كتب: ربيع السعدني
أعطى المرشد الإيراني علي خامنئي، الضوء الأخضر للمسؤولين الإيرانيين، يوم الثلاثاء 28 يناير/كانون الثاني 2025 بضرورة إجراء مفاوضات، وإبرام صفقات مع واشنطن، بينما تحدث بعض مسؤولي النظام عن ضرورة أن تكون “المفاوضات عادلة” مع الولايات المتحدة، وفي الوقت ذاته هاجم خامنئي خلال لقائه مسؤولين إيرانيين وسفراء الدول الإسلامية، الولايات المتحدة ووصفها بـ”الخبيثة”، ولم يمانع التفاوض معها، بل دعاهم إلى اليقظة والحذر وقال: “يجب أن نكون حذرين في تعاملنا وحوارنا مع الآخرين، وأن يتم إبرام الصفقات وفقا لذلك”، وفقا لما نُشره على الموقع الرسمي لـ”خامنئي”.
موافقة ضمنية
وأضاف خامنئي في إشارة إلى الإجراءات الأمريكية ضد النظام الإيراني: “خلف ابتسامات الدبلوماسية، تكمن دائما عداوات وضغائن خفية وخبيثة، يجب أن نفتح أعيننا، عندما يعرف الشخص خصمه، قد يبرم صفقة، لكنه يعرف ما يجب فعله، يجب أن نعرف ونفهم”.
وفسر مراقبون تصريحات خامنئي بأنها موافقة ضمنية للحكومة الإيرانية بأن تبدأ مفاوضات مع إدارة ترامب الثانية، بينما أرجع تقرير موقع “تابناك” تقييم هذه الكلمات إلى أن إيران ستدخل في المفاوضات على أساس المصالح الوطنية وتحقيقها، وقال عراقجي في هذا الصدد: “إن حكم النظام بأكمله وصل إلى نقطة التفاوض وجها لوجه”.
مفاوضات عادلة
بعد هذه التصريحات المغايرة والترحيب الضمني بالتفاوض مع الولايات المتحدة، تحدثت بعض الشخصيات الأصولية عن “المفاوضات العادلة” مع إدارة ترامب، وفي هذا الإطار قال حميد رضا حاجي بابائي، نائب رئيس البرلمان الإيراني عبر وكالة أنباء الطلبة الإيرانية “إيسنا”: “الولايات المتحدة تقول إن طهران لا يجب أن تكون حاضرة على الساحة الدولية ولا يجب أن تمتلك طاقة نووية، هذا النوع من المفاوضات ليس عادلا”.
ومن ناحية أخرى أعرب الرئيس الأمريكي، دونالد ترمب، الأسبوع الماضي، عن أمله في التوصل إلى اتفاق مع إيران وتجنب توجيه ضربات لمواقع نووية، وقد امتنعت الولايات المتحدة خلال المراجعة الدورية الشاملة الثامنة والأربعين لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، لأول مرة، عن انتقاد سجل طهران في مجال حقوق الإنسان، وبحسب السجلات الموثقة، فإن الولايات المتحدة قدمت بشكل مستمر، توصيات تنتقد انتهاكات حقوق الإنسان في إيران منذ عام 2010، لكنها رفضت القيام بذلك هذا العام.
عروض تفاوض
كما أعربت إيران عن استعدادها لتلقي “عروض تفاوض” من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن الملف النووي، وأشار وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، إلى أن “إقناع طهران باستئناف المفاوضات مع واشنطن سيستغرق وقتا أطول بكثير من السابق”، موضحا أن “الظروف الحالية أصعب بكثير، وعلى الجانب الأمريكي اتخاذ خطوات جادة لكسب ثقة إيران”، وفقا لما نقلته صحيفة “كيهان”، المقربة من المرشد الإيراني. وأضاف أن “طهران مستعدة لسماع عروض الرئيس الأمريكي بشأن إجراء مفاوضات جديدة بشأن الملف الإيراني، وليس بالضرورة أننا سنعارض جميع ما سيصل إلينا من الولايات المتحدة الأمريكية”، وتابع: “إيران لم تتوصل بعد إلى استنتاج، مفاده ضرورة إجراء المفاوضات، وإن حدث فإنها ستتم بالندية، لكن في الوقت الحالي، لا يوجد مثل هذا الاستنتاج”.
وفي وقت سابق، أعلن عراقجي عبر صحيفة “جوان أونلاين” الأصولية أن “إيران لا تهتم بمن سيصبح رئيسا في الولايات المتحدة، وأن إيران مستعدة للتفاوض على أساس مصالحها، وأكد أيضا أن نافذة الدبلوماسية لا تزال مفتوحة، وإذا لم نتمكن من التوصل إلى حل جيد للاتفاق النووي قبل أكتوبر/تشرين الأول (2025)، فإننا سنواجه مشكلة خطيرة”.
وبدوره دعا الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، إلى أن هناك استلهام النموذج الصيني في إدارة المواجهة مع الولايات المتحدة، وأعرب عن تأييده تبني نهج سلمي مع جميع الدول باستثناء إسرائيل، وفقا لوكالة أنباء “مهر” الحكومية، وشدد على ضرورة التواصل وتبني لغة السلام، وليس الدخول في نزاعات مع الجميع، وقال: “يجب التعامل بمرونة مع الأصدقاء، ومداراة الأعداء”، وفقا لمقاطع فيديو انتشرت على شبكة “تليغرام”، وفي وقت سابق من هذا الشهر، أعرب بزشكيان عن استعداد بلاده للتفاوض غير المباشر مع الولايات المتحدة، كما جاء في مقابلة تلفزيونية مع شبكة “إن بي سي نيوز” الأمريكية: “إن إيران من حيث المبدأ منفتحة على الحوار مع إدارة ترامب الثانية”.
وفي سياق متصل أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، في مؤتمر صحفي أسبوعي: “بخصوص المفاوضات، نحن لم نغادر طاولة المفاوضات قط، وكنا دائما ملتزمين بمواصلة الحوار، وإذا احترم الأطراف الآخرون آداب التفاوض، فلا مانع لدينا من التفاوض من أجل تأمين مصالح الشعب الإيراني”، وفقا لوكالة أنباء “تسنيم” التابعة للحرس الثوري.
كما قال علي عبد العلي زادة، ممثل الرئيس الإيراني في تنسيق تنفيذ السياسات العامة للتنمية البحرية، مؤخرا: “يجب أن نتفاوض مع السيد ترامب، ليس من الممكن إبقاء قضايا البلاد معلقة، بينما وصل النظام الحاكم بأكمله إلى حالة من المواجهة المباشرة”.
غضب في وسائل إعلام الأصوليين
وعلى صعيد آخر نشرت صحيفة “جوان أونلاين” الأصولية التابعة للحرس الثوري، مقالا ينتقد الدعوات إلى التفاوض مع الولايات المتحدة، معتبرةً أن هذه الدعوات تأتي ضمن محاولات لبث الخوف في المجتمع وفرض خيار زائف بين القبول بالشروط الأمريكية للاتفاق النووي أو مواجهة تداعيات داخلية خطيرة، وكتبت: “ما يُنشر هذه الأيام في الفضاء الإعلامي للبلاد، لا سيما في الفضاء الافتراضي، بشأن ضرورة التفاوض مع أمريكا بأي ثمن، يعتمد على تقنية إخافة الشعب في إطار فرض ثنائية زائفة، وهي إما القبول بالاتفاق النووي الذي تريده أمريكا وإما الوقوع في فخ الاتفاق النووي الداخلي وتحويل إيران إلى نسخة سورية”.
وفي وقت سابق من الشهر ذاته وتحديدا يوم 8 يناير/كانون الثاني 2025، حذر المرشد الإيراني علي خامنئي، من المحادثات المباشرة مع الولايات المتحدة، ووصفها بالطاغوت الأكبر، ودعا المسؤولين وصناع القرار في بلاده إلى “ألا يأخذوا طلبات ومواقف أمريكا وإسرائيل بعين الاعتبار، لأنهم أعداء للشعب ولإيران ويتمنون تدميرها”، وعلى هذا الأساس كتبت صحيفة “كيهان” الأصولية المقربة من المرشد الإيراني، أنه يجب تحديد مصير بعض القضايا داخل إيران قبل التفاوض، وأشارت في عدد الأربعاء 29 يناير/كانون الثاني 2025، إلى مطالب الولايات المتحدة بشأن البرنامج النووي الإيراني، وكتبت: “من المؤسف أن بعض الشخصيات السياسية مثل السيد همتي، وظريف، وبزشكيان، وعارف، وعلي عبد العلي زاده، وغيرهم، يدلون بتصريحات غير مدروسة، كما فعلوا خلال فترة الاتفاق النووي، حيث صوروا إيران على أنها ضعيفة، ويصور البعض الحكومة على أنها عاجزة عن حل المشاكل ويبعثون برسالة ضعف للعدو، لقد أضعف الإصلاحيون اقتصاد البلاد بشكل كبير خلال الأشهر القليلة الماضية”.
وهاجمت الصحيفة الأصولية والمقربون من خامنئي، في الأيام الماضية، مرارا، تصريحات مسؤولي الحكومة بشأن المفاوضات مع الولايات المتحدة، حيث وصف حسين شريعتمداري، رئيس تحريرها، من يطالبون بالتفاوض مع أمريكا بأنهم “نائمون أو سكارى أو مجانين”، وأكد شريعتمداري، في افتتاحية الصحيفة، يوم السبت 4 يناير/كانون الثاني 2025، أن من يطرحون هذا الموضوع إما “ساذجون” وإما “عاجزون”، ويخفون عجزهم عن حل المشكلات تحت غطاء التفاوض مع أمريكا، أو “يتآمرون مع العدو بدافع الخداع أو الطمع”.
مخاوف مشروعة
في الوقت نفسه تخشى إيران من عودة الإدارة الأمريكية الجديدة إلى سياسة “الضغوط القصوى” لإجبارها على تعديل سلوكها الإقليمي، خصوصا مع تقدّم برنامجها النووي إلى مستويات تخصيب قريبة من إنتاج الأسلحة كما فعلت بعد عام 2015، حين وقعت بريطانيا وألمانيا والصين وروسيا والولايات المتحدة وفرنسا وإيران على خطة العمل الشاملة المشتركة، التي تضمنت رفع العقوبات عن إيران مقابل تقييدها برنامجها النووي، لكن إدارة دونالد ترامب (في ولايته الأولى)، وتحديدا في مايو/أيار 2018، أعلنت انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي بشكل أحادي، وأعادت فرض العقوبات الاقتصادية على طهران، ومن جانبها، ردت طهران عليها بالتخلي عن بعض القيود المفروضة على نشاطها النووي، المنصوص عليها في الاتفاق.