كتب: محمد بركات
تشهد العلاقات بين مصر وإيران تطورًا ملحوظًا في الآونة الأخيرة، فبعد أن كانت مصر دولة على الحياد بشكل كامل، لا مقاطعة ولا تطبيع، تهدف إلى إرضاء جميع الأطراف، قد انحت الآن نحو التطبيع الحذر مع إيران، الدولة التي جمعتها بها فصول من التاريخ ومساحة من الجغرافيا، مما جعل التلاقي والتفاهم وربما الاصطدام بينهما أمرًا لا مفر منه. أزمة تلاقي لا بد منها، تارة بالغزو كما فعل الفرس ما قبل الميلاد مع مصر، ومرة بفرض المذهب، كما فعلت الدولة الصفوية عند حكم مصر، وتارة بالمصاهرة، كما حدث بين الملك محمد رضا بهلوي، آخر حكام الدولة البهلوية، والأميرة فوزية بنت الملك فاروق، وأخرى بالوقوف بجانب مصر في موقف بطولي بتحويل البترول في عمق المحيط إلى الحدود المصرية، ورد الجميل باستقبال محمد رضا بعد ثورة الخميني. علاقات ما انفكت أن تكون انعكاسًا لواقع المنطقة بأسرها من تحالفات ومواجهات، ولكن شهدت الفترة الأخيرة بالخصوص تقاربًا خاصًا بين البلدين يمكن وصفه بالحذر، فمصر لم تهرع لتطبع العلاقات بعد أن طبعت السعودية في أغسطس/ آب من العام الماضي، ولكنها في الوقت نفسه لم تغلق الباب، كما الحال مع إيران التي صرح مرشدها أنه لا مانع لديه من عودة العلاقات.

تطورات الملف في الأيام الأخيرة:
صرح محمد حسين سلطاني فرد، رئيس مكتب رعاية المصالح الإيرانية في مصر، خلال حوار له مع وكالة إيسنا الإخبارية الإيرانية بتاريخ 15 سبتمبر/ أيلول 2024 قائلاً “تسببت الأزمات الإقليمية في ظهور تحالف تدريجي غير معلن بين القوى الإقليمية، والذي من شأنه أن يؤدي إلى حل سريع لأزمات المنطقة”، مشيرًا إلى التعاون بين إيران ومصر في ظل التحولات الإقليمية وجهود البلدين لاستعادة الاستقرار في المنطقة.
وأوضح سلطاني فرد بخصوص العلاقات بين إيران ومصر “خلال احتفالات اليوم الوطني لسنغافورة في القاهرة، أشار محمد العرابي، رئيس مجلس العلاقات الخارجية المصري ووزير الخارجية الأسبق، إلى الاتصالات الهاتفية والعلاقات الوثيقة بين وزيري خارجية إيران ومصر خلال فترة قصيرة من عمر حكومة بزشكيان، الرئيس الإيراني الحالي، تحت قيادة عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني والدبلوماسي المتمرس، وبدر عبد العاطي، وزير الخارجية الجديد لمصر الذي لديه تاريخ طويل في التحولات الإقليمية والدولية، وذكر أن علاقات القاهرة وطهران قد دخلت مرحلة تنظيم منطقية مصحوبة بتدبير وذكاء.
وأضاف: “مع تأكيد صحة تصريحات العرابي، يجب الاعتراف بأن المشاورات المكثفة والقريبة بين مصر وإيران قد ساعدت في تجنب تصعيد الأزمة والحرب الشاملة في غزة ولبنان والبحر الأحمر.” وفي هذا السياق، أشار سلطاني فرد إلى أن حركة حماس قد أصدرت بيانًا قبل عدة أيام، تدعم فيه جهود مصر في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني وإرساء وقف إطلاق النار.
موقف القاهرة حال دون تحقيق تل أبيب لأهدافها:
وقال سلطاني فرد في جزء آخر من حديثه ” إن سياسة القاهرة وموقفها في معارضة ووقوفها ضد عزم النظام الصهيوني الإجرامي على تهجير 2 مليون فلسطيني إلى صحراء سيناء واحتلال غزة واستيلاء الموارد الغازية، بالإضافة إلى معارضة مصر لبقاء قوات النظام في ممر فيلادلفيا (صلاح الدين)، الذي تعتبره تل أبيب جبهة دعم تسليحي للمقاومة وتتهم مصر بدعم نقل الأسلحة من حدود رفح للمقاومة، إلى جانب مقاومة شعب غزة البطولية والمساعدات السياسية والمادية من دول المنطقة بما في ذلك جمهورية إيران الإسلامية وقطر، قد حالت دون تمكن تل أبيب من تحقيق أهدافها الخبيثة ضد شعب غزة والإعلان عن النصر على الرغم من حجم المساعدات الأمريكية والغربية.”
وأضاف سلطاني فرد: “حجم التحولات والأزمات الإقليمية، وخاصة حرب غزة، قد أدى إلى ظهور تحالف غير معلن تدريجيًا بين القوى الإقليمية المتمثلة في جمهورية إيران، والجمهورية العربية المصرية، وجمهورية تركيا، والمملكة العربية السعودية، والذي من المتوقع أن يسهم في حل سريع للأزمات الإقليمية المزمنة.”
وتوقع الدبلوماسي الإيراني أن “هذا المستوى من التعاون في المستقبل القريب يعد بحل أزمة اليمن، واستعادة الاستقرار والأمن في سوريا الموحدة، وتطبيع العلاقات بين طهران والمنامة، وانتخاب رئيس جديد للبنان، وتعزيز وتقوية مكانة العراق في العلاقات الإقليمية والثنائية.”
كذلك، ووفقًا لتقرير نشرته وكالة أنباء إيسنا الإيرانية بتاريخ 15 سبتمبر/ أيلول 2024 فقد التقى مصطفى محامي، ممثل علي خامنئي، القائد الأعلى الإيراني، في محافظتي سيستان وبلوشستان وإمام جمعة مدينة زاهدان ، مع داوود زرين بور، المستشار الثقافي لإيران في مصر، وخلاله استمع ممثل خامنئي إلى تقرير عن آخر الأوضاع الثقافية، السياسية والاجتماعية في مصر، وقدم بعض الملاحظات، قائلاً: “اليوم، العدو يستخدم وسائل إعلامه الدعائية ويحاول استغلال أي ذريعة لزعزعة الألفة والوحدة في المجتمعات الإسلامية ونشر الخوف من إيران.” وأضاف “هناك العديد من العقبات أمامنا، ولكن يجب ألا نفقد الأمل، لأن قضيتنا ستجد طريقها وستجذب الناس إليها. ويجب أن نستمر دائمًا في تعزيز الألفة والوحدة بين المجتمعات الإسلامية.” وفي بداية اللقاء، أشار زرين بور إلى أن “الهدف من عملنا في الملحقية الثقافية هو تقديم صورة حقيقية عن ثقافة المجتمع الإيراني للجمهور في مصر.
المباحثات بين المسؤولين الإيرانيين والمصريين في الأشهر الأخيرة:
في الثاني والعشرين من شهر مايو/ أيار الماضي سافر سامح شكري، وزير الخارجية المصري السابق، إلى طهران لأول مرة للمشاركة في مراسم تشييع وتكريم سيد إبراهيم رئيسي، الرئيس الإيراني السابق، ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان وذلك إثر تحطم طائرتهم.
كما زار بدر عبد العاطي، وزير الخارجية المصري، طهران لحضور مراسم تنصيب “مسعود بزشكيان” رئيس الجمهورية الإيرانية، حيث التقى في 30 يوليو/ تموز بعلي باقري، القائم بأعمال وزارة الخارجية الإيرانية في ذلك الوقت.
وفي الرابع والعشرين من شهر أغسطس/ آب الماضي أجرى عبد العاطي مكالمة هاتفية مع سيد عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، حيث هنأه بتعيينه وزيرًا للخارجية وتمنى له النجاح. من جانبه، شكر عراقجي نظيره المصري على الاتصال والتمنيات الطيبة، وقدم شكره لجهود القاهرة في تحقيق وقف إطلاق النار الذي يرضي حركة حماس في غزة.
سفر وزير الخارجية المصري إلى طهران:
وفقًا لتقرير نشرته وكالة ايونا بتاريخ 15 سبتمبر/ أيلول 2024 الإخبارية الإيرانية فقد نشرت صحيفة العربي الجديد تقريرًا حول التحركات المصرية وجهودها الرامية إلى تقليل التوتر في البحر الأحمر والوصول إلى آلية لحل الأزمة السياسية في اليمن من خلال التشاور مع “أنصار الله” الحوثي وإيران.
وذكرت الصحيفة أن القاهرة تسعى لدعم مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، لا سيما أن التوترات في البحر الأحمر تؤثر على حركة الملاحة في قناة السويس، وبالتالي على إيرادات مصر، خصوصًا أن البلاد تعاني من أزمة اقتصادية خطيرة.
وأشارت “العربي الجديد” إلى أن الإحصاءات الأخيرة التي نُشرت في أواخر يوليو أظهرت أن قناة السويس فقدت 23.4% من إيراداتها مقارنة بالعام الماضي، مع تحويل بعض شركات الشحن مسارها إلى طرق بديلة.
وبحسب ا الصحيفة، فإن هناك تحركات في القاهرة لاستضافة وفد من جماعة “أنصار الله” الحوثي في الأيام القادمة بالتنسيق مع المسؤولين السعوديين، بهدف الوصول إلى حل سياسي في اليمن، بحيث يتم جمع قادة المجلس الانتقالي اليمني (المدعوم من السعودية) و”أنصار الله” معًا. تأتي هذه التحركات في إطار التنسيق الوثيق بين القاهرة، الرياض، وأنقرة، التي أعلنت استعدادها للقيام بدور في إطار التعاون المشترك بين القاهرة والعاصمتين العربيتين. كما أن هذه الجهود تأتي كجزء من تحركات مصر الأوسع نطاقًا فيما يتعلق بالحرب الإسرائيلية على غزة ومواجهة تداعياتها على مصر والمنطقة.
وأضافت الصحيفة أنه من المقرر أن يتوجه وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، إلى طهران في الأيام القادمة لإجراء مشاورات حول هذه الجهود المشتركة.