كتب: محمد بركات
بعد تصاعد الأوضاع الأخيرة في سوريا عقب تقدم الفصائل المسلحة وعلى رأسها هيئة تحرير الشام، الأربعاء 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، والسيطرة على عدة محاور في مدينتي حلب وإدلب، سارع بشار الأسد، بطلب الدعم من حليفه الإقليمي إيران.
في المقابل قامت إيران بمساعدة النظام السوري، وذلك عن طريق عدد من التحركات الدبلوماسية، لكن بحسب المصادر فإن طهران تقدم دعمها وفق شروطها على النظام السوري.
بشار الأسد يستغيث
صرحت مصادر إيرانية لـ”زاد إيران” بأن بشار الأسد طلب من إيران بشكل رسمي، أن تتدخل وتنقذ حكومته من السقوط جراء هجمات الفصائل المسلحة، حيث إن إيران كانت قد قلصت وجودها العسكري داخل سوريا بسبب الضربات الإسرائيلية المستمرة على قواعدها العسكرية هناك، وبحسب المصادر فقد رأت إيران في ذلك الطلب فرصة لفرض شروطها على حليف إقليمي لم يقدم ما كان متوقعا منه في الفترة الأخيرة.
ووفقا للمصدر كانت الشروط الإيرانية تتمثل في السماح للقوات الإيرانية بمهاجمة إسرائيل من داخل الأراضي السورية، وبهذا الشرط تريد إيران أن تضمن ميدانا تستطيع من خلاله ضرب إسرائيل، في الوقت الذي يؤكد فيه قادة ومسؤولون إيرانيون أن عملية “الوعد الصادق 3” آتية لا محالة، وفي المقابل تقوم إيران بالجهود اللازمة لضمان استمرار نظام بشار الأسد في سوريا.
الدبلوماسية الإيرانية تعمل لإنقاذ الأسد
بدأت جهود إيران الدبلوماسية لمحاولة إنقاذ نظام بشار الأسد من السقوط باتصال هاتفي جمع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي مع نظيره الروسي، سيرغي لافروف، السبت 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، ناقشا خلاله القضايا الإقليمية والدولية المهمة، مع التركيز على التطورات الأخيرة في سوريا وذلك حسبما جاء في تقرير موقع عصر إيران الإخباري بتاريخ 30 ديسمبر/تشرين الثاني 2024.
وخلال المكالمة، أكد الطرفان دعمهما لسيادة سوريا الوطنية وسلامة أراضيها، وتأييدهما للحكومة والجيش السوري في مواجهة الفصائل المسلحة، كما شددا على أهمية متابعة القضايا في إطار اتفاق أستانا، وهو اتفاق بين الحكومة السورية وفصائل المعارضة أبرم برعاية روسية تركية، مؤكدَين ضرورة التنسيق بين إيران وروسيا وتركيا كدول ضامنة لهذه العملية.
كما أشار عراقجي إلى مسؤولية المجتمع الدولي عن التصدي لظاهرة الإرهاب، معتبرا التحركات الأخيرة للجماعات المسلحة على الأراضي السورية جزءا من مخطط الكيان الصهيوني والولايات المتحدة لزعزعة استقرار منطقة غرب آسيا، وشدد على أهمية زيادة التنسيق واليقظة بين إيران وروسيا ودول المنطقة، خاصةً الدول المجاورة لسوريا، لإحباط هذه المؤامرة الخطيرة ومواجهة تحركات الإرهابيين في سوريا والمنطقة.
ومن جانبه، قدم وزير الخارجية الروسي تقييمه للتطورات الأخيرة في سوريا، مؤكداً ضرورة تنسيق جميع الأطراف للتصدي للإرهاب، واستمرار المشاورات الوثيقة بين البلدين.
بعد تلك المكالمة، سافر عراقجي إلى العاصمة السورية دمشق، الأحد 1 ديسمبر/كانون الأول 2024، على رأس وفد دبلوماسي رفيع المستوى؛ وذلك لبحث التطورات التي تشهدها الساحة الداخلية السورية، وقد صرح عراقجي قبل سفره قائلا: “أتوجه اليوم إلى دمشق حاملا رسالة من الجمهورية الإيرانية إلى الحكومة السورية، مفادها أننا ندعم الجيش والحكومة السورية بشكل قاطع”. وعقب وصوله لمطار دمشق، استقبل عراقجي عدد من الشخصيات الدبلوماسية، على رأسها السفير الإيراني في دمشق حسين أكبري، إضافة إلى عدد من المسؤولين السوريين والإيرانيين، وذلك حسبما جاء في تقرير وكالة ميزان الإخبارية بتاريخ 1 ديسمبر/كانون الأول 2024.
وخلال زيارته، التي استمرت أقل من 24 ساعة، التقى عراقجي بببشار الأسد، وبحث الطرفان سبل التعاون وتعزيز العلاقات، مؤكدا أن إيران تقف بكل قوتها مع النظام السوري أمام الفصائل المسلحة.
وبعد انتهاء اللقاء، صرح عراقجي قائلا: “أجريت لقاء جيدا ومهما للغاية مع بشار الأسد، حيث تحدثنا بصراحة وودية عن الأوضاع الحالية في سوريا والمنطقة”، وذلك وفق تقرير موقع ألف الإخباري بتاريخ 1 ديسمبر/كانون الأول 2024.
وأضاف عراقجي: “من الطبيعي أن تكون الظروف صعبة، وهذا أمر لا شك فيه. ولكن ما كان ملحوظا هو الروح المعنوية العالية والشجاعة والصمود التي رأيتها في السيد بشار الأسد، وهو أمر يستحق الإعجاب”. وتابع: “إنها الروح نفسها التي كانت لديه في السنوات الماضية، والتي مكنته من الصمود وتجاوز المراحل الصعبة، حيث تم القضاء على المسلحين والجماعات الإرهابية آنذاك.
والآن، رغم اعتقادهم أن الظروف تسمح لهم بالعودة، سنواجههم بحزم، وأنا واثق بأن هذه المرحلة ستنتهي، كما انتهت سابقاتها، بانتصار وكرامة للشعب السوري والحكومة والجيش”، مضيفا: “كذلك فقد ناقشت بشكل موسع مع الرئيس السوري تفاصيل الأنشطة التي تُجرى حاليا، والدعم اللازم الذي ينبغي تقديمه”.
وأوضح: “قدمت رسالة الجمهورية الإيرانية بشكل واضح للرئيس الأسد، كانت الرسالة تتضمن التأكيد على المقاومة، والصمود، والدعم للشعب السوري، والحكومة السورية، والجيش السوري، ولشخص السيد بشار الأسد، وتم التوصل إلى تفاهمات جيدة، وسيتم مواصلة هذا المسار بالصمود”.
من جهته أشار بشار الأسد إلى قوة العلاقات بين سوريا وإيران، معتبرا إياها إحدى الركائز الأساسية للاستقرار في المنطقة، موكدا أن ما حدث في الأيام الماضية من سيطرة الفصائل المسلحة على بعض المناطق سينتهي سريعا، كذلك فقد شدد الرئيس السوري على أهمية دعم الحلفاء والأصدقاء في التصدي لما وصفها بالهجمات المدعومة من الخارج وإفشال مخططاتها.
بعدها توجه عراقجي إلى زيارة مرقد السيدة رقية، أحد المراقد الشيعية في سوريا والتي تنسب للسيدة رقية أخت الحسن والحسين، في دمشق، وفي ختام زيارته، نشر عبر حسابه الرسمي على منصة إكس صورا له وهو يتناول الطعام في أحد مطاعم دمشق، واصفا الليلة بأنها لا تنسى.
من دمشق إلى أنقرة
بعد ذلك، غادر عراقجي الأراضي السورية في زيارة لتركيا ليصل إلى مطار أنقرة فجر الاثنين 2 ديسمبر/كانون الأول، وقد صرح عقب وصوله للمطار: “سأعقد اليوم اجتماعا مطولا مع وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، فهناك قضايا مثيرة للقلق المشترك، ويجب أن نتحدث عنها”، مضيفا: “لطالما جرت مشاوراتنا مع تركيا حول مواضيع مختلفة. في العديد من القضايا نتفق، وفي بعضها نختلف، وهذا أمر طبيعي. علينا أن نتحاور للوصول إلى تفاهم ورؤية مشتركة بشأن قضايا المنطقة، بما يسهم في تحقيق الاستقرار بدلا من أن تتحول سوريا أو المنطقة مجددا إلى مركز للإرهابيين”، وذلك وفق ما أفاد به موقع شبكة العالم في تقريره بتاريخ 2 ديسمبر/كانون الأول 2024.
جدير بالذكر أن تلك الزيارة قد أتت بعد اتصال تليفوني جمع وزير الخارجية التركي مع نظيره الأمريكي، أنتوني بلينكن؛ وذلك لبحث آخر التطورات في المنطقة، وعلى الساحة السورية.
أهداف الزيارات
وحول الأهداف الرسمية المعلنة لجولات عراقجي صرح إسماعيل بقائي، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، خلال مؤتمر صحفي عقد الاثنين 2 ديسمبر/كانون الأول، قائلا: “تهدف زيارة وزير الخارجية الإيراني لدمشق إلى الاطلاع عن قرب على تطورات الأوضاع في سوريا من خلال الحوار والمشاورات مع كبار المسؤولين السوريين، كذلك فإن الزيارة تحمل رسالة واضحة حول عزم إيران على دعم سوريا، وضمان استقرارها، والحفاظ على سيادتها الوطنية وسلامة أراضيها”، وأشار بقائي إلى أن “المشاورات مع المسؤولين السوريين تهدف إلى دعم سوريا في مواجهة الإرهاب بشكل فعّال”، وذلك وفق ما جاء في تقرير وكالة أنباء إيسنا الصادر بتاريخ 2 ديسمبر/كانون الأول 2024.
وفي ما يتعلق بهدف زيارة عراقجي لتركيا، وما إذا كانت تحمل رسالة للقادة الأتراك، صرح بقائي: “تعد تركيا من الأطراف الرئيسية المتأثرة بتطورات الأوضاع في سوريا، وهي أيضا تؤثر على سوريا. كما أنها واحدة من الدول الضامنة لمسار أستانا، الذي لعب دورا فريدا في تخفيف التوترات”، مضيفا: “إن عملية أستانا، باعتبارها الآلية متعددة الأطراف الأكثر تأثيرا واستدامة بشأن سوريا، هي نتاج تفاهم مشترك بين إيران وتركيا وروسيا، بالتعاون البناء مع دمشق ولن يقبل أي من الدول الثلاث الضامنة لهذه العملية بانتهاك التفاهمات التي تم التوصل إليها، ويجب على هذه الدول التركيز على القواسم المشتركة، والعمل على تنفيذ الاتفاقيات والحفاظ على آلية أستانا”.
وفي ما يتعلق بالوجهات الأخرى في جولة عراقجي الإقليمية بعد زيارتي سوريا وتركيا، قال بقائي: “سيتم الإعلان عنها بعد التنسيق مع الدول المعنية وتحديد التوقيت”.
وبهذا الشأن، علّق حسين افراخته، الخبير في شؤون غرب آسيا، على زيارة عراقجي لسوريا وتركيا، قائلا: “كما ذكر عراقجي نفسه، جاءت زيارته بهدف نقل رسالة إيران إلى النظام السوري، حيث إن الأحداث الأخيرة في سوريا قد غيرت جزءا من المعادلات”، وذلك حسبما جاء في تقرير وكالة نادي الصحفيين بتاريخ 2 ديسمبر/كانون الأول 2024.
وأضاف أفراخته: “بدأ عراقجي زيارته بسوريا كحامل للرسالة الإيرانية وكان يريد أيضا تقييم الوضع في المنطقة، ثم توجه إلى أنقرة لمناقشة القضايا مع المسؤولين الأتراك”، مؤكدا أن “التقييمات تشير إلى أن هذه الزيارة قد تكون فرصة لإنهاء النقاشات مع المسؤولين الأتراك، خاصةً أن دور تركيا في التطورات الأخيرة لا يمكن تجاهله، حیث إن إيران وروسيا تعتقدان أن تركيا، لكونها جزءا من مثلث أستانا الذي يضمن السلام ووقف إطلاق النار في سوريا، قد ارتكبت خطأً في حساباتها”.