ترجمة: هاجر كرارة
دخلت العلاقات بين طهران والعواصم الأوروبية في الأسابيع والأيام الأخيرة في مسار غير مسبوق من التوتر، والذي تفاقم تحت وطأة أزمة الحرب في أوكرانيا.
حول هذا الموضوع، أجرت صحيفة إيران حوارا صحفيا الأربعاء 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، مع الباحث بهزاد أحمدي الخبير في الشؤون الأوروبية، وفي ما يلي نص الحوار:
ما العوامل التي أدت إلى تدهور العلاقات بين إيران وأوروبا وزيادة التوتر بينهما إلى هذا الحد؟
يعود السبب الرئيسي لذلك إلى الهجوم العسكري الروسي على أوكرانيا في فبراير/شباط 2022.
كان هذا الحدث بلا شك، زلزالا استراتيجيا لأوروبا، دمر الأساس الفلسفي الذي قامت عليه خلال الأعوام الخمسين الماضية، والهيكل الأمني المبني على فكرة السلام الديمقراطي.
في الواقع، دخلت أوروبا مرة أخرى في حرب واسعة النطاق، غيرت هذه الحرب الأنظمة الأمنية الأوروبية، وهددت الأمن البشري وأمن الطاقة في أوروبا، مما أدى إلى صعود التيارات اليمينية المتطرفة في القارة، وانتشار السياسات الشعبوية سواء كانت يمينية أو يسارية، وتعرض مكانة الأحزاب الحاكمة التقليدية للخطر، وتغير ديناميكية السياسة الداخلية للاتحاد بأكمله. ويبدو أن انهيار الحكومة الائتلافية الألمانية في الوقت الحالي نتيجة مباشرة لهذا الحدث.
وأضاف بهزاد أحمدي: ما يربط إيران بهذا الأمر إلى هذا الحد هو الادعاءات حول تدخلها في الحرب الأوكرانية. يعتقد الأوروبيون أن إيران، من خلال تزويد روسيا بالأسلحة، ساعدت على توسيع نطاق هذه الحرب، وإذا كانت مصالح أمن أوروبا قد هددت في يوم من الأيام بشكل غير مباشر من قبل إيران، وذلك من خلال قضايا مثل انتشار التكنولوجيا النووية والصاروخية أو زيادة نفوذ محور المقاومة في غرب آسيا، فإن الأوروبيين يعتقدون الآن أن أمنهم مهدد منذ فترة طويلة بدعم إيران لروسيا بالصواريخ والطائرات المسيرة في الحرب الأوكرانية، أو من خلال عمليات يدعون أن إيران تقوم بها في الأراضي الأوروبية، مما جعل إيران تهديدا مباشرا وجسيما.
أي إن أوروبا ترى أن مستوى تأثير إيران وخطورتها قد ازدادا بشكل كبير، مما دفعها إلى التحرك من مستوى تكتيكي إلى مستوى استراتيجي. ونتيجة لذلك، نشهد إجراءات غير مسبوقة وشديدة من جانب أوروبا، مثل إصدار بيان تدخلي ضد إيران في القمة الأخيرة للاتحاد الأوروبي مع مجلس التعاون الفارسي، وفرض عقوبات على الطيران والملاحة والموانئ الإيرانية، ومشاركة بعض الدول الأوروبية بنشاط في منظومة الدفاع الصاروخي الإسرائيلية، وزيادة الدوريات البحرية في البحر الأحمر، والتصدي لقوات أنصار الله في اليمن، والمساعي لتصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية. ومن المحتمل جدا أن تلعب أوروبا دورا بارزا في مسألة إعادة فرض العقوبات الأممية على إيران. وفي هذه الأيام، تقود أوروبا مسودة قرار محتمل في الوكالة الدولية للطاقة الذرية ضد إيران، ومن المحتمل جدا أن يتم تمرير هذا القرار بضغط من أوروبا.
في السابق، كانت هناك جهود مبذولة لتوفير أرضية للحوار مع أوروبا خلال فترة حكومة الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، هل من الممكن تعزيز هذه الأسس، على الرغم من التحديات الحالية؟
في الحكومة السابقة، بسبب الأهمية الممنوحة للعلاقات مع الشرق، كانت العلاقات مع أوروبا، وضمن ذلك الاتحاد الأوروبي، “موضوعية” ولم تكن أولوية. كانت “موضوعية” بمعنى أنها اقتصرت بشكل كبير على مناقشة الاتفاق النووي والمسائل المرتبطة به. ومن المؤكد أن إيران كانت تطالب دائما برفع العقوبات من قبل الدول الأوروبية، ولكن يبدو أن الأولوية الأساسية كانت للاتفاق النووي، مما أدى إلى تقلص العلاقات إلى حدود هذا الاتفاق.
وفي الحكومة السابقة، كنا نفتقر إلى برنامج منسجم وعملي في مجالات مختلفة لتطوير العلاقات مع أوروبا، لكن لم يكن هناك أي اهتمام من جانب الحكومة.
وعلى الرغم من أنه قد فات الأوان الآن، وهناك قضايا مهمة كان يجب معالجتها مع أوروبا في وقت سابق، فإنه لا تزال هناك فرصة لإصلاح العلاقات.
وأهم إجراء يجب اتخاذه هو إعادة نظام القضايا الأوروبية إلى النظام السابق، وأهم قضية يمكن مناقشتها هي أوكرانيا أولا، ثم القضايا النووية. وبعد ذلك، يمكن تحديد أجندات مختلفة لهذه العلاقات، على الرغم من أن الأوروبيين لا يمتلكون القدرة الإيجابية المطلوبة من إيران وأن إيران محقة في مطالبتها للأوروبيين، إلا أن قدرتهم السلبية على التوصل إلى إجماع وقوتهم الدبلوماسية ودورهم في المنظمات الدولية والأدوات التي يمتلكونها في مسألة “إعادة فرض العقوبات” يمكن أن تضغط على إيران.
وفي عام 2012، عندما انضمت الدول الأوروبية إلى العقوبات النفطية المفروضة على إيران، اكتسبت هذه العقوبات معنى جديدا ومارست ضغوطا شديدة على إيران، لذلك، يجب بالتأكيد، على الحكومة الجديدة التفكير بجدية في العلاقات مع أوروبا وإدارة التنافس مع دول هذه القارة. ومن المؤكد أن هذه المسألة قد أدرجت في جدول أعمال وزارة الخارجية.
كيف تقيمون العلاقات بين أوروبا وحكومة ترامب الثانية؟ وهل يمكن لإيران أن تستفيد من الخلافات الحالية؟
خلال فترة رئاسة ترامب السابقة، أي بين عامي 2017 و 2021، تبنى أجندة مدمرة تجاه أوروبا. والآن، ستكون أوروبا واحدة من أكثر الأطراف تأثرا بسياسات ترامب خلال الفترة المقبلة، وستظهر هذه الآثار في عدة مجالات. أولا، أمن أوروبا ومستقبل حلف شمال الأطلسي (الناتو)، فأمن أوروبا العسكري يعتمد بشكل كبير على الولايات المتحدة، مما يحد من هامش المناورة لألمانيا وفرنسا وبريطانيا وشركائهم الأوروبيين.
وفي حالة تبني حكومة ترامب موقفا عدائيا وتجاهلها القضايا الأمنية الأوروبية، فإن ذلك سيدفع أوروبا إلى تعزيز قدراتها الدفاعية بشكل كبير، مما سيؤدي إلى ضغوط اقتصادية كبيرة عليها.
والقضية المهمة الأخرى هي مسألة الردع النووي، إذا اعتقد ترامب بتقليل الردع النووي الأمريكي أو تبني مواقف تشير إلى عدم اهتمامه بالردع النووي لأوروبا، فإن ذلك سيؤدي إلى أزمة كبيرة لبعض الدول الأوروبية مثل ألمانيا التي تعتمد بشكل كبير على مظلة الردع النووي لحلف شمال الأطلسي (الناتو) في مواجهة روسيا. ويمثل الناتو والتزام الولايات المتحدة بالمادة الخامسة من ميثاقه، والتي تعزز الأمن الجماعي، قضية بالغة الأهمية تثير قلقا كبيرا في أوروبا.
لهذا السبب، تفكر الدول الأوروبية في كيفية كسب رضا ترامب، ومن غير المحتمل أن تنسحب الولايات المتحدة من الناتو، ولكن من المحتمل جدا أن تخفض مستوى التزاماتها أو تزيد الضغط على الأوروبيين.
والقضية المهمة الأخرى هي أوكرانيا، لقد وعد ترامب بإنهاء الحرب في أوكرانيا خلال الساعات الـ24 الأولى من توليه السلطة.
ومع ذلك، فإن نتيجة الحرب في أوكرانيا مهمة للغاية لتشكيل نظام أمني جديد في القارة الأوروبية، والطريقة التي سينهي بها ترامب الحرب في أوكرانيا ستؤثر بشكل كبير على أمن أوروبا وأمن اللاعبين الرئيسيين فيها.
في قضايا أخرى مثل الاقتصاد والتجارة والتعريفات الجمركية والاختلافات حول التكنولوجيا والتقنيات الناشئة والحوكمة الرقمية، سيكون هناك أيضا خلاف بين الطرفين. هل ستكون هذه الخلافات لصالح إيران؟
كلا، ربما تكون إيران هي القضية الوحيدة التي لا يوجد فيها أي خلاف بين الولايات المتحدة وأوروبا حاليا. عكس فترة ترامب الأولى عندما كان الأوروبيون يختلفون معه بشأن الاتفاق النووي ولم يكونوا معه، فإن الأوروبيين الآن أكثر تشددا من الأمريكيين ويحاولون زيادة الضغط على إيران.
وللأسف، يجب أن نقول إنه لا يمكننا الاستفادة من الشقاق بين أوروبا وأمريكا. إضافة إلى ذلك، أعتقد أن طبيعة تحدياتنا مع الأوروبيين هي تحديات أوروبية بحتة وليست ناجمة عن التأثير الأمريكي. ومع ذلك، إذا نشأ خلاف بين أوروبا وأمريكا، فسيحاول الأوروبيون استخدام ورقة إيران، أي التنازل عن بعض مطالبهم بشأن إيران لإرضاء ترامب والاستفادة من قضية إيران لصالحهم.
ولكن الآن توجد فرصة لإيران للاستفادة من الشقاق القائم بين أمريكا وأوروبا، أو حتى تعميق هذا الشقاق بقدوم ترامب. يجب علينا النظر إلى أوروبا على أنها حالة خاصة، والتركيز على جوانبها السلبية والتأثير السلبي الذي يمكن أن تحدثه على علاقاتنا الخارجية. فالأوروبيون لديهم القدرة على الإضرار بعلاقاتنا الخارجية بشكل كامل، ولذلك من المهم جدا أن نضع خطة عمل لمواجهتهم. كما فعلنا مع أمريكا في إدارة الصراع، يمكننا تطبيق الاستراتيجية نفسها في التعامل مع الأوروبيين بهذه المرحلة.