ترجمة: أسماء رشوان
نشرت صحيفة “شرق” الإيرانية الإصلاحية تقريرا يوم السبت 21 فبراير/شباط 2025، حول تطورات ملف مجموعة العمل المالي FATF وآخر تحولات المشهد السياسي.
وفقا لتقرير صحيفة شرق ديلي، فإن إعادة النظر في مشاريع القوانين المتعلقة بمجموعة العمل المالي (FATF) كانت من الوعود التي قدمها الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، خلال حملته الانتخابية، وأكد بعد توليه المنصب أن حكومته ستلتزم بها. وبالفعل، في أول مؤتمر صحفي له، أعلن عن إرسال خطاب رسمي إلى مجمع تشخيص مصلحة النظام؛ لحسم مصير مشروعي باليرمو (اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة) وCFT (معاهدة مكافحة تمويل الإرهاب)، اللذين لا يزالان عالقين منذ سنوات، بين الجهات المعنية دون قرار نهائي.
لكن الآن، مع وصول القضية إلى مرحلة حساسة، لا تزال المعارضة التقليدية نفسها تعترض الطريق.
وقالت الصحيفة إنه بحسب آخر التطورات، صرّح رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام، صادق لاريجاني، بضرورة إجراء دراسة فنية دقيقة واتخاذ القرار بناءً على مصالح البلاد، مشددا: “نحن ندرس مختلف أبعاد هذا الموضوع، ولن نتخذ قراراتنا بناءً على الضغوط الإعلامية فقط. يجب أن نحدد مدى فائدة هذه القوانين للبلاد، وما إذا كانت ستساعد فعلا في حل مشكلاتنا الاقتصادية والمصرفية أم لا”.
وأردفت أن محسن دهنوي، المتحدث باسم المجمع، أوضح أن الموضوع الحالي لا يتعلق بالانضمام الكامل إلى FATF، بل فقط بإعادة تقييم اتفاقيتي باليرمو وCFT، اللتين سبق أن تم رفضهما في المجمع، قائلا:
“نحن نعيد دراسة هاتين الاتفاقيتين المختلف عليهما، لكن هذا لا يعني أننا بصدد اتخاذ قرار شامل بشأن FATF ككل. البعض يخلط بين الأمرين عن طريق الخطأ”.
غموض مستمر حول مستقبل FATF في إيران
وقالت الصحيفة إن هذا النوع من التصريحات المبهمة أصبح شائعا بين أعضاء المجمع في الأشهر الأخيرة، حيث لا تقدم أي منها مؤشرات واضحة حول مصير ملف FATF في إيران. حتى الآن، لا يوجد تصريح صريح يمكن من خلاله التنبؤ بمستقبل هذا الملف المعقد.
انتقادات بزشكيان للمعارضين
وذكرت أنه رغم العقبات، تواصل الحكومة مساعيها للانضمام إلى FATF. فقد أكد مسعود بزشكيان مؤخرا، وبكل وضوح، أنه لا يمكن حل المشاكل الاقتصادية دون الانضمام إلى هذه المجموعة. وخلال إحدى الجلسات قبل أيام، قال:
“لا يمكننا أن نتوقع تعاون البنوك الدولية معنا دون الالتزام بالمعايير العالمية. في عالم اليوم، تعد FATF شرطا أساسيا للتعاون المصرفي، ولا يمكننا تجاهل هذه الحقيقة”.
وفي تصريح آخر يحمل نبرة انتقاد للمعارضين، تساءل بزشكيان:
“لماذا يخشى البعض من FATF؟! في حين أنه من خلال تطبيق هذه الآلية داخل البلاد، يمكننا مراقبة تدفق السيولة، ومنع خروج الموارد المالية، والحد من الجرائم الاقتصادية”.
وقد كشف أن الحكومة تعمل حاليا على تسريع تنفيذ بعض الإجراءات المتعلقة بـFATF، مشيرا إلى أن تنفيذ هذه الخطوات سيسهم بشكل كبير في حل المشكلات الاقتصادية.
الإصلاحيون يطالبون بمزيد من الجهود
وأشارت إلى أن التيار الإصلاحي يبدو أنه غير راضٍ عن وتيرة التحرك الحكومي، حيث يدعو إلى مزيد من الضغط لإقناع مجمع تشخيص مصلحة النظام بالموافقة على FATF. فقد صرح حسن رسولي، السياسي الإصلاحي البارز، مؤخرا، بأن الحكومة يجب أن تكثف جهودها لإقناع أعضاء المجمع بضرورة التصديق على الاتفاقية.
وعلى الجانب الآخر، لا يزال المعارضون التقليديون لهذه الاتفاقيات متمسكين بمواقفهم الرافضة. فعلى سبيل المثال، شدد أحمد وحيدي، عضو مجمع تشخيص مصلحة النظام، على أن “موعد مناقشة هذه القوانين في المجمع لم يُحدد بعد”، مؤكدا أن FATF ليست الحل للمشكلات الاقتصادية في إيران.
وأضاف وحيدي في توضيح لموقفه: “مشاكلنا المصرفية تعود أساسا إلى العقوبات الأمريكية، وليس إلى FATF. هذا الكيان ليس سوى أداة لفرض مزيد من الضغوط، ولا يوجد أي ضمان بأن المصادقة على هذه القوانين ستغير وضعنا المصرفي”.
تحولات في المشهد السياسي
وأضافت أنه رغم هذا الجدل المستمر، بدأت بعض الإشارات تدل على تغيير محتمل في الموقف العام. فقد صرح علي لاريجاني، مستشار المرشد الأعلى والرئيس السابق للبرلمان، بأن انضمام إيران إلى FATF أمر لا مفر منه.
وقال لاريجاني بشكل مباشر: “حتى الدول الصديقة لنا ترفض التعاون المصرفي معنا في غياب FATF. يجب أن ندرك أننا لا نستطيع إقامة علاقات مالية دولية دون هذا الإطار التنظيمي”.
الجدل حول FATF يدخل مرحلة جديدة
وأشارت إلى أنه وسط التجاذبات المستمرة، برزت مستجدات مثيرة للاهتمام، حيث كشفت آخر المراسلات بين مساعد وزير الاقتصاد الإيراني ورئيس مجموعة العمل المالي (FATF) عن تطور مهم في هذا الملف. ووفقا لمساعد الوزير، فقد وجهت إيران استفسارا رسميا إلى FATF بشأن مدى استقلالها عن الضغوط الأمريكية.
وقد أكد رئيس FATF أن القرارات التي تتخذها المجموعة مستقلة تماما، ولا يمكن لأي دولة أو رئيس مشترك، التأثير على آليات صنع القرار، حيث أوضح في خطابه:
“FATF كيان مستقل، وقراراتنا تستند إلى القوانين الدولية، وليس إلى رغبات أي دولة بعينها. لا يمكن لأي دولة، وضمن ذلك الولايات المتحدة، التلاعب بعمليات اتخاذ القرار داخل المجموعة”.
وقالت إن هذا التصريح قد يُستخدم مستقبلا للرد على أولئك الذين يعتبرون FATF أداة ضغط غربية أو يعتقدون أن الانضمام إليها سيفتح الباب أمام مزيد من العقوبات على إيران.
ما الذي يخشاه المعارضون!
وأضافت أنه مع هذا التطور، يبدو أن النقاش الداخلي حول FATF دخل منعطفا جديدا. فحينما يؤكد رئيس FATF حيادية المجموعة، وفي الوقت نفسه يفتح المرشد الأعلى الباب لمراجعة الملف، يصبح من الضروري أن يشرح المعارضون بالضبط ما الذي يخشونه!
فكيف يمكن لدولة تخضع لعقوبات خانقة منذ سنوات، أن تتبع سياسة تجعل حتى الدول الصديقة غير قادرة على إجراء معاملات مالية معها؟! هذا السؤال بات يُطرح حتى داخل البرلمان الإيراني نفسه.
وأردفت أن بيكدلي، عضو لجنة الشؤون الاجتماعية في البرلمان، طالب بضرورة أن يقدم المؤيدون والمعارضون تفسيرات واضحة حول فوائد ومخاطر الانضمام إلى FATF واتفاقيتي باليرمو وCFT، حتى يكون الشعب على دراية كاملة بالموضوع.
وأوضح أن الحكومة تعتقد أن حل المشاكل الاقتصادية دون الانضمام إلى FATF ورفع العوائق أمام اتفاقيتي باليرمو وCFT سيكون صعبا للغاية، وهو رأي يتفق معه معظم الخبراء الاقتصاديين والسياسيين.
لكن بيكدلي انتقد بشدةٍ المجموعة التي تعارض الانضمام إلى FATF، دون تقديم أي حلول بديلة واضحة.
واختتمت الصحيفة تقريرها، بأنه في ظل هذا الجدل، عُقدت أمس الجلسة الثالثة لمجمع تشخيص مصلحة النظام؛ لمناقشة FATF، لكن حتى الآن، لم يصدر أي قرار رسمي، ولا تزال التكهنات بشأن الموقف النهائي معقدة.
ويبدو أن المعركة حول FATF لم تُحسَم بعد، ولا تزال الأجواء غامضة، ما يشير إلى أن هذا الملف سيبقى مفتوحا لفترة أطول.