كتبت: شروق السيد
في أعقاب الاحتجاجات العارمة التي شهدتها إيران عام 2022 بعد حادثة وفاة “مهسا أميني”، ازدادت حدة النقاشات حول مشروع قانون “العفة والحجاب” الذي أعدته السلطة القضائية الإيرانية وبات مثار جدل كبير خاصة بعد تعديله ، مع ما تضمنه من مواد صارمة تهدف إلى تعزيز الالتزام بالحجاب في المجتمع. ، ارتفع عدد مواده من 9 إلى 70، مما أثار انتقادات واسعة من النواب الحاليين والسابقين والخبراء القانونيين، ورغم موافقة مجلس الشورى على تطبيقه لمدة تجريبية، يبقى القانون محطّ نقاشات محتدمة حول آثاره الاجتماعية والسياسية.
سبب إعادة النظر في قانون العفة والحجاب
تم إعداد مشروع قانون العفة والحجاب من قبل السلطة القضائية الإيرانية بعد وقف دوريات شرطة الأخلاق، في خضم احتجاجات عام 2022 بعد حادثة “مهسا أميني” والاحتجاجات ضد قانون الحجاب، وتم إرساله إلى مجلس الشورى من قبل الحكومة الثالثة عشرة، وافق مجلس الشورى على هذا المشروع في 13 يونيو/حزيران عام 2023 كحالة طارئة، تمت الموافقة على المبادئ العامة لمشروع القانون في اللجنة القضائية والحقوقية لمجلس الشورى في 18 يونيو/حزيران 2023، وتم نشر نصه في 28 يوليو/تموز 2023، وافق أعضاء مجلس الشورى يوم الأربعاء 20 سبتمبر/أيلول 2023 على تطبيق تجريبي للمشروع لمدة 3 سنوات، ثم أعلن المتحدث باسم مجلس صيانة الدستور في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أن المشروع قد أُعيد مرة أخرى إلى البرلمان في تاريخ 23 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وهذا وفقا لما ذكره الموقع الإیرانی “اقتصاد إیران“.
مشروع قانون العفة والحجاب
– بدأت عملية صياغة مشروع قانون الحجاب والعفة المثير للجدل من السلطة القضائية، وأدت إلى تصاعد التوتر بين السلطات، بدأت هذه العملية بتقديم مشروع قانون مكون من 9 مواد من قبل السلطة القضائية، تضمن استراتيجيات عامة تتعلق بمكافحة عدم الإاتزام بالحجاب.
وقد أوضح المركز الإعلامي للسلطة القضائية نص هذا المشروع قائلا: “كان من المتوقع أن تتم مناقشته والموافقة عليه بسرعة، لكن في النهاية، ومع طول فترة المراجعة في مجلس الشورى، زاد عدد مواد هذا المشروع في البرلمان الحادي عشر بواسطة محمد باقر قاليباف ورفاقه ليصل إلى 70 مادة، وتم إرساله إلى مجلس صيانة الدستور”.
وأثارت التغييرات الكبيرة والنمو بنسبة 500% في حجم مشروع قانون العفة والحجاب ردود فعل قوية من قبل النواب الحاليين، والنواب السابقين، والخبراء القانونيين خارج البرلمان، وصف هؤلاء الأفراد هذه التغييرات بأنها “خطوة خارج إطار القانون”، وانتقدوا أداء لجنة القضاء والحقوق في البرلمان لزيادة مواد هذا المشروع، وذلك حسبما ذكر الموقع الإيراني “أكو إيران“.
النص النهائي لقانون “العفة والحجاب”
تم نشر نص “مشروع قانون دعم الأسرة من خلال تعزيز ثقافة العفاف والحجاب”، على الرغم من أن هذا المشروع لم يتحول بعد إلى قانون، فإنه في حال إقراره النهائي، سيجرم جزءا كبيرا من المجتمع، ويمهد لمرحلة جديدة من التوترات السياسية والاجتماعية.
يتناول هذا المشروع في القسم الخاص بواجبات المؤسسات الحكومية، مجموعة من المطالب المتكررة والتقليدية، مثل ضرورة التثقيف، وتقديم نماذج إيجابية، وتخصيص ميزانية لتعزيز العفاف والحجاب، وتسهيل زواج الشباب، ودعم الأعمال التجارية والمنصات التي تروج للعفاف والحجاب، ورصد وتحليل تدخلات الأجانب والحرب المعرفية للعدو، ومتابعة توسيع نمط الحياة الإسلامية، وضرورة الرقابة من قبل الأجهزة، وغيرها من المواضيع التي عمليا لا تؤدي إلى تغييرات كبيرة في هذا المجال.
عقوبة الترويج للعري، أو الفجور، أو عدم ارتداء الحجاب:
السجن لمدة تتراوح بين أكثر من 5 و10 سنوات، أو غرامة مالية تتراوح بين 180 مليون ريال و360 مليون ريال.
الإساءة إلى مبدأ الحجاب:
المرّة الأولى:
غرامة مالية تتراوح بين 180 مليون ريال و360 مليون ريال.
منع من السفر بناءً على تقدير القاضي (عندما يُذكر بناءً على تقدير القاضي، فهذا يعني أنه ليس إلزاميًا إلا إذا قرر القاضي ذلك).
منع من النشاط العام على وسائل التواصل الاجتماعي لمدة تتراوح بين ستة أشهر وسنتين.
عدم الالتزام بالحجاب من قبل الطلاب أو الطالبات
العقوبة:
يتم النظر في القضية وإصدار حكم من قبل لجنة الانضباط حتى ثلاث مرات، وفي المرة الرابعة يتم إحالة الطالب أو الطالبة إلى الشرطة لاتخاذ الإجراءات القضائية وفرض العقوبة وفقا لهذا القانون.
عدم ارتداء الحجاب:
المرة الأولى:
غرامة مالية تتراوح بين 20 مليون ريال و80 مليون ريال.
المرات الثانية والثالثة والرابعة:
غرامة مالية تتراوح بين 80 مليون ريال و180 مليون ريال.
المرة الخامسة وما بعدها:
غرامة مالية تتراوح بين 180 مليون ريال و360 مليون ريال، وبناءً على تقدير القاضي، قد يتم منع السفر ومنع النشاط العام على وسائل التواصل الاجتماعي لمدة تتراوح بين 6 أشهر وسنتين.
في حال التكرار، تكون الغرامة المالية بين 360 مليون ريال و550 مليون ريال، مع المنع من السفر ومن النشاط العام على وسائل التواصل الاجتماعي لمدة تتراوح بين 6 أشهر وسنتين، وذلك حسبما ذكر الموقع الإيراني “عصر إيران”.
انتقاد مشروع “العفة والحجاب”
– تمت الموافقة على مشروع قانون العفاف والحجاب في 20 سبتمبر/أيلول 2023 من قبل نواب البرلمان للتنفيذ التجريبي لمدة ثلاث سنوات، رغم أن التفاصيل كانت قليلة في البداية، فإن النص الكامل لمشروع القانون نُشر في وسائل الإعلام بعد المصادقة عليه، يتكون القانون من 5 فصول و71 مادة، ويتضمن عقوبات متنوعة، مثل توقيف جوازات السفر وحتى حل الجمعيات الأهلية في حال ارتكاب مخالفات محددة.
من بين الانتقادات التي أُثيرت حول مشروع القانون: “عدم وضوح اللائحة المعتمدة”، و”عدم تعريف بعض التعابير والمصطلحات القابلة للتفسير”، و”الغموض في العلاقة بين بعض أحكام المشروع وقرارات المجلس الأعلى للثورة الثقافية”، و”تفويض التصديق على بعض الأمور التشريعية إلى جهات غير البرلمان”، مما أدى إلى رفض المشروع من قبل مجلس صيانة الدستور وإعادته إلى البرلمان.
وبعد محاولة النواب حل هذه المشكلات، أرسلوا المشروع مرة أخرى إلى مجلس صيانة الدستور في تاريخ 27 نوفمبر/شباط، لكنه لم يحصل على موافقة المجلس مجددا، عاد المشروع إلى البرلمان في أواخر ديسمبر/كانون الأول، حيث حاول بعض النواب إقراره قبل انتخابات البرلمان لكسب رضا جزء من الرأي العام، لكن هذه الجهود لم تنجح، وتم إرسال المشروع للمرة الثالثة إلى مجلس صيانة الدستور، وذلك حسبما ذكر الموقع الإيراني “أكو إيران“.
مسعود بزشکیان: لن نتمكن بالطبع من فرض الحجاب على النساء بالقوة
قال مسعود بزشکیان الرئيس الإيراني الحالي، في تصريحات سابقة: “بالتأكيد لن نتمكن من فرض الحجاب بالقوة على النساء ما لم نقم بإصلاح سلوكنا التربوي، الأمر ليس بهذه البساطة ولا يمكن أن يكون”.
قال مسعود بزشکیان: “من الناحية العقائدية، نحن نعارض أي نوع من الإكراه أو التعامل العنيف مع أي إنسان، فكيف إذا كان ذلك تجاه النساء؟ السيارات التي يتم احتجازها، وما يحدث في الفضاء الإلكتروني، لماذا لم نعترض على ذلك؟ جميع أفراد عائلتي يرتدون الحجاب، لكن السؤال هو: إذا كانت هناك امرأة لا تريد ارتداء هذا الزي، هل يجب أن نتعامل معها؟”.
وأضاف: “هل التعامل مع النساء واحتجازهن هو الحل؟ بعض التصرفات مخجلة، يجب أن نعيد النظر في طريقة تعاملنا مع النساء، إنهن يشاركن الرجال في جميع المجالات ويجب أن نعترف بهذه المكانة ونعطيها لهن، علينا أن نثبت هذا بالأفعال بدلا من التعامل العنيف مع النساء، يجب أن نبحث في الأسباب التي أدت إلى هذا الوضع، بالتأكيد لن نتمكن من فرض الحجاب بالقوة ما لم نقم بإصلاح سلوكنا التربوي، الأمر ليس بهذه البساطة ولا يمكن أن يكون”، وذلك وفقا لتقرير الموقع الإيراني “اقتصاد نیوز“.
موافقة المجلس على مشروع قانون العفة والحجاب
وفي تاريخ 26 سبتمبر/أيلول 2024 أعلن أحمد راستینه المتحدث باسم لجنة شؤون الثقافة في المجلس، عن موافقة مجلس صيانة الدستور على مشروع قانون دعم الأسرة من خلال تعزيز ثقافة العفة والحجاب، المعروف باسم مشروع قانون العفة والحجاب.
وأضاف: “من الطبيعي أن تكون جميع المؤسسات المسؤولة ملزمة بتفعيل القدرات اللازمة لتنفيذ هذا القانون الهام الذي يأتي في إطار دعم الأسرة، وقد تمت الموافقة على هذا القانون مع تأكيد دعم الأسرة، ومحوره الأساسي هو الفتيات اليوم والأمهات والزوجات في المستقبل، مع التركيز على الإجراءات القانونية الفعّالة من التعليم والتربية إلى التعليم العالي وفقا للأحكام الثقافية المؤثرة”.
وتابع قائلا: “إن أولويات هذا المشروع تشمل الإجراءات القانونية التي تنفذها المؤسسات المسؤولة، كما تم تحديد واجبات لجميع المؤسسات في ما يتعلق بدعم وتعزيز ثقافة العفة والحجاب في المجتمع”، وذلك وفقا لوكالة أنباء “إيسنا” الإيرانية.
ماذا قال رواد التواصل الاجتماعي الإيرانية؟
كتب حساب باسم “مش ممد“: “ضعوا التصريحات العامة لجليلي حول الحجاب جانباً واستمعوا إلى فكر جليلي الحقيقي من أقرب شخص له، وهو أمير حسين ثابتي:
محاربة عدم ارتداء الحجاب مثل محاربة المخدرات، يجب أن نكون صارمين ولا نستثني أحدا.”
رئاسة جليلي تعني أربع سنوات من الصراعات في الشوارع، كما حدث في 2022.
كما كتب حساب باسم “khosravi“: “وفقا لقانون مشروع الحجاب، النساء غير المحجبات ليس لديهن الحق في العمل بأي مكان، حسنا، هذا ما لم يكن لدينا منذ عامين، فما الذي تريدون أن تسلبوه منا بعد؟”.
كتب حساب باسم “Mahdi Shabani“: “تمت الموافقة على مشروع قانون الحجاب والعفة من قبل مجلس صيانة الدستور، على ما يبدو لا يهم من يكون الرئيس”.
قال حساب باسم vidar: “تمت الموافقة على مشروع قانون العفة والحجاب من قبل مجلس صيانة الدستور! لكننا لن نتراجع…”.
دعت الأمم المتحدة إيران إلى إلغاء قانون “العفاف والحجاب”
وأدانت رافينا شامداساني، المتحدثة باسم مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، مشروع قانون “العفاف والحجاب”، قائلة إن هذا المشروع الجديد “يزيد بشكل كبير من عقوبات السجن ويقر غرامات مالية باهظة على النساء والفتيات اللاتي لا يلتزمن بقوانين الحجاب”.
وصرحت بأن فولكر تورك، المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، يرى أن هذا المشروع “يتعارض بشكل صارخ مع القوانين الدولية”، و”يجب التخلي عنه”، وذلك حسبما ذكر موقع “يورو نيوز“.
- كما قالت ديانا الطحاوي، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية، تعقيبا على الأخبار التي تفيد بأن البرلمان الإيراني قد أقر مشروع قانون العفة والحجاب:
- “يُعدّ مشروع القانون هذا اعتداءً مهينا على حقوق الإنسان للنساء والفتيات، ومن شأنه أن يرسّخ العنف والتمييز ضدهن في إيران، وإذا تم إقراره من قبل مجلس صيانة الدستور الإيراني، فإنه سيفاقم المراقبة الخانقة أصلا”.
- ويجب على الدول أن تطالب السلطات الإيرانية، بشكل عاجل، بإلغاء مشروع القانون، وإلغاء جميع قوانين ولوائح الحجاب القسري، كما عليها أن تعتمد سبلا قانونية على المستوى الدولي لمحاسبة المسؤولين الإيرانيين”، وذلك حسبما ذكر موقع “منظمة العفو الدولية“.