ترجمة: نوريهان محمد البهي
في ظل تفاقم الصراعات السياسية، تعرضت حكومة مسعود بزشكيان لهجوم شرس من التيارات المتشددة، التي تتهمها بـ “التطهير السياسي” رغم تاريخها في تنفيذ هذه السياسات. بينما تسعى الحكومة لتحقيق التوافق الوطني، فهل ستتمكن الحكومة من تجاوز هذه العواصف، أم أن الصراعات الداخلية ستقوض جهود الإصلاح؟
نشرت صحيفة آرمان ملي تقريراً 21 يناير/كانون الثاني 2025 وفقاً لمصادرها تناولت فيه موقف مؤيدي الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال الانتخابات الرئاسية، كما أشار التقرير إلى أن العديد من مؤيديه يعتقدون أنه كان بإمكانه تشكيل حكومة أفضل، خاصة من حيث تعزيز تياره الخاص.
ومع ذلك، فإن توجه بزشكيان نحو “الوفاق الوطني” ورؤيته لتحقيق التوافق مع مختلف التيارات، بمن في ذلك الأصوليون وتيار جبهة بايداري، دفعه إلى تشكيل حكومة تشمل كافة الأطياف السياسية.
حكومة الوفاق الوطني في مواجهة التيارات المتشددة
أشار تقرير الصحيفة إلى أن إدارة البلاد من الوزراء إلى المسؤولين المتوسطين والمحليين، شهدت هذا النهج بشكل واضح وما زال مستمراً، وعلى عكس حكومة إبراهيم رئيسي السابقة التي رفعت شعارات ذات رؤية سياسية تهدف إلى تجاوز الانقسامات الحزبية أو التيارية وحكومة الشعب.
وأفادت الصحيفة بأنه كان من المتوقع أن تشمل جميع التوجهات والتيارات في إدارة البلاد، حيث إنها انتهجت في النهاية نهجاً محدوداً للغاية، حيث اقتصرت على شخصيات وعناصر تنتمي حصرياً إلى التيار الأصولي، ما غاب معه التوجه نحو توظيف الكفاءات المتخصصة بعيدا عن الاعتبارات السياسية.
وأوضحت الصحيفة أنه تم تقييم أداء حكومة رئيسي بعد مرور ثلاث سنوات، حيث قدم العديد من الخبراء والمحللين آراءهم النقدية حول أدائها في مختلف المجالات.
ومع ذلك، فإن ما يلفت الانتباه هو أن مؤيدي الحكومة السابقة برئاسة إبراهيم رئيسي ومعارضي الحكومة الحالية برئاسة مسعود بزشكيان، بدلاً من تحمل المسؤولية عن الظروف الصعبة التي خلّفوها لحكومة مسعود بزشكيان، يلجأون إلى الهجوم عليها بشكل واضح، متهمين إياها بالفشل.
أضافت الصحيفة أن التيارات المتشددة، التي تدعم شخصيات مثل سعيد جليلي عضو مجمع تشخيص مصلحة النظام، لو كانت في السلطة لكانت الأوضاع أكثر تعقيداً مما هي عليه الآن.
وأوضحت أن هذه التيارات، التي تركز بشكل حصري على مصالحها الحزبية وأهدافها الضيقة، ويسعون بشتى السبل لتقويض أي خطوة إيجابية تتخذها الحكومة الحالية، مثل جهودها في رفع العقوبات أو حل قضية فريق العمل المالي والدولي (FATF)، والتي تساهم في تحسين العلاقات المالية والمصرفية.
وأشارت الصحيفة إلى أن المشكلة ليست في هذه الإجراءات بحد ذاتها، بل في رغبة المتشددين في البقاء على رأس السلطة، حيث يظهر جلياً أن محاولاتهم لا تعدو كونها بحثًا عن مبررات للتهجم على الحكومة الحالية بعد أن أثبتوا فشلهم خلال فترات حكمهم السابقة.
وأوضحت أنه على الرغم من أن فترة الثماني سنوات في عهد أحمدي نجاد والثلاث سنوات في حكومة إبراهيم رئيسي أظهرت بوضوح أن هذه التيارات لم تقدم سوى المزيد من العقوبات والمعاناة للشعب والبلاد، إلا أنها لا تزال تبحث عن أعذار لتدمير الحكومة الحالية.
صراع التيارات المتشددة مع حكومة بزشكيان
كما أشارت الصحيفة إلى أن مفاهيم التطهير وتوحيد الصفوف دخلت إلى الأدبيات السياسية الإيرانية منذ انتخابات 2021، حيث تم فرض قيود صارمة على التيارات السياسية، مما أدى إلى تشكيل حكومة ذات توجه واحد.
وأضافت أن سياسات التطهير استمرت في المؤسسات الحكومية، بما في ذلك إقالة وتقاعد أساتذة الجامعات وغيرها من الإجراءات المثيرة للجدل.
كما أوضحت الصحيفة أن سياسات التطهير تعززت خلال انتخابات عام 2023، مما أدى إلى تشكيل مجلس نيابي (المجلس الثاني عشر) تم انتخابه بأقلية أصوات الناخبين.
وفي المقابل، أشارت الصحيفة إلى أن مسعود بزشكيان تبنى نهجاً مختلفاً، حيث استبدل سياسات التطهير والتوحيد بشعار “الوفاق الوطني”، ودعا جميع التيارات السياسية إلى المشاركة في حل مشاكل البلاد.
وتابعت أنه في البداية كانت هناك توقعات بتشكيل حكومة تشمل كافة التيارات السياسية، لكن الحكومة المنبثقة في النهاية كانت محكومة بنهج ضيق للغاية، حيث تم استبعاد التيارات الأخرى لصالح شخصيات من التيار الأصولي فقط.
وأشارت الصحيفة إلى أنه في الوقت الذي كان فيه أصحاب سياسة التطهير يتهمون الحكومة الحالية بالتوجه نحو نفس النهج، فإن هؤلاء كانوا يتجاهلون حقيقة أن بعض المناصب الخاصة بالولايات، كانت يشغلها أفراد مقربون من تيار جبهة بايداري الأصولية.
كما ذكرت الصحيفة أن ياسر جبرائيلي، السياسي الإيراني الأصولي، نشر تدوينة على حسابه الشخصي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث كتب: “يكتبون وفاق؛ اقرأوه تطهيراً، وقولوا توحيداً للصفوف”، هذه العبارة تعكس محاولة واضحة لتحميل الحكومة مسؤولية سياسات “التطهير” و”التوحيد”، رغم أن هذه التيارات نفسها هي من تقف وراء هذه السياسات.
وأضافت أنه رغم أن الواقع يشير إلى وجود عناصر محسوبة على تيار جبهة بايداري في مناصب إدارية محلية، فإنهم يتعمدون تجاهل هذه الحقائق ويواصلون الحديث عن سياسة التطهير، في محاولة واضحة لتحقيق مكاسب سياسية.
وأشارت الصحيفة إلى أنه من الصعب فهم سبب الهجوم المفاجئ من قِبل جبرائيلي على شعارالوفاق الوطني لحكومة مسعود بزشكيان، إلا أن هناك احتمالاً بأن يكون هذا مرتبطًا بإعادة النظر في قضية FATF في مجمع تشخيص مصلحة النظام والتي قد تؤدي إلى تحسين العلاقات المالية الدولية، خاصة في ظل الموافقة على إعادة تقييمها من قِبل القيادة الإيرانية.
اعتراض عجيب
في تعليق على هجوم التيارات المتشددة على شعار “الوفاق الوطني” لحكومة بزشكيان، أشارت الصحيفة إلى تصريح محمد مهاجري، الناشط السياسي الأصولي، حيث أشار إلى انتقادات التيار المتشدد تجاه شعار حكومة مسعود بزشكيان، مؤكداً أن تيار جبهة بايداري لديه ممثلون في هذه الحكومة، بما في ذلك مناصب مثل المحافظين وحتى نواب الوزراء.
كما أن هناك أفراداً في الحكومة لا يتفقون بالضرورة مع أفكار مسعود بزشكيان، وهذا أمر لا شك فيه، وما زالوا يحتفظون بمناصبهم.
وأوضح مهاجري أن تيار جبهة بايداري لا يحق له الاعتراض على أي شيء، فإنه لا يحق له الاعتراض على سياسات التطهير، لأنهم هم من أجبروا حكومة إبراهيم رئيسي الرئيس الإيراني الراحل على تنفيذ أقصى درجات التطهير.
وأضاف مهاجري أن سياسة التطهير التي كنا نعترض عليها شملت حتى إقالة أساتذة الجامعات والنقاد، والآن، تريد جبهة بايداري استخدام شعار الوفاق الوطني الذي تبناه بزشكيان كأداة لتحقيق مكاسب سياسية، وإدخال عناصرها إلى النظام بأكبر قدر ممكن.
وأكد مهاجري أن هناك من يعتقد أن بزشكيان يجب ألا يرضخ لمطالب جبهة بايداري، مشيراً إلى أن الوفاق لا يعني التخلي عن العناصر الموالية له لصالح التيارات الأخرى.
وتابع قائلاً: إن الاتهامات الموجهة إلى بزشكيان بالتطهير أداة للضغط بهدف الحصول على مكاسب أكبر من السلطة، وفي الوقت نفسه تحذير له من تعيين شخصيات تتوافق مع رؤيته السياسية في المناصب الحكومية.
جدير بالذكر أن هذا الجدل السياسي يظهر أن الحكومة الحالية تواجه تحديات كبيرة في تحقيق التوازن بين الوفاق الوطني والتوجهات المتشددة، مما يبرز صعوبة التوافق بين المصالح المتباينة في الساحة السياسية الإيرانية.