كتبت: سارة محمد علي
وصل إلى القاهرة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، قادما على رأس وفد من طهران في زيارة لمصر هي الأولى لرئيس إيراني منذ أكثر من 11 عاما، حيث كانت أول وآخر زيارة لرئيس إيراني إلى مصر منذ قيام الثورة الإيرانية، هي زيارة الرئيس الإيراني الأسبق أحمدي نجاد، عام 2013، في أواخر عهد الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي.
ويشارك بزشكيان خلال تلك الزيارة في الدورة الـ11 لقمة دول مجموعة الثماني الإسلامية النامية D8 التي انطلقت الخميس 19 ديسمبر/كانون الأول 2024.
وهي القمة التي يشارك فيها أيضا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وصرحت مصادر دبلوماسية لـ”زاد إيران” بأن هناك جهودا مصرية لعقد اجتماع على هامش القمة، بين الرئيسين التركي والإيراني في ظل خلاف حاد بين البلدين منذ تصاعد الأحداث في سوريا.
وقبيل مغادرته طهران، الأربعاء 18 ديسمبر/كانون الأول 2024، قال بزشكيان: “سنناقش خلال هذه الزيارة مواضيع غزة وفلسطين ولبنان”، مضيفا أنه “على الدول الإسلامية التعاون ووضع الخلافات جانبا”.
يرافق الرئيس الإيراني في زيارته، كل من وزير الاقتصاد عبد الناصر همتي، ووزير الخارجية عباس عراقجي، الذي وصل إلى القاهرة الثلاثاء 17 ديسمبر/كانون الأول 2024، وعقد اجتماعات مع عدد من وزراء حكومات الدول المشاركة في القمة، من بينهم بدر عبد العاطي وزير الخارجية المصري وهاكان فيدان وزير الخارجية التركي.
تعزيز العلاقات المصرية الإيرانية
وإضافة إلى المشاركة في قمة الدول الثماني الإسلامية، وعقد لقاءات على هامشها مع عدد من ممثلي الدول الحضور، يهدف الرئيس الإيراني إلى فتح ملفات أخرى في أثناء وجوده بمصر، أبرزها رفع التمثيل الدبلوماسي بين مصر وإيران، وتوسيع التعاون الاقتصادي بين البلدين.
حيث قال مساعد الرئيس الإيراني للشؤون السياسية مهدي سنائي، في تصريحات صحفية، الخميس 19 ديسمبر/كانون الأول 2024: “إن إيران ومصر ليست بينهما علاقات سياسية منذ أكثر من أربعة عقود؛ لكن في العام الماضي، أصبح التفاعل بين البلدين أفضل”.
وأضاف: “وقد جرت محادثة جيدة بين رئيسي البلدين في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، كما تم اتخاذ بعض الخطوات بين البلدين”.
وتابع سنائي: “هناك إرادة ضرورية لدى البلدين لاستئناف العلاقات، ونأمل مع الإجراءات المتخذة أن نصل إلى مستوى إعادة فتح السفارات في المستقبل القريب”.
وعلى هامش اجتماع الحكومة الإيرانية الأربعاء 18 ديسمبر/كانون الأول 2024، قالت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية فاطمة مهاجراني، خلال مؤتمر صحفي، إن “تعزيز العلاقات الثنائية بين إيران ومصر على جدول أعمال زيارة الرئيس الإيراني للقاهرة”.
كما توقع رئيس مكتب حماية المصالح الإيرانية بالقاهرة سلطاني فرد، في تصريحات لصحف إيرانية، أن تشهد زيارة بزشكيان خطوة مهمة نحو تحسين العلاقات بين البلدين، وأوضح أن الزيارة قد تكون بمثابة مرحلة جديدة لتحويل مكتب حماية المصالح الإيرانية في القاهرة إلى سفارة رسمية، ما سيكون له تأثير إيجابي في تعزيز التعاون الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي بين البلدين، بحسب قوله.
وأشار إلى أن مصر، التي تعد نقطة وصل استراتيجية بين آسيا وأفريقيا، تشكل موقعا جغرافيا مميزا، مع وجود قناة السويس والبحر الأبيض المتوسط والأسواق الأوروبية، مما يتيح لإيران فرصا واسعة لتعزيز علاقاتها الاقتصادية مع مصر، مما يساهم في توسع القدرة الاقتصادية لطهران.
وأضاف أن إيران قد نفذت بالفعل بعض الاستثمارات في مجالات المنسوجات والخدمات المصرفية والشحن، مما يعكس تطور العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
في السياق ذاته، أشار سلطاني فرد إلى أن مصر قد منحت إذنا للسياح الإيرانيين بالدخول إلى أراضيها عبر رحلات جوية مباشرة من طهران، مما يعكس تقدما ملموسا في العلاقات الثنائية، حسب تصريحه.
وفي تقرير تحليلي نشرته صحيفة إيران الرسمية الأربعاء 18 ديسمبر/كانون الأول 2024، حول أهمية زيارة بزشكيان للعاصمة المصرية، ذكرت الصحيفة أن القاهرة اليوم تواجه واقعا إيرانيا جديدا في عهد بزشكيان، واقع لا يجد بدا من الاستجابة لدعوة التعاون الإقليمي”.
ويضيف التقرير: “إيران اليوم، بقيادة رئيس جمهورية محب للسلام- بحسب وصف الصحيفة- تفتح أبواب علاقاتها مع دول المنطقة واحدة تلو أخرى، وتسعى لفرض عمقها الاستراتيجي في السياسة الخارجية ضمن علاقات لم تكن ممكنة سابقا”.
وتابع: “إن هذه الزيارة في تلك الأوقات الحرجة التي يمر بها الشرق الأوسط تمنح إيران فرصة لتعزيز علاقاتها مع عدد من دول المنطقة، من السعودية ومصر إلى الأردن والبحرين” .
الملف السوري
ولكن، بخلاف ما أشارت إليه صحيفة “إيران” الحكومية بشأن تأثير زيارة بزشكيان على تعزيز العلاقات الثنائية بين طهران والقاهرة .
يرى السفير الإيراني الأسبق لدى بريطانيا جلال ساداتيان، في حديثه مع صحيفة “شرق” الإيرانية الأربعاء 18 ديسمبر/كانون الأول، أن أهمية هذه الزيارة لا تكمن في المشاركة في قمة مجموعة D8، بل في محاولة استعادة الدور المفقود لإيران في المنطقة بعد سقوط بشار الأسد.
وأشار إلى غياب إيران عن قمة “العقبة” الأخيرة في الأردن، التي شهدت تشكيل معادلات جديدة بشأن سوريا دون أي دور لطهران، معتبرا أن “الهيكل الجديد في سوريا يهدف إلى خلق نظام إقليمي جديد بمشاركة فاعلين إقليميين ودوليين، بهدف تقليص نفوذ إيران في غرب آسيا”.
وأكد ساداتيان أن الهدف الرئيسي من زيارة بزشكيان للقاهرة يجب أن يكون “تأكيد وزن إيران في المنطقة بحيث لا يمكن لأي اتفاق أو تخطيط مستقبلي بشأن سوريا والشرق الأوسط أن يتم دون مشاركة طهران”.
ومن جهة أخرى، أشار ساداتيان إلى أنه “في ظل العقوبات المفروضة على إيران وإدراجها ضمن القائمة السوداء لمجموعة العمل المالي (FATF)، فإن تعزيز العلاقات أو المشاركة في مؤتمرات اقتصادية إقليمية ودولية، مثل قمة D8 أو منظمة التعاون الاقتصادي (ECO) أو منظمة شنغهاي أو رابطة أمم جنوب شرقي آسيا (آسيان) أو حتى مجموعة بريكس، لن تحقق نتائج ملموسة”.
وأضاف أنه “يجب أن تكون الأولوية في زيارة بزشكيان لمصر هي تعزيز الوزن الدبلوماسي لإيران في المنطقة وعلى وجه الخصوص في سوريا، لتعويض الغياب الإيراني عن قمة العقبة في الأردن”.
وفي سياق متصل صرحت مصادر دبلوماسية لـ”زاد إيران”، بأن مصر عملت على ترتيب لقاء بين الرئيسين التركي والإيراني في أثناء وجودهما بالقاهرة، للتباحث حول الشأن السوري وتقريب وجهات النظر بين الطرفين، وأفادت مصادر صحفية تركية ومصرية وإيرانية بأن اللقاء سوف يتم بالفعل.
وتجدر الإشارة إلى أن القمة الـ11 لمنظمة الدول الثماني الإسلامية النامية للتعاون الاقتصادي D8 التي يشارك فيها رئيسا البلدين على الأراضي المصرية، تأتي تحت عنوان «الاستثمار في الشباب ودعم المؤسسات الاقتصادية الصغيرة والمتوسطة: تشكيل اقتصاد المستقبل» .
وقد تأسست منظمة الدول الثماني، بمدينة إسطنبول، في 15 يونيو/حزيران 1997 بمبادرة من رئيس الوزراء التركي آنذاك نجم الدين أربكان، وتضم إلى جانب أنقرة كلاً من مصر وإيران وباكستان وإندونيسيا ونيجيريا وماليزيا وبنغلاديش.
ويهدف هذا التحالف إلى التعاون الاقتصادي بين البلدان الثمانية، ويتم عقدها كل عامين، ومنذ مايو/أيار 2023 تتولى القاهرة رئاسة المجموعة وستستمر في قيادة أعمالها حتى نهاية 2025.