كتب: محمد بركات
زار وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي، العاصمة الإيرانية طهران، الإثنين 30 ديسمبر/كانون الأول 2024، وتكتسب هذه الزيارة أهمية خاصة، حيث تأتي عقب انتشار تقارير إعلامية حول إرسال إدارة الرئيس الأمريكي الجديد، دونالد ترامب، رسالة إلى طهران عبر عُمان، إحدى أهم قنوات التواصل بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا.
استقبل وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، نظيره العماني بدر البوسعيدي، الاثنين 30 ديسمبر/كانون الأول 2024، وذلك بعد دعوة رسمية وجهها عراقجي إلى نظيره؛ وذلك لتبادل الآراء بخصوص القضايا الدولية والإقليمية.
وبعد انتهاء مراسم الاستقبال، شارك وزيرا الخارجية في جلسة ثنائية تبعها مؤتمر صحفي.
وخلال المؤتمر صرح عراقجي: “جاءت هذه الزيارة في وقت مناسب للغاية، حيث إن العلاقات بين إيران وعمان تتجه نحو التوسع في مختلف المجالات، وقد أجرينا دائما مشاورات مستمرة بشأن القضايا الإقليمية”.
وأضاف: “ناقشنا خلال الجلسة العلاقات الثنائية، ومن المقرر أن تعقد الشهر المقبل اللجنة المشتركة بين البلدين في مسقط. لقد أحرزنا تقدما ملحوظا في التعاون بين الطرفين، حيث زاد حجم التجارة بين البلدين أكثر من ثلاثة أضعاف مقارنة بعام 2020”.
كما أشار وزير الخارجية الإيراني إلى أنه “في ما يتعلق بالقضايا الإقليمية، لدينا وجهات نظر متقاربة مع الأصدقاء العمانيين، فلقد أجرينا مشاورات معمقة حول القضية الفلسطينية وجرائم الكيان الصهيوني، وكذلك ما يجري في المنطقة، وضمن ذلك الاحتلال المستمر لمزيد من الأراضي السورية والهجمات على هذا البلد”.
وتابع: “وفي ما يخص سوريا، فنحن متفقون على ضرورة الحفاظ على وحدة أراضيها، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، واحترام جميع الأطراف والطوائف، مشيرا: “كذلك فنحن ندين الهجمات التي يشنها الكيان الصهيوني والولايات المتحدة على اليمن”.
وردا على سؤال بخصوص الوساطة العمانية، قال عراقجي: “لطالما كانت سلطنة عمان مستعدة للمساعدة في تحسين علاقات إيران مع بعض الدول الأخرى، وقد تم التواصل في هذا الشأن، ودور عمان في المفاوضات النووية معروف، ونحن دائما نشكر الأصدقاء العمانيين على ذلك”.
وأضاف: “من الطبيعي أنه إذا دعت الحاجة، فسيتم العمل على هذا الأمر، ولكن في هذه الزيارة لم يتم تبادل أي رسائل، فنحن نقوم بتبادل الرسائل عند الحاجة عبر السفارة السويسرية، وإذا لزم الأمر يمكن أن يتم ذلك عبر الإخوة العمانيين أيضا، لكن لم يحدث أي تبادل رسائل خلال هذه الزيارة”.
من جانبه صرح وزير الخارجية العماني، خلال المؤتمر: “يشرفني أن أنقل رسالة خطية من السلطان إلى الرئيس الإيراني، هذه الرسالة تأتي في إطار استمرار المشاورات وتأكيد تعزيز العلاقات بين البلدين، إضافة إلى أهمية العمل لتحقيق مصالح الشعبين والمنطقة”.
وتابع: “في اجتماع اليوم، ناقشنا مواضيع مختلفة، واتفقنا على اتخاذ خطوات جديدة لتعزيز العلاقات التجارية وتسهيل حركة النقل”.
وأشار البوسعيدي: “على الصعيد السياسي، تطرقنا إلى التحولات الإقليمية والدولية، خاصةً ما يتعلق بسوريا ولبنان، وكذلك القضية الرئيسية، فلسطين. أشكر السيد الوزير على حسن الاستقبال، وأؤكد مواصلة التعاون بما يخدم مصلحة الشعبين الإيراني والعماني”.
وحول موقف سلطنة عمان من التطورات في سوريا، قال البوسعيدي: “نحن نتبنى سياسة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول كما تفعل إيران، ونؤكد ضرورة الحفاظ على استقلال سوريا ووحدة أراضيها وسيادتها، ونسعى لتحقيق مسار يمكن لسوريا من خلاله أن تستعيد دورها الدولي، ونحن نعمل في إطار مجلس التعاون الخليجي لتحقيق هذه الأهداف المشتركة التي تدعم استقلال سوريا”.
هذا، وقد صرح إسماعيل بقائي، المتحدث باسم الخارجية الإيراني، الإثنين 30 ديسمبر/كانون الأول، بأن وزير الخارجية العماني سيلتقي أيضا بعض المسؤولين السياسيين والاقتصاديين رفيعي المستوى في إيران؛ لإجراء المحادثات وبحث سبل تطوير العلاقات.
وتأتي تلك الزيارة بعد أن نشر موقع “بغداد اليوم”، الأحد 22 ديسمبر/كانون الأول 2024، تقريرا نقل فيه عن مصدر مقرب من الحكومة الإيرانية، قوله إن إيران قد تلقت في الأيام الماضية، رسالة من الإدارة الأمريكية المنتخبة عبر سلطنة عمان.
وذكر هذا المصدر لـ”بغداد اليوم” أن رسالة دونالد ترامب إلى المسؤولين الإيرانيين تضمنت استعداده للتفاوض مع طهران وإمكانية التوصل إلى اتفاق نووي مختلف عن الاتفاق الذي تم توقيعه في عام 2015، والذي انسحب منه ترامب في عام 2018.
لكن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، صرح في 23 ديسمبر/كانون الأول 2024، بأنه لا توجد لديه أية معلومات حول تلك الرسالة، مشيرا إلى أن إيران تبقى على قنواتها الدبلوماسية مفتوحة دائما.
تاريخ الوساطة العمانية بين إيران وأمريكا
لطالما لعبت سلطنة عمان دورا بارزا كوسيط بين إيران والولايات المتحدة، وتميزت عمان بكونها محطة لتقارب وجهات النظر وقناة لتبادل الاتصال والرسائل الدبلوماسية على المستويين الإقليمي والدولي.
وهناك عدة عوامل مكنت عُمان من لعب هذا الدور بخلاف بعض الدول الأخرى في المنطقة مثل السعودية أو الإمارات. كان أهمها أن عمان لا تمتلك تاريخا من التوتر مع إيران.
ففي عهد الحكم البهلوي وفي سبعينيات القرن الماضي، استفادت عمان من الدعم العسكري الإيراني لقمع التمرد في محافظة ظفار.
وحتى بعد انتصار الثورة الإيرانية بقيادة روح الله الخميني العام 1979، فضلت عُمان تجنب الانخراط في التنافس الإقليمي ومحاولات زيادة النفوذ الجيوسياسي، والتي أدت إلى توتر العلاقات بين دول الخليج وإيران.
فقد بدأت الوساطة العمانية بين طهران وواشنطن منذ أزمة الرهائن الأمريكيين في إيران عام 1979، حين احتجز طلاب إيرانيون مؤيدون للثورة 52 دبلوماسيا وموظفا أمريكيا في سفارة الولايات المتحدة بطهران لمدة 444 يوما، وذلك احتجاجا على دعم واشنطن للشاه محمد رضا بهلوي، حيث ساهمت السلطنة بشكل غير مباشر في التواصل بين الطرفين رغم أن الجزائر كانت الوسيط الأساسي في الاتفاق النهائي.
وخلال الحرب العراقية الإيرانية في الفترة من 1980 إلى 1988، اتبعت عمان سياسة الحياد وسعت إلى تقليل التوترات الإقليمية، وضمن ذلك تلك المرتبطة بالحوادث بين إيران والولايات المتحدة في مياه الخليج العربي.
كذلك، فقد تمثلت أبرز محطات الوساطة العمانية خلال المحادثات السرية التي سبقت التوصل إلى الاتفاق النووي الإيراني في عام 2015.
ففي العام 2013، استضافت عمان اجتماعات غير معلنة بين مسؤولين إيرانيين وأمريكيين، مما هيأ الأجواء لبدء مفاوضات شاملة بين إيران والقوى العالمية، وأدى ذلك إلى توقيع خطة العمل الشاملة المشتركة، وقد عزز هذا الإنجاز مكانة السلطنة كوسيط موثوق في القضايا الدولية الحساسة.
وحول ذلك فقد استعرض ويليام بيرنز، الرئيس السابق لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، في كتابه “القناة الخلفية” الذي كتبه بعد تقاعده، دور عُمان في المفاوضات التي أدت إلى الاتفاق النووي الإيراني، مشيرا إلى أن هذه القناة السرية نشأت بعد أن نقل المسؤولون الإيرانيون في عام 2012، رسالة عبر عُمان إلى الولايات المتحدة، اقترحوا فيها عقد اجتماع في مسقط.
أيضا، فمع انسحاب إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي عام 2018، ازدادت التوترات بين إيران والولايات المتحدة، ما استدعى جهودا عمانية جديدة لتهدئة الأوضاع.
وفي ظل تصاعد التصعيد العسكري في المنطقة خلال 2019، وردت تقارير عن زيارات لمسؤولين عمانيين إلى طهران بهدف نقل رسائل متبادلة بين الطرفين ومنع مزيد من التصعيد.
ومع وصول الرئيس الأمريكي جو بايدن، إلى السلطة في عام 2021، عادت الجهود الدبلوماسية لإحياء الاتفاق النووي إلى الواجهة، حيث واصلت عمان لعب دور الوسيط، مستفيدة من علاقاتها المتوازنة مع الجانبين، وسعت لتعزيز الحوار غير المباشر بين إيران والولايات المتحدة عبر تقديم قنوات اتصال آمنة ونقل الرسائل بين الطرفين.