كتب: محمد بركات
أضربت مجموعة من تجار سوق طهران، 29 ديسمبر/كانون الأول 2024، احتجاجاً على التضخم وارتفاع سعر صرف الدولار، حيث قام التجار بإغلاق محلاتهم، مطالبين بالالتفات إلى المشاكل الاقتصادية التي تواجههم.
في البداية، بدأ الإضراب من قبل تجار الأحذية في شارع سيد ولي، ومن ثم انضم إليهم تجار الأقمشة والملابس. وردد المحتجون شعارات مثل؛ “لا تخافوا.. أغلقوا محلاتكم” و”التجار الشرفاء.. نطالب بالدعم”، داعين باقي التجار إلى الانضمام للحراك .
استمر الإضراب في سوق عباس آباد، وتحديداً زقاق حمام جال، وسوق باغ سبهسالار، فيما أظهرت الصور المنشورة على مواقع التواصل تجمعات للتجار في مركز ملت التجاري في سوق طهران.
وقد أرجع التجار السبب الرئيسي لهذه الاحتجاجات إلى الارتفاع المستمر في سعر الدولار والمشاكل الاقتصادية الناتجة عنه، حيث بلغ سعر الدولار، 29 ديسمبر/كانون الأول 2024، أكثر من 810 آلاف ريال إيراني، في زيادة هي الأكبر في تاريخه، ما تسبب في زيادة تكاليف الإنتاج، وإغلاق العديد من الورش، بالإضافة إلى الركود الشديد الذي يشهده السوق ونقص السيولة المادية.
جدير بالذكر أن تلك الاحتجاجات هي الأولى منذ تولي الرئيس الإصلاحي، مسعود بزشكيان، منصب الرئاسة في إيران في يوليو/تموز 2024.
من جانبه، نفى جواد أماني، رئيس جمعية السوق الإسلامية، 29 ديسمبر/ كانون الأول، الأخبار والمقاطع المصورة المتداولة حول إضراب تجار سوق طهران، وقال: “عندما تحققت من الأمر، أدركت أن الموضوع ربما اقتصر على 10 أو 15 شخصاً كانوا يرددون شعارات لمدة لا تتجاوز 20 دقيقة، وخلال ذلك كانت المحلات مفتوحة ولم يحدث شيء يُذكر. بالطبع، لا علم لي بمحتوى الشعارات بشكل دقيق”.
وفي رده على ما يقال بأن هذه الشعارات كانت تهدف إلى تحفيز التجار على إغلاق محلاتهم، قال: “لا أعلم، ربما كان الأمر كذلك، لكن في النهاية لم يترتب على ذلك أي شيء. ما حدث وقع في زقاق حمام جال، قرب سوق عباس آباد، ولم يكن في الأجزاء الرئيسية من السوق. بشكل عام، لم يحدث شيء يُذكر، وكان وضع سوق طهران اليوم كأي يوم آخر”.
كذلك فقد صرح حميد رضا رستجار، رئيس غرفة النقابات في طهران، 30 ديسمبر/كانون الأول 2024، موضحاً أسباب احتجاج منتجي الأحذية في سوق الأحذية بطهران، قائلاً إن منتجي الأحذية يعترضون على الارتفاع المستمر في سعر الصرف، حيث شهدت أسعار الصرف قفزة كبيرة منذ بداية العام، مما أثر بشكل مباشر على تكلفة إنتاج هذا القطاع.
وأضاف رستجار: “إن تأثير سعر العملة الأجنبية على تكلفة الإنتاج في إيران حقيقة لا يمكن إنكارها، وهذا الوضع يؤدي إلى خسائر فادحة للمنتجين، حيث يعيش المنتجون في حالة من عدم اليقين بشأن الظروف الحالية، وهم قلقون من أن تصبح السلع التي يتم إنتاجها باستخدام مواد أولية بسعر صرف يبلغ 810 آلاف ريال خارج نطاق القدرة الشرائية للمواطنين، هذا القلق لا يقتصر على منتجي الأحذية فقط”.
وأكد أن” الشخص الذي يدير عملاً تجارياً شفافاً لا يسعى إلى احتكار السلع، بل يريد فقط أن تكون التكاليف والإيرادات متوازنة. لذلك، فإن احتجاجاتهم ليست غير مبررة، ويجب أن يكون المنتجون قادرين على تأمين المواد الأولية اللازمة للإنتاج”.
واختتم بالقول: “رغم ذلك، فإن غرفة النقابات الإيرانية ومسؤولي الاتحاد المعني يتواجدون بين المحتجين ويتابعون هذه الاعتراضات، ويعملون على دراسة مطالب نشطاء هذا القطاع”.
الأزمة الاقتصادية في إيران
تأتي تلك الظاهرات في الوقت الذي تواجه فيه طهران أزمة اقتصادية متفاقمة ألقت بظلالها على مختلف القطاعات الحيوية، فقد شهدت العملة الإيرانية انخفاضاً كبيراً أمام الدولار الأمريكي، حيث تجاوز سعر الصرف في السوق الحرة 810 آلاف ريال للدولار الواحد، وقد أدى هذا الانخفاض إلى ارتفاع تكاليف الواردات وزيادة أسعار المواد الخام والسلع.
كذلك، فكان للعقوبات الدولية، لا سيما الأمريكية، أثر كبير على الاقتصاد الإيراني من خلال تقليص الإيرادات النفطية وتقييد حركة التجارة الخارجية.
من المسببات الرئيسية للأزمة الاقتصادية أيضاً تفاقم معدل التضخم بشكل كبير، مما ساهم في تآكل مدخرات المواطنين وزيادة العبء على الأسر ذات الدخل المحدود.
وعلى الرغم من وعود حكومة بزشكيان بالسيطرة على تصاعد سعر الصرف، إلا أنها لم تنجح في ذلك؛ حيث شهد سعر الصرف في السوق ارتفاعاً حاداً أيضاً، حيث ارتفعت قيمة الدولار في السوق الحر بنسبة 33% منذ مجيء بزشكيان في يوليو/تموز 2024، لتسجل ارتفاعاً بلغ 63% مقارنة بالعام الماضي.
كان لتلك الأزمة الاقتصادية انعكاسها الحاد على السوق والشارع الإيراني، حيث أدى الارتفاع الكبير في أسعار السلع إلى تراجع القدرة الشرائية، مما أدى إلى ركود في الأسواق، خاصة في قطاع الملابس والأحذية.
كذلك فقد تسببت الأزمة في إغلاق العديد من الشركات الصغيرة والمتوسطة نتيجة عدم القدرة على تغطية التكاليف التشغيلية، مما أدى إلى تسريح العديد من العمال.
أيضاً فقد أثرت الأزمة على قدرة الحكومة على تقديم الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم، مما زاد من معاناة المواطنين.
هل يعود البازار الإيراني للعب دوره القديم؟
لم تكن تلك المرة الأولى التي يشارك فيها التجار في احتجاجات شعبية، حيث يعتبر البازار الإيراني، ويعني السوق باللغة الفارسية، ويرمز إلى طبقة التجار من كل الفئات مع الطبقة العاملة في التجارة، رمزاً اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً له تأثير عميق في الأحداث التاريخية التي مرت بها إيران. فعلى مر العقود. مثل البازار الإيراني قوة لا يستهان بها في الحركات الاحتجاجية، نظراً لدوره التقليدي كعمود فقري للاقتصاد ولشبكة العلاقات القوية التي تربط تجاره بالمجتمع المحلي.
فمنذ الثورة الدستورية في أوائل القرن العشرين وحتى الثورة الإيرانية في 1979، فقد كان البازار في طليعة الحركات الشعبية ضد الأنظمة الحاكمة، فلم يكن البازار مجرد مركز اقتصادي، بل أيضا كان منبراً للتعبير عن الغضب الشعبي ضد السياسات الحكومية، حيث شهدت إيران مظاهرات عدة كان للبازار دور بارز فيها، وأبرزها احتجاجات عامي 2009 و2017.
ففي عام 2009، شهدت إيران مظاهرات واسعة عُرفت باسم الحركة الخضراء بعد الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل التي أعادت انتخاب محمود أحمدي نجاد، وقد كان البازار جزءاً لا يتجزأ من هذا الحراك الشعبي، إذ انضم العديد من التجار وأصحاب المحال إلى الإضرابات العامة، تعبيراً عن استيائهم من القمع السياسي وسوء الإدارة الاقتصادية.
في ذلك الوقت، ساهم البازار في توفير الدعم المادي واللوجستي للحركة الخضراء، حيث أغلقت العديد من المحال التجارية في طهران ومدن أخرى، مما وجه رسالة قوية للنظام الإيراني.
فقد استخدم تجار البازار، والذين لطالما لعبوا دوراً حيوياً في الاقتصاد الإيراني، نفوذهم لإبراز مطالب الإصلاح والاحتجاج على تزوير الانتخابات وتقييد الحريات المدنية.
كذلك وفي أواخر ديسمبر/كانون الأول 2017 وأوائل يناير/كانون الثاني 2018، اجتاحت مظاهرات كبيرة شوارع إيران، احتجاجاً على ارتفاع تكاليف المعيشة والفساد وسوء الإدارة.
كانت هذه الاحتجاجات أكثر انتشاراً من سابقاتها، وشملت مدناً متعددة إلى جانب طهران، وقد لعب البازار دوراً محورياً في هذه المظاهرات، حيث أغلقت الأسواق احتجاجاً على تدهور الوضع الاقتصادي وانهيار قيمة العملة الإيرانية.
رفع التجار شعارات تطالب بالعدالة الاقتصادية والإصلاح، وأظهروا اعتراضهم على السياسات المالية التي أثرت على أعمالهم اليومية، مثل ارتفاع الضرائب وعدم استقرار أسعار العملات الأجنبية، وحينها اعتبرت الاحتجاجات في البازار رمزية تعكس استياء الطبقة الوسطى والعاملة من السياسات الحكومية.