ترجمة: شروق السيد
العلاقات بين إيران وأذربيجان معقدة، فتارة هناك تعاون وتارة أخرى هناك توتر، وفي الآونة الأخيرة، برزت التوترات نتيجة للوجود الإسرائيلي المتزايد في أذربيجان، مما أثار مخاوف إيرانية بشأن الأمن الإقليمي، وفي هذا الصدد، كتب الموقع الإيراني “خبر فوري” تحليلا يسلط الضوء على هذه التحركات وكيفية تأثيرها على العلاقات بين البلدين، إضافة إلى العوامل الجيوسياسية المرتبطة بالوضع الراهن.
كتب الموقع الإيراني “خبر فورى”: مرّت ستة أيام على تجاوز نظام الاحتلال الإسرائيلي أراضي إيران، ومع ذلك، ورغم الإدانة الواسعة لهذا الفعل في العالم الإسلامي والمنطقة، لم تدن جمهورية أذربيجان هذا العمل حتى الآن، فقد أدانته دول من العراق وتركيا إلى السعودية والإمارات والبحرين.
وتابع: يبدو أن عدوان يوم السبت، 26 أكتوبر/تشرين الأول 2024، مؤشر مناسب لفهم مدى تعقيد وترابط علاقات الحكومات المجاورة مع تل أبيب، على الرغم من أن عددا من الدول التي تفتقر إلى السيادة في المنطقة قد اتخذت خطوات نحو إقامة علاقات مع الكيان تحت الضغط، بينما قاوم البعض الآخر تلك الضغوط رغم ضعف سيادتها، فإن حكومة أذربيجان، على الرغم من السيادة النسبية على أراضيها واستقلالها، تتحرك نحو إقامة علاقات مع تل أبيب بوعي وإرادة ووفقا لمخططات مغرضة. في هذا السياق، فإن الدول الرائدة في علاقتها مع الكيان لا تمتلك علاقات معقدة مع تل أبيب كما هو الحال مع باكو، من مصر والأردن إلى الإمارات والبحرين، لا تشهد علاقات الحكومات مع الكيان زوايا عميقة وواسعة كما هو الحال في أذربيجان.
وأضاف: تاريخ ابتزاز نظام باكو لتل أبيب ضد طهران طويل جدا لدرجة أنه لا يمكن إنكاره، ولهذا السبب، فبعد اغتيال هنية في طهران في شهر يوليو/تموز من هذا العام، أعلنت باكو؛ خوفا من رد إيران، أن الصهاينة ليست لديهم قاعدة في أراضيها؛ وهو ادعاء بطل بعد أقل من يومين عندما استدعى قادة الجيش الإسرائيلي جنودهم من أراضي أذربيجان.
وتابع: على الرغم من أنه كان يُزعم أن هؤلاء الجنود هم يهود الجبال المقيمون في أذربيجان ويترددون عليها بشكل معتاد، فإن الحقيقة كانت غير ذلك، الآن، بعد تعدي نظام تل أبيب على أراضي إيران، يجب على الدول التي تنازلت عن سيادتها للاحتلال واستأجرت قواعدها العسكرية والأمنية لهم أن تكون أكثر حذرا من أي رد محتمل من إيران.
النظام الإسرائيلي واستراتيجية القوقاز
وأضاف قائلا: استنادا إلى دراسة تفصيلية لمركز كارنيغي للشرق الأوسط، زادت تفاعلات الكيان الصهيوني مع دول القوقاز في أواخر العقد الأول من الألفية الجديدة، لقد مرت سياسة الكيان الصهيوني في هذه المنطقة بمرحلتين رئيسيتين: المرحلة الأولى قبل عام 2008، حيث كان التركيز على جورجيا، حيث قام بتدريب الجيش الجورجي وأتاح للشركات العسكرية بيع معدات متقدمة وطائرات مسيرة لهذا البلد.
وتابع: ومع ذلك، بعد حرب أوسيتيا الجنوبية في عام 2008، اضطر الكيان الصهيوني إلى تقليل مستوى هذا الدعم؛ لتجنب استفزاز روسيا، لتعويض هذا الأمر، قام الكيان الصهيوني بتعزيز وجوده الاستراتيجي في أذربيجان.
مكانة الموساد
وأضاف: تتمثل المرحلة الثانية من تعامل الكيان الصهيوني في القوقاز مع أذربيجان أن بلغ حجم التجارة بينهما حوالي 4 مليارات دولار، وقام الكيان الصهيوني بشراء نفط أذربيجان ويخطط لاستيراد 12 مليار متر مكعب من الغاز من هذا البلد خلال العقد المقبل، وفقا لتقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، كان الكيان الصهيوني مسؤولا عن توفير حوالي 60% من أسلحة الجيش الأذربيجاني بين عامي 2017 و2020، في المقابل، تأمن تل أبيب حوالي 40% من احتياجاتها النفطية من أذربيجان، في أكتوبر/تشرين الأول 2022، قام بيني غانتس، وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك، بزيارة سرية لأذربيجان، حيث تم توقيع عدة اتفاقيات تعاون في مجالات عسكرية وأمنية.
وتابع: كانت صحيفة معاريف قد كشفت سابقا، أن أذربيجان تعمل كقاعدة للموساد، حيث يستفيد الكيان الصهيوني من القرب الجغرافي من إيران لمراقبة التطورات في هذا البلد، وقد اتهمت إيران عدة مرات، جارتها بتوفير تسهيلات للتجسس والمراقبة لصالح الكيان الصهيوني، كما يقدم الكيان الصهيوني لأذربيجان مساعدات في مجال الأمن السيبراني لتعزيز قدرتها على مواجهة الهجمات الإلكترونية، وقد أعلن المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب أن حوالي 92 طائرة شحن نقلت معدات عسكرية من النظام الإسرائيلي إلى أذربيجان خلال السنوات السبع الماضية.
وأضاف: اتهمت وزارة الخارجية الإيرانية الكيان الصهيوني عدة مرات بمحاولة تحويل أراضي جمهورية أذربيجان إلى ساحة تهديد للأمن القومي الإيراني، ووفقا لما قاله شيمون بيريز، الرئيس السابق للكيان الصهيوني، فإن أذربيجان تعتبر عاملا رئيسيا في الحد من نفوذ إيران في الشرق الأوسط، ويعترف مركز كارنيغي أيضا بدور أذربيجان الحيوي في استراتيجية حصار إيران.
وتابع الموقع الإيراني: تتأرجح روابط إيران وأذربيجان على مدى العقود الماضية بين الهدوء والتوتر، ويرجع هذا التذبذب إلى النزاع حول منطقة قره باغ الجبلية من جهة، وقرب أذربيجان من الكيان الصهيوني من جهة أخرى.
وقد أثار هذا القرب مخاوف لدى الإيرانيين، تشير التصعيدات والتوترات في العلاقات بين إيران وأذربيجان إلى أن باكو أصبحت تهديدا رئيسيا لإيران، خاصة بعد ظهور بعض العلامات التي تدل على زيادة العلاقات الوثيقة مع تل أبيب، تشمل هذه العلامات توسيع نفوذ تل أبيب في البنية السياسية والأمنية والاستخباراتية في باكو، إضافة إلى تعزيز وجود التكنولوجيا المعلوماتية للكيان الصهيوني، تنظر إيران بقلق إلى الدور المتزايد لأذربيجان في جهودها الإقليمية للحصار ضمن إطار استراتيجية العقوبات والضغوط التي تمارسها واشنطن على طهران.
التعاون الوثيق في المجال العسكري
وأضاف قائلا: طورت تل أبيب وباكو علاقات عملية وسرية، مما جعل أذربيجان سوقا بقيمة مليارات الدولارات لصناعات النظام العسكري الإسرائيلي، في عام 2011، تم تعزيز هذا التحالف من خلال عقد بقيمة 1.6 مليار دولار، والذي شمل نظام باراك الصاروخي، وطائرات الاستطلاع Searcher وHeron من شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية (IAI)، من بين هذه التعاونات، يوجد مشروع مشترك بين وزارة الصناعة العسكرية وشركة أنظمة الدفاع Aeronautics الإسرائيلية لإنتاج الطائرات بدون طيار.
وتابع: تشير التقارير إلى أنه بين عامي 2016 و2021، استوردت أذربيجان 69% من أسلحتها من الكيان الصهيوني، كما قدمت شركات التكنولوجيا الإسرائيلية تقنيات متقدمة للتجسس، بما في ذلك برنامج التجسس بيغاسوس، إضافة إلى ذلك، قدمت شركة Elta Systems الإسرائيلية خرائط رقمية شاملة من ناغورنو قره باغ إلى باكو، مما أعطى القوات الأذربيجانية ميزة كبيرة في عملياتها خلال الحرب ضد أرمينيا.
مخاطر “القرى الذكية” في أذربيجان
وأضاف: تسببت حرب قره باغ في عام 2020 في تغيير كبير في توازن القوى في جنوب القوقاز، مما أدى إلى الهيكل الأمني الذي كان قائما منذ عام 1994 حتى 2020، زادت هذه الحرب من نفوذ تركيا في المنطقة، ولكن أكبر قلق لإيران كان ظهور الكيان الصهيوني في الأراضي التي تم الاستيلاء عليها حديثا على طول الحدود بين أذربيجان وإيران. منذ أوائل عام 2010، أقامت أذربيجان تعاونا عسكريا وأمنيا قويا مع الكيان الصهيوني، ومع ذلك، كانت السيطرة على جمهورية “قره باغ الجبلية” التي تملك حدودا بطول 135 كيلومترا مع إيران، تمنح طهران الثقة بأن هذه المناطق لن تُستخدم في أنشطة معادية لإيران.
لكن حرب 2020 غيّرت هذا الوضع بشكل كبير، فقد سمحت أذربيجان للكيان الصهيوني بالدخول إلى تلك الأراضي تحت ذريعة الأنشطة المتعلقة بإعادة الإعمار وإنشاء “القرى الذكية”.
تعتقد إيران أن دعوة أذربيجان للكيان الصهيوني لاستغلال الأراضي الأذربيجانية قد غيّرت توازن القوى في المنطقة ووضعت باكو في موقف علني معادٍ لإيران، تُشير “القرى الذكية” إلى مناطق أو قرى صغيرة تعتمد نهجا شاملا لاستخدام تكنولوجيا المعلومات مع تحليلات فورية لتعزيز التنمية الاقتصادية المستدامة، لكن في المنطقة المحررة من قره باغ، تُعتبر “القرى الذكية” ستارا لإنشاء قواعد معلومات للكيان الصهيوني.
إنشاء قاعدة بالقرب من إيران
وتابع الموقع قائلا: كشفت صحيفة هآرتس عن دراسة أظهرت أن الكيان الصهيوني باع معدات عسكرية بقيمة مليارات الدولارات لأذربيجان مقابل النفط وتأمين قاعدة على الحدود الإيرانية، ونقلت الصحيفة عن مصادر خارجية أن “أذربيجان سمحت لجهاز الاستخبارات الخارجي للكيان الصهيوني (الموساد) بإنشاء قاعدة متقدمة، مما يمكّن هذا الجهاز من رصد ما يحدث في إيران بدقة”.
وأضاف: كما اتخذ المسؤولون الأذربيجانيون خطوات لإنشاء مطار لمساعدة الكيان الصهيوني في حال قرر مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، وقد تم الكشف أيضا عن أن “عناصر الموساد الذين سرقوا الأرشيف النووي الإيراني، نقلوه إلى الكيان الصهيوني عبر أذربيجان”.
إن وجود قاعدة جوية عسكرية بالقرب من الحدود في أراضي أذربيجان يشير إلى أن منطقة القوقاز قد دخلت فعليا في دائرة نفوذ الكيان الصهيوني في مساعيها لمحاصرة إيران وإنشاء جبهة جديدة ضدها، تدعي تل أبيب أن نفوذها في القوقاز بمثابة مواجهة مع نفوذ طهران في لبنان وسوريا والعراق واليمن وغزة والضفة الغربية، وهو ما أدى إلى حصار الكيان الصهيوني.
الحرب السيبرانية
وتابع: تطورت العلاقات بين الكيان الصهيوني وأذربيجان بشكل ملحوظ في المجالات العسكرية والأمنية، وتبرز هذه التعاونات بشكل خاص في مجال الأمن السيبراني، حيث ساعد الكيان الصهيوني أذربيجان في تعزيز قدراتها العسكرية.
وأضاف: على سبيل المثال، قدمت شركة NSO Group الإسرائيلية برنامج التجسس بيغاسوس لأذربيجان، في 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، أعلن المسؤولون الأذربيجانيون عن خطط لإنشاء مركز للأمن السيبراني بالتعاون مع الكيان الصهيوني، سيُؤسس هذا المركز لتدريب المتخصصين والمدربين في مجال الأمن السيبراني، ويهدف إلى تأهيل أكثر من 1000 شخص خلال السنوات الثلاث المقبلة.
واختتم قائلا: يُظهر هذا الإجراء بوضوحٍ إرادة أذربيجان في تعزيز بنيتها التحتية للأمن السيبراني وتقليل المخاطر الناجمة عن التهديدات السيبرانية، لقد كانت إيران في حالة حرب سيبرانية مضادة مع الكيان الصهيوني لسنوات، حيث أعلنت طهران أنها في حالة تأهب كامل لأي هجوم سيبراني من تل أبيب، تشير بعض الدراسات إلى تطور الحرب السيبرانية بين إيران والكيان الصهيوني، وتوضح أن ساحة المعركة بين الطرفين تمتد إلى البنية التحتية المدنية الحيوية.