كتبت: سارة محمد علي
منذ أن أعلن الخميني، قائد الثورة الإيرانية، عام 1979 عن تأسيس جيش من عشرين مليون شخص من المتطوعين لحماية الثورة والعمل على تحقيق أهدافها والذي عرف فيما بعد بالباسيج، انبثق جناح نسائي سمي بـ”كتائب الزهراء”، ويحمل الآن اسم “منظمة التعبئة المجتمعية النسائية” أو “نساء الباسيج”.
ويضم الجناح النسائي للباسيج الآن عشرة ملايين امرأة إيرانية و12 ألف مؤسسة و19 ألف قاعدة مقاومة و712 مكتبا موزعين بكل محافظات إيران و4400 كتيبة، بحسب ما صرحت به مينا بيباني، رئيسة منظمة نساء الباسيج، التي تعتبر منظمتها أكبر منظمة نسائية عالمية، بحسب حوار لها مع وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية “إيرنا”.
تأسيس باسيج النساء
تشابك تاريخ تأسيس الباسيج النسائي مع تاريخ مؤسِّسته مرضية حديدتشي أو طاهرة دباغ التي لقبت في إيران بـ”جدة الثورة الإسلامية”، وتشتهر بين قيادات الثورة بـ”الأخت طاهرة”، بحسب ما يذكر عنها الموقع الرسمي للباسيج.
من هي مرضية دباغ؟
وُلدت مرضية دباغ في مدينة همدان الإيرانية عام 1939، أي قبل سنتين من تسلم محمد رضا شاه مقاليد الحكم في بلاده خلفاً لوالده الذي نُفي خارج ايران.
وبحسب ما تذكر عنها وكالة أنباء مهر الإيرانية، فإن حديدتشي بدأت نشاطها السياسي منذ أن كانت في الرابعة عشرة من عمرها عبرنشر وتوزيع الملصقات ضد نظام الشاه.
بعد ذلك تركز نشاطها في عقد الحلقات الدينية للسيدات في المنازل، بهدف حثّهن على دفع أزواجهن وأولادهن إلى المشاركة في الثورة ومعارضة حكم الشاه، وبرز هذا النشاط السياسي أكثر مع انتقالها للعيش في طهران بهدف إكمال دراستها، فكانت تتواصل مع الطلبة في جامعات طهران، وظلت تمارس نفس النشاط المحرض على الثورة حتى اعتقلها جهاز استخبارات الشاه المعروف، بينما كانت أما لثمانية أطفال.
أثّرت فترة الاعتقال على حالتها الصحية، مما جعلها تخضع للعلاج لمدة شهرين، قبل أن يتمكن محمد منتظري، نجل علي منتظري نائب الخميني، من تهريبها مع ابنتها إلى خارج إيران، باستخدام جوازي سفر مزورين، لتبدأ حديدتشي مرحلة جديدة من حياتها في لندن، حيث عملت موظفة في فندق، بعد حصولها على الإقامة البريطانية التي مكّنتها من التحرك صوب دول أخرى.
فانطلقت لتعلُّم الفنون العسكرية في لبنان وسوريا، وساعدها في ذلك محمد منتظري الذي أمّن لها تواصلا مباشرا مع موسى الصدر مؤسس حركة أمل في لبنان، فتعلمت الفنون القتالية في بيروت تحت إشرافه، الأمر الذي ساعدها لتكون أحد المشرفين على إقامة معسكر لتدريب الشبان الإيرانيين على العمل المسلح في سوريا بهدف القتال ضد الشاه، وبين عامي 1974 و1978 انتقلت إلى فرنسا بصحبة الخميني لتعمل حارسة شخصية له .
مرضية الدباغ بالزي العسكري
وبعد انتصار الثورة ورحيل الشاه عن إيران عام 1979، عادت حديدتشي إلى بلادها، لتتسلم إدارة سجن النساء المركزي في طهران، لكنها سرعان ما طلبت العودة إلى همدان، لتأسيس الحرس الثوري في تلك المدينة، فاستغلت حديدتشي خبراتها العسكرية ومعرفتها بالشباب الإيرانيين الذين دربتهم في سوريا لتشكّل أول نواة للحرس الثوري في محافظتي همدان وكرمانشاه شمال غربي ايران.
ساهمت حديدتشي في إنهاء التمرد الكردي بكردستان إيران عام 1979، كما ساهمت في إنهاء دور منظمة مجاهدي خلق في إيران بين عامي 1979 و 1982.
انتخبت طاهرة الدباغ أو مرضية حاديدتشي عضوا في البرلمان الإيراني عن مجمع السيدات الإسلامي في طهران، وتواصل حضورها في البرلمان لثلاث دورات متتالية.
وفي حادثة لافتة، عام 2004، أعلنت ثلاث نائبات عزمهن على دخول البرلمان الإيراني بلباس طويل ودون ارتداء العباءة الإيرانية المعروفة باسم الشادور، فهددتهن الدباغ بالضرب إن فكرن بالقيام بهذه الخطوة.
مرضية الدباغ التي يلقبها بعض الإيرانيين بـ”المرأة الحديدية”؛ نظراً إلى سيرتها الذاتية، كانت هي صاحبة فكرة تأسيس جيش نسائي للثورة، وهي أول من تولت تشكيل كتائب الزهراء النسائية كجزء من قوات الباسيج عام 1980، وفق ما يذكره الموقع الرسمي للباسيج.
عملت الدباغ على حشد النساء للانضمام إلى حراسة الثورة الإيرانية عبر التطوع في قوات الباسيج، وقامت بالإشراف على إعدادهن عقائدياً وبدنياً، وفق ما يذكره الموقع الرسمي للباسيج.
ثم بدأ إطلاق الباسيج النسائي إلى الشوارع للقيام بدوريات لمراقبة وضبط بعض سلوكيات المواطنات الإيرانيات في الشارع، مثل مراقبة التزامهن بقواعد الحجاب، بحسب تقرير لوكالة أنباء مهر الإيرانية.
وفي عام 1986 أطلق نساء الباسيج دعوات للمطالبة بإلحاقهن بجبهات القتال أثناء الحرب الإيرانية العراقية، وتمت الاستجابة لطلبهن من المرشد الإيراني بدفع من مرضية الدباغ، حسبما يذكر موقع جاهان نيوز الإيراني.
خلال الحرب، تلقت عضوات أخوات الباسيج تدريبات عسكرية وإعدادات دفاعية. وبعد الحرب، دخلت هذه الوحدة أيضا في الأنشطة الاجتماعية والثقافية نتيجة لتوسع أنشطة التعبئة العامة في إيران.
وقامت إيران خلال سنوات الحرب، ببناء معسكرات تدريب خاصة للنساء، والتي ضمت الآلاف من متطوعات الباسيج، وكان كثير منهن على صلة بالمتطوعين الذكور في الباسيج.
تراوحت أعمار النساء على جبهة القتال بين 18 و38 عاما، وتم إرسالهن إلى الخطوط الأمامية للتمريض والطهي ورفع معنويات الجنود ومساعدة أسرهم، وقُتل منهن الآلاف في الجبهات، بحسب محاضرة للباحثة الإيرانية جانيت العفاري، بجامعة الزهراء، نقلها موقع “إيران اليوم”.
بعد انتهاء الحرب الإيرانية العراقية، تم توسيع مجالات عمل الباسيج في إيران لتشمل كافة قطاعات ومؤسسات الدولة، وحيث توجد ساحة عمل للباسيج الذكور، توجد معها ساحة عمل للنساء في نفس المجال، تقوم بأدوار التعبئة العامة للمرأة والفتيات، بحسب ما يذكره الباحث الإيراني شهيديان حامد بكتابه “المرأة في إيران: سياسة النوع الاجتماعي في الجمهورية الإسلامية”، المجلد الثاني.
مميزات الانضمام للباسيج النسائي
تحصل عضوات الباسيج النسائي على رواتب جيدة وتأمين صحي ومنازل، وفق ما تذكره الباحثة الإيرانية جانيت العفاري على موقعها الرسمي.
إلا أن العفاري ترى أن الدافع الرئيسي لانضمام الإيرانيات إلى الباسيج ليس المال، ولكن السبب الحقيقي هو أن الفتيات الإيرانيات يرغبن في الهروب من حكم آبائهن وعائلاتهن، وهذه فرصة لهن للتعلم بشكل جيد، وكون المرأة عضوا في الباسيج فذلك يسمح لها برؤية العديد من الرجال، ويمنحها فرصة اختيار شريك حياتها.
وتضيف عفاري أن منظمة الباسيج النسائي جعلت المرأة الإيرانية عضوا فاعلا في المجتمع، لكنها في نفس الوقت تقمع وتعتقل أخريات من التيار العلماني أو الإصلاحي.
وتؤكد هفاري أن نساء الباسيج لعبن دورا بارزا في عمليات القمع التي تراقفت مع انتخابات رئاسية في فترات مثل رفسنجاني وأحمدي نجاد، إضافة إلى مشاركتهن في قمع المحتجات عام 2022 عقب مقتل الشابة مهسا أميني.