كتبت: لمياء شرف
تولى الإصلاحي مسعود بزشكيان الرئاسة بإيران في يوليو/تموز الماضي، خلال مراسم تنصيبه من قبل المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي، بعد فوزه بانتخابات مبكرة خلفاً لإبراهيم رئيسي الذي قُتل مع مرافقيه خلال سقوط طائرته، في مايو/أيار الماضي.
اختار بزشكيان مرقد مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية الإمام الخميني مكاناً لإعلان فوزه وتوجيه أول خطاب له، مؤكداً أنه باقٍ على نهج مؤسس الجمهورية، كما تخللت حديثه عبارات الشكر والثناء على دعم المرشد الحالي له.
النشأة والتكوين

وُلد مسعود بزشكيان في سمبتمبر/أيلول 1953 بمدينة مهاباد بمحافظة أذربيجان الغربية لأب إيراني من أصل أذري وأم كردية.
أكمل بزشكيان المرحلة الإبتدائية في مسقط رأسه مهاباد. ذهب بعدها إلى أرومية؛ لاستكمال دراسته، وحصل على دبلوم في الصناعات الغذائية من كلية أرومية الزراعية. انتقل عام 1973 إلى زابول في محافظة سيستان وبلوشستان لأداء الخدمة العسكرية.
اهتم بزشكيان بدراسة الطب، والتحق بكلية الطب في جامعة تبريز، تخرج فيها بتخصص الطب العام. واصل تعليمه، بعد انتهاء الحرب الإيرانية-العراقية، التي شارك فيها وتخصص في الجراحة العامة بجامعة تبريز للعلوم الطبية.
وفي عام 1993 حصل على تخصص فرعي في جراحة القلب من جامعة إيران للعلوم الطبية. وعمل في مستشفى الشهيد مدني للقلب في تبريز.أصبح فيما بعد، رئيساً لجامعة تبريز للعلوم الطبية، حيث شغل هذا المنصب لمدة خمس سنوات.
مناصبه

شغل بزشكيان منصب وزير الصحة والتعليم الطبي في حكومة محمد خاتمي الأولى، وحل لاحقاً محل محمد فرهادي في الحكومة الإصلاحية الثانية. كما عمل نائباً في مجلس الشورى الإيراني لخمس فترات، وشغل منصب نائب رئيس البرلمان مرة واحدة.
ابتعد عن المناصب الحكومية خلال فترة رئاسة محمود أحمدي نجاد. وفي عام 2007 ترشح للبرلمان عن تبريز وفاز في الانتخابات، وتكرر فوزه لأربع دورات.
سجل بزشكيان للانتخابات الرئاسية مرتين عام 2013 وانسحب لاحقاً. وعام 2021، رفض ترشحه مجلس صيانة الدستور بسبب مؤهلاته. ومع ذلك، تمت الموافقة على مؤهلاته للانتخابات الأخيرة التي فاز فيها برئاسة إيران.
في أول خطاب له بعد الفوز بالرئاسة الإيرانية، خاطب مسعود بزشكيان الإيرانيين بالقول إنه ملتزم بما وعد به الجمهور، وإنه يعرف حجم التحدي الذي سيواجهه من جانب تيار متشدد ومُغالٍ في الخوف، على نهج ثوري تأسست عليه إيران الجديدة عام 1979، فضلاً عن أصحاب مصالح تراكمت عبر أربعين عاماً وأكثر.
سياسته الداخلية
حمل خطابه عبارات تحمل كثيراً من العبارات التي تشير إلى أنه بعيد عن الخط المغالي من الإصلاحيين، وهي الخانة التي حاول خصومه من متشددي المحافظين وضعه فيها. تجلى ذلك خلال حملته الانتخابية التي كان يشيد من خلالها بالمرشد، ويردد بأنه يتشاور معه في الشؤون الاستراتيجية.
أثار ذلك غضب متشددي التيار الإصلاحي ضده، فهم يريدون إلغاء هوية النظام القديم ككل، بمعنى إلغاء سلطة المرشد، وما يعنيه إلغاء نظام ولاية الفقيه، عكس معتدلي التيار الإصلاحي، مثل الرؤساء السابقين محمد خاتمي وأكبر هاشمي رفسنجاني وحسن روحاني، ورئيس البرلمان الأسبق مهدي كروبي.
ومن ناحية أخرى، يستنكر متطرفو التيار المحافظ تمسّك بزشكيان بالتفاهم والتشاور مع المرشد، ويرفضون محاولة بزشكيان اتخاذ خط معتدل مع المحافظين والذي يمثل مصدر قوة حكومته.
كما أن المرشد يدعم بزشكيان وحكومته، وظهر ذلك في موقف المرشد بعد الجولة الأولى من الانتخابات، كان للمرشد خطابان حملا مؤشرات واضحة على دعمه لمنهج بزشكيان الإصلاحي من داخل النظام، مما يعني إدراك المرشد أن اصلاح النظام وإعادة النظر في كثير من سياساته، فضلاً عن حل أزمات إيران الداخلية اقتصادياً واجتماعياً.
المهمشون والأقليات

اعتمد بزشكيان في حملته الانتخابية التى أدت إلى فوزه برئاسة إيران، على كسب دعم المهمشين والأقليات وتأمين التصويت الشعبي ليكون مفتاحاً للفوز وقد كان. فقد زار في أثناء حملته الانتخابية مدينة سنندج، وهي مدينة ذات أغلبية كردية، حيث ألقى خطاباً كان له صدى عميق لدى السكان المحليين، ولم تكن كلماته مجرد خطاب سياسي، بل كانت خطوة استراتيجية لحشد قاعدة كبيرة من المؤيدين له ولحكومته من الذين شعروا بالتهميش والإهمال.
كما تضمنت استراتيجية حملة بزشكيان بياناً تناول الاعتراف بحرمان الشخصيات التركمانية والكردية والبلوشية والتالاشية، الذين تم تهميشهم تاريخياً بسبب اختلافاتهم الدينية والعرقية، ويعد هذا الاعتراف بهذه المظالم والتعهد بتصحيحها، وضرب بزشكيان على وتر حساس لدى هذه المجتمعات، سياسة جديدة لم يعتدها الشعب الإيراني والأقليات، ولذلك حصل بزشكيان على دعم كبير في محافظات خوزستان وسيستان وبلوشستان وكردستان.
وحسب موقع “دبلوماسي إيران” الإلكتروني، في تصريحات سابقة بعد ترشح مسعود بزشكيان، يقول ناصر هاديان، الأستاذ المتقاعد للعلوم السياسية في جامعة طهران، إن مسعود بزشكیان يمكنه سد الفجوة بين الحكومة والشعب، فالأصوليون يشعرون بقلق شديد، فهم يعتقدون أنهم بصدد فقدان موقعهم، والآن أصبحت هناك إمكانية لإحداث تغيير.
وقال حميد رضا عزيزي، الخبير في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية في برلين: “مسعود بزشکیان هو مغامرة آمنة للنظام، لأنه يقع في أقصى جناح محافظ للمعسكر الإصلاحي”.
ما زالت تحركات وتصريحات بزشكيان تحمل تناقضات في طياتها، إذ يحاول من جانب، إرضاء التيار الأصولي المتمثل في مؤسسات الدولة، ومن جانب آخر يسعى لإثبات ولائه للتيار الإصلاحي الذي جاء به إلى سدة الحكم.
ويبدو أن بزشكيان نجح حتى الآن في إمساك العصا من الوسط، إذ إن الإصلاحيين، ورغم بعض الانتقادات، إلا أنهم وبشكل عام، لا يزالون يقفون بجانبه، ويدعون إلى مساندته. أما الأصوليون وصحفهم ووسائل إعلامهم فلا يتوقفون عن الثناء عليه، وهي حالة نادرة يعود السبب فيها إلى ما يبدو مواقف الرئيس الجديد، الذي يصفه بعض المراقبين بأنه أكثر الإصلاحيين قرباً إلى الأصولية، إضافة إلى ذلك موقفه من المرشد ومن سياسته العامة، وتأكيده الدائم لطاعته وتأييد المرشد له.
سياسته الخارجية

لم تختلف طموحات بزشكيان الإصلاحية في السياسة الخارجية عن طموحاته الإصلاحية في السياسة الداخلية التي اعتمدت على إمساك العصا من المنتصف. وكان بزشكيان قد قال، في مقابلة سابقة مع “العربي الجديد”، عن برنامجه، إن سياسته الخارجية هي التواصل مع العالم كله على أساس “مبادئ العزة والحكمة والمصلحة، باستثناء إسرائيل”، مضيفاً أنه “إذا ما أردنا العمل وفق هذه السياسة، فيجب أن يكون سلوكنا مناسباً مع الجميع”. وأردف بزشكيان أنه “كلما قمنا بتحسين العلاقات الخارجية، نكون قد اقتربنا من تلك المبادئ، لكن كلما زادت التوترات، نكون قد ابتعدنا عنها، ويزداد الوضع سوءاً”، قائلاً إن أولويته هي الأخوة والانسجام مع الدول العربية والإسلامية، والوصول إلى لغة مشتركة معها ثم مع بقية دول العالم.
وكان بزشكيان قد قال في بيان سابق له: “جئت لأبعد إيران عن طوق الحصار والأخطار والحروب، ولبناء سلام مستدام وعلاقات تعاون في المنطقة بما يصب في مصالح إيران الوطنية”، كما أنه لا ينسى التأكيد في خطاباته وبياناته على ثالوث السياسة الخارجية الإيرانية “العزة، الحكمة، المصلحة”، وعلى أساسه يريد إعادة صياغة سياسة بلاده الخارجية وبناء تعامل بنّاء مع العالم.
كما أن بزشكيان يخشى من إعاقات قد يسببها الأصوليون ممن يستشعرون الخطر على النظام والذين يرفضون أية محاولات لإعادة تقييم الأداء رغم مرور 45 عاماً على الحكم الإسلامي، لذلك كرر بزشكيان ضرورة التعاون من كل مؤسسات الحكم، وطالب مجلس النواب الذي تتكون أكثريته من الأصوليين، بالتعاون معه بالموافقة على رأي الأغلبية في القرارات وعدم تعطيل تنفيذ القرارات.
وعن الملف النووي، لا يزال من غير الواضح إلى أي مدى سيكون لدى بزشكيان المجال للمناورة، خاصة مع استمرار التوترات في الشرق الأوسط في ظل الحرب بين إسرائيل وحماس، ومع استعداد الولايات المتحدة للانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني.
وفي سياق متصل أبدى المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية، علي خامنئي، استعداداً لاستئناف التفاوض مع الولايات المتحدة بشأن برنامج إيران النووي، وذلك في وقت حرج يشهد فيه العالم توترات شديدة في منطقة الشرق الأوسط، مع استمرار حرب إسرائيل على غزة، وقد صرح بعد يوم من زيارة رئيس الوزراء القطري، بأنه لا ضرر في تعامل إيران مع عدوها، في إشارة إلى الولايات المتحدة.