ترجمة: شروق السيد
أجرت صحيفة ستارة صبح الإيرانية حوارا مع جليل رحيمي جهان آبادي، العضو السابق في لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان الإيراني، استعرضت فيه أبرز التحديات التي تواجه الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، من فجوة الثقة المتزايدة بين الشعب والسلطة، إلى خلافات داخلية تهدد فعالية الحكومة، وما وصفته بجهود الأصوليين المتشددين لإسقاط حكومة بزشكيان.
وجاء في الحوار الذي نشرته الصحيفة يوم الأحد 29 ديسمبر/كانون الأول 2024:
كيف تُقيّم الأوضاع الحالية والتحديات التي تواجهها حكومة مسعود بزشكيان؟
كما دخل مسعود بزشكيان المنافسات الانتخابية في ظروف استثنائية، تسلّم الحكومة في ظروف خاصة، ويُجمع أي خبير منصف على أنّ الوضع في إيران ليس جيدا، وكل من يحمل همّا للوطن والشعب يعرب عن قلقه من هذا الوضع.
التطورات في الشرق الأوسط والأحداث المؤلمة التي شهدتها المنطقة تفرض ضرورة وضع استراتيجية جديدة في السياسة الخارجية للتعامل مع الشرق الأوسط المتغير بشكل فعّال، فالتهدئة، وبناء التحالفات، وإقامة علاقات جديدة تعكس فهما دقيقا للظروف الراهنة في المنطقة.
تواجه البلاد فجوة بين الشعب والسلطة، وهي فجوة تحوّلت إلى صدع خطير وقابل للانهيار، تولّى مسعود بزشكيان منصبه في وقت يعاني فيه الاقتصاد، وتبلغ مستويات اليأس ذروتها، وتشتد التحديات بين الشعب والسلطة، وتصل الانقسامات بين الأطياف السياسية إلى أقصى حد لها، بعد فوزه بانتخابات اتسمت بمشاركة هشة.
ليس لدى خصوم مسعود بزشكيان فهم صحيح للمصالح الوطنية وظروف البلاد، فالطريق الذي يرونه محفوفا بالمخاطر ويمثل تحديا أمنيا خطيرا، يعتبره المنافسون نجاحا وانتصارا للنظام، يبدو كأن المجموعتين تعيشان في بلدين مختلفين في ظل هذه الظروف السائدة.
كيف تُقيّم أداء الحكومة الحالية وشخص الرئيس بناءً على معرفتك بمسعود بزشكيان والإلمام بمشاكل إيران؟
قدَّم بزشكيان أداءً جيدا في بعض السياسات، بينما كان ضعيفا وأداؤه سيئا في مجالات أخرى.
أحد الإنجازات الإيجابية للرئيس هو اهتمامه بالأقليات الدينية، تعيين اثنين من المحافظين من أهل السنة في منطقتين سكنيتين مهمتين (كردستان وسيستان وبلوشستان) اللتين تواجهان تحديات أمنية، إضافة إلى اختيار شخصية من أهل السنة نائبا للرئيس، كان خطوة إيجابية.
ومع ذلك، أرى أن الرئيس أخفق في تشكيل الحكومة، فقد تم اختيار وزراء لا يتوافقون فكريًا أو عقائديًا مع نهج حكومة مسعود بزشكيان، هذا التشكيل الضعيف للحكومة ستظهر آثاره السلبية خلال الأشهر المقبلة.
هناك تيارات لا تشارك الرئيس نظرته إلى الأوضاع الراهنة في البلاد، ومع ذلك تشغل مواقع بارزة في الحكومة الرابعة عشرة، للأسف، هؤلاء الأشخاص لم يثبتوا نجاحهم كمديرين في الماضي، ولا يمكن القول إن وجودهم ضرورة ملحّة، وعندما تظهر النتائج السلبية لوجود هؤلاء في الحكومة، لن تُحسب هذه الأخطاء عليهم، بل ستُحمّل على عاتق مسعود بزشكيان وداعميه.
بصفتك نائبًا سابقًا في البرلمان وعضوًا في لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية، ومع فهمك لمشاكل البلاد، ما الحلول التي تقترحها على الحكومة؟
الحل الأساسي يكمن في السياسة الخارجية، حيث يجب حل العقدة في هذا المجال، ينبغي إحياء جولة جديدة من المفاوضات، وخفض التوتر مع أوروبا وأمريكا، وخفض التوتر مع الدول العربية، إضافة إلى تحليل دقيق للأحداث في المنطقة، لأن هذا هو ما تحتاجه البلاد اليوم، يجب تشكيل فريق قوي في مجال السياسة الخارجية.
أما الإجراءات الداخلية مثل التلاعب بأسعار الدولار أو تحديد أسعار السلع بشكل إداري، فلن تكون مجدية، إذا لم تُحل أزمة السياسة الخارجية ولم تُرفع العقوبات، فإن المشكلات ستظل قائمة.
التيار الذي وصل إلى السلطة بناءً على تصويت الشعب لديه أربع سنوات قادمة للعمل، وإذا لم يكن أداؤه مرضيًا للشعب، فسيصوتون للتيار المقابل.
اليوم تصل إلينا أخبار من المحافظات تشير إلى إحباط الناس، الثقة الاجتماعية تنهار تدريجيا، وهؤلاء الناس كانوا قد وضعوا آمالهم مؤخرًا على بزشكيان.
يجب على الرئيس أن يتحدث بصراحة مع الحكومة، لقد جاء بزشكيان لحل العقد الكبرى في حياة الناس ومعالجة المشاكل الأساسية للبلاد، اليوم ليس لدينا وقت لنضيعه في جدالات بين التيارات السياسية بشأن قضايا مثل رفع الحظر عن الإنترنت.
هذا القرار، الذي أثار استياءً عامًا خلال السنوات الماضية، وانتهك حقوق الناس، وتسبب بأضرار أمنية، دون وجود أي مبرر منطقي، يجب أن يتم رفع الحظر عنه دون تردد أو تأجيل.
لو كنت مكان بزشكيان، ومع معرفتي بمشاكل البلاد وموقع الرئيس، لما سمحت لقاضٍ واحد بأن يقوم بحظر تطبيق مثل “تليغرام”، بينما تقف الحكومة والرئيس مكتوفي الأيدي.
بعض المحافظين والقائمين بالأعمال لا يؤمنون بسياسات بزشكيان، بل إنهم كانوا يعتبرونه في البرلمان خطرًا على البلاد، ومع ذلك، هؤلاء الأشخاص الآن في مواقع حيوية ويُفترض أن يديروا انتخابات البرلمان، إذا استمرت الأمور بهذه الطريقة، فإن تيار بزشكيان سيهزم في الانتخابات البرلمانية.
بصفتي نائبًا سابقًا في البرلمان لمدة 8 سنوات، أستطيع أن أعدد العديد من التحديات الكبرى التي لا تحتاج سوى إرادة حازمة من الرئيس لحلها، على سبيل المثال، متى أصدر البرلمان قرارًا بحظر استيراد السيارات؟ ما يحتاجه الناس هو سيارات عالية الجودة وبأسعار معقولة، من يمنع حدوث ذلك؟
أي دولة تُدار بالطريقة التي تُدار بها إيران؟ في أي دولة يخطط المسؤولون لكيفية إثارة استياء الناس ويضعون أصابعهم على الجرح مباشرة؟!
في البرلمان الحادي عشر، تحدثنا كثيرًا عن أن قانون الحجاب غير مدروس بشكل جيد، ولن يُطبق، وسيُحدث توترات، لماذا أصرّ البعض على تمرير مثل هذا القانون؟
في ظل ظروف تحتاج فيها إيران إلى الهدوء وتحسين علاقتها مع الشعب، يحاول البعض من خلال تحريض الناس خلق تحديات أمنية، يجب على بزشكيان أن يتعامل بحزم مع هذا التيار.
في هذا البلد، هناك من يُصرّ صباح مساء على تنفيذ قوانين غير فعّالة تسبب التوتر الأمني لإيران، يجب على الرئيس الدفاع عن حقوق الشعب في مواجهة هؤلاء.
إذا استمرت المجاملات ولم يتم الدفاع عن حقوق الناس بوضوح، فإن الشعب سيتجاوز حكومة مسعود بزشكيان أيضا، وعندئذٍ لن تكون هناك فرصة لاستعادة ثقة الناس مجددا.
إذا كان التيار المعارض للحكومة يعتقد أنه بتشويه صورة مسعود بزشكيان سيعود مجددا إلى السلطة، فإنه يرتكب الخطأ الأخير في مسيرته السياسية.
ما رأيك بفكرة الوفاق التي يتبناها الرئيس؟ هل يستطيع مسعود بزشكيان التغلب على المتشددين من خلال شعار الوفاق؟
الخطأ الكبير لمسعود بزشكيان هو اعتقاده أنه إذا شارك جزءا من سلطة الحكومة مع الأصوليين، فإنه سيحقق النجاح، في أفضل تقدير، تمتلك السلطة التنفيذية 30% فقط من القوة في البلاد، بينما 70% من القوة تتركز في أيدي التيار الأصولي المعارض لمسعود بزشكيان، فإذا مُنح نصف هذه الـ30% أيضا للأصوليين، ماذا سيتبقى للشعب؟
هل تم حل مشاكل البلاد في القطاعات التي يسيطر عليها الأصوليون، مثل الإعلام الرسمي (صدا وسيما) وغيرها؟ وهل يعتقد الرئيس أنه من خلال الوفاق ومنح الأصوليين حصة في القطاع التنفيذي يمكن حل المشاكل؟
تمر البلاد بمرحلة حساسة، وإرادة الشعب تتجه نحو حل المشاكل بسرعة، دون التورط في البيروقراطية العمياء التي تعيق التقدم في إيران، تقديم حلول تتيح للناس فرصة للعيش بكرامة وحياة طبيعية، أكبر خدمة يمكن تقديمها للنظام، وسيجنب البلاد كثيرا من التحديات المستقبلية.
إحدى المشاكل الرئيسية في البلاد هي أن الرؤساء لا يستخدمون كافة صلاحيات وسلطات السلطة التنفيذية المتاحة لهم، صحيح أن القوات العسكرية والأمنية ليست تحت إدارة السلطة التنفيذية، لكن قطاعات الاقتصاد، والصناعة، والزراعة، والثقافة، والتعليم (وضمن ذلك المدارس والجامعات) كلها تقع ضمن صلاحيات الحكومة.
عندما تختار وزيرًا يصف حكومتك بأنها “حكومة معطلة” بدلًا من “حكومة مسعود”، ووزيرًا يعتبر فكرك انحطاطًا ويصفك بالمستسلم، ويؤمن بأن هذا الفكر يسبب الخزي لإيران، كيف يمكنك كسب رضا الشعب والناخبين؟
إذا كنت تنوي الوصول إلى توافق، فالسؤال هو: لماذا أجريت الانتخابات؟ لماذا طلبنا من الناس أن يختاروا فكرًا وبرنامجًا محددًا من بين المرشحين؟ أولئك الذين يتولون رئاسة الحكومة لا يستخدمون كل الصلاحيات التي يمنحها الدستور للرئيس.
لا أقبل من شخص يعرف الدستور أن يدّعي أنه لم يُمنح الصلاحيات، هذا الادعاء يعكس ضعفًا في الشخصية، كل من تولى منصب الرئيس ولم يتمكن من حل مشاكل البلاد لم يكن شخصية قوية.
الخوف، المجاملة، التحفظ، أو السعي وراء المصالح الشخصية هي ما يمنع الرؤساء من استخدام جميع الصلاحيات الممنوحة لهم كرؤساء للسلطة التنفيذية.
إذا قمت باختيار وزراء أقوياء، ووزير داخلية مقتدر، وعيّنت محافظين يشاركونك الفكر ويعملون بجد، ووظفت حكام مناطق ونواب حكام من التيار نفسه، فلن يجرؤ أحد على معارضة الحكومة.
لكن عندما يكون الوزير، والمحافظ، وحكام المناطق غير متوافقين معك فكريا، فإنهم سيضعون العراقيل أمامك ولن يسمحوا لك بتحقيق شيء للبلاد.
هؤلاء المديرون غير المتوافقين فكريا مع الحكومة يبدأون من داخل الجهاز الحكومي بتقويض الرئيس، وعندما يفشل الرئيس، يضيفون هذا الفشل إلى سيرتهم الذاتية ويفتخرون بقولهم: “لقد كنت مسؤولا في حكومة كذا، ولم أعمل لصالح هذا الرئيس”.