كتبت – هدير محمود
بدا أن الأحداث المتعلقة بمنح البرلمان الثاني عشر الثقة الكاملة لتشكيلة الحكومة المقترحة من مسعود بزشكيان تقدم صورة جديدة لـ “الخريطة السياسية للقوى الأصولية” وخصوصاً ملامح جبهة الصمود وتيار سعيد جليلي.
فوفقًا لوكالة “خبر أونلاين” للأنباء يوم الاثنين 26 أغسطس/ آب 2024، فإن القول المشهور لنيتشه بأن “كل شيء في التاريخ يتكرر مرتين – أولاً كمأساة وثانياً ككوميديا” قد لا ينطبق على جميع الأحداث التاريخية، ولكنه ينطبق بشكل صحيح على هذه الأيام بالنسبة لجبهة الصمود وحلفائها في دائرة سعيد جليلي؛ وذلك جراء هزيمتهم في 2013 أمام حسن روحاني كمرشح الإصلاحيين إلى وضعهم الحالي أمام مسعود بزشكيان في الانتخابات الرئاسية.
الهزيمة الأولى في عام 2013 كانت “مأساة مريرة” بالنسبة لقاليباف وجليلي وجبهة “الصمود”؛ حيث هزم سعيد جليلي ووجوه التشكيل الجديد لجبهة الصمود، وبعدها قرروا تشكيل خطاب سياسي جديد وأنشأوا فكرًا وحكومة ظل لخلق “قاعدة انتخابية قائمة على الخطاب”.
أما محمد باقر قاليباف فقد اتخذ مساراً آخر؛ حيث أدار عجلة القيادة نحو طريق “الأصولية الجديدة” وقال إنه يجب اتخاذ القرارات بناءً على “الكفاءة والأداء” وتحقيق الوحدة.
كيف فشل تحالف الأصوليين المتشددين (جبهة الصمود) أمام تحالف قاليباف – بزشكيان؟
حقق الأصوليون تصويتاً كاملاً لصالح جميع أعضاء حكومة بزشكيان، وفي الأيام التي سبقت التصويت، ترددت أخبار ومجموع كلام بعض أعضاء البرلمان في معارضة بعض الوزراء المقترحين تشير إلى احتمال عدم الحصول على الثقة من أربعة وزراء.
بالإضافة إلى هذه التحليلات، لم يدّخر الأشخاص المقربون من تيار الثبات وسعيد جليلي جهداً في المجلس، حيث انتقل الأمر من الخطابات إلى توزيع المنشورات الليلية بواسطة مالك شريعتي، أحد الوجوه في حلقة علي رضا زاكاني.
الهجوم الذي شنه بعض النواب من تيار الثبات على هؤلاء الوزراء الأربعة في الأيام التي سبقت التصويت كان شديدًا لدرجة أن الصورة المثالية أصبحت تتمثل في عدم منح الثقة لوزيرين فقط، بحيث يُقدَّم نوع من “المساومة السياسية” لجبهة الصمود وجليلي، عبر التضحية أو التخلي عن التصويت لوزيرين وسيتم تشكيل التحالف على هذا النحو.
محاولة جبهة الصمود للابتزاز باءت بالفشل
أولاً كانت الاستراتيجية والتصرفات لمسعود بزشكيان هي العامل الرئيسي. منذ البداية، شكل بزشكيان الحكومة بطريقة تجذب آراء التيارات المعتدلة من الأصوليين. حتى مهدي كوچكزاده، النائب الذي كان له تاريخ في الانتماء إلى جبهة الصمود وكان من أشد منتقدي حكومة حسن روحاني، عبّر في مقابلة مع الموقع الإخباري”جمهوريت” عن رضاه عن تشكيل الحكومة، وقال إن الحكومة المقترحة من بزشكيان “ليست حكومة متشددة!”
ثانياً من هذه الاستراتيجية كان خطاب مسعود بزشكيان. تأكيده على التنسيق الكامل مع القائد بشأن تشكيل الحكومة، كان له مؤيدون ومعارضون كثيرون، لكنه كان له تأثير في وقت التصويت على الثقة.
ثالثاً الموضوع المؤثر في التصويت الكامل لصالح حكومة بزشكيان وفشل التيار المتشدد من الإصلاحيين يعود إلى الدور الجديد الذي عرفه “محمد باقر قاليباف” عن نفسه؛ إلى الخصائص التي حددها كرئيس للمجلس في معادلة ما بعد انتخابات 2024 والدور الذي قام به بفعالية. نكتشف الدور الحقيقي لشخصية قاليباف في المجلس لمراجعة صلاحية الوزراء، حيث إنه رغم عدم حصول 4 وزراء على الأصوات في الفريق، إلا أن تغيير هذه الأصوات لصالح هؤلاء الوزراء حدث في الجلسة العامة. وهذا الأمر، دون شك، لم يكن ليتحقق بدون إدارة وقيادة محمد باقر قاليباف.
رابعاً لكن كان هناك خطأ من جانب “جبهة الصمود” في كل من الجانب الخطابي والتحليلي. الحقيقة هي أن جبهة الصمود، بعد عام 2013، تواجدت في الساحة السياسية بخطاب ثابت. جزء من هذا الخطاب يعود إلى الطبيعة الفكرية لهذه الحركة، وهو ما يتماشى مع دائرة سعيد جليلي؛ الخطاب المتعلق بالحجاب، والرقابة على الإنترنت، وأسلوب الحياة والعائلة، والنظرة إلى الدبلوماسية، وما إلى ذلك. وقد تم عرض هذا الخطاب على الناخبين مرتين خلال الانتخابات الرئاسية، وفي كلتا المرتين لم يحظَ بقبول.
كل تصرفات وردود أفعال جبهة الصمود وجليلي داخل وخارج البرلمان تدور حول هذه القضايا. إذا كانت انتخابات عام 2013 وانتخابات 2024 قد أظهرت عدم اهتمام المشاركين في الانتخابات بهذا الأمر، فحتى وإن تمكنوا من دخول البرلمان في ظل الحد الأدنى من المشاركة وإجراءات الإشراف التقديرية، فقد فقدوا قدرتهم على التأثير تحت ظل عدة أمور، مثل فشل فكرة الحكم الموحد والخطاب المكرر الذي يفتقر القدرة على التنفيذ. صوت البرلمان المحافظ الثاني عشر بالإجماع لصالح حكومة مسعود بزشكيان، رغم أنه يمثل بداية عمل حكومته، إلا أنه يُعد صفحة جديدة وبداية فصل جديد من قياس الأوزان السياسية. فصل قد يكون ربيعاً للبعض، ولكنه خريف لدائرة سعيد جليلي ورفاقه في جبهة الصمود.
كيف هزم بزشكيان جبهة “الصمود”؟
وفقاً لتقرير صحيفة شرق، دخل مسعود بزشكيان من جهة في تفاعل بنّاء ومنطقي مع قيادة النظام التي كان لآرائها تأثير واضح في تشكيل الحكومة خلال جميع فترات الرئاسة دون أي شك أو إنكار. ومن جهة أخرى، وعلى عكس الرؤساء السابقين الذين لم يعلنوا عن هذا الأمر بشكل رسمي وعلني، كشف بوضوح وصدق وشفافية عن هذا التفاعل. ومن خلال هذه المبادرة الحكيمة، رفع اسمه وأغلق الطريق أمام استغلال جبهة الصمود.
كتب محافظ محافظة فارس في حكومة خاتمي الإصلاحي محمد إبراهيم أنصاري لاري، في مذكراته: “لقد استجاب رئيس الجمهورية لطلب الناخبين ومؤيديه المشروعين الذين طالبوا بتوضيح سبب تخليه وتراجعه عن تشكيلته الوزارية، وأوضح تلك الأسباب بوضوح. وهذا كله يعد من علامات النهج الحكيم في الحكم التي يجب أن تُعتبر إشارة إيجابية.”
وأضاف كنت من بين أولئك الذين فوجئوا بتشكيلة حكومة “مسعود بزشكيان”، وربما كنت من أوائل المنتقدين. لكن الآن، وبعد منح الثقة من البرلمان لجميع أعضاء الحكومة، وخاصة بعد الخطاب الصريح من الرئيس حول كيفية تشكيل الحكومة، تذكرت كلماته خلال حفل التنصيب التي أشار فيها إلى ضرورة الحكمة في الحُكم.
بحسب موقع “خبر فوري” صرح الناشط السياسي الأصولي منصور حقيقت بور، حول منح الثقة من قبل البرلمان للوزراء قائلاً: “كان هناك بالتأكيد رسالة في هذا الحدث، وهي إشارة إلى التنسيق بين الرئيس والمسؤولين الأعلى وموافقة البرلمان. هذا الحدث أظهر أنه في المجلس لم يعد بإمكان الأفراد وضع عراقيل أمام الحكومة. جبهة الصمود الأصولية بذلت كل ما في وسعها لعرقلة الوزراء، لكن النواب أظهروا أنهم عقلاء ولم يسمحوا للجبهة بأن تعرقل. النواب استندوا إلى العقلانية و منحوا الثقة للحكومة مما جعل العبء على الحكومة ثقيلاً.
هذا التصويت يزيل كل الأعذار من أيدي الحكومة، وعلى الحكومة الآن أن تسعى لتحقيق الكفاءة. يجب على الحكومة أن تعمل على حل المشاكل الأساسية للمواطنين. يبدو أن حجم هذا التصويت بالثقة لم يحدث في أي فترة سابقة. نتوقع من الوزراء أن يعملوا على القضايا الاقتصادية والسياسة الخارجية.”
وتابع حديثه عن تهميش وتراجع جبهة “الصمود” قائلا: “لقد تعرضت جبهة الصمود لثلاث ضربات. الأولى من البرلمان، والثانية من الانتخابات الرئاسية، والثالثة من مجلس الوزراء. لكن هؤلاء لا يستسلمون بسهولة. يجب علينا أن نبذل جهدًا ليصبحوا أكثر فضيحة، وإذا عملت هذه الحكومة بشكل جيد، فسيتم تهميش هؤلاء بشكل أكبر.”
في حين أفاد موقع “ستاره صبح اونلاين” بناءً على تصويت المجلس الموالي للتيار المحافظ (الأصولي) على الحكومة الرابعة عشر، فشل الأصوليون الذين حاولوا استبعاد بعض الوزراء المقترحين مثل وزارات الخارجية والصحة والعمل والعلوم من الحكومة. هذه الهزيمة جعلت العديد من المحللين والأوساط السياسية يتوقعون مستقبلاً أكثر تفاؤلاً للسياسة الإيرانية، حيث قد يلعب هذا التيار المتشدد (الأصولي) دوراً أقل في السياسة الداخلية والخارجية.
سنذكر بعض ردود أفعال الشخصيات السياسية البارزة في إيران:
أحد النواب (الأصوليين) في البرلمان على نيكزاد، كتب على صفحته الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي: “أظهر البرلمان من خلال التصويت لحكومة الرئيس المقترحة أنه يسعى بالتعاون والتضامن لدعم الحكومة المحترمة. من اليوم، يتعين على الوزراء المحترمين أن يجاهدوا بجد ويهتموا بحل مشاكل البلاد.”
كما نشر نائب طهران في المجلس الثاني عشر حميد رسايي ملاحظة على منصة X : انتقد فيها تصريحات مسعود بزشكيان دفاعًا عن حكومته المقترحة. كتب: “بعد التكلفة غير المسبوقة التي تكبدها السيد بزشكيان للحصول على دعم قائد الثورة لحكومته، تم التصويت على جميع حكومته المقترحة من قبل البرلمان، يجب على الوزراء وفقًا لكلام السيد بزشكيان أن يعملوا ضمن إطار القوانين العليا مثل قانون البرنامج السابع والسياسات العامة للنظام والقائد. نتمنى لهم جميعًا التوفيق.”
أحد الشخصيات الأصولية ومدير مسؤول صحيفة كيهان حسين شريعتمداري، كتب في الصحيفة: “أمس، منح البرلمان الثقة لجميع الوزراء المقترحين من قبل السيد بزشكيان، نهنئ السيد بزشكيان على هذا النجاح، رغم أننا لا زلنا نعتقد أن بعض الوزراء المقترحين لا يمتلكون الشروط اللازمة لتولي مناصب وزارية عالية. السيد بزشكيان في الجلسة العلنية لمجلس الأمس وأيضاً قبلاً، قد صرح بشكل صريح أنه تم (تنسيق) اختيار جميع الوزراء مع القائد الأعلى للثورة الإسلامية! وقد أصبحت هذه الادعاءات على الفور ذريعة وسبباً لأعداء النظام المعلنين.”
رد عطاء الله مهاجراني، وزير الحكومة الإصلاحية على الأصوليين المتشددين في تغريدة وكتب: “لا تستخدموا كلمة “بالتأكيد” مرة أخرى. ثانيًا، لا تتحدثوا نيابة عن البرلمان الثاني عشر. تم قياس وزن جبهة الصمود في التصويت على الثقة. هم مجموعة تتراوح بين 50 إلى 60 شخصًا، سيغادرون ابتداءً من اليوم. سيتلاشون مثل الظل أمام الشمس.”
كتب الناشط السياسي الإصلاحي محمد علي ابطحی،على وسائل التواصل الاجتماعي: “النجاح الكامل للحكومة كان له معنى استراتيجي مهم، وهو أن البلاد لا يمكن أن تصل إلى الاستقرار من خلال التطرف والتشدد. نأمل أن يدرك المتطرفون (الأصوليين) واقع المجتمع السياسي والحاكم والرؤية الإدارية السائدة. لا شك أن بزشكيان، قاليباف، عارف، و ظريف هم الأكثر تأثيرًا في هذا التغيير.”
ما هي حكومة الظل لجليلي:
يشير لفظ حكومة الظل لسعيد جليلي إلى مجموعة من الشخصيات التي عيَّنها الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، كمسؤولين محتملين في حال وصوله إلى السلطة. وتمثل برنامج جليلي السياسي وتطلعاته في حالة نجاحه بالانتخابات أو توليه منصبًا حكوميًا، وتقوم بمراقبة أداء الحكومة الحالية، والتخطيط للسياسات البديلة التي قد يتبناها جليلي.