة تجاه وجودهم في إيران، حيث لم تكن الأجواء السياسية وكذلك آراء العامة بشأن شعب أفغانستان دائما إيجابية، وقد طرأت تغييرات كبيرة في هذا الرأي. بينما لا تتعامل الحكومة الإيرانية بشكل ملائم مع الأفغان، ولا تستفيد بشكل صحيح من قدراتهم.
وتُظهر السياسات الإيرانية تجاه المهاجرين الأفغان من حيث الاستفادة الصحيحة من قدراتهم أو إهمالهم، نهجين مختلفين؛ يتمثل النهج الأول في ضرورة تعليم هؤلاء الأفراد بشكل سليم حتى تتمكن إيران من تلبية جزء من احتياجات شعبها في المستقبل، بينما يتمثل النهج الثاني في ضرورة تخلي الحكومة عن هؤلاء الأفراد، مما يُعرّض الحالة الاجتماعية في إيران لمخاطر كبيرة.
وإذا لم يتم منح الرعاية الكافية للمهاجرين واللاجئين، فسوف نشهد ظهور مجموعة من الأشخاص الذين قد يلجأون إلى أي عمل لتأمين لقمة عيشهم، مما سيؤثر سلبا على الوضع الثقافي في إيران. ومع ذلك، إذا تمت إدارة الهجرة بشكل فعّال، فإنها يمكن أن تؤدي إلى العديد من النتائج الإيجابية.
وعلى الرغم من وجود قوانين لتنظيم عملية هجرة الأفغان إلى إيران، فإنها لا توفر نظاما شاملا للمنظمات التنفيذية، مما يصعب على الجهات المعنية تنفيذ السياسات المتعلقة بعمليات الهجرة.
نظرة إيجابية نحو المهاجرين الأفغان: منح حق التعليم
بعد كل هذه السنوات، أصبح لدى الشعب الإيراني في الغالب نظرة إيجابية تجاه المهاجرين الأفغان، حيث لا يعتبرهم إلا قلة قليلة من الناس، قوة معادية أو عوامل تهديد محتملة لمستقبل إيران، واليوم، أي شخص يُولد في إيران يُعتبر مواطنا إيرانيا، ويستفيد من الخدمات الحكومية ويمكنه الذهاب إلى المدرسة كغيره من المواطنين.
كما يوجد في إيران قوانين خاصة بالمهاجرين، وربما تكون النقطة الأكثر أهمية- خاصة بالنسبة للأطفال الأفغان- هي الحق في التعليم. ففي عام 2015 أصدر علي خامنئي، قائد الثورة الإيرانية، أمرا يقضي بمنح حق التعليم لجميع الأطفال الأفغان، حيث قال: “لا ينبغي لأي طفل أفغاني أن يُحرم من التعليم، حتى المهاجرين الذين يوجدون بشكل غير قانوني وبدون أوراق ثبوتية في إيران، وينبغي أن يلتحقوا جميعا بالمدارس الإيرانية”.
وبطبيعة الحال، اتخذ هذا التوجيه الحكومي شكلا مختلفا في مجال التشريع، ووفقا للمادة 138 من دستور الجمهورية الإيرانية، “يحق لمجلس الوزراء وضع القرارات التنظيمية واللوائح لتأدية مهامه الإدارية وضمان تنفيذ القوانين وتنظيم الهيئات الإدارية”، بشرط ألا تتعارض محتويات القرارات واللوائح مع نص القانون، وبناء على هذه المادة، تم اعتماد لائحة تعليم الأجانب في عام 2016 من قِبل وزارة العدل الإيرانية.
التعاملات المالية وقيود الخدمات الحضرية
يواجه هؤلاء المهاجرون بعض المشاكل بسبب إهمال المسؤولين المعنيين، فلا أحد يعرف بالضبط عدد الأفغان الموجودين في إيران، ولا توجد سياسة محددة تتعلق بهم، وكأن هؤلاء الأشخاص ليسوا موجودين أصلا، كما أنه لا توجد أبحاث أو دراسات شاملة تتعلق بهذه الفئة.
ويمتلك الأفغان مصادر دخل متنوعة، إلا أن حجم تعاملاتهم المالية يبقى غير مُحدد، حيث يقومون بتحويل الأموال من إيران إلى أفغانستان، ولكن لا يُعرف بدقة تلك التحويلات، كما أن قيمة العمولة التي يدفعونها للوسطاء الذين يسهمون بتوصيل الأموال إلى عائلاتهم تظل غير واضحة.
وايضا يتلقي الأفغان خدمات حضرية بأسعار مضاعفة، ولا يتمتعون ببعض حقوقهم الأساسية لعدم امتلاكهم بطاقة إقامة رسمية، وعلى الرغم من مرور حوالي 4 عقود على وجود الأفغان في إيران، إلا أن العديد منهم مازالوا غير قادرين على الحصول على شريحة هاتف (بطاقة SIM).
ووفقا لتقرير “دياران” (جمعية إيرانية تهتم بقضايا المهاجرين واللاجئين، خصوصا الأفغان)، فإنه “بموجب القانون، يمكن لمجموعات معينة من المهاجرين الحصول على بطاقة SIM عن طريق تقديم المستندات اللازمة التي تحددها الجهات القانونية، وزيارة مكاتب أو مراكز بيع بطاقات SIM. ومع ذلك، يواجه هذا الحق العديد من التساؤلات، حيث يُعاني نصف المهاجرين القانونيين من صعوبات في الحصول على بطاقة SIM باسمهم، أما بالنسبة للمهاجرين غير الشرعيين واللاجئين، فلا يتم منحهم أي بطاقة SIM نظرا لعدم وجود مستندات رسمية تُثبت طلبهم للجوء”.
واقع الجريمة والعمل في حياة المهاجرين الأفغان
خلافا لبعض الشائعات العامة حول جرائم المهاجرين الأفغان في إيران؛ نلاحظ أن الجرائم تلعب دورا ضئيلا جدا في كسب رزقهم، حيث يتميز هيكل الأسر الأفغانية بطابع أكثر تقليدية مقارنة بالأسر الحضرية الإيرانية. وتؤكد الإحصائيات عموما على انخفاض معدلات الجرائم والانحراف بين هذه الفئة. ومع ذلك، يجب الانتباه إلى أنه إذا استمرت مسألة حرمانهم من التعليم ولم تُنفذ توجيهات علي خامنئي، فقد يؤدي ذلك إلى حدوث بعض الخسائر الإجتماعية في المستقبل.
وسوف تتحرر الأجيال القادمة للاجئين الأفغان من الإطار التقليدي للأسرة، وإذا استمر حرمان هذه الفئة من التعليم ومواجهتهم صعوبات مالية، فقد ينجر هؤلاء الأفراد نحو بعض مظاهر الفساد الاجتماعي والاقتصادي. بالإضافة إلى ذلك، الشخص الذي لا يتمتع بمكانة اجتماعية مميزة ولا يملك وثائق هوية كاملة يشعر عمليا بأنه ليس له وجود. وعندما يدرك المهاجر الأفغاني أنه بعد جيل من الجهد لم يحقق سوى نجاح ضئيل مقارنة بما بذله، فلن يرى سببا رادعا يمنعه من ارتكاب الجرائم.
وفي ظل الظروف الحالية، يُسهم العديد من اللاجئين الذين لا يحملون وثائق هوية معتمدة في زيادة احتياطي العمالة، وبالتالي يزيد من مشكلة البطالة ومن صعوبة حصول المتخصصين على فرص عمل. ووفقا لتقرير وكالة “إيسنا”، أصدرت العديد من المحافظات، خصوصا محافظة بوشهر تصاريح الإقامة للأفغان، فضلا عن دخول عدد كبير من المهاجرين إلي إيران عبر شبكات الإتجار بالبشر، حيث يعيشون ويعملون فيها . وتُشكل الأراضي الزراعية، التي غالبا ما تكون بعيدة عن مراقبة قوات الأمن، إلى جانب مزارع المواشي والمستودعات الواقعة خارج المدن، أماكن إقامة لهؤلاء المهاجرين غير الشرعيين.
الإستثمار في التعليم ورأس المال البشري
تخصص إيران ميزانية كبيرة لتعليم الأطفال الأفغان في المدارس الحكومية، حيث تدفع الحكومة الإيرانية سنويا أكثر من 335 مليون دولار لتعليم الأفغان، ويأتي ذلك في الوقت الذي تتلقى فيه إيران حوالي 17 مليون يورو فقط سنويا كمساعدات خارجية لتعليم المهاجرين الأجانب من قِبل المنظمات الدولية. وقد تم تخصيص حوالي 22 ألف فصل دراسي لتعليم الأجانب في جميع أنحاء ايران، في حين أن المنظمات الدولية أسست 88 مدرسة فقط لهؤلاء الأفراد، مما يعني أن بقية النفقات تُموَّل من الميزانية العامة للدولة.
وعلى الرغم من أن المواجهة الأولي لشعب إيران مع هذه الفئة لم تكن ودية للغاية، فإن هذه النظرة قد تغيرت مع مرور الوقت. وخلال هذه الفترة، قَدِمَت العديد من الشخصيات الأفغانية البارزة إلى إيران وساهموا بشكل ملحوظ في ثقافة وفنون هذا البلد، كما قد ساهمت اللغة المشتركة بين البلدين في تعزيز الشعور بالقرابة بشكل كبير.
كما تُعد هذه الفئة رأس مال بشريا عظيم لإيران، ولسوء الحظ لم تتمكن إيران من تحويل رأس المال البشري هذا إلى رأس مال اجتماعي أو اقتصادي، وهذا يمثل تحديا رئيسيا، وأيضا تُعتبر إيران واحدة من الدول ذات النسبة العالية من السكان في سن العمل، حيث تشهد حاليا مرحلة من التحولات السكانية، ويشكل الأفراد الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و64 عاما نسبة كبيرة من إجمالي عدد السكان، وهذه ميزة اقتصادية بالغة الأهمية.
وتدريجيا، ومن خلال التعامل مع التجريد الشديد الذي تعرض له الأفغان من قِبل الشعب الإيراني عند دخولهم إلى البلاد، أصبحت الحياة اليومية الصعبة لهؤلاء الأفراد أكثر سهولة.